حياة لوك العلمية والعملية
جـــون لــــوك 2

محمد عبدالرحمن محمد في الثلاثاء ١١ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

جون لــــــوك 2 •

في الجزء الأول من المقال تحدثنا عن حياة جون لوك الدراسية ، أما عن حياة جون لوك العلمية فإنني أخصص لها هذا الجزء الثاني من المقال :

كانت حياة جون لوك العلمية خصبة فيها كثير من النشاط والتغيير، حياة ديناميكية فعالة ، لم يكتف فيها بتعلم الفلسفة ولا بدراسة الطب ومزاولته من حين لآخر . بل كانت له في الميادين السياية والاقتصادية والتربوية جهود واضحة تبلورت في شكل مؤلفات قيمة تشرح رأيه وتعبر عن وجهة نظره الاصلاحية فيما يتعلق بتلك المشكلات السياسية والاقتصادية والتربوية. • ويرجع سبب إهتمام لوك بالسياسة والتنظيم الاجتماعي إلى ظروف حياته وبيئته التي نشاأ فيها .

• اشتغل بالسياسة عمليا حين أُرسل سكرتيرا لبعثة دبلوماسية برئاسة سير والترفين عام 1665م إلى حاكم براندنبرج يعرضون عليه التحالف معهم أو الوقوف على الحياد في حرب هولندا، فابتدأ وعيه يتفتح على أفكار جديدة لم تكن له بها خبرة من قبل.

• إلا أن التأثير المباشر الذي أثر في لوك وجعله يشعر بالحاجة الى تكوين أفكار واضحة واتجاهات محددة ومفهومات أساسية لتنظيم اجتماعي وسياسي جديد يقوم على الحرية ـ كان يرجع الى صحبته وعمله مع اللورد آشيلي ـ الذي عرف بعد ذلك باللورد شافتسبري ـ • اللورد شافتسبري كانت له مساهمات كبيرة في ميادين السياسة والأخلاق ـ •

كان اللورد شافتسبري من أكثر الأشخاص تأثيرا في الحياة السياسية في إنجلترا أثناء حكم الملك شارل الثاني ، وذلك لكراهية هذا اللورد العميقة للإستبداد بكل أنواعه سياسيا أم دينيا وقد انتقلت هذه الكراهية للإستبداد بكل أنواعه من اللورد الى صديقه لوك .. الذي أصبح بمثابة المدافع عن الحريات في المجتمع الإنجليزي .

• إلا أن الدفاع عن الحريات لم يكن أمرا هيناً في ذلك العصر .! إذ لم تكن مناصرة الحرية إذ ذاك إلا بمعنى الاباحية في السياسة والدين ..! • وكان حتما على أنصار الحرية أن يلاقوا أحد إثنين كلاهما مر فإما النفي أو التشريد وإما القتل .! • ولكن لوك استطاع أن يظل في إنجلترا زمنا طويلا رغم مبادئه الحرة بفضل حماية ومساعدة صديقه اللوره آشيلي .

• سافر فرنسا عام 1675م. مدة أربع سنوات قابل كثيرا من الأصدقاء والفلاسفة مثل مالبرانش وبيرنيه أحد تلامذة الفيلسوف الفرنسي جسندي وتوماس هربرت الذي اصبح قيما بعد يعرف (إيرل أورف بمبروك) والذي أهدى لوك إليه كتابه ( مقالة في العقل البشري).

• ثم رجع لوك الى إنجلترا وظل يمارس نشاطه الفكري والسياسي بمصاحبة صديقه لورد شافتسبري الذي قٌبِضَ عليه بتهمة الخيانة العظمى ففر هاربا الى هولندا حيث مات هناك.

• في تلك الأثناء أحس لوك بأن موقفه في إنجلترا أصبح مهددا لأن الذي كان يعتمد على مساعدته وحمايته إتُهِمَ بالخيانة ومات ، وآثر أن يتبع لوك نفس الطريق الذي سار فيه صديقه من قبل وهرب الى هولندا عام 1683م. التي كان يسودها في ذلك الوقت نوع من التسامح والحرية بالنسبة لبقية أوروبا.

• إلا أن هذا الهرب لم يحقق له الهدوء والاستقرار الذي كان ينشده بعد أن وضعت الحكومة الانجليزية إسمه في القائمة السوداء . وطلبت تسليمه أو طرده من هولندا فاضطر إلى التستر والتخفي تحت اسم مستعار هو (دكتور فان درلندن) dr . van der linden.

