هل تقف مع جنرالات مبارك أم مع مصر وشعبها ؟
أين شرف العسكرية المصرية ؟

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٥ - فبراير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

أين شرف العسكرية المصرية ؟ هل تقف مع جنرالات مبارك أم مع مصر وشعبها ؟

أولا

1 ـ الآن ، ينقسم التاريخ المصرى ـ وهو أطول تاريخ فى العالم ـ الى مرحلتين : صفحة ماضية ـ بدأت من عصر الملك مينا ، حيث الاستبداد وخنوع الشعب ، ثم صفحة جديدة فتحها الشعب المصرى يوم 25 يناير 2011 .

الشعب المصرى قام بتفجير عبقريته الكامنة عبر شبابه وأناسه البسطاء ، بعد أن قام بتغيير نفسه وتبديل ثقافة العبيد بثقافة الحرية والاستعداد للموت ، ليس للوصول للحكم ولكن لاقامة اللعدل لكل الشعب . هذه الثورة ليس مجرد صفحة جديدة فى التاريخ المصرى المحلى ، وليس فقط  بداية لتحول جذرى فى البلاد العربية ، ولكن أيضا لأنها تمثل نقلة نوعية نبيلة فى الحركات الثورية ، وهذا موضوع يستلزم تحليلا  ، ليس هذا وقته .

2 ـ ثورة اللوتس المصرية بهذه الملامح الفذّة لم تحظ بفهم كامل من الادارة الأمريكية التى لا تزال أسيرة معطيات قديمة ، كما لم يفهما نظام مبارك الذى لا يفهم سوى فى التسلط والاستبداد والفساد والتعذيب والقهر ، ولا يتصور نفسه فى وضع يتحاور فيه مع ( العبيد ) الذين تعود لمدة ثلاثين عاما أن يقهرهم . يكفى أن اسرائيل لم تفعل بالفلسطينيين مثلما ارتكبه حسنى مبارك مع المصريين .

3 ـ أول درس لم يفهمه نظام مبارك هو أن الشعب المصرى ممثلا فى أولئك الشباب قام بتغيير نفسه فأصبح مستعدا للموت فى سبيل حريته وكرامته ورفعة شأن بلده . ولتعوده على سفك دماء المصريين فلم يفهم أن عصر مواجهة المظاهرات السلمية بالعنف قد انتهى ، وأن القرية الكونية  التى ترى كل ما يحدث للشباب الثائر لا يمكن أن تسكت على اى تدخل عسكرى ضدهم ، لذا ثارت جموع العالم الحرّ ، وتواترت احتجاجات ومطالب رسمية تطالب مبارك بالرحيل .

4 ـ وبالتالى فإن ثورة اللوتس المصرية قد انتصرت بمجرد انفجارها ، لأنها تعبير عن نفسية جديدة أخذت تسرى من الشباب الثائر الى جموع الساكتين والمترددين . التغييرفى النفسية يجعل المتظاهرين يستعدون للموت فى مقابل قوة غاشمة خائنة لشعبها لا تجد الجرأة على استعمال قوتها ، وتعرف أنها تحارب معركتها الأخيرة للبقاء .

5 ـ ويراهن معسكر الخونة على عامل الوقت و يستخدم سيطرته فى نشر الشائعات بعد أن فشل بلطجيته ، ويتمنى أن يتعب الشباب وان يثير عليهم الصامتين ، وهو ما يمكن أن يسمى بحرب الارادات ، إرادة الشباب الحر الثائر المصصم على الموت فى سبيل الحرية ، وإرادة الخونة تمسكا بالدفاع عن أنفسهم وحياتهم .

ومن خلال حرب الارادات جرّب الخونة كل الوسائل ، ولكن فشلهم يتضح كل وقت ، فبعض المحيطين بهم ينفضون عنهم ، وتتوالى التنازلات من جانبهم بينما يصمم الشباب الحرّ على مطالبهم ، بل يرفعون سقف مطالبهم من رحيل مبارك الى رحيل كل نظامه ثم الى محاكمة مبارك ثم الى محاكمة كل نظامه،ثم ترتفع أصوات تدعو لاعدامه .

