عِبرُ ومواعظ فى قصة نبى الله موسى والعبد الصالح

صلاح النجار في الأحد ٢٩ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

سورة الكهف هى أكثر سور القرآن إثارة للمسلمين ؛ لأن فى ثقافتهم – السلفية السنية  -  أنه يجب قراءة سورة الكهففى كل يوم وخاصة كل يوم جمعة ، فنرى المشايخ والمقرءون يرتلون ويجودون أجزاء منها فى كل يوم جمعة إيماناً وتسليماً منهمبأنتلاوتها ستنجيهم من فتنة الدجال ..!! ، وأن  قراءتها ستشغل لهم نوراً من الأرض إلى السماء ..!! ، وذلك لحديث منسوب لنبى – عليه السلام – يُقال فيه : " من قرأ عشر آيات من أخر الكهف عُصم من فتنة الدجال " " رواه مسلم وأبو داود "

و;>وحديث آخر يُقال فيه : " من قرأ أول سـورة الكهف وآخرها كانت له نورا من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نورا من الأرض إلى السماء " ( رواه أحمد ).

فهنيئاً لهم بتلاوتهم ..!!، وهنيئاً لنا بتفكرنا وتدبرنا فى آيات ربنا جل وعلا .

فالآيات القرآنية ليست محل للتناغم والتلاوة والتجويد بين الشيوخ والمقرئين فىالمساجدبواسطة مكبرات الصوت لينظر أحدهم أيهما الأجمل والأعزب صوتاً ..ولكن هى محل تفكر وتدبر فهى ولاشك تحمل فى ثناياها وبين كلماتها علوماً لا تدرك ومعارف لا تنتهي وحقائق عظمى  ، فهي مثلا أعلى في إثارة الفكر ليهتدي  القلب إلى الإيمان بالله جل وعلا  .ومع الأيام والأعوام يكبر المرء وتتسع صلاته وتتعمق علاقاته فيزداد يقينه بأن ميزان الحق العظيم ومعايير الصدق الكريم فى آيات الذكر الحكيم ، فهى مصدر كل حكمة وحضارة ، وأساس كل سيادة وسعادة ، فيزداد المرء تمسكاً بمنهج الحق وشرائع ربه وهديه .

فإذا رجعنا إلى القرآن الكريم بنفوس عطشى وقلوب والهة فسوف نجد فيه الرؤية التنويرية التي يحتاجها عصرنا الفقير المعدم في إيمانه ، نعم .. فنحن أشد الحاجة للعودة إلى القرآن الكريم بنفوس عطشى لنقرأ عن حقيقة أنفسنا وحقيقة عصرنا وحقيقة مشاكلنا ، فهو الحل للخروج من ظلمات الباطل لنور الحق ، وهو الحل للخروج من مفترقات الطرق إلى طريق الحق وهو الإيمان بالله جل وعلا .

أما الذين اختاروا نبذ القرآن الكريم طريقا ومنهجها فأنهم قد اختاروا الموت لأنفسهم ودخلوا حارة السد التي لا مخرج منها  .

ونرجع لسورة الكهف فهى من السور المكية ، وعدد آياتها عشرة بعد المائة، وهى من السور التى احتلت موقعاً فريدا فى المصحف ؛ فبدايات السورة تحتل نهاية الجزء الخامس وأواخرها تحتل بداية الجزء السادس ، وهى فى التعبير قد جمعت بين خصائص القرآن المكي وصفات القرآن المدني من حيث الحديث عن العقيدة إيماناً بالله جل وعلا وبالقرآن العظيم واليوم الآخر والحشر والبعث والحساب والثواب والعقاب ، والحديث عن السنن الاجتماعية وما توجه من آداب وتوجيهات .

وإذا نظرنا إلى السورة بعين المتدبر والمتأمل سنجد أن العنصر القصصي هو الغالب فى هذه السورة ، فيوجد بها خمس قصص ؛ ففى أولها جاءت قصة أصحاب الكهف ثم بعد ذلك تلتها قصة الجنتين ثم بعدها إشارة إلى قصة آدم – عليه السلام – وإبليس وهى في المنتصف ، ثم قصة موسى – عليه السلام – والعبد الصالح، وفى نهايتها قصة ذي القرنين ، ويستغرق هذا القصص معظم آيات السورة ، ومعظم ما يتبقى منها من آيات هو تعليق وتعقيب على القصص ، إلى جانب بعض مشاهد القيامة والحشر والبعث والثواب والعقاب التى تصور فكرة أو معنى ، بالإضافة إلى الآيات التى تتكلم عن تصحيح العقيدة  وتصحيح منهج الفكر .

