شعب الدهاشنة الذي لم يقدر عتريس حق قدره!

ابراهيم عيسى في الأربعاء ٢٢ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

لو كان كل الطغاة في الحياة العربية مثل عتريس لكانت الحياة أجمل كثيرا مما نعتقد؟، وعتريس هو أشهر طغاة السينما العربية لأنه بطل فيلم شيء من الخوف الذي عاث في الأرض فسادا ساعتين إلا ربعا كرهه فيها الناس وفرحوا وشمتوا به قطعا حين رأوا أبناء وطنه ( قريته الدهاشنة ) يثورون عليه ويحرقونه بالنار تحت شعار يرج الفيلم رجا «جواز عتريس من فؤادة باطل»، وقد غفر شعب الدهاشنة لعتريس القتل وسفك الدماء والفساد والسرقة ونهب الثروات ولم يغفروا له جوازة !!. لكن الطاغية عتريس كان من وجه&Eacacute; نظري طوال الأحداث ضعيفا هشا وعلي رغم كل ما بذله حسين كمال مخرج الفيلم وعبد الرحمن الأبنودي وبليغ حمدي من مجازر موسيقية ومذابح غنائية فالرجل لا يمثل عشرة في المائة من الطغيان الحق الذي نراه في واقعنا العربي فبالله عليك هل هناك طاغية (إلا إذا كان طاغية عرة خائبا يتنصل منه زملاؤه الطغاة ) لا يستطيع أن يلمس امرأة يحبها ويعشقها ويهيم بها حبا لمجرد أنها قالت له: أنا رفضت أن أتزوجك ولا أريدك ولن تنالني بخاطري؟ يا سلام من ذلك الطاغية رقيق القلب حتي الهشاشة الذي لا يريد امرأة إلا برغبتها وحبها (هناك شك أن عتريس كان عنينا) فلا يوجد طاغية أبدا تهز شعرة من رأسه مشاعر حريمه (الرجال العرب الطبيعيون لا يهزهم هذا أساساً فما بالك بالطغاة؟)، بل عتريس الطاغية في فيلم شيء من الخوف تسبل عيونه وترتعش ساقاه حين تزغر له شادية إذا فكر أن يقبلها وهي رقة ورفعة نفس وشفافية روح من المستحيل أن تتوفر في قاتل وسفاح إلا إذا كان طاغية سينمائياً يتحرك بأمر المؤلف وليس بمقتضي الواقع الحقيقي!!

