إحذروا ... المهمشون قادمون

حمدى البصير في الإثنين ٢٠ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مشاهد تكررت كثيرا خلال شهر رمضان الماضى ،وهى مطاردة المتسولون للمارة وقائدى السيارات من اجل الحصول على الاموال او أى أشياء اخرى .

والتسول لم يعد يقتصر على مطاردة المتسولين " الأصحاء" للمارة فى الشوارع أو بجوار اماكن العمل ، بل إمتد إلى وسائل النقل العام خاصة داخل مترو الأنفاق ،مستغلين أيام شهر رمضان الكريم ، من أجل الحصول على النقود من الصائميين المحسنين .

وحتى وقت قريب كان يجلس المتسول صاحب العاهة دائما فى ركن بعيد فى الشارع ويبدأ فى الدعاء وإستعطاف المارة ، ثم رأينا بعد ذلك عمال النظافة والذين يرتدون ملابس العمل ، هم أكثر الناس تسولا فى رمضان ، ولكن الان أصبح بعض المتسولين " الأصحاء" بلطجية .

فقد رأيت بعينى أثناء ركوبى السيارة مع صديقى الصحفى الكبير محمد عجيزة ،وانا فى طريقى إلى منزلى بالهرم مساء السبت الماضى وتحديدا فى ميدان الجيزة .. مجموعة من الصبية تطارد راكبى السيارات وفى يد كل واحد منهم فوطة قذرة ويطوقون بها السيارات عنوة وسط إعتراض قائدى السيارات بشدة ،ولكن هولاء الصبية المتسولون او مشاريع البلطجية الصغار يأبون ترك السيارات إلا بعد دفع المعلوم ،وقد تحول إلحاحهم احيانا إلى لعنات لا دعوات على أصحاب السيارات الممتنعين عن دفع النقود .

ونظرا لصعوبة المرور فى ميدان الجيزة ومدخل شارع الهرم ,فقد تمكنت من مشاهدة ستة شحاتين صغار يقومون بنفس العمل ,أى مسح السيارات بالقوة ، او إلقاء أكياس مناديل ورقية داخل العربات من اجل بيعها باضعاف أضعاف ثمنها ،وقد تعجبت من قدرة هؤلاء المتسولين الجدد على القفز بين السيارات ،والجرى ورائها احيانا للحصول هلى الحسنة او الإتاوة بالقوة ، أى إن هؤلاء الشباب أصحاء ويستطيعون القبام بأى عمل ، ومن العار أن يمتهنون مهنة التسول بالقوة فى مثل هذا الوقت أى وهم فى مقتبل العمر ،ولاسيما أن طريقة هؤلاء فى التسول ،وإستخدامهم العنف أحيانا ،والسب والقذف أحيانا أخرى قى الحصول على الحسنة ، تؤكد ان هؤلاء ناقمون على المجتمع خاصة راكبى السيارات ، وحتى على المارة الذى يبدو على هيئتهم إنهم ليسوا من محدودى الدخل . وبالتالى حول المتسولون شهرا رمضان إلى موسم للتسول وجباية الاموال حتى ولو كان بإلحاح لايخلو من العنف أحيانا.

ومشهد مطاردة الصبية لراكبى السيارات ، بحجة تنظيفها حتى ولو بالقوة ،والحصول على المقابل ولو عنوة بل وتحرش المتسولون بالمارة ، جعلنى أخشى أن تتحول عملية التسول إلى بلطجة فى المستقبل، أو إلى سرقة منظمة بالإكراه ،ولاسيما أن نوعية المتسوليين تغيرت ، فأصبح هناك شباب التسول ، بدلا من الشيوخ والعجزة ، أى أن أطفال الشوارع قد بلغوا سن الرشد ، وأصبحوا  صبية أوشباب الشوارع ، وهولاء تربوا فى بيئة قاسية وظالمة وحرموا من كل شىء تقريبا ، وأصبحوا ناقمون على المجتمع لانهم مهمشون ، ولايجد لديهم مايخافون عليه  ،أوليس لديهم مستقبل ، وإذا كانوا يتسولون بالقوة الأن سواء بمطاردة قائدى السيارات أو التحرش بالمارة ،فإنه من الممكن أن بفعلون أى شى ،سواء بالسرقة علنا وبإلإكراه ، وأخشى أن يصبحوا بعد ذلك وقودا فى ثورة شعبية ضد الظلم والفقر.