فقصتا أصحاب الكهف وصاحب الجنتين تتعلقان بقوم من عامة الناس، فأصحاب الكهف فتية ابتلاهم الله بالاضطهاد فى الدين ،فصبروا وفروا بدينهم خوفاً من قومهم  إلى الكهف بأبدانهم، لكنهم لجأوا إلى الله ورحمته بقلوبهم وأفئدتهم مؤمنين بأن لا ملجأ من الله إلا إليه. وضربوا أروع الأمثلة فى الصبر والمجاهدة  والإيمان به جل وعلا . وصاحب الجنتين قد ابتلاه الله ابتلاء النعمة فكر وطغى وأخفق فى ابتلاء ربه.

وقصتا موسى وذى القرنين تتعلقان برجلين من خاصة الناس؛ فموسى نبى مرسل وذو القرنين ملك عظيم. وأخفق موسى فى ابتلاء الصبر، ونجح ذو القرنين فى ابتلاء الشكر.

ومن العجيب أن ينجح الفتية في ابتلاء صبر أشد فى وقعه وأثره مما تعرض له موسى – عليه السلام- ويخفق فيه، وأن ينجح ذو القرنين فى ابتلاء شكر أعظم وأعم فى قوته وتأثيره مما فى يد صاحب الجنتين الذى يخفق فيه.

وقصة موسى – وهى موضوع المقال – والعبد الصالح تأتى بعد أقدم وأعرق قصة فى التاريخ وهى قصة آدم – عليه السلام وإبليس اللعين ، وقصة موسى – عليه السلام والعبد الصالح من أكثر القصص سرداً بين الناس لما فيها من حكمة وبصيرة واعية من العبد الصالح.

وبعيدا عن شطحات الصوفية والمفسراتية ، فإننا سنتدبر أحداث القصة من خلال آياتها لكي نخرج من هذه القصة ببعض العبر والعظات الدروس المفيدة وهى :

1- العلم والتعلم

فبداية القصة تعطينا دافعاً قوياً لطلب العلم والسعي وراءه وأن يتحمل فى سبيله كل مشقة وعناء طلبا لمرضاة الله جل وعلا ، فطلب العلم أسمى أهداف الإنسان .

أ -  فالعلم يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومثابرة وعزيمة وإرادة صلبة قوية ، ويظهر لنا هذا جليا واضحاً في أحداث هذه القصة فنرى موسى عليه السلام يقول لفتاه : " لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا" ، والحقب ؛ هى مدة زمنية قدرها أربعون عاما وجاءت بصيغة الجمع دلالة على عزيمة وإرادة نبى الله موسى لطلب العلم .

ب - والعلم أيضا يحتاج إلى جهد  وسعي وعناء ومشقة وتحمل وهذا نراه على لسان موسى حين قال لفتاه : " آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا".

جـ - على المتعلم أن يلتزم التواضع والخشوع والقنوع للمعلم ويظهر لنا ذلك من إحداث القصة حين قال موسى للعبد الصالح : "هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ؟ " ، وقوله أيضاً : " قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا " .

د –  على المتعلم أن لا ينسى العهد الذى بينه وبين معلمه وأن يعتذر عندما يخطأ ،"قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا " ، " قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْرًا"  

هـ - وعندما يزل طالب العلم وينسى ما أمر به مرة يتم تنبيهه، فإذا تكرر الزلل يتم تحذيره وتذكيره، فإذا عاد إليه يتم تطبيق الشروط بحسم ناصع والمؤاخذة بشكل قاطع." قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ..!!؟؟" ، "قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا..!! " ،" قَالَ : هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ " .

وها هى تبدأ أحداث القصة بأول جولة وهى ركوب العبد الصالح وموسى عليه السلام السفينة التي كانت ملك لمساكين يعملون فى البحر ، وإذ بموسى عليه السلام - - الذى أخذ على نفسه الميثاق والعهد والطاعة يعترض على فعل العبد الصالح ويستنكره ،" أخرقتها لتغرق أهلها ..!!" ، وحين يذكره العبد الصالح بعهده يعتذر ثم يعترض ويستنكر فى المرة الثانية"أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا"   ، ثم يذكره العبد الصالح بعهده وميثاقة فإذا به يعترض للمرة الثالثة "َقالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا"  .