وربما تدفع مطالبات الشباب لمحاكمة مبارك واعدامه الى استماتة الخونة فى الدفاع عن انفسهم ،ولكن تضيق أمامهم الاختيارات، ويبدو مستقبلهم محفوفا بالمخاطر ، إذ يتم تسجيل الاعتداءات و المذابح التى يقوم بها أمن وبلطجية مبارك وجنرالاته ، ويتأهب الحقوقيون لرفع دعاوى ضد مبارك وجنرالاته أمام المحكمة الجنائية الدولية ، بمعنى إنه لو نجوا بالفرار فستتعقبهم محمكة الجنايات الدولية ، ثم إن كل يوم يمر يفتح صفحة جديدة من مخازى مبارك ، ومنها تسريب الصحف العالمية عما نهبه مبارك من عرق المصريين ، يتضح منها أن مبارك ليس سوى لصّ محترف إذ سرق من اموال مصريين ما بين اربعين الى سبعين ألف مليون دولار ، بينما يعيش ما بين اربعين الى سبعين مليون مصرى تحت خط الفقر ، ومن أجل سرقة هذه الثروة فإن مبارك ظل يقهر ويعذّب المصريين ثلاثين عاما . ولا نعلم ماذا ستكشف عنه الايام القادمة والشهور القادمة من سجل مبارك فى الفساد والسرقة و التعذيب و القتل وبيع مصر لاسرائيل وأمريكا .

ثانيا

1 ـ الفساد هنا هو خلفية المشهد المصرى الحالى .

مبارك ـ اختلف عن عبد الناصر والسادات ـ فى أنه تفرّد بالفساد غير المسبوق . عندما مات عبد الناصر كان يملك فى رصيده 86 جنيها ، بل كان يعيش فى بيته بالايجار . ولم يترك السادات كثيرا ، بل إن مبارك فى تشويه سمعة السادات لم يجد شيئا يدينه فقدم أخاه عصمت السادات فى محاكمة يتهمه باختلاس بضعة ملايين من الجنيهات ، ووضح أنها ملفقة .

لم يكتف مبارك بالنهب بل ورّط معه فى الفساد أعوانه خصوصا جنرالاته . وبهذا الطريق أحكم قبضته عليهم . يبدأ هذا بمساعده عمر سليمان الذى يحتفظ بملف لكل ضابط فى الجيش ، وبعد ان يصل أحدهم الى رتبة عميد ( حسبما أتذكر ) يتم تسريحه ، ويتم إعادة تعيين الأكثر ولاءا لمبارك بعقد مؤقت بحيث يتوقف استمراره وترقيته حسب تقرير المخابرات ورئيسها عمر سليمان . وبالتالى يتم تصفية العناصر الوطنية النظيفة ولا يتبقى منها للترقى الى رتبة جنرال ( لواء ) فما فوق إلا من ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا جيشا لمبارك ، ويكافئهم مبارك باغراقهم فى الفساد .

 ويكفى من ملامح هذا الفساد أن ميزانية الجيش وميزانية القصر الرئاسى لا يمكن مناقشتها فى مجلس الشعب . وإذا كان مبارك أكبر لصّ فى العصر الراهن فلنتخيل مقدار ما يستطيع سرقته من ميزانية الجيش فقط ، خصوصا وأن مبارك تلقى معونات أمريكية بلغت حوالى مائة بليون دولار منذ عام 1981 ، معظمها للتسليح ، وبها صار مبارك من أكبر تجار الأسلحة فى العالم ، وطبعا له مساعدون ، منهم رفيقه حسين سالم صاحب الشركات المتنوعة ومنها تلك الشركة الى تخصصت فى بيع الغاز لاسرائيل ،ومعه بليون ونصف البليون دورلار نقدا ، ومنهم احمد عز ، ولكن الأهم هم أولئك الجنرالات الذين لا نعلم حتى الآن شيئا عن سرقاتهم . ولذلك فإن مطلب أن يستمر مبارك فى الحكم الى أن تنتهى مدته هو مطلب أساس لأولئك الجنرالات الخونة . لو كانوا شرفاء لتصرفوا مثلما تصرف رشيد بن عمار قائد الجيش التونسى الذى حمى شرف العسكرية التونسية ، وأنهى الأمر بانذار على زين الهاربين بالقتل او مغادرة البلاد . لو كان رشيد بن عمار مفسدا ومشاركا فى الفساد لابن على لوقف الى جانبه ضد الشعب كما يفعل الآن عمر سليمان وشفيق وعنان .

ثالثا

1 ـ كل ما سبق مقدمات للعنوان :  (أين شرف العسكرية المصرية ؟ هل تقف مع مبارك وجنرالاته أم مع مصر وشعبها؟ )

2 ـ لا شأن لجنرالات مبارك بالشرف العسكرى للجيش المصرى ، فقد وضعوا أنفسهم فى مربع الخيانة ، حيث لا مجال هنا للحلول الوسط ، هل يقف الجيش المصرى مع الشعب المصرى ويعتقل الخونة أم ينضم للخونة و يطلق النار على الشعب المصرى الأعزل الذى ينادى بحقوقه ويستغيث بجيشه ليدافع عنه .

