العوامل المؤثرة في تفكير جون لوك وموافقة ذلك للقرآن .
أساتذة جون لوك وفكرهم الإصلاحي

محمد عبدالرحمن محمد في الأحد ٢٣ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

في المقالات السابقة تحدثنا عن  نشأة  جون لوك في طفولته وصباه ، ثم عن مشواره التعليمي الجامعي ..
ثم عن تأثير فكر جون لوك في الفكر الانساني ..
واليوم أتكلم عن العوامل المؤثرة في تفكير جون لوك كيف تكون هذا العقل المفكر الحر و عقل الفيلسوف .
 كان تطبيق لوك للمنهج الاستقرائي في الفلسفة كان نتيجة لتأثره بالمنهج العلمي وصبغته التي سادت الفكرالانساني في ذلك الوقت بل وما زالت حتى عصرنا الحاضر على أن التفكير العلمي لم يكن هو وحده المؤثر في تفكير جون لوك بل كان الى جان&;به عدة عوامل أخرى مختلفة ومتعددة تتلخص فيما يلي :
(1) أرسطو :
تأثر لوك بفلسة الفيلسوف اليوناني القديم - ما قبل الميلاد - أرسطو ... الذي ذهب الى أنه لا يوجد شئ في النفس أو العقل ما لم يكن من قبل في الحس... ويبدوا ذلك المعنى من قول لوك  في كتابه (النفس)  حيث قال " إننا في غيبة جميع الاحساسات لا نستطيع ان نتعلم أو نفهم أي شئ" .
 فكان تأثر لوك بأرسطو واضحا فيما يتعلق بوظيفة العقل ،
 فمن أقسام النفس عند أرسطو ما سماه - بالعقل المنفعل  وبالعقل  الفعال - بحيث كان الأول هو الخاص بتلقي الانطباعات الحسية  والذي يجب أن يكون الحال فيه كاللوح الذي لم يكتب فيه شئ بالفعل بينما كان الثاني أي العقل الفعال  هو القادر على التفكير والتذكر والتخيل الخ .. إذ أن بدون العقل الفعال لا يمكن أن نعقل.
   فإذا ما رجعنا الى لوك عرفنا أن وظيفة العقل في نظره قسمان .
الوظيفة الأولى سلبية ، وهو تلقي الانطباعات الحسية من الخارج وتتمثل في الصفحة البيضاء التي تشبه الى حد كبير اللوح الذي لم يكتب فيه شئ بالفعل أو هو العقل المنفعل عند أرسطو بينما الوظيفة "الايجابية " للعقل فشبيهة بالعقل الفعال عند أرسطو الذي هو سبب جميع العمليات العقلية كالتفكير والتخيل والتذكر ..الخ والتي بناء عليها نعرف ما نعرفه.
(ب) أبيقور :
تأثر لوك بأبيقور بدرجة كبيرة  فالفكرة التي ذكرها لوك عن تكوين الأفكار ، تكاد تكون موجودة بشكل مبسط أولي عند أبيقور .. الذي يذكر أن الاحساس يؤدي الى تكوين الأفكار في الذهن فإذا ما تكرر هذا الاحساس  احدث في الذهن معنىَ كبيا ثبتناه في لفظ ، وعلى ذلك فالإحساس هو أساس المعرفة او العلم بمعناه الشامل.
(ج) الرواقية :
كذلك تأثر لوك بالفلسفة الرواقية التي تسلم  بيقين المعرفة الحسية وترى أنها تتوافر فيها عناصر القوة والثقة والوضوح لدرجة أنهم يعتبرون أن الأفكار الحقيقية الآتية من المعرفة الحسية هى الدرجة الأولى من المعرفة.

     موافقة هذا  الفكر للقرآن الكريم !
 سورة الروم  آية 78 يقول تعالى {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}
  تأمل معي أخي الكريم هذه الآية القرآنية العزيزة العظيمة .. فالله تعالى يقرر لنا امرا في كتابه العزيز أنه خلق ذرية آدم بطريقة معجزة في حقيقتها ، وأن هذا الخلق هو خلق لجسد بشري ضعيف يزن ثلاثة كيلو جرامات أكثر أو اقل قليلا .. الحواس جميعها مخلوقة . في الانسان الطبيعي  حاسة السمع وحاسة البصر وحاسة اللمس وحاسة التذوق  وحاسة الشم وأخيرا حاسة الكلام.. هى حواس مادية موجود في الجسم الآدمي البشري ,, منذ الميلاد ربما بعضا منها لا يكتمل تماما الا بعد عدة سنين من الولادة  كما هو وارد بعلم التطور والبيولجويا الانسانية ,,
 فالانسان كائن ضعيف وقت الميلاد ..! ( والله خلقكم من ضعف)  

