أضحية العيد فى أمريكا ، وتجويع شعب مصر

رائف الويشي في الإثنين ١٤ - مارس - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

28 نوفمبر 2010 

ذهبت فى يوم الأربعاء من الأسبوع الماضى – ثانى أيام عيد الأضحى المبارك – إلى ولاية إلينوى لشراء أضحية العيد .. كان الطريق يلزم أن أقطع مسافة 90 ميل من مدينة سانت لويس فى ولاية ميزورى حيث أسكن إلى ولاية إلينوى ..

 

اعتدت على هذه الرحلة فى السابق وفى صحبة من الأصدقاء سواء فى أيام المواسم أو فى غيرها ، كنا هذه المرة أربعة وتنتمى أصولنا إلى عدة دول .. الطريق إلى هناك تنتشر في&ariNtilde; فيه حقول الذرة ، إنها إحدى أكثف مناطق زراعة الذرة فى العالم .. بين كل مجموعة من الحقول توجد سلسلة من منازل المزارعين ، أمام أغلب تلك المنازل توجد سيارات بيك أب .. شاهدت فى الطريق العديد من الفلاحين ، صحة عالية ترجمها وجه أحمر تعلوه ابتسامة تدل على بال مطمئن ، وملابس نظيفة أغلبها مكون من بنطلون جينز وقبعة وقميص ..

 

فى البلاد المحترمة والحريصة على مصالح شعوبها يعتبر الفلاح أهم من الجندى ، فالجيوش تحارب مرة كل عدة سنوات وقد لا تحارب ، أما الشعوب – وضمنها الجيوش - فهى لا تتوقف عن تناول الطعام على مدار الساعة .. أمّنت تلك الدول حياة الفلاح وبالغت فى تدليله ، قروض بلا فوائد ، تقاوى من سلالات ممتازة ، مستلزمات سلعية رخيصة وبأقل من سعر التكلفة ، حماية من أى منافسة دولية فى الداخل وفتح أسواق جديدة فى الخارج ، نوادى ، تغطية صحية له ولأسرته  .. الفلاح هو المحارب الأول عن الشعب ، وليس الجندى ..

 

توقفت سيارتنا أمام مزرعة جون الذى خرج إلينا مرحبا ، إنها عبارة عن مبنى صغير يقع على مساحة من الأرض بحدود نصف فدان وسط حقول الذرة الممتدة على طول الأفق .. أشرنا على أربعة من الأغنام ، كان الواحد حيا منهم بحدود 140 باوند (  65 كج تقريبا  ) ..

 حدد جون الأسعار لنا ، إنه 115 دولار لكل واحد من الأغنام الأربعة .. بحسبة بسيطة نستطيع القول أنه وزن الواحد منهم حيا سينخفض إلى النصف بعد ذبحه ، بمعنى أن كيلو اللحم من الأغنام سيكون  بحدود 3 دولار ..

 

كان أحد الزبائن يتابع جون أثناء حديثه معنا فانتظر حتى انصرف ثم قال لنا " إنه يستغل أعياد المسلمين ويرفع الأسعار ، لقد باع لى واحدا فى الشهر الماضى بـ 90 دولار فى حجم هذه الأغنام ، ويمكن أن يدخل أى واحد منكم على النت ويشترى الواحد بحدود 60 دولار " .. لم يكن ما  قاله الزبون ضربا من المبالغة فقد اشتريت هذا الحجم فى العام الماضى من جون بمبلغ 80 دولار ، حينها ألح هو علي أن أشترى بقرة صغيرة السن بمبلغ 300 دولار وكان تزن 600 باوند تقريبا ( 275 كج تقريبا ) ، وهو ما يعنى أن كيلو اللحم المعد للطبخ – أى انخفاض الوزن إلى النصف تقريبا بعد الذبح والتنظيف - من الأغنام فى العام الماضى كان بمبلغ دولارين وربع ، وفى حالة الأبقار كان كيلو اللحم المعد للطبخ بحدود دولارين ..

 

كنت على ثقة أن جون سيعود بالأسعار إلى مستواها الذى اشتريت به قبل العيد ، لكننا لم نجادل معه فقد قطعنا رحلة طويلة للوصول إليه ، أعطيناه 460 دولار وقام أحد الأصدقاء بالذبح بينما تولى جون السلخ والتقطيع ، وانصرفنا .. لم يتوقف ذهنى طوال رحلة العودة إلى سانت لويس عن طرح العديد من الأسئلة :

 

- جون ليس مربيا للمواشى بل بائعا لها ، فكم يبلغ ثمن كل واحد من تلك الأغنام من المصدر ؟

- هل فعلا يصل سعر الواحد حيا فى هذا الحجم إلى 60 دولار ، كما أخبرنا الرجل الذى قابلناه هناك ؟

