إنتفاضة الحرامية على الطريقة الجزائرية

حمدى البصير في الإثنين ١٠ - يناير - ٢٠١١ ١٢:٠٠ صباحاً

إنتفاضة " الحرامية " على الطريقة الجزائرية

 

بقلم حمدى البصير

 

أحداث العنف التى تشهدها الجزائر حاليا ، ومنذ الاسبوع الأول من يناير الحالى بسبب إرتفاع اسعار بعض السلع الأساسية ، تشبه تماما ماحدث من إنتفاضة فى مصر بسبب رفع أسعار بعض السلع منذ 34 عاما ، وكانت فى شهر يناير أيضا ، بل وقامت الحكومة بإلغاء قراراتها المسببة للمظاهرات ، وابقت على أسعار بعض السلع الضرورية بعد أن طالب المحت&Ite;محتجون بعدم رفع أسعار تلك السلع ، وهذا ما فعلته الحكومة الجزائرية بالضبط الان ، وألغت الزيادة التى قررتها للسلع الاساسية ، بعد زيادة أعمال العنف ، وسقوط قتلى ومصابين بالعشرات فى العديد من مدن الجزائر.

إنتفاضة الجزائر الحالية تشبه تماما فى دوافعها وتوقيتها وتعامل السلطات معها ، اكبرانتفاضة شعبية عرفتها مصر.وهى.الانتفاضة التي أسماها الرئيس الراحل أنور السادات ، وأجهزة الإهلام القومية وقتئذ »انتفاضة الحرامية« وأسمتها القوي الوطنية »انتفاضة الخبز«والتى بدأت يوم 18 يناير عام 1977 اهتزت مصر كما لم تهتز وإستمرت حتى مساء 19 يناير1977.أى استمرت 48 ساعة فقط.

فقد كان عام 1977 عاما صادما في حياة المصريين.. لقد وضعت الحرب أوزارها وعلت لغة السلام وهلل الإعلام لدولة »العلم والإيمان« واستبشر الناس بحلم »الرخاء«. كان الجميع ينتظرون موسم هبوط الثروات بعد عقود من الانكماش وأزمات المعيشة بسبب حرب السنوات الست مع إسرائيل، لكن علي غير المتوقع قرأ الناس في صحف الصباح يوم 17 يناير 1977 قرارات المجموعة الاقتصادية الصادمة والتي تضمنت إلغاء الدعم الحكومي ورفع أسعار 25 سلعة دفعة واحدة من بينها الدقيق والأرز والشاي واللحوم، وزيادة أسعار السجائر والبنزين والسكر.

في ذلك الوقت كانت المجموعة الاقتصادية تضم عناصر منفتحة وأكثر اتساقا مع تغيرات العالم، بينما بقيت مصر شبه منعزلة سنوات طويلة، كان هناك الدكتور عبدالمنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشئون المالية والاقتصادية والدكتور زكي مراد وزير الاقتصاد والدكتور حامد السايح وزير الاستثمار وجاءت قرارات يناير استجابة لمذكرة قدمها بول ديكي ممثل البنك الدولي أوصي فيها بتخفيض سعر صرف الجنيه، وتخفيض الدعم عن بعض السلع الضرورية وهو ما مثل صدمة كبيرة للمواطنين الذين كانوا في انتظار عهد الرخاء.

في اليوم التالي اشتعل بركان الغضب.. العمال والطلبة والموظفون والعامة حتي السيدات، اندلعت المظاهرات وردد الناس هتافات الغضب ضد ممدوح سالم وزير الداخلبة وضد سيد مرعي عضو مجلس الشعب وضد محمود أبووافية وضد كثيرين ممن كانوا علي رأس نظام الحكم ومن أسوان الي الاسكندرية تحطمت المحلات التجارية والمنشآت العامة والسيارات وسقط القتلي والمصابون »79 قتيلا و214 جريحا« وأعلنت حالة الطوارئ وغضب الرئيس السادات كما لم يغضب من قبل ونزلت القوات المسلحة لتعيد النظام بعد يومين من الفوضي.

وكان الرئيس الراحل السادات أول من حمّل الشيوعيين مسئولية الأحداث وكثيرا ما أشار الي ذلك في أحاديثه الرسمية وغير الرسمية، ورفض الرئيس تسميتها بانتفاضة شعبية وأصر علي اطلاق وصف »انتفاضة الحرامية« عليها.

وكان من بين زعماء تلك الإنتفاضة أحمد بهاء الدين شعبان المتهم السابع في الأحداث الذي كان طالبا بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وكان واحدا من زعماء الحركة الطلابية في الجامعة مع كمال خليل وأحمد عبدالله رزة ومحمد فريد زهران.

