الدواء المغشوش

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ١٥ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

   أولا:

1 ـ في جريدة أخبار اليوم بتاريخ 6/3/1993م ,كتب أحد العلماء الرسميين مقالا بعنوان "الإرهاب وحكم الإسلام فيه" قال فيه "فلقد حرم الإسلام العدوان على النفس بغير حق فقال الله تعالى "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " وهذا الحق وضحه الرسول (ص) حين قال:لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث:النفس بالنفس والثيب الزاني والتارك لدينه المفارق للجماعة."

2 ـ  وفضيلة الكاتب أراد أن يهاجم الإرهاب فوضع بين سطوره ما يؤكد الدÚUacute;وة للإرهاب واستشهد بحديث "لا يحل دم امرئ إلا بثلاث" وهو من الأحاديث التي نسبها العصر العباسي للرسول عليه السلام ، والرسول منه برئ ، ودعاة الإرهاب يعتمدون على ذلك الحديث في قتل النفس البريئة ، إذا أنهم يحكمون بكفر المجتمع ثم يقيمون حد الردة المزعوم على من يشاءون .. ويعتقدون أن ذلك هو الإسلام ، وما دام بقيت تلك الأحاديث بدون مناقشة فسيظل الإرهاب الديني متفشياً ..

ثانيا

  1 ـ كان ينبغي لفضيلة الكاتب إذا أراد أن يهاجم الإرهاب فعلا أن يحتكم للقرآن وحده فيقول مثلا : ( لقد حرم الله تعالى قتل النفس بغير حق ، فقال تعالى في سورتي الأنعام والاسراء " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " فالاستثناء الوحيد لقتل النفس هو الحق الذي جاء به القرآن ، والحق اليقيني جاء في القرآن فحسب ، والله تعالى يقول "وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" :الإسراء 105". وإذا تتبعنا الحق القرآني الذي على أساسه يباح قتل النفس وجدناه في قوله تعالى " وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس "المائدة45" أي لا يباح قتل النفس إلا إذا قتلت هى نفساً، وليس هناك مبرر آخر لقتل نفس لم ترتكب جريمة قتل ، و إلا كان ذلك إفساداً في الأرض.

إن القرآن يعتبر الإفتاء بقتل نفس لم تقتل نفساً .. يعتبره فساداً وجريمة تساوي قتل الناس جميعاً، ويجعل استنكار تلك الفتوى انقاذا وإحياءاً للناس جميعاً ، والقرآن الكريم بعد أن ذكر قصة ابن آدم الذي طوعت له نفسه قتل أخيه قال "من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فساد في الأرض ، فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً : المائدة32" والإعجاز التاريخي في الآية الكريمة السابقة يتجلى في عصرنا ، عصر الإرهاب ، حيث صيغت فتاوى تبيح قتل النفس خارج القصاص ، ونسبوا تلك الفتاوى للرسول عليه السلام وهو منها برئ ، وعلى أساس تلك الفتاوى يباح قتل الناس جميعا بعد اتهامهم بالكفر .)

 

2 ـ وكان يمكن له أيضا أن يضيف : ( لقد اتفق علماء الأصول على أن الأغلبية العظمى من الأحاديث هى أحاديث آحاد تفيد الظن ولا تفيد اليقين , وفي قضية خطيرة مثل قتل النفس يؤكد القرآن على أن المبرر الوحيد أو الاستثناء هو الحق القرآنى المؤكد الواضح المبين : "ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ، فالله تعالى هو الذي حرم قتل النفس والله تعالى هو الذي استثنى فقال"إلا بالحق" ، ولم يقل بالظن، والحق في كتاب الله تعالى وحده ، والظن فيما عداه ، ولكن المؤكد أن أكثر البشر تتبع الظن وتهجر القرآن يقول تعالى "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون: الأنعام116" وذلك الظن الذي يتبعونه لا يغني أمام حق القرآن شيئاً يقول تعالى" وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغنى من الحق شيئاً : يونس  36".)

 

3 ـ وكان يمكن أيضا أن يضيف : ( لقد اخترع الحكم الديني في العصر العباسي حد الردة وحد الرجم ليعاقب خصومه السياسيين بعد أن يتهمهم بالزندقة ، وصاغ تلك العقوبات في أحاديث منسوبة للنبي عليه السلام ولم يكن ذلك معروفاً في عهد النبي عليه السلام ، ولكن على أساس تلك الفتاوى ينشر التيار الديني المتطرف الإرهاب ويسعى لتدمير المجتمع .. ونحن نشهد أن الرسول عليه السلام لا يمكن أن يخالف القرآن ولا يمكن أن ينطق عن الهوى.. فقد كان رحمة للعالمين " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين..  الأنبياء 107" ولم يرسله ربه تعالى لإهلاك العالمين، فإذا كانت أغلبية البشر ضالة مضلة " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " فهل يعني ذلك سفك دمائهم؟ أم يعنى دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة وإرجاء الأمر إلى الله تعالى يوم القيامة كما قال القرآن "وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون , وانتظروا إنا منتظرون.. هود121" .

وواجبنا نحن العلماء أن نفحص كتب التراث لنفضح الأسس التراثية التي يقوم عليها الإرهاب لننصف الإسلام من تهمة الإرهاب، ولننقذ منه المصريين ..).

أخيرا :

    1 ـ هذا ما كان ينبغي على فضيلته أن يقول ..

وأكون واهماً إذا توقعت منه أن يقول ذلك ، فقد تعرضت للاضطهاد بسبب دعوتي إلى مناقشة كتب التراث ، وقد تنبأت في كتاب "السيد البدوي" سنة 1982م باستفحال الصدام بين الشباب والسلطة ما دام بقيت مقولات التراث كما هى تحظى بتقديس الشيوخ.. وأكبر دليل على صحة ما أقول ليس تفشي الإرهاب فحسب ، ولكن لأن بعض الأشياخ إذا حاول الرد على الإرهاب استشهد بالأحاديث التي تدعو للإرهاب، أى يلقي بالديناميت في حريق الإرهاب ليفجر الوطن بما فيه..            

 ملاحظة :

نشرت هذا المقال فى جريدة ( الأحرار ) فى سلسلة ( قال الراوى ) بتاريخ 3 مايو 1993م

ولا تزال كأنها مكتوبة اليوم ، لأنهم لا يقرأون ، ولو قرأوا لا يفهمون ، ولو فهموا فهم يموتون  .

اجمالي القراءات 13509