رخصت الأرواح وزادت الاسعار فى مصر

حمدى البصير في الجمعة ٢٢ - أكتوبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

فى مصر .. رخصت أرواح البشر وزادت اسعار السلع

بقلم حمدى البصير

كتبت فى مقال سابق عن مقتل الشاب الصغير أحمد زكى - 19عاما - بأيدى 3 لصوص على قارعة الطريق وفى عز الظهر ، لأنه كان يستقل أتوبيس نقل عام ، وشاهد اللصوص الثلاثة يتحرشون بسيدة مسنة ويحاولون سرقتها فقام بتنبيها ونهر اللصوص ، وإشتبك معهم دفاعا عن هذه السيدة ، فقام اللصوص أو البلطجية بإنزال الشاب عنوة من الأتوبيس فى شارع أحمد سعيد بالعباسية ، وضربوه ضربا مبرحا ،ووقف ا&aYacute; المارة بل وركاب الأتوبيس يتفرجون عليه بسلبية منقطعة النظير ،ولم يتحرك أحد للدفاع عنه حتى عندما قام أحد اللصوص بذبحه برقية زجاجة ، وتم نقل الشاب وهو ينزف إلى المستشفى الإيطالى بالعباسية ثم إلى اليونانى المجاورة لها ،ولكن لم يسال فيه أحد ولم ينقل إليه دما ،ومات نتيجة الإهمال الطبى .

وقد سألت فى نهاية مقالى :هل يستحق هذا الشاب لقب شهيد؟ .

وبعد نشر المقال السبت الماضى فى بعض الصحف المصرية وفى موقع أهل القران الذى يبث من أمريكا ، أكد لى بعض أساتذة الأزهر الكبار وأعضاء فى مجمع البحوث الاسلامية والمجلس الأعلى للشؤن الإسلامية إن هذا الشاب يستحق وينطبق عليه - بالقياس - وصف الشهيد ، بل قال لى أحد العلماء الكبار الذى يشغل منصبا هاما فى دار الإفتاء ، إن قتلى الطريق الدائرى الثلاثة عشر والذى صدمهم شاب مستهتر بسيارته خلال الشهر الجارى ، هم شهداء أيضا ، لإن هؤلاء كان يسعى بعضهم إلى رزقه ، والبعض الأخر إلى طلب العلم ، وتعرضوا إلى حادثة أشبه بالكارثة الطبيعية ، فماتوا وهم لا حول لهم ولاقوة .

ولم يكن هناك إجماعا على تلك الفتوى - الودية - ورفض بعض شيوخ الأزهر منح لقب الشهيد لكل من لقى مصرعه إلا فى الوقائع التى حددها القران وكشفتها السنة بحجة أنه لايصح الإجتهاد فى ثوابت دينية .

المهم مع إحترامى لكل هؤلاء العلماء الأفاضل والتى تربطنى بهم صلات قوية منذ أن كنت مشاركا فى إصدار تقرير الحالة الدينية فى مصر والذى كان يصدر عن مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية التابع لجريدة الاهرام عامى 1996 و1997 ثم توقف ، وكنت أقوم بتحرير الجزء الخاص فى التقرير عن المؤسسات الدينية الرسمية والتى تشمل الازهر الشريف ومجمع البحوث الاسلامية ودار الإفتاء ووزارة الاوقاف ، ولاأعرف لماذا توقف صدور هذا التقرير حتى الأن ؟، ولاسيما أنه كان يرصد الحالة الدينية فى مصر بشقيها الأسلامى والمسيحى .

ولكن من وجهة نظرى - الصحفية وليست الدينية - المتواضعة إن شهداء الأسفلت والذين يموتون غدرا وإستهتارا وإهمالا هم ايضا شهداء ، كما إن إستحقاق هؤلاء القتلى هذا اللقب هو أكبر تكريما لهم بعد موتهم أو إستشهادهم ،وأغلى تعويضا لأسرهم ،والذى لا يقارن بملايين الجنيهات من تعويضات قد تصرف لهم .

