صكوك الغفران وصكوك التكفير والاستبداد ..

عمرو اسماعيل في الخميس ٢٨ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

لطالما سألت نفسي هذا السؤال .. ما هو الأسوأ .. الاستبداد السياسي للحاكم .. أم استبداد المجتمع الذي يتدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياة الانسان .. كيف يفكر وكيف يعبر عن فكره .. كيف يلبس ويأكل .. حتي وصل الحال الي كيفية دخوله الحمام .. بل وأحيانا يدخل معه الي غرفة نومه بل ويتدخل في العلاقة بينه وبين زوجته .. وقد يفرض عليه هذه الزوجة أو هذا الزوج كما هو الحال غالبا ..
طرأ هذا السؤال علي عقلي القاصر بعد اكتشافي أننا مجتمعات تعشق الاستبداد .. بل وتبحث عنه بنفسها ..
ففي فترة الشباب الأولي أو النصف الأول من عمري .. كانت مصر تعاني من الاستبداد السياسي ولكنها كانت تتمتع بمساحة معقولة من الحرية الاجتماعية والثقافية .. ولكنني اكتشفت أن المجتمع بدلا من أن يأخذ الطريق المنطقي في رأيي آنذاك ويحاول استكمال حريته عبر التخلص من الاستبداد السياسي .. قرر أن يتخلص من حريته الاجتماعية والثقافية ويستبدلها باستبداد هو أسوأ من الاستبداد السياسي ..
وبدأت تنتشر في الجامعات .. تلك المفروض أن يتخرج منها أحرار ومثقفين .. جماعات تتدخل في كل شيء .. في العلاقة بين الإنسان والله والعلاقة بين الطالب والطالبة .. وبدأ يتواري الجدل الحر وقيم الاختلاف .. لتحل محله ثقافة الطاعة والانصياع اتقاءا للعنف المعنوي وأحيانا الجسدي التي كانت تمارسه مثل تلك الجماعات ..
هناك في جامعات مصر بعد حرب 73 بدأت المأساة وزاد الأمر سوءا في النصف الثاني من السبعينات .. بدأ التحالف بين الاستبداد السياسي والاستبداد الاجتماعي والثقافي .. ليصل الحال في مصر في الربع الأخير من القرن الماضي وحتي الآن الي ماوصلت اليه .. انحدار ثقافي وحضاري .. جعل مصر تتنازل عن دورها الريادي في المنطقة .. دور الدولة النموذج ..
لقد نجح تحالف الاستبداد .. لأنه عرف كيف يبدأ بين شباب مثقفي مصر وأملها في التغيير .. في الجامعات ..
كانت مصر في النصف الأول من القرن العشرين نموذجا للتنوير والتعددية الثقافية والسياسية ..
ومنها انطلقت الشرارة الأولي في منطقتنا نحو التحول من العصور الوسطي الي القرن العشرين .. في جميع المجالات .. ثقافية وحضارية ..
وفي النصف الثاني من القرن العشرين كانت أيضا مصر الدولة النموذج التي انطلقت منها شرارة التحرير والاستقلال ..
ولكن انتصار فكرة الاستبداد السياسي علي أنه اسرع وسيلة للتغيير .. كان هو أسرع وسيلة لوقوع مصر في براثن الاستبداد الاجتماعي والثقافي .. الذي انتشر للأسف من مصر أيضا .. ليخيم علي المنطقة ..
إن الاستبداد الاجتماعي لهو أشد قسوة وتخريبا لأي مجتمع .. ولكنه الابن الشرعي للاستبداد السياسي ..
ولن ترجع مصر الي سابق عهدها الا بالتخلص من جميع أنواع الاستبداد السياسي منه والاجتماعي والثقافي والدين ..
ترجع لقيم الحرية والتعددية والتسامح والدولة المدنية ..
وقد بدأت إرهاصات هذه العودة .. ولن يستطيع أنصار الاستبداد الوقوف في وجه عجلة التغيير .. فمصر في الثلاثين عاما الخيرة عانت الكثير من محاكم التفتيش التي تشبه في الحقيقة ولو بصورة أقل محاكم التفتيش في أوروبا في العصور الوسطي .. تلك المحاكم التي قادت الي عصر التنوير هناك .. ونفس المحالكم هنا أدت الي نفس النتيجة ..
تمرد الانسان علي الوصاية .. السياسية منها والثقافية والدينية .. تمرد الإنسان في الغرب علي صكوك الغفران وسيتمرد في الشرق علي صكوك التكفير .. فهما وجهان لعملة واحدة .. عملة الاستبداد باسم الدين ..
لن نحتاج هنا الي مقولة فو

اجمالي القراءات 11215