وما كان لموسى عليه الصلاة والسلام أن يقول للعبد الصالح "أخرقتها لتغرق أهلها"، وقد نجاه الله من الغرق مرتين من غير سفينة؛ مرة وهو طفل رضيع، ومرة وهو نبى مرسل. وما كان عليه أن يعترض عليه فى قتل الغلام وقد سـبق له أن قتل الرجل الذي هو عدوه قضاءً وقدراً، فغفر الله له ولم يعاتبـه على ذلك. وما كان له أن يلومه فى بناء الجدار وهو عمل تقتضيه المروءة، وقد كانت له سابقة عند ماء مدين، فقد سقى للمرأتين أغنامهما رحمة بهما، وعطفاً عليهما. فما فعله العبد الصالح من قبيل ما فعله موسى، ولكن كان الأمر بالنسبة له غامضاً وقع أمام ناظريه فجأة وبدون مقدمات ولا مقتضيات.

2- أنواع الابتلاء:-

ففي الأحداث الثلاث نرى كل أنواع الابتلاء التى يتعرض لها الإنسـان فى الحياة من خوف وجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات..

أ - ففى قصة السفينة يبدو الابتلاء بشىء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال. 

ب- وفى قصة الغلام ابتلاء بشىء من الخوف ونقصٍ من الأنفس

ج -  وفى قصة الجدار ابتلاء بنقصٍ من الثمرات .

ورغم ذلك النقص الظاهر الذى يُصاب به أصحاب السـفينة وأهل الغلام ومالكي الجدار والكنز، فإن الله عز وجل يمنحهم عطاءه الممدود بلطفه ورحمته.وصدق ربى جل وعلا حين قال : " فإن مع العسر يسراً ، أن مع العسر يسراً " فلا بد من كل مصيبة وعسرا أن تحوى في داخلها الرحمة وهذا ما يظهر لنا جليا في أحداث القصة.

3 - الإرادة والمشيئة :-

1 - ذكرت كلمة الإرادة ومشتقاتها فى هذه القصة أربع مرات وهى على التوالى :-

أ – " أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً " .

ب – "فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً " .

ج -  وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً " .

والسؤال واللغز المحير في الموضوع هو لماذا قال العبد الصالح في قصة أصحاب السفينة " أردت " ..!!؟ ، ولماذا قال في قصة الغلام " فأردنا" ..؟؟ ، ولماذا قال في قصة الجدار فأراد ربك ..؟؟ وقبل أن نجيب على الأسئلة لابد لنا أن نتطرق لمفهوم الإرادة ، فمفهوم الإرادة عند " المهندس عدنان الرفاعى هو القصد والهدف والغاية ، والإرادة تتعلق بالذات الإلهية وبعالمي الأنس والجن إلا في نص  تتعلق الإرادة بشئ جامد كالجدار  " َوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً "

المشيئة : هي الإرادة ( القصد والهدف والغاية ) + التفاعل مع الأسباب ..

لكنى أفهم الإرادة من خلال هذه القصة أن الإرادة هى تحقيق أهداف أو إنجار بعلم وقدرة ، كيف ..؟؟

1 -  في قصة السفينة.. العلم بأن السفينة لمساكين يعملون عليها، وأن هناك حاكما للوطن يصادر السفن غصبا عن أهلها.. علم مكتسب، والقدرة على خرق السفينة بنزع بعض الألواح أو إتلافها أو كسرها.. قدرة بشرية مكتسبة، فالحديث هنا عن "الإرادة البشرية". فمن سخر علمه المكتسب وقدرته أيضا من أجل دفع الضرر عن الناس أو جلب منفعة لهم إخلاصا لوجه الله عزوجل كان كالعبد الصالح. "عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما"، ويحق له أن يقول "أردت".

2 -  وقصة الغلام تشير إلى أن العلم بإيمان والديه، وعقوقه لهما في مستقبل أيامه، واستمراره في غيه وطغيانه.. علم غيبي لا يعلمه إلا الله عزوجل، والقدرة على القتل.. قدرة بشرية.. فالحديث هنا عن "الإرادة الإنسانية"، وهى إرادة مشتركة بين العبد وربه سبحانه، وفى ذلك تكريم عظيم للإنسان إذ تصبح إرادة العبد تعبيرا عن إرادة مولاه جل وعلا .

