الخطيئة
وأحاطت به خطيئته

زهير قوطرش في الأحد ٢١ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

" وأحاطت به خطيئته".

 

يقول الله عز وجل:

بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فاولئك اصحاب النار هم فيها خالدون  البقرة 81

هذه الآية الكريمة ,تضعنا أمام حالة ,يمر بها الإنسان  الخطاء  الغافل عن ذكر الله .لأن المؤمن إذا كسب سيئة ,يسارع  من فوره إلى ذكر الله , لعلمه الأكيد  أن الله يرى ويسمع ,فيعجل بالتوبة وسؤال الغفران

.لكن الغافل قلبه ,عندما يكسب السيئة ,ثم تتكرر هذه الخطيئة ,حتى تحيط به ,ولا يستطيع التخلص منها ,فيصبح عبداً لها ..وكأنه بذلك يبتعد مع سبق الإصرار عن طريق الحق ,هذا  الإنسان وضع نفسه والعياذ بالله مع أصحاب النار.

السؤال الهام في هذا المقام ,وخاصة بعد تطور علم النفس ,..هو .

كيف يمكن للسيئة أن تحيط بالإنسان؟.

قبل البحث في علم النفس ,لا بد أن نعود إلى ما قاله السلف في هذا الخصوص جزاهم الله خيراً .

يقول الطبطبائي:

 

"قوله تعالى: بلى من كسب سيئة و أحاطت به خطيئته إلخ، الخطيئة هي الحالة الحاصلة للنفس من كسب السيئة، و لذلك أتى بإحاطة الخطيئة بعد ذكر كسب السيئة و إحاطة الخطيئة توجب أن يكون الإنسان المحاط مقطوع الطريق إلى النجاة كان الهداية لإحاطة الخطيئة به لا تجد إليه سبيلا فهو من أصحاب النار مخلدا فيها و لو كان في قلبه شيء من الإيمان بالفعل، أو كان معه بعض ما لا يدفع الحق من الأخلاق و الملكات، كالإنصاف و الخضوع للحق، أو ما يشابههما لكانت الهداية و السعادة ممكنتي النفوذ إليه، فإحاطة الخطيئة لا تتحقق إلا بالشرك الذي قال تعالى فيه: «إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء»: النساء - 48، و من جهة أخرى إلا بالكفر و تكذيب الآيات كما قال سبحانه: «و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون»: البقرة - 39، فكسب السيئة، و إحاطة الخطيئة كالكلمة الجامعة لما يوجب الخلود في النار." انتهى الاقتباس

 

 حتى نستطيع فهم آلية  كسب السيئة  والتي بنتيجة تكرارها تحيط بالإنسان ... لابد أن نحلل على ضوء المعطيات العلمية الحديثة  ,كيفية عمل العقل.

 

في كتابهما "تجرأ لتكسب " قال  جان كاتفليد , ومارك فينسن.

" نحن كلنا متساوون في أننا نملك 18 مليون خلية عقلية,كل ما يلزمها هو التوجيه"

إذن توجيه خلايا العقل باتجاه الخير أو الشر يتوقف على الإنسان ,لكن هناك أيضاً وفي بعض الأحيان ,ولحكمة من الخالق ,يتم توجيهها ,بوحي من عنده ,لعلمه المطلق ,وبالاتجاه الذي يريده.

عمل العقل :

يمكننا تصوير عمل العقل ,بالكمبيوتر ,الذي يحتاج إلى مبرمج ,وهارد ديسك.

 العقل الحاضر عند الإنسان  هو مثل مبرمج الكومبيوتر , والعقل الباطن هو عقل الكومبيوتر الهارد ديسك ..معد البرامج يجمع المعلومات من الخارج  ويغذي فيها  عقل الكومبيوتر .

