الحلف والقسم
* ما هو الفرق بين الحلف والقسم * IV

عبد الرحمان حواش في الجمعة ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

*  ما  هو  الفرق بين  الحلف  والقسم  *

IV

 

ــ سبق أن بينت –بفضل الله وحسن عونه – الفروق بين العقر والعقم – وبين النزول والهبوط – وبين النظر والبصر.

ــ عزمت  - بحول الله – أن أحاول في  هذه،  تدبّر  الفرق  بين الحلف والقسم في  القرءان - - وضمنا – في اللسان  URBI)و( ORBI الذي  نزل  به  كتاب الله للعالمين .

ــ سبق  أن أشرتُ – كذلك – أن المترادفات  - les  synonymes -  في  جميع الألسنة ،  لا  تؤدي، ولا  يمكن  أن  تؤدي ،  معنى  واحداً ، فلا  بـدّ من فرق بينها ، فقد  يكون الفرق  ضئيلا  أم  شاسعاً !كما هو الفرق بين  الحلف  والقسم ، وكما سيتبين لنا من كلام  الله.

ــ أما نحن، معشر الذين يتحدثون بلسان القرءان، فنُـلحن  ونُـخلط بينهما !فنستعمل القسم عوض  الحلف،  والحلف عوض  القسم .

ــ ماهية  الحلف:  إشهاد الله – جلّ  وعلا – على ما نقوله – كذبا-  لنعزّز  أيْــماننا بالله !جُـنّةلقضاء الحاجات  الدّنيئة !كمـــا جاء بيانه في كتاب الله الذي هــو ( ... تبيانا  لكل  شئ ...) وذلك في سورة  المجادلة : 14/16. ( ... ويحلفون  على  الكذب وهم  يعلمون ... اتخذوا أيمانهم  جُنّة  فصدوا  عن سبيل الله  فلهم عذاب  مهين ).

ــ وفي  الحلف – فقط -  يكون الحنْـث وتجب  فيه  الكفارة : المائدة 89 ( لا يؤاخذكم الله باللغو  في  أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان  فكفارته ... ذلك  كفارة  أيمانكم  إذا حلفتم  واحفظوا  أيمانكم ...).

ــ  نلاحظ : عقدتم  الأيمان  (  عقدتم  الحلف  كذباً.) ونلاحظ : ذلك كفارة أيمانكم إذا  حلفتم .  لم  يقل سبحانه وتعالى : إذا  أقسمتم !لم  ينج  الرسول ( الصلاة  والسلام عليه ) من ذلك   - خاصة – وأن ذكـّــره الله العليم الحكيم – بعد  ذلك – بأداء  الكفارة  ما  سماه:  تحلّة الأيمان.  ( ... قد فرض الله لكم تحـلّة أيمانكم ...) التحريم 1-2 .   ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة  حسنة ...) ( أفلا  يتدبرون  القرءان  ولو  كان  من  عند  غير  الله لوجدوا  فيه اختلافا  كثيراً ) .

ــ جاء  تقرير الكذب في  الحلف  - بعد  ذكره – في ثلاث  ءايات :  في  التوبة 42: ( ... والله يعلم أنهم  لكاذبون ) وفي  الآية 107 : ( ... والله  يشهد  إنهم لكاذبون )وفي ا لمجادلـة 18 : ( ... ألا  إنهم  هم  الكاذبون ) . نلاحظ أنهم يحلفون – كذبا – حتى يوم يبعثون بي يدي  العزيز  الجبار !  لأن الحلف  عادة  فيهم في  الدنيا. لنتدبر  مع قوله  تعالى  في  سورة  القلم 10 ( ولا  تطع  كل  حلاّف مهين ) بصيغة  فعّال  التي  تدل  على التكثير  والمبالغة.

ــ نلاحظ  أن  هذا  التعبير: " حلاّف " جاء بعد  قوله : ( فلا  تطع  المكذبين ...). 