• لم يستمر هذا التخفي طويلا لأن أصدقاءه في انجلترا بذلوا أقصى جهدهم لمساعدته وطلبوا عفو الملك جيمس الثاني عنه فوافق فعلاً ـ إلاأن لوك رفض هذا العفو، وأرسل إلى صديقه إيرل أوف بمبروك مبينا له أسباب الرفض قائلا : إن العفو لا يصدر الا عن جريمة بينما هو لم يرتكب جريمة ــ لأن الدفاع عن الحرية لا يعتبر كذلك. • وفضل البقاء في هولندا حتى يتمكن كذلك من مواصلة كتاباته التي لم يكن قد ظهر منها شئ له أهمية كبيرة حتى ذلك الوقت 1686م. الذي كان قد بلغ فيه الرابعة والخمسين من العمر.

• في تلك الأثناء ظهرت بوادر الثورة ضد الملك جيمس الثاني آخر ملوك أسرة ستيوارت الاستبدادية الذي كان مكروها من الشعب لإعلانه مذهبه الكاثوليكي صراحة ولتمسكه بنظرية حق الملوك المقدس في الحكم.

• بدأ لوك نشاطه وانتقل الى روتردام حيث كان يقيم وليم أورانج الذي أبحرعام 1688م الى انجلترا واعتلى هو وزوجته العرش الذي تركه جيمس الثاني وهرب الى فرنسا ، ونجحت الثورة الانجليزية وتحقق حلم جون لوك بزوال الطغيان واصبح الطريق أمامه ممهداً للعودة الى الوطن . فرجع اليه وهو آسف لفراقه هولندا وأصدقائه فيها. • وبفوز الأحرار في انجلترا بالنصر والغلبة لإعتلاء أورانج الحكم الذي عرف بعد ذلك باسم (وليم الثالث) أصبح لجون لوك مركزا مرموقا في إنجلترابإعتباره فيلسوف الثورة والأب الروحي لها والمبشر بمبادئها ، وقد عرض عليه الملك وليم أن يكون سفيراً لإنجلترا لدى حاكم براندبرج أو في بلاط فيينا ، ولكنه اعتذر عن عدم قبوله أحد المنصبين لسوء حالته الصحية. وآثر قبول منصب آخر هو مستشار التجارة والمستعمرات في انجلترا عام 1691م حين اعتزل الخدمة وآوى الى منزل أصدقائه أسرة ماشام .

• ثم عاد فقبل مرة أخرى عام 1696م نفس المنصب السابق لمدة أربع سنين اضطر بعدها حين ساءت حالته الصحية الى الاعتكاف في الريف الهادئ في صحبة آل ماشام حتى توفيّ في 28 أكتوبر عام 1704م.

• كانت هذه حياة لوك الفيلسوف السياسي الثائر أما عن لوك الانسان فكان شخصاً مخلصا لمبادئه متمسكا بها مدافعا عنها عاملا على تنفيذها في شئ من التصميم الواعي وفي شئ من الحزم والتعقل متحليا بقيم خُلُقّية ومفهومات إنسانية واسعة على درجة كبيرة من الذكاء الذي ساعده على تفهم مجتمعه وألوان الاستبداد والضغوط الموجودة فيه وعلى معرفة الاتجاهات التطورية الجديدة في المجتمع ، وبلورة هذه الاتجاهات في مؤلفاته المتعددة ، وعلى وضع مقترحات سريعة فعالة لمعالجة تلك الأوضاع ، ومحاولة تغييرها بشئ من السهولة والمرونة.

• وكان لوك شغوفا بالقراءة لدرجة أن البعض يميل إلى الاعتقاد بأنه كان من أكثر رجال عصره ثقافة وعلماً إلا انه كان مع ذلك متواضعا لا يحب الظهور ، كما كانت للوك شخصية قوية صهرتها خبراته وتجاربه المتعددة بحيث أثرت فيمن حوله من الأفراد والأصدقاء حتى لقد شهد له معاصريه بالإخلاص للحق والتفاني في سبيل الحرية ، كما عرف بالاعتدال والحكمة..

• وليس أدل على حبه للحق وإخلاصه له من رسائله التي كان يرسلها الى أصدقائه فذكر مثلا في خطاب الى مولينو أن ما جعل من كتاباته ومؤلفاته شيئا ذا قيمة هو أنه لم يكتب لأي غرض سوى ( الحق) . • وكان يغلب عليه الحرص والتسامح والصبروالهدوء ، يعتقد الى حد كبير الى درجة الإيمان بالعقل الانساني ويكره كراهية متأصلة كل استبداد في أي صورة من صوره متشيعاً مناصراً للحرية في كل ميادينها وبكل أشكالها

اجمالي القراءات 20171