البرادعي بين الواعظ ويزيد بن معاوية

نبيل هلال في الثلاثاء ١٨ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

 

    

 

خان التوفيق صاحب الفتوى بإهدار دم الدكتور البرادعي لما استشهد بالخليفة يزيد بن معاوية ,   وجانبه الصواب بصورة فاضحة ,فيزيد هذا هو الخليفة يزيد بن معاوية ( رضي الله عنه !) صاحب مجزرة الحرَّة[1] التي سيَّر فيها جيشه "لفتح" المدينة المنورة ! لإرغام أهلها على مبايعته .وجاء فى تـاريخ ابن كثير رأى "الفقهـاء" فى تجريم  يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، فقالوا: "إنه كان إماما فاسقا -أى يزيـد- والإمام إذا فسق لا يعزل بمجرد فسقه _ انتهى كلام الفقهاء, وقد نسى هؤلاء "العلماء" أن يزيـد هذا كان قد أرسل 25 ألف مقاتل إلى المدينـة المنورة، فقتلوا فى ما عرف بيوم الحرة حوالى أحد عشر ألف نفس منهـا 700 قتيـل من المهاجرين والأنصـار، واغتصبوا 1000 فتـاة، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام،  . ويذكر التـاريخ أن القائد الذى أوفده يزيد بن معاوية لغـزو المدينـة المنـورة، راح يدعو فى خشـوع حينما حضرته الوفاة، قائلا: اللهم إنى لم اعمل عملا قط – بعد شـهادة أن لا اله إلا اللـه وان محمـدا رسول اللـه – أحب إلى من قتـل أهل المدينـة، ولا أرجى عنـدى فى الآخرة!!!    .وفي كربلاء وبأوامر من الخليفة يزيد بن معاوية(رضي الله عنه) قُطعت رأس حفيد النبي , الحسين بن علي بن أبي طالب ولفيف من أصحابه وأفراد من البيت النبوي في مجزرة يندى لها الجبين  . وكأنما أبَى الخليفة يزيد إلا أن يستكمل أسباب قذفه إلى قعر الجحيم ,فأمر بضرب الكعبةبالمجانيق حتى اشتعلت فيهاالنيران. ذلك هو يزيد بن معاوية الذي يعتبره صاحب الفتوى أسوة يُتأسى بها في قتل خلق الله , وإذا زكت أصول الشجر زكت فروعه , ولا يعذب مذاق الماء إلا إذا طاب ينبوعه .. أما عن الحراك السياسي والتنافس على السلطة أيام عز المسلمين بُعيد وفاة الحبيب المصطفى , فاسمع : بعـد وفـاة النبى صلى اللـه عليـه وسـلم، تداول المسلمون الأمر بينهم فى سـقيفة بنى سـاعدة، ورشـح أبو بكر الصديق عمرَ بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح (رضى اللـه عنهم)  وانتهى الأمر بمبايعة أبى بكر الصديق، وكان الأنصار قد رشحوا سعد بن عبادة، ولما آل الأمر إلى أبى بكر الصديق نزلوا على رأى الجماعة، ولم يتعرض سـعد بن عبـادة، المطالب بالسلطة  – أو المرشح المنافس بلغة العصر – لم يتعـرض للتنكيـل أو الترهيب، ولم ينتقص له حق من الحقـوق ، ولم يفْت مفت بإهدار دمه , إذ  لم تكن بعـد المشاركة  فى  المطالبة  بالسلطة وتداولها الشرعى منكرا من المنكرات. كان ذلك ما دار فى سـقيفة بنى ساعدة، مشاورات ومداولات على أفضـل ما يحدث فى ظل الحكـومات الديموقراطية الحديثة، ورأى أغلبيـة ومعارضة، دونما إكراه من أحد لأحد .  وحاول المعتزلة إعادة الدين إلى مواقعه الحقيقية , فقالوا بأن المناهضة السياسية واجب ديني , وأعادوا النظر إلى الحقائق الدينية وتفعيلها حتى تتحول إلى دوافع إلى تغيير الواقع إلى الأفضل , فرفضوا - أي المعتزلة - حكم المتغلب ويأخذ بمثل قولهم الزيدية والخوارج . لكن ابن حنبل لا يشترط العدالة في الإمامة , ويجرِّم الخروج على الأئمة  . وتعقيبا عل قول صاحب الفتوى إن انتقاد النظام لا يكون إلا في شكل شرعي لايسقط هيبته أمام الرعية  ,سنذكر له من تاريخ عمر بن الخطاب وحده مثلين على كيف كان المسلمون الأوائل يمارسون حقهم في الانتقاد :  قالت امرأة لعمـر بن الخطاب وهـو فى الطريق، "رويدك ياعمر حتى أكلمك كلمات قليلة، فقال لها: قولى، قالت: ياعمر، عهـدى بك وأنت تسمى عميْرا فى سوق عكاظ تصارع الصبيان فلم تذهب الأيام حتى سميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمنين ، فاتق لـه فى الرعية، فبكى عمـر.ولم يأمر بضرب عنقها , ولم يفت أحد بإهدار دمها .أما ما نسمعه الان من كلام عن قتل المعارضين ,فذلك ردة حضارية وسوأة يجب الاعتذار عنها .والمثل الثاني كان طلب إحاطة  قدمه مواطن عادي من عامة الناس يسأل فيه الخليفة عمر بن الخطاب مسألة "عظيمة" : لم يسأله عن مليارات الجنيهات المسروقة من بيت المال , أو عن مليارات الدولارات المنهوبة من أموال النفط,  , وإنما كانت المساءلة عن سبب استئثار الخليفة بثوب أطول من باقي الأثواب الموزعة من بيت المال على عامة المسلمين ومنهم الخليفة نفسه !! واستدعى الخليفةُ " المتهمُ " ابنَه الذي بيَّن على رؤوس الأشهاد أنه قد تبرع بثوبه إلى أبيه , ووصَل الثوبين معا فلبسه عمر الذي لم يغضب على من قدم طلب الإحاطة ولم يعتبره مشككا في ذمته المالية , ولم يطلب محاكمته كما يحدث الآن بتهمة سب الذات الملكية .ذلك هو العدل ونظافة اليد وإما فلا .والسؤال الآن :هل يجوز لغير القضاء إصدار الأحكام ؟ وهل يمكن لزيد أو  عمرو أو سواهما من غير أهل الاختصاص استعارة سلطة القاضي ؟والقاضى نفسه لا يصدر أحكاما على نيات الناس ,ولا تكون المحاكمة دون محام يدافع عن المتهم .أما أن يمنح أحدهم نفسه سلطة القاضي ويصدر حكما لا على فعل وإنما على نية ,وفي غياب محام ,والحكم ليس على مخالفة مرور أوسرقة رغيف ,وإنما بإزهاق روح , فذلك هو عين الضلال المبين ,وهي عودة لإرهاب محاكم التفتيش .