ــ و نلاحظ أنه، بعد  حلفهم  - كذباً – ،  يأتي  في  بعض  الآيات التنديد  والإنذار، بالحالفين  كذبا : 56- 95 – 96 – التوبة . والمجادلة 16 : ( ... ولكــــنهم قـــــــــوم يفرقون ) (... ومأواهم  جهنم جزاء  بما  كانوا  يكسبون ) . ( ... فإن الله لا يرضى عن القوم  الفاسقين ) ( اتخذوا أيمانهم  جُـنة  فصدوا عن سبيل  الله  فلهم عذاب  مهين ).  بما استهانوا بعظمة خالقهم ولما يشترون – بالحلف بالله – ثمنا  قليلا.

ــ ماهية  القســم :  يجئ  في الأيمان الصادقة ، حتى بالنسبة للكفار والمنافقين إذا ما أقسموا صادقين  جاهدين في قسمهم لا  كاذبين  بالنسبة لاعتقادهم  ولما في قلوبهم .

ــ جاء  بيانه في  قوله تعالى:

ــ ( وأقسموا  بالله جهد  أيمانهم ... ) الأنعام  109. ومثلها في53 المائدة . وفي 38 النحل. وفي 53 النور.  وفي  42  فاطر.

ــ نهانا الله، نهيا  صريحا ،  على  أن نجعل  الله  عرضة ًلأيماننا وذلك في ءاية البقـــرة224( ولا  تجعلوا  الله  عرضةً لأيمانكم ...) ثم  يأتي  بيان ذلك بعدها:(  لا يؤاخذكم  الله باللغو  في  أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت  قلوبكم ...).

ــ حتى  المجرمين يلاحط أنهم سيقسمون أمام الخالق يوم القيامة : أنهم لم يلبثوا إلا  ساعة في قوله تعالى الروم 55.( ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير  ساعة ...) .

ــ هذا قسم  - حقيقة – لأنهم صادقون في ذلك !لا كما  حلفوا  - كذبا – بين يدي العزيز الجبار، - كما سبق  أن ذكرت – وذلك كما جاء في سورة المجادلة 18.

ــ أما صدقهم بالنسبة لقسمهم : ( ... أنهم مالبثوا غير ساعة ...) فلقد جاء مثل ذلك ، بالنسبة للناس جميعهم  ( ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلا  ساعة من النهار ...) يونس 45 . وما جاء في سورة  الأحقاف35 تقريراً  وتصديقا من لدُن الحكيم  الخبير. (... لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ..) 

ــ أما قوله تعالى : " لا أقسم " التي  جاءت  في كتاب الله ثمان مرات : في الواقعة 75.والحاقة 38.والمعارج 40.والقيامة 1/2 . والتكوير15. والإنشقاق 16. والبلد 1.

ــ طبعا: أنه القسم  الذي نحن  بصدده  ولكنه من جانب الله !  وقسماً  بمخلوقاته !

ــ علة عدم  القسم  بقوله : لا أقسم ، كأنه تجنّبه  وتحاشيه  سبحانه  وتعالى للقسم ،. لأن العبد المقسوم  له ، - تواضعاً -  من جانب المولى العليم الخبير ( ... وله المثل الأعلى في السماوات والأرض ...) لا  يدرك ، ولن يدرك عظمة المقسوم به  ولن يعلمه !. وبيان ذلك  في أول ءاية جاء فيها  القسم  حسب  الترتيب القرءاني ، ما جاء  في  سورة الواقعة 75/ 76( فلا  أقسم بمواقع النجوم  وإنه  لقسم  لو  تعلمون عظيم  ) جاء  مرة واحدة في  أول  ءاية فيها تجنُّـب القسم من جانب الله ( لا أقسم ...) حتى لا يعاد  في المرات السبعة الأخرى قوله : ( ... وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) تفاديا  للتكرار  ومــن باب  حمل  المطلق  على المقيد  كـــــلما  ذكـــر " لا أقسم " .

ــ لا  نعلم  ولن نعلم عظمة  المقسوم  به  ( ... وما أوتيتم من العلم إلا  قليلا ).

