مسجد الضرار فى نيويورك ..!!

آحمد صبحي منصور في السبت ١١ - سبتمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

الأصول العقيدية والتاريخية لمشروع انشاء مسجد المنطقة زيرو فى نيويورك

11 سبتمبر 2010

مقدمة

1 ـ تمتع المنافقون فى دولة الاسلام فى عهد النبى محمد عليه السلام بحرية المعارضة الى درجة تفوق الحرية السياسية للمعارضة فى النظم الغربية الحديثة . ومنها كانت حريتهم فى إنشاء مسجد اتخذوه وكرا للتآمر على المسلمين ، وكان النبى عليه السلام يرتاد هذا المسجد دون علم بما يجرى فيه من تآمر ، وقد نزل الوحى القرآنى يخبر بحقيقة هذا المسجد ، وينهى النبى عن اللاقامة فيه . وظل المسجد قائما دون هدم بتقرير القرآن نفسه : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) ( التوبة 107 ـ ).

2 ـ تلك الحادثة التى وقعت من أكثر من 14 قرنا وسجلها القرآن الكريم تتكرر جزئيا فى بعض ملامحها فى مشروع إنشاء مسجد نيويورك فى منطقة الهجوم فى 11 سبتمبر 2001 .

3 ـ مشروع إنشاء ذلك المسجد أثار موجات من التعصب المسيحى ، منها التنادى بحرق المصحف. وقد سبق المركز العالمى بالتنديد بجريمة حرق المصحف . ومع تراجع ذلك القس تيرى جونز فقد جاءت الأنباء بعزم قس آخر على حرق المصحف ، وقيام متعصب آخر فى أسبانيا بإنشاء ملهى تحت اسم مكة . أى دفع الاسلام فاتورة التطرف السّنى الذى ضاقت عليه أمريكا بما رحبت ويريد أن يقيم مسجدا يكون رمزا لما يسمونه (غزوة مانهاتن ) أى تخليدا لذكرى انتصارهم على أمريكا بضرب برجى مركز التجارة العالمى فى مثل هذا اليوم من تسع سنوات . هذا الاصرار ليس مجرد عمل سياسى يستهدف إثارة حنق الأمريكيين ( المسيحيين ) ، ولو كان عملا سياسيا بمقاييس السياسة لأصبح نوعا من الخبل السياسى ، فكيف يقوم عاقل بإثارة نعرة التعصب بالاصرار على بناء مسجد فى تلك المنطقة تحديدا ، وهو عارف بتكلفة ذلك سياسيا ودعائيا ؟

ليس هذا عملا سياسيا عاديا لأن السياسة العادية هى فنّ المنفعة . إنه موضوع عقيدى فى الأساس لدى اتاع الدين السّنى الأرضى . وهذا يستلزم تحليلا اصوليا وتاريخيا موجزا .

أولا :

1 ـ الأساس العقيدى لدى السنيين الوهابيين هو تقسيمهم العالم الى معسكرين : دار الايمان والسلم ، ودار الحرب و الشرك ، وحتمية المواجهة المسلحة بين المعسكرين حيث ينتصر معسكر الاسلام على معسكر الكفر ويبيد المسلمون النصارى واليهود حتى يقول الحجر يا مسلم خلفى يهودى فاقتله ، حسبما جاء فى الأحاديث السنية الكاذبة والتى تنسب للنبى محمد عليه السلام علمه بالغيب بالمخالفة للقرآن الكريم .

2 ـ وترتيبا على عقيدتهم بتقسيم العالم الى معسكرين متحاربين فإن لهم استراتيجية موحدة تقوم على محورين متوازيين :

  •  اتحاد المسلمين جميعا فى دولة اسلامية موحدة تعيد الخلافة ، بعد سقوط الخلافة العثمانية ، وهذا يعنى إسقاط النظم الحاكمة حاليا فى بلاد المسلمين .
  • الاستيلاء على المعسكر المعادى بالبدء بتكوين طابور خامس من جاليات المسلمين فى الغرب.

