حد الحرابة وسلاطين العرب

نبيل هلال في الثلاثاء ١٥ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

وردت كلمة فساد في أحد عشر موضعا في القرآن الكريم ,وكلها بمعنى الفساد الشامل العام (فساد في الأرض ,...في البر والبحر) ,كما وردت كلمة (مفسد) في إحدى وعشرين آية ,وكلها أيضا تعنى الفساد العام . فالفساد والإفساد هو إيقاع الضرر الفادح الشامل , والمسرفون هم المفسدون في الأرض والسرف هو الظلم . والله يأمرنا بعصيان المفسدين ,هكذا وبوضوح ,فيقول " ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون " الشعراء 151-152 . وحتى إن سلَّمنا برأي الفقيه أن حد الحرابة يؤخذ به قاطع الطريق الذي يسرق المال ويروع الناس , ألا يفعل ذلك غير اللصوص في الطريق ؟ ألا ينهب السلطان وبطانته ومجموعات المصالح الملتفة حوله , ألا يفعلون ذلك؟ ألا ينهبون ويروِّعون ؟ ألا يجوز من باب الإنصاف تطبيق العقوبة ذاتها على نفس الجريمة ؟ وحد الحرابة تعاوره التزييف التاريخي الذي اضطلع به مؤرخو السلطان فدأبوا على تصوير حركات رفض الواقع والخروج على السلطة على أنها انتفاضات حرامية ولصوص وهم من عُرفوا في التاريخ العربي بالشُطَّار والعيارين أو الذعار والدعار. وكان حرص السلطة والملأ دائما هو تصوير حركات المقاومة والرفض على أنها خروج على القانون والشرعية أو أن الخارجين هم أصحاب أجندات خاصة أو هم أتباع لدول أجنبية , وذلك بقصد تجريم فعاليات المقاومة وتبرير سحقها بلا رحمة من أجل إبقاء الأمور على ما هي عليه . وكان لهذه الحركات - التي سجلها المؤرخ على أنها قطْع الطريق- دلالات وبواعث سياسية واقتصادية , إذ رفضت الواقع رفضا تاما وأعلنت الخروج المسلح عليه , فلم يكن بوسع هؤلاء الثائرين غير اتباع وسائل غير شرعية لنيل ما يرون أنه حقهم الشرعي . ولقد سجل تراثنا الشعبي الكثير من هذه الحركات واعتبر زعماءها أبطالا وطنيين "خارج القانون" .ولن تجد في كل صفحات تاريخنا الإسلامي أو أدبنا العربي وصفا لجميع أشكال الخروج على السلطة أو الانتفاضات الشعبية أو ثورات جموع الناس إلا وصفا واحدا هو( قطع الطريق) . فانتفاضات الجياع هي" قطع طريق", والخروج الشعبي بدوافع سياسية أو اجتماعية هو " قطع طريق" . ولن تجد في معظم صفحات تاريخنا " الرسمي "وصفا لهؤلاء الثوار غير وصف "الشطار أو العيارين أو الدعار أو الزعار" , وكلها بمعاني اللص الخسيس الخبيث سئ الخلق الشرس . حتى في تاريخنا المعاصر , أُطلق وصف " انتفاضة حرامية "على الرفض الشعبي لارتفاع أسعار السلع الأساسية , فتحركت جموع الناس بشكل عفوي غير مخطط ليعلنوا رفضهم للظلم . غير أن الأدب الشعبي والمأثور المتوارث جيلا بعد جيل يذكر زعماء هؤلاء " اللصوص والشطار" بوصفهم زعماء وأبطالا شعبيين رفعوا راية العصيان في مواجهة قوى الظلم والقهر. وسواء أكانت حركات الخروج الجماعي على السلطان هي حركات لصوصية حقيقية لقطع الطريق وسلب الناس أم انتفاضات ذات دوافع سياسية أو اجتماعية , فكلها مثيرة لقلق السلطة إذ تفضح ضعف السلطان وتظهر إمكان الخروج عليه , -فهو كراكب الأسد يهابه الناس وهو لما يركب أهيب- كما تبين للناس طريق مناهضة الظلم وأن ذلك يسير متى اجتمع الناس له – وللجميع عبرة في ثورتي تونس ومصر. وذلك لم يكن ليثير قلق السلطان وحده , وإنما كان مصدر رعب للملأ ومجموعات المصالح والموسرين ممن يجسدون الفارق الطبقي الهائل: بين من يعمل وبين من ينهب , بين البسطاء الكادحين في الأرض وبين من يسلبهم عوائد كدِّهم. وهل كان السلطان – أي سلطان – يخشى حفنة من اللصوص"تقطع الطريق"على الناس وتسلبهم أموالهم ؟ لم يكن الأمر على هذا النحو , فمن كان "يقطع الطريق"ليس عصابة أو حفنة لصوص بل كانوا ألوفا من الناس . وحرص المؤرخ السلطاني – الرسمي – على تصوير هذه الحركات الشعبية على أنها انتفاضات حرامية ويتزعمها الدهماء والسفلة من الناس , في حين أن الواقع والحقيقة يذكران الكثيرين من زعماء هذه الانتفاضات بأنهم أصحاب أخلاق رفيعة , فهم لا يسلبون أموال الفقراء , ولا يفتشون النساء , وكانوا يشاركون في الجهاد ضد الغزاة الأجانب , ولا ينهبون غير أموال الموسرين (أبناء الناس بحسب مفردات التراث الشعبي ) , الأمر الذي يدل على رفض التفاوت الطبقي وليس مجرد لصوصية ونهب . "وكان شعارهم هو الثورة على السلطة وأصحاب المال , أي رفض الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة , لذا انحصر نشاطهم ضد حكم العسكر, والجند المرتزقة والتسلط الخارجي وتخاذُل السلاطين والخلفاء وعجْز ولاة الشرطة والأثرياء وكبار التجار والأمراء ومَن والوهم. (يُتبع) 
بتصرف من كتاب :المسكوت عنه في الإسلام بين التقديس والتدليس-لنبيل هلال هلال

 

 

 

 

  Nabilhilal2@yahoo.com

اجمالي القراءات 13634