والفرق بين الإرادتين أن الإرادة البشرية تشير إلى أن تحقيق الأهداف وإنجاز الأمور يتم في إطار ما تعارف عليه البشر من قيم مشتركة ومصالح عامة، أما الإرادة الإنسانية فتشير إلى أن تحقيق الأهداف وإنجاز الأمور يتم في إطار كتاب الله عزوجل الذي أنزله وإتباع الرسول الذي أرسله.  

3 -  وقصة الجدار تشير إلى أن العلم بأنه تحت الجدار كنز ، وأن أبا الغلامين كان رجلا صالحا رغم موته وعدم معاشرة أسرته أو التواصل مع أهل قريته.. علم غيبي لا يعلمه إلا الله عزوجل، والقدرة على حفظ حياة الغلامين حتى يشتد عودهما، وتهيئة الظروف حتى يعرفا مكان الكنز ويخرجاه.. قدرة إلهية، فالحديث هنا عن "إرادة الله عزوجل ومشيئته".

وما فعله العبد الصالح من إقامة الجدار - رغم إساءة أهل القرية لهما - يمكن أن يقوم به أى إنسان بعلمه وقدرته.. فإذا كان لديك قطعة أرض فضاء بجوار طريق فسيح للسيارات، فقد تنحرف إحدى السيارات المسرعة لسبب من الأسباب، فتستقر فى أرضك، ويسلم من كان فيها من الركاب، ولكن بعد فترة أردت المحافظة على أرضك لحين البناء عليها واستغلالها، فعينت لها حارسا، وأقمت حولها جدارا لتحديدها وحمايتها، وغرست بعض الشجيرات أمامها، عسى أن تكون ظلا ومتاعا للمارين بجانبها، وبعد ذلك انحرفت سيارة مسرعة فاصطدمت بالجدار أو بجذع شجرة، فتحطمت ومات كل من فيها.. أنت فعلت ما هو مشروع ومعقول، معروف ومقبول، مفيد ونافع، وما تستحق عليه الثناء من الناس والثواب من ربهم الكريم، وما حدث من موت للبعض لا تؤاخذ عليه، ولا تعاقب به، فقد أراد الرب سبحانه أن تكون فيما فعلته سببا ويدا لله تعالى قضاء وقدرا.

2 - وأما المشيئة فهى أهداف تتحقق معها أشياء تتخلق بعلم وقدرة وإبداع. وأما الاستطاعة فهي أهداف تتحقق ومعها أشياء تتخلق بعلم وقدرة وإبداع يفجر فى الإنسان طاقاته الخلاقة وقدراته الفائقة من إيمان شديد وصبر عنيد وعزم حديد وإصرار لا يحيد. والإبداع يؤدى إلى مزيد من العلم والقدرة، ومصدره تفكير جاد وعمل دءوب مخلص لإنسان حر، كريم وعزيز.

4 - أسباب انهيار المجتمعات :-

وفى القصص الثلاث إشارة إلى أسـباب ضعف المجتمعات وهوانها وتخلف الشـعوب وإذلالها وانحدار الحضارات وانهيارها.. وهى:

1 - الملك الغاصب أو الحاكم الظالم.. وهو أعظم الأسباب خطورة، وأشدها تأثيراً إذ أن الأسباب الأخرى غالباً ما تكون نتيجة له وأثراً من آثاره.

2 - انهيار المؤسسات التربوية.. فيكون الخروج على القيم السـامية والمثل العليا مظهراً من مظاهر الفساد والأمر المعتاد فى المنتديات الاجتماعية ووسـائل الإعلام ومراكز العلم، ثم تصاب الأسرة – وهى المؤسسة التربوية الأولى فى المجتمع – بعقوق أبنائها وتفكك بنائها.

3 - سـيادة قيم المنفعة المادية والمصالح الذاتيـة.. فيفقد المجتمع تكافله ووحدته، ويزداد أصحاب العاهات والحاجات، وتسود مظاهر اليتم فيه، ويفقد معها مناعته وقوته، فتطمع فيه قوى عظمى تنهى مقاومته، وتبدد ثروته.