ثانيا :هذا يستلزم تحليلا سريعا .

1 ـ فالأمويون قادة قريش فى الحرب والتجارة عارضوا الاسلام واضطهدوا المسلمين وألجأوهم للهجرة الى المدينة ، وتكوين أول ـ وآخر ـ دولة اسلامية بقيادة النبى محمد ، ونزل لهم الإذن بالقتال الدفاعى ردا على هجومات مسلحة لقريش على دولة المسلمين فى المدينة .

تلك الدولة الاسلامية قامت على أسس العدل والحرية المطلقة فى الدين والفكر وفى العمل السياسى وفى التسامح والسلام . وهذا مايتأكد عندما نقرأ القرىن الكريم بمفاهيمه ومصطلحاته. ووفقا لما جاء فى القرآن أيضا فان المسلمين فى عهد النبى فى تلك الدولة الاسلامية كانوا درجات شتى فى تمسكهم بالاسلام:

  • منهم من اسماهم القرآن بالمنافقين ، وهم معارضون للاسلام دينيا وسياسيا ، وقد انهمكوا فى التآمر على النبى و المسلميت متتهزين فرصة الحرية المطلقة فى الاعتقاد وفى الحركة السياسية و فى التعبير .وهم طوائف شتى تكرر الحديث عنهم مئات الآيات القرآنية.
  • ومنهم مؤمنون خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا  ، ونزلت آيات كثيرة فى القرآن تلومهم وتحذرهم .
  • ثم هناك من سبق بايمانه الحق وعمله الصالح .وواضح أنهم أقلية مقارنة بما سبق.

وهذا التقسيم يتسق مع الظروف التاريخية وقت نزول القرآن وفى عصر خاتم المرسلين عليه وعليهم السلام . فمن الناحية العامة كانت الثقافة العامة للعالم هى الاستبداد والظلم والفساد واستخدام الدين (الأرضى ) فى خدمة الفساد والاستبداد والقبول بالظلم . ويتسق هذا التقسيم مع طبيعة الحياة العربية البدوية القائمة على النزاع المسلح ووأد البنات والاسترقاق والسبى والولاء للقبيلة وليس للقيم العليا الاسلامية من العدل والحرية والسلام والتسامح بالاضافة الى اخلاص العقيدة لله جل وعلا دون تقديس للبشر والحجر و القبور والأصنام . فمن دخل فى الاسلام كانوا طوائف ثلاث : منهم من تشبع بالثقافة السائدة واضطر لمعايشة المسلمين حرصا على مصالحه ، وأولئك هم المنافقون . ومنهم من تصارعت فى داخله قيم الاسلام مع القيم التى تشربها وتشبع بها قبل دخوله الاسلام ، ولذلك تأرجح وخلط عملا صالحا وآخر سيئا . ومنهم من اخلص وتخلص من رواسب الثقافة الجاهلية وتشبع بالاسلام بديلا عنها . وفى كل الأحوال فإن معايشتهم للاسلام والنبى محمد عليه السلام هى سنوات لا يمكن أن تمحو تماما ونهائيا الثوابت التى تشربوها من عصرهم قبل وبعد الاسلام .

ثم هناك الأمويون الذين قادوا اضطهاد المسلمين فى مكة حتى هاجروا ، ثم تابعوا حربهم بعد الهجرة حفاظا هلى مصالحهم الاقتصادية . وفى النهاية أدرك الأمويون ان مصلحتهم السياسية والاقتصادية تحتم عليهم الدخول فى الاسلام بعد أن دخلت فيه معظم القبائل العربية ، وأصبحت تهدد تجارة قريش الشرقية من الهند الى اوربا والدولة البيزنطية عبر سوريا واليمن .