3 ـ البوليس المصرى تم إفساده خلال ثلاثين عاما وجعله أداة لمبارك فى تعذيب وقهر وقتل وإذلال الشعب المصرى. ولذلك تحول البوليس المصرى الى جهاز يتعامل جهارا عيانا مع العصابات والبلطجية ، ووقف ضد الانتفاضة الثورية من البداية . هذا البوليس الخائن هو الشريك الأساس لجنرالات مبارك .

4 ـ بعد هزيمة البوليس المصرى نزل الى المشهد الجيش المصرى،وهو يتلقى أوامره من جنرالات مبارك الخونة، وشهد هذا الجيش اعتداء البلطجية على أشرف شباب أنجبتهم مصر ، وظل معظم  الوقت على الحياد السلبى ، فى معارك بين ضعيف مسالم وجحافل ظالمة معتدية .

المشكلة هنا أن جسد الجيش المصرى بل و الحرس الجمهورى هو مع الشعب ، ولكنه يتلقى الأوامر من الجنرالات الخونة،لذلك يحافظ ظاهريا على الحياد السلبى ، لا يطلق النار على الشعب الثائر ولكن لا يساعده أيضا حين تعتقل الشرطة العسكرية الناشطين ،أو حين يطلق عليهم القناصة النار .

5 ـ على أن بعض المظاهر تنبىء عن تجاذبات بين قادة الجيش على الأرض والجنرالات الخونة . يعرف الجنرالات الخونة أن القادة على الأرض قد يعصون الأوامر باطلاق النار على الشعب ، ويخشى الجنرالات الخونة من رد فعل مضاد لو أصدروا تلك الأوامر للضباط الوطنيين ، ربما ينقلبون على القيادة الخائنة .

ويبدو أن الضباط الوطنيين يقومون بجسّ نبض المتظاهرين ، وهل لا يزالون على تصميمهم على الثورة والفداء . ونفهم هذا من قيام قائد المنطقة المركزية بالتفاهم مع المتظاهرين فرفضوا الخروج من الميدان إلا بعد رحيل مبارك . ثم جرت محاولة الدبابات التحرك نحو ميدان التحرير فنام أمامها مئات الشباب ، وهتفوا بأن الجيش والشعب يد واحدة ، فتوقفت الدبابات .

6 ـ هذا يضع أمام الثوار الشباب اقتراحا بتطوير ثورتهم للوصول بالجيش المصرى الى نقطة الحسم . فلا نتصور أن يطلق الجيش المصرى النار على المتظاهرين ، ولو فعل ذلك ففيها نهايته و العار الذى لا سبيل لمحوه . لذلك أدعو الى قيام مظاهرات أخرى جديدة وإضافية تقوم بحصار قصر العروبة فى مصر الجديدة وقصر القبة فى ميدان القبة فى القاهرة و قصر رأس التين بالاسكندرية ، و مقر الاذاعة والتليفزيون . وأن يرفع أولئك المتظاهرون أكفانهم يكتبون عليها شعاراتهم بالاستغاثة بشرف الجيش المصرى وشرف العسكرية المصرية ، وتنادى باسقاط الجنرالات الخونة و ترفع رقم ثروة مبارك التى نهبها من مصر وتطالب بالكشف عن ثروات الجنرالات الخونة التى نهبوها من مصر . ثم تتطور تلك المظاهرات لاحتلال سلمى لتلك القصور ومقر الاذاعة والتليفزيون .

ختاما

ثورة اللوتس المصرية نجحت ، ولكن تحقيق النصر النهائى سريعا مرتبط  بالشرف العسكرى المصرى والتخلص من الجنرالات الخونة وزعيمهم حسنى مبارك . ويمكن تحقيق ذلك بالمواجهة وليس بمجرد المظاهرة الوحيدة فى ميدان التحرير . مظاهرة التحرير تحتاج الى مظاهرات أخرى تتحدى وتواجه وتستغيث بالشرف العسكرى المصرى أمام قصر العروب و قصرالقبة وقصر رأس التين ..و تحرير وتخليص التليفزيون المصرى من خونة آخرين يستغلونه ضد الشعب المصرى صاحب الثروة و السلطة وصاحب جهاز الاعلام و صاحب الاذاعة والتليفزيون .   

اجمالي القراءات 14619