"وأخطر مضاعفات الظلم أنه يتسـبب فى موت العقل والإرادة وتدميرالأفـراد والأمم؛ فتفقد الرأي والعزيمة وتقع فريسة العجز عن تحمل المسئولية، وتقتل فيها روح المبادرة والإقدام، وتعجزعن حمل الرسالات ومجابهة التحديات، بل يتم تعويد الناس الخسة والضعة والعيش بلا كرامة، وزرع الشك وانعدام الثقة فيما بينهم، وجعلهم عاجزين عن عمل شىء أو فعل شىء.

ولذا نجد الطاغية يحرص على أن يحيط نفسه بأهل الثقة، فهم لا يتهددونه ولا يمثلون خطرا على عرشه ونفوذه. وتسره المداهنة، وينتشى من النفاق، ويحب من يتملقه، بل ويقف موقف العداء من المشاهير والأعلام والبارزين من الرجال وأصحاب العقول الناضجة فهم القادرون على إيقاظ الجموع الغافلة وتفجير شرارة الثورة ومناهضة المستبد والخروج عليه. ويضع الخطط السـرية والعلنية للقضاء عليهم أو الإيقاع بهم وتشـريد الخصوم السياسيين والمناهضين للحكم، ويجتهد حتى تكون لديه معلومات كاملة حول كل ما يفعله رعاياه أو يقولونه ويمنع لقاءهم لأغراض ثقافية أو أى تجمع مماثل، وتتخذ كافة السبل التى تغرس فى الموطن – فى نهاية الأمر – الشعور بأنه غريب عن بلده بقدر المستطاع. وهكذا فإن الطاغية يبذر الشـقاق والنميمة، ويثير الأحقاد والضغائن لتتم الفرقة بين الناس. وهناك وسيلة أخرى للطاغية هى الإفقار حتى لا يكلفه حرسه شيئا من جهة، وحتى ينشغل المواطنون من جهة أخرى بالبحث عن قوت يومهم، فلا يجدون من القوت ما يتمكنون به من التآمر عليه، وقد تفرض الضرائب الباهظة للوصول إلى نفس النتيجة.

5 – العلم الذى جاء من أجله موسى عليه السلام

تشير أحداث القصة من بدايتها أن نبي الله موسى عليه السلام جاء من إلى العبد الصالح وتحمل  فى سبيل ذلك العلم المشاق والصعاب.. بالرغم من أن ربنا جل وعلا أخبرنا أنه أعطاه الألواح فيها من كل شئ ، قال تعالى : " وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ " ، وقال أيضا جل وعلا : " ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ " ، فما هو كنة العلم الذى جاء من أجله..؟؟

نقول بجملة الأوصاف التى ذكرتها وبعيداً عن شطحات الصوفية والمفسراتية أن كنة العلم الذى جاء من أجله موسى وتحمل فى سبيله المشاق والصعاب هو " الرقى الحضارى أو التطور الحضارى أو الفقه الحضارى الذى يتمثل فى ..

أ – طلب العلم والجرى وراءه سعياً والتحمل فى سبيله المشاق والصعاب ، لأن العلم من أهم الأسس التى تُبنى عليه الحضارات ، ولأنه أيضا أساس تقدم الشعوب والنهوض بالعصر ومتطلباته .

ب - مقاومة الشر مقاومة شديدة، فتشير قصة السفينة أنه عليه أن "يخرق دون أن يغرق" أى عليه أن يدفع الشرر المستطير بضرر يسير، وأن يدرأ المصيبة الكبيرة بآلام صغيرة....

ج - وتشير قصة الغلام أنه عليه أن يئد العقوق ويقتل الفسوق قبل أن يشتد عوده ويقوى ساعده...

د - وتشير قصة الجدار أنه عليه أن يحمى الضعفاء ويصون الفقراء بمؤسسات تأويهم وتحفظ كرامتهم وتوفر حاجاتهم، وتعمل على تعليمهم وتدريبهم واعتمادهم على أنفسهم بقدر طاقتهم، والأمثلة فى الحياة لهذا وذاك كثيرة ومثيرة.

كل هذه الأسباب تؤدى إلى الرقى والتقدم الحضارى ..فيجب على كل إنسان مسلم أن يفعل ذلك حيال تخلف أمته وانهيار حضارته وإذلال شعبه؟..

فأين نحن من هذا كله ..!!؟؟

هذا ما تعلمه لنا قصة نبى الله موسى – عليه السلام مع العبد الصالح. وسبحان من قال فى كتابه عن القصص القرآنى : " مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " " يوسف111"

ودائما وأبداً صدق الله العظيم 

اجمالي القراءات 31199