2 ـ دخل الأمويون الاسلام قبيل موت النبى محمد بعد تاريخ دام من العداء للاسلام وحرب المسلمين . وما يهمنا هنا أنهم اتحدوا مع أقاربهم القرشيين الذين أسلموا من قبل ، وكونوا جبهة قرشية واحدة . وبعد موت النبى محمد دخلوا بالمسلمين العرب وغيرهم وبالتاريخ العالمى الى مرحلة جديدة هى استغلال اسم الاسلام فى غزو واستعمار معظم العالم المعروف وقتها ، معتدين على امم وبلاد لم تعتد عليهم بل لم تسمع عنهم من قبل ، وبهذا الاعتداء الحربى اتسع التناقض بين تشريع الاسلام فى القرآن وأعمال الصحابة والخلفاء الراشدين والأمويين بعد موت خاتم المرسلين ، وتحتم تسويغه وتشريعه حتى يستمر متمسحا باسم الاسلام.

وبينما تم تدمير الامبراطورية الفارسية نهائيا بل تجاوزها شرقا الى حدود الهند والصين فقد ظلت القوة الغربية العالمية ( الدولة البيزنطية )محتفظة بعاصمتها القسطنطينية تواجه مع اوربا اعتداءات العرب تحت اسم الاسلام ، مع تناقض ما يفعله أولئك العرب مع الاسلام .

3 ـ واستمر الصراع بين المسلمين والبزنطيين قرونا مما أنتج تقسيم العالم فعلا الى معسكريين ، بنفس الصراع الذى ساد من قبل بين الروم و الفرس ، ولأنه تم اتسغلال الدين فى تلك الحروب الدينية وفق ثقافة العصور الوسطى فقد تحول التقسيم الحربى الى تقسيم دينى ، حيث يرى كل معسكر أنه على الحق وعلى الايمان الصحيح . وبالتالى جاء تقسيم العالم ـ فى الدين السّنى ـ الى معسكر الايمان و السلام مقابل معسكر الكفر ودار الحرب.

ومن الطبيعى أن التطبيق جاء سابقا على التأطير ووضع القواعد . فقد تأسست للمسلمين امبراطورية هائلة تقابل اوربا والغرب ، ولأنها فى تناقض مع تشريعات القرآن فقد كان حتما اختراع تشريعات تسوغ ما فعله المسلمون ، وأن تنسب تلك التشريعات للاسلام زورا وبهتانا من خلال الأحاديث التى نسبوها للنبى محمد بعد موته بقرنين وأكثر، وبتحريف تشريعات القرآن بطرق شتى تعرضنا لها بالتفصيل . وقام بذلك الدين السّنى تعبيرا عن الامبراطوريات المسلمة من الأمويين الى العباسيين والمماليك والعثمانيين .

4 ـ وبلغت امبراطورية المسلمين أوجها فى الدولة الأموية ، من حدود الهند والصين شرقا الى جنوب فرنسا والاندلس غربا . واصبح المسلمون هم القوة الشرقية فى مواجهة الغرب ، ودفعت أوربا الثمن فاحتل المسلمون جزر البحر المتوسط وجنوب ايطاليا ، واحتكروا التجارة الشرقية من الهند . وكانت الامبراطورية البيزنطية أكثر تضررا فقد ضاعت هيبتها وفقدت معظم اقاليمها فى آسيا الصغرى ، بل حاول الأمويون مرتين الاستيلاء على عاصمتها القسطنطينية .

5 ـ وفى أول محاولة لغزو القسطنطينية تم تأسيس نقطة الوثوب من معسكر السلام والايمان على معسكر الحرب ، وسميت مناطق التخوم بين المعسكرين بالثغور ، وسميت المعسكرات هناك بالرباط . فى تلك المحاولة الأولى فى خلافة معاوية لغزو القسطنطينية عام 670 ميلادية تراجع الجيش الغازى ، ومات الصحابى أبو أيوب الأنصارى ، وقبيل موته أوصى بأن يدفن فى أقرب نقطة لأرض العدو ـ دار الحرب ـ لتكون نقطة وثوب وانطلاق لحروب تالية . وأصبح قبره معلما روحيا للجهاد على الطريقة السنية من ناحية الشرق ، بمثل ما أصبحت قرطبة المسلمة ملهمة للجهاد السنى ضد دار الحرب فى أوربا فى الغرب.

