أمراض العقل المسلم

خالد منتصر في الثلاثاء ٢١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

خالص جلبى» جراح ومفكر سورى يحمل الجنسية الكندية، تحمل كتاباته عمقاً وقدرة فذة على التحليل والتشريح، استمدها من دراسته الطبية وقراءاته الموسوعية، وإتقانه للغات أجنبية متعددة، بالإضافة إلى عشقه وولعه بقراءة التراث العربى والتاريخ الإسلامى، مما جعل قلمه وكتاباته ذات تأثير كبير فى معركة تنوير وتحرير العقل الإسلامى من أسر التقليد والجمود. كان «جلبى» قد شخص أمراض العقل المسلم، وبين أعراضها الخطيرة التى تجعله غير قابل للشفاء فى ثلاث نقاط.<

الأولى: تحول العقل إلى (حاوى فوضوى) لــ(كم) من المعلومات بدلاً عن تشكيل عقلية ذات نظام (SYSTEM) وتركيب (STRUCTURE) معرفى، فنمت ملكة الحفظ وتوقفت الوظيفة (التحليلية التركيبية) والنقدية للعقل، بل نسف أى مشروع لبناء معرفى مستقبلى، والثانية: حرمان العقل من وظيفة المراجعة، من خلال قتل ملكة النقد الذاتى أمكن تكريس الأخطاء وتراكمها بل وزحزحتها باتجاه الآخرين، بإحياء آلية تبرئة الذات (فكرة كبش الفداء) وبذلك توقفت النفس عن العمل تماماً فى الحقل المفيد، فتوقفت عن تصحيح الذات، فوقفَ النمو، فجمدت الحياة، وبتوقف العقل توقفت الحضارة الإسلامية عن النبض الحى فى التاريخ، الثالثة: ظن الاستغناء بالنص عن الواقع قاد إلى كارثتين: انتفاخ الذات المرضى بأن المسلمين خارج القانون الإلهى، فلا ينطبق عليهم ما انطبق على غيرهم، وعدم الاستفادة من تجربة التاريخ الضخمة التراكمية.

هذه الأعراض المرضية قادت إلى تحد ثلاثى الأبعاد، التحدى الأول: عظمة الماضى وهزال الحاضر، فالمسلمون أبناء حضارة ضخمة، وكان دورهم فى التاريخ قياديا ورائدا، واليوم يمثلون ليس مركز العالم، بل دول الأطراف العاجزة عن حل مشاكلها، فالألم عميق بين الهدف والواقع، بين الإمكانيات والإرادات، وما يحدث فى العالم الإسلامى اليوم دليل على عجز مروع، وشلل مخيف فى الجسم الإسلامى الممتد من طنجة حتى جاكرتا، والثانى: الفجوة المعرفية التراكمية بين قمة العالم الحالى والواقع (المعرفى) فى العالم الإسلامى،

فالعالم الإسلامى لم يدخل المعاصرة تماماً ويتمكن من أسرارها، بل هو فى حالة (فقد توازن) مع إعصار الحداثة الذى دخل بيته، وأدخل معه الفوضى إلى ترتيب بيته السابق، كما نسف كل الطمأنينة السابقة التى كان يحياها، وثالثة الأثافى: أننا عقلياً (دون مستوى القرن الثالث الهجرى) فى الوقت الذى كان العقل المسلم فيه يتألق فى حلقات المسجد العلمية، ويدرس آخر الفكر السائد فى عصره، ويصدر نتاجه العلمى، فنحن لا نستطيع حتى بناء مناخ عقلى يشابه ذلك الذى ترعرع فى تلك القرون، هم بنوا المعاصرة وعاشوها ونحن تغزونا المعاصرة وتقتحم علينا عقولنا. فعجزنا ثلاثى المستوى: بين ما نريده ولا نملك إمكانياته، بين الغياب عن التاريخ وما حدث فيه، وبين فقدان الذاكرة التاريخية كالمصدوم الذى نسى شخصيته فلا يعرف من هو؟ فنحن لا نعرف حتى ذاتنا!!.

إذا استخدمنا لغة الطب التى يجيدها «خالص جلبى» لوصف مراحل تدهور العقل والفكر الإسلامى سنقول إنه قد أصيب بالتجرثم الدموى - SEPTICEMIA مع معركة صفين، ليبدأ بالتشنجات SEIZURES مع الخوارج، والنزف (BLEEDING) العباسى، والحرارة (FEVER) الأندلسية، والغيبوبة (COMA) المملوكية، والدخول فى الصدمة (SHOCK) والانهيار مع دخول بونابرت، وأخيراً تمكن المرض فى مرحلة (السرير) الاستعمارى مع نهاية القرن التاسع عشر، ثم (التشريح) فى قاعة العمليات، حيث جرت عمليات البوسنة (استئصال الأعضاء) وتجرى فى أفغانستان والعراق والجزائر والصومال.

أدعو الله أن نظل فى مرحلة العناية المركزة ولا ندخل ثلاجات الموتى.

اجمالي القراءات 14520