...العقل الباطن لا يعقل الأشياء فقط يخزنها ...تكرار تخزين نفس الأشياء ,ولمدة طويلة,ولمرات عديدة ,فأنها سترسخ  وتستقر في مستوى  عميق من العقل الباطن , لتعاود الظهور  باستمرار كلما تهيأت الظروف , بحيث تجبر الإنسان  على عمل السيئة  , ولا يمكن تغيرها ولكن ممكن  استبدالها ببرمجة أخرى سليمة"

 

لنأخذ مثل تطبيقي .

لنفترض أن شخصاً ما ,أصيب بعادة الإدمان على الجنس ,خارج حياته الزوجية (الزنى ) وما يرافقه من مقدمات ,كأفلام الجنس وغيرها.

هذا الشخص ,في البداية  كسب سيئة ,مثلاً بالنظرة الحرام ,والفعل الحرام .هذه السيئة ,هي معلومة دخلت إلى العقل الحاضر الواعي ..العقل الواعي ونتيجة غفلة  قلب هذا الإنسان عن الله عز وجل ,فأنه ..يخزن هذه السيئة في العقل الباطن ,ولو كان هذا الإنسان مؤمناً ومن الذي يذكرون  ويتذكرون الله عز وجل  باستمرار..لمسح هذه السيئة من فوره ,ولا يسمح لعقله الحاضر بتخزينها في العقل الباطن ,لكن عندما يدمن على هذه السيئة أي تحيط به ,فأنه يكرر تخزينها  في كل مرة ولمدة طويلة ...

هذا التخزين ,معناه ...أنه كلما جلس إلى  الكومبيوتر ,يتذكر أفلام الجنس من فوره,كون العقل الباطن يعيد إنتاج  ما يحفظ ويرسل المعلومات إلى العقل الحاضر . مما يجعله يقضى الساعات الطويلة في هذه المتعة الشنيعة ,وبالتالي تطفو إلى عقله الواعي من مخزون العقل الباطن  عمليات الزنا ,فُيقدِم من جديد على فعل المحرم بدون رادع .... فهو كمدمن المخدرات أو الكحول ,والسبب في هذه العلة   كون  الخطيئة أحاطت وترسخت في عقله الباطن الذي يعيد إنتاجها  باستمرار حتى يصبح هذا الإنسان عبداً لها ,ولا يستطيع منها خلاصاً ...وقد يدمر نفسه وعائلته ومحيطه ومجتمعه.

هذا المثل يمكن أن نطبقه على الكثير من السيئات التي يدمن عليها الإنسان .

والسؤال المهم ...هل يستطيع الإنسان الفكاك من هذه الإحاطة,والعودة إلى الطريق المستقيم؟

يؤكد علماء النفس ,أن ذلك ممكن , وذلك  باستبدال  السيئة ببرمجة أخرى سليمة .وهذا يتطلب من الإنسان , اولاً ..التوبة التي لا رجعة بعدها ,ومن ثم  ذكر الله في كل مرة تطفو فيها السيئة من العقل الباطن إلى العقل الواعي ,إلى أن يتم استبدالها ,بشكل تدريجي حتى ينتفي وجودها  بشكل نهائي.

 

الخطوات العملية للتخلص من الخطيئة المحيطة بالإنسان.

يقول الله عز وجل:

           "وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد

             الظالمين إلا خسارا"

            المدمن على عمل السيئات ,هو إنسان مريض نفسياً ,وعلاجه   

             في قوله عز من قائل:

           " واقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله

              أكبر"

من قوله عز وجل ...نستنتج أن الصلاة ثم الصلاة ثم               الصلاة ...هي السبيل لصلاح الإنسان ,وهي

السبيل  لخلاصه من عمل السيئات , ومن نتائج الصلاة الخالصة لله عز وجل ...تنمو عند الإنسان

صفة ذكر الله ,والتي هي الكونترول الذي يمحي من العقل الباطن كل السيئات والخطايا , ويرافق الإنسان المؤمن حتى أخر حياته.

 

 

"

اجمالي القراءات 22883