6 ـ وخلال الدولة العباسية تبادل العباسيون والبيزنطيون النصر والهزيمة فى مناطق التخوم بينهما فى آسيا الصغرى، وعرفت الحرب العباسية وجود عدد ضخم من المتطوعين الفقهاء والدعاة ، وبسبب تبادل الفريقين العباسيين والبيزنطيين احتلال مناطق واستردادها فى آسيا الصغرى فقد تولدت عقيدة جديدة أن تكون مقابر المسلمين فى المنطقة التى يستولى عليها العدو مزارات مقدسة ورمزا لوجود اسلامى فى أرض العدو يجب الوصول اليه واسترداده .

وفى النهاية ضعف العباسيون فتوسع البيزنطيون على حسابهم وتوغلوا الى حلب وبعض مناطق الشام ، ثم ضعف البيزنطيون فتسلم الراية منهم الأوربيون فيما يعرف بالحروب الصليبية التى أسست ولايات صليبية ومملكة بيت المقدس فيما بين الشام وآسيا الصغرى . وتمكن المماليك من اجتثاث الوجود الصليبى نهائيا باستيلاء السلطان خليل بن قلاوون على عكا آخر معقل لهم عام 690 هجرية .

7 ـ بعد تدمير الوجود الصليبى ظهر العثمانيون فى آسيا الصغرى فى وقت ضعف البيزنطيين وضعف الدول المسلمة فى المنطقة، فعمل العثمانيون على التوسع غربا على حساب الأمبراطورية البيزنطية التى لم يتبق منها سوى عاصمتها وبعض المناطق فأصبحت مثل رأس بلا جسد . واصبح العثمانيون يمثلون معسكر (الاسلام ) ضد دار الحرب. وعثر العثمانيون على قبر أبى أيوب الأنصارى فكان الهاما للسلطان محمد الفاتح لكى يستولى على القسطنطينية ، فقام ذلك السلطان العثمانى بتجديد قبر أبى أيوب الأنصارى ، وبنى عليه مسجدا ومزارا ضخما ، وتعهد فيه بأن يستولى على ما تبقى من الامبراطورية البيزنطية ، وأثار حماس جنده ففتح القسطنطينية فى 29 مايو عام 1453، وحوّل كنيستها أيا صوفيا الى مسجد وسماها اتانبول او اسلامبول ، وواصل العثمانيون فتوحاتهم حتى وصلوا أبواب فينا فى النمسا. وفى ذلك كله كان مسجد أبى أيوب الأنصارى هو الحافز والالهام القاطع ، فقد حوّله العثمانيون الى مركز دينى رسمى يتم فيه تتويج السلطان العثمانى ليتعلم من البداية اصول ( الجهاد السّنى ) ضد اوربا دار الحرب.

ثم ما لبث الضعف أن اعترى الامبراطورية العثمانية فأطلقت عليها أوربا لقب الرجل المريض ، وتأهبت روسيا لالتهامها من الشرق ، وأوربا من الغرب ، وبدأت بذلك الحركة الاستعمارية فى العصر الحديث .

8 ـ ويتضح أمران من تلك الحروب بين المسلمين والغرب :

  • أن المسلمين السنيين هم الذين بدأوا الحرب فاكتسب الجهاد السنى ملمح العدوان متناقضا مع الجهاد الاسلامى الحقيقى القائم على مجرد الدفاع بعد استنفاد كل الطرق السلمية الممكنة.
  • أن حطام الدنيا هو أساس ذلك الصراع ، وقد تبلور حول التجارة الشرقية من الهند الى أوربا ، والتى احتكرتها قريش بزعامة الأمويين قبل الاسلام ، ومن أجلها حاربوا الاسلام ، ومن أجلها اضطروا للدخول الى الاسلام .

وكان من أهم دوافع الحروب الصليبية والكشوف الجغرافية هى الوصول للهند بعيدا عن بلاد المسلمين ، والتحالف مع دولة الحبشة المسيحية . وبالكشوف الجغرافية قامت حركة الاستعمار الحديثة التى استعمرت معظم بلاد المسلمين .وقضت فى النهاية على الدولة العثمانية والخلافة العثمانية .