يبدا الآدمي في استخدام حواسه من أول لحظة بعد الميلاد ويصرخ صرخة (الجشطلت) وهى أول صرخة يطلقها بعد الميلاد ..  استجابة للضوضاء والهرج والمرج وقت نزوله من بطن أمه فيحس بالزعر الشديد من كثرة الأصوات التي سمعها فجأة وعلى دون توقع وقت الولادة .. فقد كان آمنا مطمئنا في رحم أمه ..
 فقد استعمل حاسة السمع وتعب من هول ما سمعه في اللحظة الأولى فيصرخ .. وهنا يستعمل حاسة الكلام (الصراخ) وهو نوع من التعبير البدائي عن النفس ..

عندما يشتم رائحة أمه في أول قرب وأول لقاء يتعرف عليها بهذه الحاسة وليس  بحاسة البصر التي لم يكتمل نموها حتى الأيام الأولى بعد  الميلاد .. فهو ينظر لمن حوله ولا يراهم ..!!
 وأول قطرات من ثدي الأم يستعمل حاسة التذوق ..
  وهكذا تتراكم المعارف والخبرات لدى هذا الوليد السعيد عن طريق الحواس  ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم وشهرا بعد شهر وعاما بعد عام ولو فصّلْتُ التطورات والتراكم المعرفي الذي يكتسبه الوليد في ايامه وشهوره الأولى لكان ذلك مما يملئ النفس دهشة وذهولا ,,
 هكذا الأية الكريمة تخبرنا أن الله تعالى خلق كل وليد واخرجه من بطن أمه لا يعلم  شيئاأ  وقت الولادة فهو أضعف المخلوقات ,,! فلماذا يتجبر ويتكبر ويتسيد ويستعبد عندما يكبر .!!!؟؟ هل هو الشيطان أم خصوع له من أخوه الانسان ؟
 وهكذا توصل فلاسفتنا الكبار في مهد الفكر الانساني الفلسفي الغربي منذ المدرسة الأولى في أثينا قبل الميلاد وحتى اليوم ..
 فقد قرر أرسطو وألبيقور والواقيين ومن بعدهم لوك ومعاصريه الفلاسفة أن الانسان  وهو لا يعلم شيئا وهي غيبة جميع الاحساسات لايمكن أن يتعلم شئيا ..
 وتؤكد الآية الكريمة منذ نزولها المبارك الى أن هذه نعم من الله تعالى أن  خلق الآدمي ، وهذا الادمي لا يعلم شيئا لأن حواسه في رحم امه كانت غائبة عنه .. وبالتالي فهو لا يعلم شيئا ,,
ويبدأ مشوار التعلم ( التراكم المعرفي والخبراتي)  عن طريق هذه الحواس أو النعم ..
 ثم تؤكد الآية الكريمة ان الله تعالى خلق وجعل للآدمي الأفئدة جمع   فؤاد وهو القلب أو قالب الانسان أو داخله وهو العقل .. فهل يشكر الإنسان خالقه ..؟
 ولقد صنف أرسطو  وأبيقور ولوك العقل وأنواعه وتطبيق ارتباطه بالحواس.
(د) شيشرون :
كذللك تأثر لوك بالفلسفة اللاتينية وخاصة شيشرون الذي كان تلميذا مخلصا للاتجاهات الحسية عند أبيقور وللتصور المادي للعالم الذي نادت به الفلسفة الرواقية .
(هـ) الفلسفة المدرسية :
تأثر لوك بمدرسة العصور الوسطى (المدرسة الفلسفية)  لأن أول تعليم له في اكسفورد كان تعليما مدرسياَ مما ترك أثرا واضحا في كثير من أفكاره وكتابه وأغلبها مأخوذ عن هذه الفلسفة المدرسية وقد أخذ عنها التخطيط المنطقي للفلسفة جوهرا وأعراضها ماهيتها أجناسها وأنواعها جزئياتها وكلياتها، وكذلك كان تاثر لوك بهذه الفسفة المدرسية في ميتافيزيقاه  وخاصة في فكرته عن الله وصلة الله بالعالم وكذلك فكرته عن الانسان ومراتب وجوده حقيقة أن لوك خرج على الفلسفة المدرسية ولكن ليس معنى هذا أنه لم يتأثر بها ، شانه شأن أي إنسان آخر لابد وأن يتأثربالعوامل الثقافية التي ترسبت في نفيه و ذهنه منذ طفولته لذلك بدأ لوك يبني فلسفته على التراث الفكري الذي تعلمه من قبل  وكان هذا التراث مدرسيا,