وإنني لأرى أن الأخطر فيما قاله مهدر دم الدكتور البرادعي , هو قوله حرفيا (أنا قلت ما جاء في الدين والشرع وليس رأي شخصي أو اجتهاد مني ) , أي أن بوسع أي شخص تنصيب نفسه المتحدث الرسمي باسم الله والمدافع الأوحد عن دينه ,تلك كانت الحال لما أفتى بعضهم بقتل الشيخ الذهبي وفرج فودة ونجيب محفوظ .   وصدق الله تعالى إذ يقول : مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا  ). 

إن من شأن ذلك الترهيب الذي يمارسه البعض على الممارسات المعارضة ,خلْق حالة من السلبيةالشديدة لدى الناس ,وهي سلبية لازمتنا طوال تاريخنا , وخير ما يعبر عنها قول بدوي لابنه , إذ قال:" يا بني لا تكن رأسا ولا تكن ذنَبا , فإن كنت رأسا فتهيأ للنطاح , وإن كنت ذَنَبا فتهيأ للنكاح " . ولا حول ولا قوة إلا بالله . 

وكرر صاحب الفتوى الطلب ممن يخالفه أن يأتيه بالحجة والبرهان ,وإن لم ير فيما أسلفنا الدليل والبرهان ,فذلك يعزز لدي قول الله تعالى (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) صدق الله العظيم وله الأمر من قبل ومن بعد .

نبيل هلال هلال         nabilhilal2@yahoo.com

 

 

 

 

-



  

اجمالي القراءات 10917