ــ ملاحظة  مهمة:

إن الله  استعمل في  كتابه،  في  الآية 21 من الأعراف ، في  شأن إبليس ( لعنه الله ) مع أبينا ءادم في  الجنة، قوله لهما : ( وقاسمهما إني  لكما  لمن  الناصحين ) . فجلّ المفسرين يلحقون هذا التعبير بالقسم.  فهذا  لا يصح أبداً ، ولا  يمكن بالنسبة لإبليس، لأنه عاهد نفسه كما عاهد الله  أن يُضل  لا  أن يُرشد !وأن يغشّ  ويخدع  لا  أن  ينصح !جعلهما – ءادم  وزوجه - يستعيبان، بأنه إنما  كان لهما ناصحاً فشاركهما في  ذلك !وأيّ نصح !?وأيّ رشد !?من قبل  إبليس اللعين ، في الوقت أنه في ذلك عاهد ربه على أن يغوي ويزين لعباده في الأرض في قوله: ( قال ربّ  بما أغويتني لأزينـنّ لهـــــــم  فــــي  الأرض  ولأغوينهـــم أجمعين )الحجر39.  وما جاء  في  النساء 120. ( يعدهم  ويمنيهم وما يعدهم  الشيطان إلا  غرورا )وفي ص 82.

ــ قاسمهما من مادة : قَــسَمَ  لا  أقسم،  بصيغة: فاعل  للدلالة  على  المشاركة.

ــ أقنعهما  أنه لهما  لمن  الناصحين ( فدلاهما بغرور...)

الخلاصـــــة  *

ــ الحلف: كما تقدم ،  هو أن  نشهد ما نقوله  - كذباً-  بعظمة  الخالق ويستلزم  الكفارة، أم  العقاب. يبينهُ قوله تعالى في سورة المجادلة 14/16.( ... ويحلفون على الكذب  وهم  يعلمون... اتخذوا أيمانهم جُنــة فصدوا عن سبيل الله  فلهم عذاب  مهين ) .  وفي  الحلف فقط يكون الحنث  مع  الكفارة.

ــ القسم: - كما تقدم – هو أن نشهد ما نقوله – صدقا – بعظمة الخالق ولا يستلزم الحنث ولا الكفارة وذلك حسب ما  نعتقده في  صميم عقولنا، وقلوبنا، يبين ذلك ما جاء في سورة  الأنعام 109 وغيرها من الآيات  - كما ذكرت – ( وأقسموا بالله  جهد أيمانهم ...) جاهدين في الصدق – إشهاد الله – صدقا – لما في قلوبهم إن صحيحا  كان  أم  خطأً !– لا  كذبا ً -

ــ تبــيّن لنا - فيما سبق – حالة  المجرمين الذين يحلفون كذبا حتى بين يدي الله . في قوله تعالى في سورة  المجادلة 18 ( يوم يبعثهم  الله  جميعاًفيحلفون لـــه  كما  يحلفون لكم ... )وجاء  مثله في  قسم  المجرمين بين يدي الله ما جاء  في  سورة الروم 55  ( ويوم تقوم الساعةيقسم المجرمون ما لبثوا  غير  ساعة ...) وبينت ما يعزز ذلك في سورة يونس 45والأحقاف 35.

ــ فلا  حنث  ولا  كفارة  في  القَسم  كما  هي  واجبة  في  الحلف .

ــ ملاحظــة:

ــ وصف الله الحلف  بتعقيد الأيمان في قوله ، في سورة المائدة : ( ... ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته...)

ــ ووصف القسم ، باللغو: ( لا يؤاخذكم الله باللغو  في  إيمانكم ..)المائدة 89. ومثله في  البقرة225

ــسماه  الله باللغو، ذلك لنتعرض عن اليمين  ونتجنبه – ولو صادقين-  ( قد  أفلح  المومنون...  والذين هم  عن  اللغو  معرضون )المومنون 1/3.

 

ــ  والله  أعلـــــم ــ

اجمالي القراءات 78508