بلغ أربعين سنة
حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة.

زهير قوطرش في السبت ٢٥ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً



 


 

حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة.                  

 

القرآن الكريم ,هو كلام الله المقروء,والكون هو كتاب الله المنشور,ففي كل آية من كتاب الله ,لها وجودها الموضوعي في أنفسنا وفي الكون من حولنا,ليرينا  عز وجل أنه الحق,وكتابه جاء بالحق,وأن علينا أن نتبع الحق,ونبتعد عن الوهم والباطل.ونكون بذلك على الصراط المستقيم الذي ارتضاه سبحانه لعباد&arUacute;باده المؤمنين .

في يوم من الأيام ,ولا أدري لماذا خطر على بالي ,عمر الإنسان من خلال سيرورته حتى يبلغ معه سن الأربعين ,وهي السن التي أجازت معظم دساتير العالم للذين يريدون أن يترشحوا لقيادة بلادهم من خلال منصب الرئيس بدون توريث,أن يكونوا قد بلغوا الأربعين من العمر.

 وكعادة أهل القرآن ,يعودون إلى كتابهم في الكثير من القضايا التي تعترضهم  كي يستنطقوا الآيات تدبراً وفهماً,وخاصة بوجود الوسائل الحديثة التي تساعد وتسهل عملية  البحث والتدبر.كوني تذكرت  ورود هذه الكلمة في كتاب الله القرآن الكريم.

فوجدت أن عبارة أربعين سنة وردت في  القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الأحقاف

يقول عز من قائل:

"( ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين )"

 

 .تمعنت في هذه الآية الكريمة ,وأخذت أربطها مع ما قبلها وما بعدها.

هذه الآية , جاءت لتخاطب الإنسان الذي خلقه خالق الكون ,ويعلم سبحانه ما خلق ,ويعلم أن هذا المخلوق في غمرة الصراع من أجل البقاء,كثيراً ما ينسى شكر الله على نعمه,وينسى شكر والديه والإحسان إليهما على ما قدموا له من الغالي والرخيص ,ليكون على ما هو عليه.لهذا جاءت بداية الآية لتذكيره ,وتوصيته بوالديه والإحسان إليهما.وخصت الآية الكريمة الأم بالتحديد ,والسؤال المهم في هذا السياق :

لماذا لم يذكر القرآن الكريم ,مجاهدة الوالد (الأب ) في سبيل تربية الأولاد ,بل أقتصر الحديث على ما قاسته الوالدة(الأم) في حملها ووضعها ,ورضاعتها له؟

والسبب في ذلك أن الإنسان وهو في طفولته وإلى أن يبلغ الأربعين ,يشاهد بأم عينه ما يقاسيه الأب في سبيل تأمين حياته وحياة أولاده,أي أن الإنسان يشهد على ذلك ,لكنه لا يستطيع أن يشهد أو يتذكر ما قاسته الأم في حملها وولادتها وإرضاعها له,لهذا جاءت الآية ,لتذكره دائماً بذلك .

نعود إلى موضوعنا الأساس. الآية تقول ..حتى إذا بلغ  أشده ,وبلغ أربعين سنة.

وكأني في هذه السن ,هي السن الفاصل للإنسان الذي أخذته مفاتن الحياة ,ونسي في غمارها شكر الله على نعمه,ونسي الإحسان إلى الوالدين كما أراد الله .

وسن الأربعين على ما يبدوا هي  بداية سن النضج الكامل,هي السن الذي يكتمل معها الرشد ,هي السن التي يبلغ عندها الوالدين بداية الشيخوخة والضعف,وهي السن التي يجب على الإنسان الذي نسي الله  ,أن يعود إليه إذا استخدم عقله الراشد ...تائباً, شاكراً ,عاملاً للصالحات التي يرضاها الله ,

 لهذا  وفي حال عودة هذا الإنسان  إلى الله فأنه يخاطبه راجياً أن يصلح له في ذريته حتى  لا تسير على منهج الضلال الذي سار عليه نادماً  ,معلناً توبته ,ومعلناً إسلامه .

 الآية الكريمة لم تقف معانيها عند هذا الحد,وهذه عظمة القرآن الكريم ,هذه العظمة التي ارتبطت برحمة الله ,الرحمة الواسعة التي تسع كل شيء.

لهذا انتقل بنا الحق في منهجه  في الآية التالية إلى أن الإنسان الذي بلغ الأربعين ,وعاد إلى الله, عاد مسلماً في العقيدة أي موحداُ ,رابطاً عودته وتوحيده بالعمل الصالح ...له ثوابه عند الله.

وها هي النتيجة

" أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون

"

 

 

صدق الله العظيم.

وقد يخطر على بالنا سؤالاً هاماً في هذا المقام .وماذا لو أن هذا الإنسان الذي بلغ الأربعين وبقي على  ضلاله حتى سن متأخرة من العمر,وبعد ذلك عاد إلى الله,وإلى منهج الحق ,هل سيقبل منه الخالق توبته وعودته ,وهل سيبدل سيئاته حسنات ,أم أن سن الأربعين هي  الفاصل للتوبة والمغفرة.

أبداً ...فرحمة الله دائمة ,ولا تقف عند سن معينة ,لقوله عز من قائل.

"قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ

وقوله سبحانه

"إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا

اجمالي القراءات 117813