فعلى سبيل المثال ، فقد قاد طالب فى الجامعة الامريكية يدعى على عبد الحميد سيارته بسرعة جنونية، وحاول تفادي سيارة نقل مقطورة، غير أن عجلة القيادة اختلت بين يديه وانحرفت السيارة منه لتصطدم بحشد من المواطنين أمامه في موقف لسيارات الأجرة "الميكروباص" على الطريق الدائري بالوراق فى إمبابة، فدهس عدد منهم وأصاب آخرين أثناء وقوفهم وهم لاحول لهم ولا قوة ، الأمر الذي نتج عنه مصرع 13 بريئا وإصابة 7 آخرين ، وكان بعضهم يسعى إلى رزقه ، والبعض الاخر كان ذاهبا لطلب العلم ، وقد اقر الطالب القاتل فى التحقيقات بأنه كان يسير على سرعة كبيرة للغاية وانه اصطدم عن طريق الخطأ بحشد من المواطنين الأمر الذي

أسفر عن قتلى وجرحى في صفوفهم ،وقد احال المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المتهم إلى محكمة عاجلة ،وبدأت محكمة شمال الجيزة اليوم السبت 23 اكتوبر محاكمته .

حادثة موجعة أخرى حدثت لأحد أقاربى فى الأسكندرية يوم السبت الماضى ، فقد قامت سيارة يقودها أيضا شاب صغير بسرعة جنونية ، بدهس طالب جامعى يدعى احمد علاء الدين فوزى فأردته قتيلا ، ولكن لم يتحول هذا القاتل الطائش إلى محكمة عاجلة ، مثل مرتكب حادث الدائرى ، بل عاد إالى بيته بعد إرتكابه الحادث بساعتين فى صحبة والدته ، لأنه مسنود ، وقبل أن تجف دماء القتيل أو حتى يدفن ، بحجة أن الحادثة قتل خطأ ، أو بالاحرى إن القتيل هو المخطىء لإنه كان يقف بجوار الرصيف مباشرة ، مما جعل والده يتقدم بتظلم إلى المحامى العام لنيابات شرق الإسكندرية ، طالبا بإعادة التحقيق فى مصرع إبنه ، ومتظلما فيه من قرار النيابة ، لا من محضر الشرطة ، ونادرا ما يقوم مظلوم برفع شكوى ضد وكيل نيابة إ لا إذا كان هناك ظلم بين قد وقع عليه .

يقول الأب المكلوم فى تظلمه الذى يحمل رقم3840 والمقيد يوم 21 أكتوبر 2010مكتب المحامى العام لنيابات الأسكندرية:

أثناء وقوف نجلى ووحيدى المرحوم أحمد علاء الدين فوزى الطالب بكلية التجارة جامعة الاسكندرية -18عاما - فى موقف الأنتظار بشارع الكورنيش فى منطقة إسبورتنج بالأسكندرية كى يركب وسيلة مواصلات تقله الى كليته ، جاءت سيارة مسرعة بسرعة جنونية يقودها شاب صغير ، وإنحرفت الى جوار الرصيف مباشرة حيث يقف نجلى ودهسته ،وقد حاول الجانى الهرب ولكن إستوقفه سائق ميكروباص وسلمه إلى قسم شرطة باب شرق ، وتم نقل نجلى إلى المستشفى ولكنه مات متأثرا بجراحه من قوة الصدمة .

يضيف الاب فى تظلمه ،إنه تم الإفراج عن الجانى بعد ساعتين من وقوع الحادثة وبعد سؤاله سريعا من النيابة ، رغم أن هذا الشاب المستهتر كان يقود سيارته بسرعة جنونية ولم يستعمل الفرامل لتفادى الحادثة أو تخفيف وطأتها، كما أنه هرب بعد الحادثة ولم يقف لإسعاف المصاب أونقله إلى المستشفى بل إستوقفه عنوة سائق ميكروباص ، فكيف بعد ذلك كله يطلق سراح هذا الشاب؟

وأكد الأب فى تظلمه أنه لايريد تعويضا ماديا ثمنا لدم إبنه وإنه راض بقضاء الله وقدره ،ولكن يريد العدالة والقصاص وأخذ حق إبنه لإنه يرى تقصيرا من وكيل النيابة فى حق إبنه الراحل خاصة فى عمل الإجراءات القانونية الضرورية ضد الجانى لحفظ حق إبنه المجنى عليه ، وتحقيق العدالة ، كما أن هناك شبهة إستغلال نفوذ من أقارب الجانى لحفظ التحقيقات ، ولاسيما أن مرتكب الحادثة شاب صغير يحمل رخصة قيادة صدرت فى أول العام الجارى 2010،وكان يسير بسيارة شقيقته الجديدة - رينو 2010 - بسرعة جنونية ،ويعرض أرواح الأبرياء للخطر