وأهم الأفكار التي تأثر بها لوك من هذه المدرسة فكرة (الجوهر) بمعنى أنه ذلك الوجود بذاته أو الواجب الوجود باعتباره حاملا لكل الخصائص والصفات والأعراض وكذلك فكرة الماهية أو الوجود الحقيقي للشئ بمعنى أن الماهية هى ذلك التركيب الداخلي الحقيقي للأشياء التي تعتمد عليه كل الصفات الحسية في وجودها.
(و) ديكارت : لا ينكر لوك تأثره بديكارت ويعترف بذلك في رسائله الى  ستيللتنجفلت فيقول ( إن الفضل في تحرره من الطريقة القديمة التي كانت تتبعها الفلسفة  المدرسية في معالجة مشكلات المدرسية والتي كانت سائدة في عصره  إنما كان يرجع الى كتابات ديكارت ومؤلفاته ، وقد تأثر به في عدة نواحي نذكر منها علي سبيل المثال  
1- في طريقة البحث ومدى ملائمة العقل الانساني وقدرته على مناقشة أسرار الطبيعة
2- في المعرفة الحدسية وهى واضحة يقينية بالنسيبة لكل من لوك وديكارت. .. الا ان لوك قد عارض ديكارت في كثير من أفكاره الرئيسية وخاصة في نقده للمعرفة الفطرية التي كان يتباناها ديكارت.
(ز) أفلاطونيو كمبردج :
  هم عدد من الفلاسفة اسسوا مدرسة دينية ازدهرت في كمبردج في منتصف القرن السابع عشر ، وأهم ممثليها بنيامين وتشكوت وجون سميث وهنري مور ورالف كودروث وقد اهتموا بنقد فلسفة هوبز المادية وكانوا بصفة عامة عقليين في نظراتهم الفلسفية وخاصة في محاولاتهم التوفيق بين  الاتجاه الأفلاطوني العقلي وبين الفلسة الدينية المسيحية.
تأثر بكمبرلند وذهب معه الى أن
1-  الأفكارأو المفهومات البسية هى المادة الأولى  التي تتكون منها المعرفة
 2- وتأثر بهنري مور في التفرقة بين الجسم والمكان،
 3- تأثر بأفلاطونيو كمبردج في تصورهم للجوهر الروحي وخاصة فكرتنا عن الله
4- وتاثر بهم ايضا في قولهم بحاجة الانسان الى التصورات الدينية لكي تساعدعم على فهم وتفسير الظواهر الطبيعية ... وإلى ضرورة الوحي لإستكمال المعرفة . وذلك لأن العقل لا يمكن الركون إليه إلا فيما يتعلق بما هو داخل في حدود مجاله وإمكانياته وأنه لا يوجد مجال  للنزاع بين العقل والإلهام  لأن كلا منهما يكمل الآخر...
5- تأثر بهم كذلك لوك في فضيلة (التسامح) .
 وقد اختلف  لوك عن أفلاطونيو كمبردج في الاتي : رفض الأفكار الفطرية وكانوا يؤمنون بها يقولون بوجود عالم خارجي قوامه معقولات بينما كان لوك يتحدث عن الكليات أو الأفكار العامة وأنها لا وجود لها  في عالم عقلي حقيقي بل هى من صنع عقولنا .
 (ح) جسندي:
 تاثر لوك بالفيلسوف الفرنسي جسندي الذي كان ناقدا لديكارت والديكارتية ومن أشد المعارضين للفلسفة المدرسية التي كانت تدرس في الجامعات في ذلك الوقت. وذهب معه جسندي الى القول " إن كل فكرة توجد في العقل إنما يكون أساسها راجع الى الحواس ، من وُلد أعمى لاتتكون في ذهنه أدنى فكرة عن اللون وكذلك من ولد أصم ومن ولد فاقد جميع الحواس  لن يتمكن من تكوين اية فكرة عن على الاطلاق أو أن يتخيل اي شئ.!
 وهذا نجده موافقا لقوله تعالى في سورة الروم  آية 78  {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون.}
   

 

اجمالي القراءات 19242