9 ـ بسبب هجمة الاستعمار الاوربى على بلاد المسلمين ظهر رد الفعل فى قيام الدعوة الوهابية و الدولة السعودية بالعودة الى السلف العباسى وتطبيقه بحد السيف فى مواجهة التحديث الأوربى العلمانى الغربى الذى تزعمت مصر الدعوة اليه . وأقيمت الدولة السعودية ثلاث مرات وسقطت مرتين ، والدولة السعودية الراهنة استطاعت بالبترول وتحالفها مع أمريكا أن تنشر الوهابية السنية بين المسلمين على أنها الاسلام . وانتشر الفقه السلفى وتوابعه على حساب العلمانية ، ومنها عقيدة تقسيم العالم الى معسكرين .

واستغلت السعودية الحرية الدينية فى الغرب وهجرة المسلمين لأمريكا واوربا وحاجة الغرب وامريكا للتحالف مع السعودية ضد الشيوعية والاتحاد السوفيتى ، ففتحت امريكا واوربا ابوابها لاقامة المساجد والمدارس الوهابية تحت اسم الاسلام .

10 ـ وبسقوط الاتحاد السوفيتى وانحسار الشيوعية لم يتبق من معسكر (الكفر الغربى ) إلا أوربا وأمريكا . وهذا السقوط السريع والمفاجىء للاتحاد السوفيتى وتوابعه أحدث تغييرا فى التكتيك الوهابى مع الاتفاق فى الاستراتيجية .الاستراتيجية الموحدة هى تكوين دولة  سنية موحدة تعيد مجد الأمويين والعباسيين والعثمانيين ، وبالتوازى مع ذلك التوسع داخل (دار الحرب ) باستعلال الجاليات الاسلامية ونشر الوهابية تحت اسم الاسلام ، وتثوير المسلمين فى امريكا والغرب وغسيل مخهم لتحويلهم الى طابور خامس أو طالبان يتمددون فى الغرب ويستولون عليه من الداخل . كل ذلك باتباع سياسة الوجهين فى التعامل مع أمريكا والغرب ، خداعا وتمويها انتظار للحظة المناسبة مهما طال الانتظار .

بسقوط الاتحاد السوفيتى و الشيوعية اختلف التكتيك بظهور (القاعدة ) تمثل الشباب المتعجل الذى لا يطيق صبرا على سياسة النفس الطويل التى يتبناها النظام السعودى والتى أرساها عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الراهنة ، وعلى نفس سياسة النفس الطويل تسير جماعة الاخوان المسلمين ، والتى أنشأها فى مصر عملاء عبد العزيز آل سعود .

الشباب المتعجل فى مصر خرج من عباءة الاخوان المسلمين يعمل فى الاتجاهين معا : إسقاط النظم الحاكمة والاستيلاء عليها توطئة لاقامة الدولة (الاسلامية ) السنية الموحدة ، والعمل ضد الغرب . والتعجل يعنى اللجوء للعنف والعمليات الارهابية لاختصار الطريق . وهذا ما فعلته الجماعة الاسلامية والجهاد وغيرهما ، ثم تكونت القاعدة من تحالف ابن لادن السعودى و الظواهرى المصرى بهدف معلن هو حرب اليهود والنصارى ، وقامت بهجمات على سفارتى امريكا وعلى برجى التجارة العالمية فى نيويورك .

11 ـ وجاء مشروع انشاء مسجد نيويورك قرب موقع التدمير فى 11 سبتمبر ليجمع أصحاب التكتيكين معا فى خدمة الاستراتيجية الموحدة ، ليكون المسجد المقترح الهاما وحافزا وتجميعا للسنيين الوهابيين فى امريكا لتحقيق الأمل الموعود داخل التراب الأمريكى نفسه ، بمثل ما كان يمثله مسجد ومقبرة ابى ايوب الأنصارى فى مواجهة القسطنطينية ( القديمة ) وبمثل ما كانت ترمز له قرطبة قديما فى الجهاد ضد الغرب ، وما تمثله قرطبة حديثا لدى السنيين الوهابيين فى استعادة الاندلس الاسلامية العربية .

