إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ
إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

رمضان عبد الرحمن في الجمعة ١٩ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

 

حتى يكون الإنسان من المحسنين أو يلحق بالمحسنين، لا بد أن يحسن تعامله مع الله قبل كل شيء، بمعنى إن كان الإنسان من المسلمين أن لا يستمع ولا يتبع غير كلام الله عز وجل، يقول تعالى:

((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)) الزمر آية 18.

 

أي أن الإنسان لا يهتدي ولن يصبح من المحسنين إلا إذا اتبع واستمع إلى أحسن الكلام وهو كلام الله، إذا تمسك الإنسان بذلك سوف يترجم هذا على أرض الواقع في تعامله مع الناس بالصدق والأخلاق والإحسان لهم في القول والعمل، أو إن كان من المقتدرين أن يتصدق عليهم في الحياة الدنيا، يقول تعالى:

((الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) سورة آل عمران آية 134.

 

أي أن المحسنين  ليس فقط في الإنفاق، ولكن من الممكن إن يكون الإنسان من الفقراء ويصبح من المحسنين إلى الناس بالعفو عنهم في عدم الرد عليهم بالمثل، وكما قالت الآية الكريمة   (والكاظمين الغيظ والمحسنين)، أي تخلص العمل لله تعالى في عبادة الله بنسبة مائه في المائه، وبدون الإخلاص إلى الله في العبادة وفي العقيدة مهما عمل الإنسان من خير ويعتقد الإنسان أن عمله خير سوف يوازن مع تقصيره في جانب الله، ليس هناك من أعمال توزن طاعة الله، يقول تعالى:

((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً)) سورة الفرقان آية 23.

 

لأن هذا العمل لم يكون فيه إخلاص لله تعالى سواء كان في عبادة الله أو عمل الخير تجاه الناس، يكون ذلك العمل لا قيمه له في يوم القيامة يقول تعالى:

((أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً)) سورة الكهف آية 105.

 

ثم يقول تعالى:

((قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً)) سورة الكهف آية 103.

 

أي من كان يعتقد إن عمل الخير سوف ينجيه من عذاب الله هو مخطئ لأن الله أحبط عمل الخير لدى هذا الصنف من الناس فلم يتبقى لهم غير عمل السوء، يقول تعالى:

((الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)) سورة الكهف آية 104.

 

أما المحسنين الذين يعملون العمل لوجه الله دون إن ينتظروا الجزاء من أحد يقول تعالى عنهم:

((وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) سورة البقرة آية 195.

 

أي أن أجر المحسنين هو من عند الله في الدنيا قبل الآخرة، يقول تعالى:

((وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)) سورة يوسف آية 56.

 

وهنا يتبين أن الذي يتخذ أجرة من الناس على أي شيء قد قدمه لهم ليس له أجر من الله، والقاعدة القرآنية ثابتة ومعروفة، يقول تعالى:

((اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُم مُّهْتَدُونَ)) سورة يس آية 21.

 

ثم أن جميع أنبياء الله لم يتخذوا أجراً من أحد على تبليغ الحق لهم، يقول تعالى:

((أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ)) سورة الأنعام آية 90.

 

فمن يفعل غير ذلك من الناس لا يعد   من المحسنين لأنه يأخذ الأجرة، ولأنه يصبح عدواً لله تعالى بما يكتسب من وراء دين الله ولم يحسن العمل لله تعالى ولا إلى الناس، فكيف يكون من المحسنين؟!.. يقول تعالى:

((يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ)) سورة هود آية 51.

 

أين مشايخ الفضائيات من آيات الله؟!.. والذين يضحكون على عقول الناس من أجل استنزاف أموالهم باسم الدين، هل هؤلاء يعملون لوجه الله؟!.. أم يعملون من أجل أنفسهم؟!.. أي أن هناك فجوه بين المحسنين حقاً وبين المتاجرين بدين الله، يقول تعالى:

((أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) سورة الزمر آية 58.

 

وحتى يصل الإنسان إلي درجة المحسنين عليه إن يراجع نفسه في كل شيء، هل هو يتعامل مع الناس بالحسنى؟!.. هل هو يتبع أحسن القول وهو كلام الله عز وجل؟!.. هل يذكر الناس بالحق دون أجر ويحتسب أجره عند الله؟!.. هل يعفوا عن الناس مهما أساؤوا له؟!.. هل هو من الكاظمين الغيظ؟!.. وأعتقد حتى يصبح الإنسان من المحسنين فهذا شيء يحتاج إلى جهد كبير من الإنسان ودراسة وتفحص وتمحص في كل صغيرة وكبيرة حتى يكون من الذين قال عنهم الله تعالى:

((لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) سورة المائدة آية 93.

 

ولو قرأنا عدد الكلمات في القرآن سوف نجد أن كلمة المحسنين هي من أقل الكلمات عدداً مقارنة بالكافرين أو الظالمين، أو جميع الكلمات التي من مفادها تؤدي إلى الكفر، وأن القرآن قد وضح على أن أكثر الناس هم من الكافرين، وآيات كثيرة التي تقول: أكثرهم المكذبين والفاسقين وأكثرهم الجهولون وأكثرهم لا يشكرون، وأن القليل من الناس هم من يشكرون، يقول تعالى:

((يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)) سورة سبأ آية 13.

 

فمن من الناس في هذا العصر من يتعامل مع الناس على مبدأ المحسنين أو على مبدأ لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا، يقول تعالى:

((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً)) سورة الإنسان آية 9.

 

ومع الأسف أصبحت الناس تتعامل مع بعضها البعض بمبدأ المصالح حتى أن شيوخ الدين يشترطون في عملهم على أن المال هو الأساس، فبأي جزاء سوف يجزي الله الناس وهم بهذا الشكل؟!.. وإذا كان معظم رجال الدين هم عنوان لانتهاز الفرص، ولا يعملون شيئاً دون مقابل، فمن أين تتعلم الناس ومن يعلموهم غير مستعدين أن يكون عملهم لوجه الله؟!..

 

اجمالي القراءات 37089