0 ويسأل علاء الدين فوزى والد الضحية :إلى متى سيحمى القانون هؤلاء المستهترين؟

ويؤكد أنه لايريد أن يدين أحد بعينه، ولكنه مواطن مصرى يتظلم من النيابة وليس من الشرطة فى قضية مصرع إبنه ،بل قال فى نهاية تظلمه " لقد رخصت الأرواح فى مصر فى الوقت التى إرتفعت فيه أسعار كل شىء" .

وبالطبع مادامت القضية فى حوزة القضاء العادل فإنى أثق تماما فى نزاهة القضاء بصفة عامة وسيادة المحامى العام لنيابات شرق الأسكندرية بصفة خاصة ، فأوراق القضية فى مكتبه الأن وسوف يتحذ اللازم من أجل تحقيق العدالة ، وحتى لاتضيع دماء أحمد هدرا ، وكى يشفى والده علاء الدين فوزى غليلة ، وحتى يطمأن اصدقائه أن مصر دولة مؤسسات ولاأحد فوق القانون ،وحتى لايفقد المواطن العادى ثقته فى بلده ويتأصل الأنطباع الموجود لدى العامة إن أولاد الكبار دائما مسنودين أما الغلابة فإن أرواحهم رخيصة ولاتساوى شيئا .

إن حادثة أحمد علاء الدين فوزى ومن قبلها حادثة الدائرى ، تكشف أبعادا أخرى فى كوارث وحوادث الطرق فى مصر والتى زادت حدتها مؤخرا ونبه إلى خطورتها الرئيس مبارك أثناء إفتتاحه بعض المشروعات فى منطقة القناطر على نهر النيل الأسبوع الماضى .

وقدأرجع وزير النقل المهندس علاء فهمى السبب الأساسى لزيادة حوادث الطرق إلى العنصر البشرى .

نعم الأخطاء البشرية الفادحة هى السبب الأساسى لحوادث الطرق بالإضافة الى سوء حالة الطرق وقصور فى قانون المرور.

ولكن هناك أبعادا أخرى فى الأخطاء البشرية المسببة لحوادث الطرق ، تضاف إلى تناول السائقين للمنشطات والمخدرات وعدم تدريبهم جيدا والسرعة الزائدة ، ألا وهى منح الرخص بسهولة وبالواسطة إالى شباب مستهتر صغير السن ، والذين يقودون السيارت بتهور وسرعة شديدة من باب التفاخر ،وعلى الطريقة الأمريكية ، خاصة إن السيارات الجديدة بها إمكانيات كبيرة لزيادة السرعة وعمل المناورات ،ولكنها تتقد إلى عناصر الأمان .

وقد قامت اجهزة الأمن بمنع المسابقات التى كانت تتم ليلا فى طريق مطار القاهرة بين السيارات الفارهة التى يقودها شباب أرعن ومستهتر بعد حادثة بشعة وقعت منذ سنوات وراح ضحيتها العشرات ، كما منعت العام الماضى سباقات للسيارات المسرعة بسرعة جنونية كانت تتم فى شارع جامعة الدول العريية ، وكنت أشاهدها ليلا أثناء خروجى انا وأسرتى من نادى الزمالك المجاورلذلك الشارع وقد نجحت أنا وزملاء صحفيين أعضاء النادى فى منع تلك السباقات بعد تقدمنا بشكوى إلى وزير الداخلية ، وقامت اجهزة الامن بمنع حتى السير بسرعة شديدة فى هذا الشارع الذى يعج فى الصيف بالسائحين العرب والاجانب .

كلى ثقة أن مصر بلد قانون ،ولن تضيع شكوى مواطن له حق لأننا بلد مؤسسات ، وسوف يأخذ والد الشهيد أحمد علاء الدين فوزى حقه ، لإننا جميعا صغار وكبار سواسية تحت مظلة القانون ,واتمنى ألا يكون الواقع العملى غير ذلك حتى لا تتطاير شرارة الغضب الشعبى وتحرقنا جميعا صغارا وكبارا .

حمدى البصير

elbasser2@yaho.com

اجمالي القراءات 10940