وليس مستغربا أن يطلقوا على المسجد المقترح اسم قرطبة . كما  أنه ليس مستغربا أن تشيع المساجد السنية فى سويسرا أن كل مقبرة للمسلمين فى اى بلد فى سويسرا تعتبر مكانا مقدسا لأنها معلم (اسلامى ) فى دار الحرب .!..وفق ما ساد فى آسيا الصغرى فى العصر العباسى .

ثالثا : ونتساءل :

  • ـ لماذا كل هذا الحرص على انشاء هذا المسجد السّنى فى تلك المنطقة بالذات ؟ وهل ضاقت الأرض الأمريكية بما رحبت عن انشاء مسجد فى أى مكان آخر ؟ وهل يعانى المسلمون فى أمريكا من قلة المساجد ؟ وهل الحصافة تقتضى إنشاء مسجد فى تلك المنطقة لإثارة أوجاع الأمريكيين ؟ أم تقتضى من المسلمين الأمريكيين الاعتذار عن جريمة الحادى عشر من سبتمبر و إقامة نصب تذكارى للضحايا ومشاركة ذويهم ولعن وتكفير ابن لادن ورفاقه ؟

2ـ  ولنتخيل : قيام متعصبين مسيحيين غربيين بالهجوم على قصور آل سعود وتدميرها وتدمير وزارة الحربية فى الرياض ، ثم إظهار الغربيين فرحتهم بهذا الانتصار ، ثم قيام المسيحيين داخل المملكة السعودية ـ على فرض وجودهم أحياء متمتعين بكامل حريتهم الدينية ـ بإنشاء كنيسة قرب الدمار والخرائب فى منطقة الاعتداء ..ولنتخيل أكثر ـ الى درجة الخبل ـ أن يخرج ملك السعودية يناصر إقامة تلك الكنيسة فى ذلك المكان ومشيدا بالمسيحية ومتوددا للمسيحيين فى الداخل وللعالم المسيحى فى الخارج .. هل يمكن أن يحدث هذا حتى فى الأحلام ؟ هذا هو الفارق بين التسامح الأمريكى و الاجرام الوهابى .

3 ـ ونتساءل : على فرض وجود دار السلام ودار الحرب ،أو دار السلام ودار الكفر والظلم ، فأين فى الواقع العملى توجد قيم العدل والحرية والتسامح ؟ أفى الغرب أم فى بلاد المسلمين ؟ وأين يوجد الظلم والاستبداد والاستعباد و الفساد والتعذيب وقهر الانسان لأخيه الانسان والابادة الجماعية و الحروب الأهلية و التفجيرات التى تفتك بالالاف ، والمساجد التى تتحول الى ثكنات عسكرية أو الى أهداف عسكرية ؟ هل يقيمها مسيحيو الغرب أم يقيمها السنيون و الشيعة فى أفغانستان والعراق وقبلها فى الجزائر ومصر ، ثم يقيمها السنيون فى أمريكا وأروربا لتحصد حياة أنفس بريئة ؟

 4 ـ ونتساءل : إذا كان الاسلام فى التعامل بين الناس هو الرقى الحضارى و القيم الرفيعة من الصبر و العدل والاحسان والسلام وحرية الفكر و المعتقد والتضحية والايثار والرأفة والرحمة حتى بالحيوان ، وإذا كان الله جل وعلا قد بعث خاتم المرسلين رحمة للعالمين ـ فأى البلاد هى الأقرب فى تطبيق هذه الشريعة الاسلامية الحقيقية ؟ أهى بلاد المسلمين أم بلاد الغرب ؟ واين هو معسكر الشّر ؟ وأين هى دار الحرب ومعسكرات الدم ؟

وأخيرا ..اين حمرة الخجل ؟!!

اجمالي القراءات 18689