وإذا تأملنا تاريخ الطغيان العربي السياسي فمن المعجزة أن تحصل علي طاغية عمولة كما نراه في شيء من الخوف، فمن الطاغية الذي يعكر صفو حياته مجرد شيخ صمت زمنا أمام طغيانه وجرائمه ثم أخذ يردد أن زواج عتريس من فؤادة باطل وإيه يعني! لو كان عتريس (محمود مرسي العملاق) طاغية حقيقيا لا طاغية سينمائيا لقال ببساطة: إيه يعني باطل.. باطل يا سلام وهل كل ما يفعله حلال وجاءت علي الزيجة لتصبح يا حرام باطلا؟!، ثم هذا الشيخ المعارض البليغ الذي عاش عمره تحت حكم وطغيان عتريس لكنه لم يتمرد أو يرفض أو يلقي الخطب والمقالات ضد سياسة عتريس التي تقتل وتنهب وتسفك وتذل وعاش رأسه في الطين مثل غيره ولم يفق - يا أختي عليه - إلا علي حكاية الجوازة كأن كل الطغيان السابق شرعي وحلال، كأن ما يمس قوت وروح وكرامة المواطن ليس حراما!. لكن عتريس كان طاغية سينمائيا تهزه مثل هذه الخطب التي يلقيها خطيب أو يرددها مواطنون علي مصاطب! فتوجس وتربص واهتز وابتز في قريته الدهاشنة، كما تراه طاغية بلا حبيب أو صاحب أو حليف واحد في البلد وهذا ينم تماما عن أنه طاغية جاهل بالطغيان ويستحق أن يكون طاغية سينمائيا فقط، فالطاغية كما نراه ونعرفه في أوطاننا يحرص علي الأصدقاء والحلفاء فمثلا كان علي عتريس أن يدفع أموالا يشارك بها تجار القرية قروضا علي البحري حتي يكسب ودهم ومصلحتهم وكانوا ساعتها يعلقون صوره في المحال والدكاكين يدافعون عنه ضد الفقراء التافهين وكان يمكن أن يغرق عتريس شيخين أو ثلاثة من أساتذة القرية وشيوخها بالمال أو الهدايا أو الحماية أو المناصب حتي يهتفوا بحياته في المدارس ويلهجوا بالدعاء له في المساجد، ولو كان يفهم في الطغيان حقا لمنح عمالا زراعيين أجورا عالية مقابل حرث حقوله حتي يشكروا نعمته ويسكتوا علي طغيانه بل ويدعوا الله أن يزيدهم طغيانا من خيره قادر يا كريم، لو كان طاغية حقا لاتفق مع زعماء البندر المجاور علي معاهدة صداقة أو تحالف مشترك أو ترك لهم كذا قاعدة في حدود البلد يضعون فيها جنود المركز وعساكره ووفر لهم من قوت الغلابة المال والطعام فيضمن لو ارتفعت ضده المشاعل أن يجري أصدقاؤه وحلفاؤه لحمايته والدفاع عن عرشه وحكمه!! لكن الطاغية السينمائي يتبرأ (ويستبرئ ) منه الطغاة حقا، وإذا كان المؤلفون (ثروت أباظة ومحفوظ عبدالرحمن وعبد الرحمن الأبنودي قد حرصوا علي تقديم قلب عتريس الرهيف من أول الأحداث حيث لا يستجيب لجده الطاغية الكبير حين يأمره بقتل حمامة ويبكي ألما وفراقا علي ذبحها لم يقولوا لنا ماذا يفعل قلب عتريس الرهيف حين كان يذبح أمامه عجل أو بقرة، وهل معني ذلك أن كل رفاق عتريس في القرية الذين كانوا يصطادون عصافير بالنبل والحجر صاروا طغاة وقتلة؟، إن هذا يشبه تماما محاولة إظهار الطاغية شخصا طيبا وطاهرا في داخله وطفولته وأن المشكلة فقط في المحيطين به والملتفين حوله! لا علاقة للحمام ولا للحمامة بالطغيان والاستعداد له، الطغيان ظروف موضوعية وذاتية، شخص الحاكم زائد كوب شعب نائم مع معلقتين من المثقفين الجبناء والتافهين تنتهي هذه المقادير بطاغية عتريس وشعبه التعيس! أما أنه كان يحب فؤادة فمن الصعب طبعا ألا يحب أحد شادية إذا وجدها مصادفة فماذا لو كانت بطلة أمامه لكن الحب لم يكن أبدا دليلا علي طيبة الولد أو رهافة الرجال، بل إن طغاة العالم كلهم كانت لهم معشوقات وعشيقات هاموا حبا وغراما بهن ولم يهز هذا حجرا في طغيانهم، فمن المجنون الذي أوهم المشاهدين في مشارق الأرض ومغاربها أن الحب نقيض الطغيان، إن صور الطغاة يداعبون الأطفال أو مع أحفادهم أو تلاميذ المدارس لا تنجح في إقناع أحد بحب الطاغية أو التعاطف معه، وأغلب الظن أن عتريس لو كان أقنع فؤادة بأنها ستكون جلالة الملكة أو سيدة القصر لكانت قد اقتنعت وأراحت واستراحت!

عموما يتمني الجميع في كل قرية أن تخرج فؤادة لتفتح الهويس بينما نتفرج نحن الشعب عليها دون أن نفكر أن فؤادة تظهر في الأفلام فقط وأن الواقع اليومي الذي نعيشه في العالم العربي يؤكد أن فؤادة لو فكرت وحدها في فتح الهويس فلن تجد عتريس الذي يريد أن يتزوجها بل سيتزوجها بعون الله عزرائيل بنفسه!، لكن الغريب أن يجلس شعب الدهاشنة في انتظار فؤادة ويجلس الشيخ المثقف إبراهيم في انتظار زواج عتريس الباطل دون أن يفعلوا شيئا أو يحسوا علي دمهم طيب افرض مثلا يعني إن فؤادة كان جاء لها دور برد ونزلة شعبية حادة أو أن عتريس لم يفكر في الزواج من فؤادة وربنا أكرمه بناهد شريف كان الفيلم استمر حتي الآن يا بلد تخاف متختشيش!!

لو كنت مكان عتريس في فيلم شيء من الخوف لكنت طاغية أقوي كثيرا وأخلد أياما وأسعد حالا خصوصا أن الله رزقني بقرية مدهوشة متفرجة ساكتة صامتة فهؤلاء وحدهم الذين يصنعون الطغاة، وياليت عتريس كان يحكم الوطن العربي فهو يوم المني الذي يحكمنا فيه طاغية سينمائي أبله لا يهتم بخلوده علي العرش بقدر ما هو مهموم بالتصعيد الدرامي ونهاية الفيلم السعيدة.

اجمالي القراءات 22001