- إذا كان هذا هو الحال فى أمريكا ، تلك الدولة ذات الأجور المرتفعة ، فكم يبلغ سعر الرأس فى البلاد المتوسطة والتى تمتلك ثروة حيوانية ضخمة ، مثل الأرجنتين والبرازيل  ؟

- فى حالة قيام إحدى الدول – مثل مصر – بشراء 100 ألف رأس من دولة كالأرجنتين مثلا ، فكم يبلغ سعر أحد هذه الأغنام فى حالة هذا الشراء المكثف ؟

- هل يكون ثمن رأس أحدها فى الأرجنتين بحدود 30/  40  دولار ؟

- هل قسم مبارك فعلا مصر بينه وبين عصابته من الأفاقين واللصوص ؟

- هل هناك عصابة لكل سلعة فى مصر تتلقى أوامرها من " شيخ المنصر " الكبير القابع فى قصره المحصن فى العروبة ؟

- حدد خبراء الاجتماع أن تحقيق الذات هى الخطوة الثانية بعد الخطوة الأولى والتى تتمثل فى إشباع المعدة ، فهل قصد مبارك تحقيق تلك الخطة الشيطانية ؟

- هل شغل مبارك الشعب المصرى بتجويعه عمدا حتى لا يتمكن من تحقيق ذاته ؟

- يقول أ.د أحمد النجار – خبير الاقتصاد السياسى – فى صحيفة الدستور الصادرة فى 15 مارس 2006 ما نصه " أن الحد الأدنى الشهرى للأجور فى عام 1953 كان يغطى شراء 50 كج من اللحم شهريا فى مصر " ، فكم يشترى هذا الحد الأدنى الآن من اللحم فى الشهر ؟

- لم تتوقف جرائم مبارك فى حق شعبه عند حد تجويعه فقط ، بل امتدت إلى نشر الأوبئة والأمراض الخبيثة بين أفراد شعبه مما أدى إلى موت ما قدره المختصون بـ 10 مليون مواطن مصرى من جراء السرطان والفشل الكلوى وفيروس الكبد طوال عقود مبارك الثلاثة ، فهل تنطبق على هذا الشيطان البشرى قوانين الإبادة الجماعية ؟

- تفشت فى مصر الجرائم الاجتماعية من جراء تركيز البوليس على النشاط السياسى ، وزادت مباريات كرة القدم والأفلام الخليعة عدة مرات ، وفشلت ربات البيوت فى توفير الطعام والدواء لأفراد الأسرة وبعضهن انتحرن بسبب ذلك ، فهل حقق مبارك هدفه الشيطانى بفتح معركة داخل كل بيت مصرى حتى يترك الشعب له مصر يتصرف فيها كما يشاء ؟

- مات 10 مليون مواطن فى عقود مبارك الثلاثة من جراء إهماله فى مكافحة الأمراض التى كان سببا في انتشارها ، لماذا لا يقدم هذا الشعب 10 آلاف رجل وامرأة من الشهداء يحملون أكفانهم على أيديهم فى مظاهرة لا ينصرفون عنها حتى لو أطلق الرصاص عليهم ؟

- هل يفضل المواطن المصرى الموت جوعا أو مرضا ، ولا يرحب بالموت مدافعا عن حقوقه وحريته ؟

- هل هناك دكتاتور يجرأ أن يطلق الرصاص على آلاف من المتظاهرين من شعبه دون عقاب من جيشه ؟

- ألم تكن طائرة السادات فى أسوان فى قمة جاهزيتها للهروب به إلى دولة عربية مجاورة عندما أطلق الرصاص على الجوعى من أفراد شعبه فى يناير 77 ؟

- يواجه الشعب المصرى الآن كوارث على كل الأصعدة وبأكثر عشرات المرات من تلك التى كانت فى يناير 77 ، فلماذا لا يثور ؟ لماذا يبخل فى دفع ثمن الحرية ، ذلك الثمن الذى دفعته كل الشعوب التى تتمتع بالحرية والكرامة الآن ؟

- أيهما أشرف لنا : نستجدى حقوقنا فنضرب ونسجن ، أم نحاول انتزاعها فنقتل فى سبيل ذلك ونشرف بمرتبة الشهداء أو ننتصر فنحظى باحترام الأجيال القادمة وبرضى الله علينا ؟

 

توقفت السيارة أمام منزلى ولم يتركنى الأصدقاء أرحل دون إطلاق بعض النكات بسبب صمتى طوال رحلة العودة ، وشعرت بالخزى أن أخبرهم بحقيقة ما شغلنى ..

 

رائف الويشى

سانتلويس – ميزورى – أمريكا 

 

اجمالي القراءات 13025