ففى صباح 17 يناير 1977 كان الطلبة يتحدثون عن القرارات الصادمة، والغضب الذي يجتاح نفوس المواطنين، وتعددت حلقات المناقشة بين الطلبة وجرت اتصالات بطلبة المعاهد والكليات الأخري وتم الاتفاق علي تنظيم مسيرة لرفض القرارات تخرج من جامعة القاهرة وتتجه الي مجلس الشعب، ولم تمر لحظات حتي اخترق سيل الطلبة البوابات الحديدية للجامعة وعبروا كوبري الجماعة في اتجاه شارع قصر العيني عندما التقوا مع مسيرات أخري نظمها عمال منطقة حلوان الصناعية وكلما تحركت الجموع انضمت اليها الجماهير وهي تهتف »احنا الشعب مع العمال.. ضد حكومة الاستغلال

وفي اليوم التالي تجمع الطلبة والشباب في ميدان التحرير واتجهت الهتافات الي اتجاه جديد تمثل في المطالبة بالحريات وتحولت الانتفاضة أو الهبة من انتفاضة اقتصادية الي انتفاضة سياسية.مليئة بالهتافات الساخنة ، وينفجر الغضب الشعبي في وجه ممدوح سالم رئيس الوزراء وقتئذ ويهتف البعض »ادي اديله ممدوح هنقطع ديله« وهو لا شك يذكرنا بغضب البعض في الوقت الحالي تجاه الحكومة خاصة فى ظل الإرتفاع المستمر فى الأسعار.

وكالعادة دارت معركة شوارع بين قوات الأمن والمتظاهرين، وتم القبض علي 176 متهما ووجهت اليهم 7 تهم رئيسية كفيلة بوضعهم في السجن حتي آخر حياتهم إلا أن القاضي الذي اختير لنظر القضية كان مثالا يحتذي في النزاهة والوطنية والاستقلال وهو المستشار حكيم منير صليب ومعه عضوان هما المستشار علي عبدالحكم عمارة وأحمد محمد بكار وقد استمر نظر القضية منذ أبريل 1978 حتي أبريل 1980 وصدر الحكم بمعاقبة 11 متهما بالسجن ثلاث سنوات وحبس 9 متهمين سنة واحدة وبراءة الباقين تماما، ولم يكن من الغريب أن تضم قائمة المتهمين كثيرا من كوادر الحركة السياسية حاليا مثل المهندس كمال خليل، الحقوقي أمير سالم، الشاعر أحمد فؤاد نجم، الشاعر سمير عبدالباقي، المهندس أحمد بهاء الدين شعبان، طلعت رميح، محمد عزت عامر، ومن بين الصحفيين الأستاذ حسين عبدالرازق، عبدالقادر شهيب، رشدي أبوالحسن، الفنان زهدي رسام الكاريكاتير.

ولاشك أن الأنتفاضة الشعبية فى الجزائر حاليا والتى لم يشعلها إرتفاع أسعار السلع الأساسية فقط ، بل إنطلقت شراراتها الأولى من تونس عندما وصلت إالى الجزائر المجاورة نيران الشاب العاطل الذى أشعل النار فى نفسه بعد أن فشل فى الخصول على ترخيص كى يبيع الخضروات ، وكانت شرارة تونس هى التى أشعلت النيران فى مدن الجزائر ،وكما تعامل الامن بقسوة مع المتظاهرين الجزائرين ، تعامل الأمن التونسى بعنف مبالغ فيه مع المتعاطفين مع الشاب الذى مات متاثرا بحروقه ، مثلما يفعل الامن مع اى غضب شعبى فى اى بلد عربى .

خطورة ماحدث فى الجزائر وإمتد إلى تونس ، ومن قبله مصر فى أنتفاضة الخبز أو إنتفاضة الحرامية ، هى إن الغضب الشعبى من الممكن ان ينفجر فى أى وقت وفى أى عاصمة عربية والأسباب واحدة هى الفقر ،وايضا البطالة .

فالبطالة من الممكن أن تكون وقودا شعبيا لإنتفاضات متلاحقة فى مدن عربية عديدة ، فى القاهرة أو صتعاء أو دمشق ، ولابد أن نلاحقها على المدى البعيد، أما على المدى القريب لابد من ضبط الأسعار قبل فوات الأوان وحدوث إنتفاضة حرامية وبلطجية وعناصر أرهابية

حمدى البصير

Elbasser2 @yahoo.com

اجمالي القراءات 14146