وقد تعمت لدى هذه المخاوف بعد قراءة مقال صديقى الكاتب الصحفى هشام أبو الوفا فى جريدة المساء الأسبوع الماضى وذكر فيه بالأرقام مدى ماوصلنا إليه من تدنى فى الوضع الاقتصادى ، وأكد أن اسعار الغذاء واللحوم ارتفعت خلال الثلاثة أسابيع الاخيرة بنسبة 100% فكيلو اللحوم الحمراء وصل 80 جنيها في عهد حكومة الدكتور نظيف ، كما أن الخضروات والفواكه تضاعفت أسعارها ، والعيش اختفي وإن وجد فبأسعار 50 قرشا للرغيف ، و إن نسبة الفقر تتراوح في مصر من 35 إلي 40%. أي ان هناك 32 مليون مصري دخلهم لا يتجاوز خمسة جنيهات يوميا.

و إن الفقر جعل الناس تبيع أعضاءها للأغنياء، ووصل سعر فص الرئة إلي 20 ألف جنيه والكلية لواحدة 40 ألف جنيه وجزء من الكبد 40 ألف جنيه. ويوجد 8 ملايين مصري يعيشون في 897 منطقة عشوائية منهم 5.1 مليون يعيشون داخل المقابر "حسب تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات .

وإن عدد من اقدموا علي الانتحار بسبب ضيق ذات اليد وضعف الحيلة في ظل حكومتنا الموقرة وصل إلي عشرة آلاف و 679 منتحرا في القاهرة الكبري فقط وهم من وصلوا إلي مراكز السموم الكبري للعلاج ، و* إن العشوائيات والفقر والاهمال تسببت في 20 ألف حريق سنويا خسائرها تجاوزت 400 مليون جنيه. و إن 1% من تعداد المصريين يمتلكون 50% من ثروات مصر أي أن 800 ألف مصري يملكون نصف ثروات مصر وذلك "حسب احصائيات من البرنامج الانمائي للأمم المتحدة وتقارير التنمية البشرية

ومايمكننى قوله بعد قراءة هذه الأرقام المفزعة هو "إحذروا ثورة المهمشين والجياع فى المستقبل القريب ، وعلينا أن ننتبه فكل منطقة راقية بها إسكان فاخر ،محاطة بمنطقة أخرى فقيرة وعشوائية .

فمدينة نصر بجوارها عزبة الهجانة ،والزمالك أمامها بولاق ، والمهندسين بجوار أمبابة والمعادى ملاصقة لدار السلام ، بل وحتى  بمدينة 6 أكتوبر ولاسيما فى لأحياء المتميزة ذات الفيلات الفخمة يوجد مناطق عشوائية . إستيعاب الخارجين عن المجتمع والقانون يتطلب تدخل الشرطة من جانب ، وجمعيات المجتمع المدنى ورجال الخير من جانب أخر من اجل إستيعاب هؤلاء المتسولون بالقوة ، وبلطجية المستقبل ، ولاسيما أنهم مرشحون للزيادة فى الأعوام القادمة بسبب زيادة معدل الفقر.

الامر يتطلب أيضا سياسة جديدة لتوزيع الدخل ، وبرامج اقتصادية لتشغيل العاطلين وإستيعاب المهمشين خاصة اطفال وشباب الشوارع  ، حتى لانصحو على إنتفضة أمن مركزى جديدة !

اجمالي القراءات 10003