المستشار و ابو اسحق الحوينى

علي عبدالجواد في الإثنين ٠٩ - أغسطس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

السلفية وكتاب البخاري

تبين لي مؤخرا وجود قرابة وإن شئت فقل قداسة بين السلفية وكتاب البخاري، فحيث كان يوم الأربعاء الموافق4/8/2010 انضمت موجات قناة الحكمة والناس والرحمة وتصورت بأن جمال عبد الناصر ـ رحمه الله ـ سيخطب فينا خطبة عصماء، فقد نشأنا على هذا منذ الصغر حين كانت تنضم موجات إذاعة صوت العرب مع إذاعة البرنامج العام وإذاعة الشباب والرياضة قبل اختراع التليفزيون ليخطب فينا السيد الرئيس جمال عبد الناصر مستهلا حديثة بي&Cc;يا أيها المواطنون، فقد كانت تلك العبارة لها في قلوبنا مفعول السحر المحبب إلى النفس.

لكن في تلك الليلة الظلماء خرج علينا من يسمي نفسه أبو إسحق الحويني، وقد جال بخاطري هل له ابن اسمه اسحق، أم لا، وهل لأبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ابن اسمه بكر أم لا، ولماذا لم نسمع عن هؤلاء الأبناء؟، طبعا أعلم بأن السلفية ستقول بأن هذا من جهلي بأمور الكُنية عند العرب، لكني لست أدري ما الذي يدفع إنسانا أن يُكَنِّي نفسه بالقرن الواحد والعشرين، وهل يقربه  ذلك من الجنة؟، أم هي قوالب الأمس نعيش فيها مهما كان، ونبتعد عن الحاضر مهما بدا؟، أم إن بالأمر مغنما ماديا من بلاد ترعى فكر السلفية والوهابية في مصر؟....عموما لست أدري.

لقد انبرى الرجل يدافع عن خرافات القول وهذيان الكلمات التي حوتها بعضا من صفحات كتاب البخاري الموجود بين أيدينا اليوم، ويقول بأن كل ما ورد به صحيح، ويتهمني ـ وفق منطقه ـ بأني قابع تحت خط الفقر العلمي، بما يعني رفاهيته العلمية ووفرة موارده منها، بل وفي اليوم التالي الموافق 5/8/2010 انبرى الرجل معاتبا على الأزهر ورجاله الزج بغير المتخصصين في علم الحديث للرد عليَّ مما أدى إلى انتصاري عليهم، ثم انبرى مرة أخرى مراودا الأزهر عن نفسه أن ينضم للسلفية في معركة البخاري الأخيرة، ونصح رجاله بعدم محاربة النقاب حتى يتفرغ الاتحاد المنشود للرد عليَّ.

لاشك بأن الرجل كان أكثر موضوعية من كل من سبقوه حين انبرى بالرد علي، ولا شك بأني أحسست بأن عرش السلفية وقد اهتز بمصر بل وبالأمة الإسلامية، حتى يقوم كبير رجال الحديث بالتفرغ والرد عليّ بعد أن أجهد نفسه وخط الخرائط واللوحات الاسترشادية التي كان يشرح عليها منطقه الفكري الذي دعاني للشفقة عليه وعلى أتباعه.

لقد أشفقت على الرجل الذي خرج عن كل قواعد وفن علم الحديث ليثبت وجود رجم عند القردة، فأضاف من عنده بأن هذه القردة ما هي إلا نوع من الجن تشكل في هيئة قردة، وأنا أرى بأن ذلك إضافة على النص ليحصل على براءة ليست له، لذلك فهي معالجة مرفوضة.

ودافع ليثبت صحة إنكار الصحابي الجليل ابن مسعود للمعوذتين وصحة إنكار ابن عباس لنص آية تخص الصوم وتزيده فيها، وصحة تكلم البقرة لمن يركبها لينزل من على ظهرها ويتركها للحراثة، وغير ذلك من ملاحظاتي على إفك ما جاء به ذلك الكتاب في حق الله ورسوله والصحابة ودين الله عموما، ثم انبرى الرجل لينكر عدم اعتبار البخاري كتاب تاريخ، فخرج علينا بمقولات وأمثلة وأطروحات مطولة من فن الخروج على النص والخروج عن السوية الفكرية في علم الحديث.

ولم ينبس الشيخ ببنت شفة عن موضوع رواية البخاري عن ابن عباس بأنه كان يرى زيادة (مزعومة) بسورة الليل.

والحقيقة التي يجب أن أحفظها للشيخ السلفي أنه لم ينكر أي حديث أوردت الطعن عليه، وإن كان قد قام بتعديل أحدها فقال بأنه في صحيح مسلم وليس بالبخاري.

أما بخصوص خروج الرجل على فن علم الحديث فأذكر له وللسلفية بمصر بعضا من سمومي الناقعات في فن علم الحديث وذلك فيما يلي:

 يقول الإمام داؤد بن علي فيما نقله عنه ابن القيسراني بكتاب السماع ص89"من لم يعرف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سماعه ولم يميز صحيحه من سقيمه فليس بعالم".

ولقد ذكر د. مصطفى السباعي بكتابه (السنة وأثرها في التشريع الإسلامي) لقد ألف العلماء الكثير من الكتب في ذلك ووضعوا علامات عديدة للوضع في المتن منها: ركاكة اللفظ – مخالفته لبدهيات العقول – مخالفته للقواعد العامة في الحكم والأخلاق – مخالفته للحس والمشاهدة – مخالفته للبدهي في الطب والحكمة – مخالفته لسنن الله في الكون والإنسان – إشتماله على سخافات يصان منها العقول – مخالفته للحقائق التاريخية المعروفة عن عصر النبي – إخباره عن أمر وقع بمشهد عظيم وينفرد راو واحد بروايته" وهكذا.

فإذا طبقنا ما سبق على تعليلات الشيخ الحويني وجدنا أنه كان يدافع عن عمره الذي أفناه في التّشيع لكتاب البخاري دون دراية في فن أصول علم الحديث، وبصرف النظر عن مخالفة بعض الأحاديث للعقل ولسنن الله وللحس والمشاهدة، فقد عجز الشيخ عن إدراك تناقض ما يقول، فمرة ينكر عليَّ أني أعتبر كتاب البخاري بحالته الراهنة كتاب تاريخ وليس كتاب دين، وفي ذات الوقت يقول بأن حديث القردة من أخبار التاريخ.

وهو لا يستحي أن يدافع عن كتاب البخاري الذي ينسب ضعف التكوين النفسي لرسول الله حتى أنه أقدم مرارا على الانتحار، بل ويدعي الشيخ بأن هذا كان قبل أن يبعثه الله نبيا، ونسي أن السبب هو فتور الوحي بعد نزوله عليه أول مرة بالرسالة، وعلى أية حال سواء أكان قبل البعثة أم بعدها فإن الأمر طعن صريح في خِلْقَة رسول الله وتكوينه النفسي.

ورأيت شيخ السلفية الشهير وهو يعاند ما جاء بصحيح مسند الإمام أحمد وابن حبان حيث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ]، فهل ترجم القرود وهل يتكلم البقر وهل بالقرءان زيادة ونقص، وهل عبارة (عن فلان) الواردة بالبخاري ليست تدليسا من البخاري، أيريد أبو إسحق أن يثبت لنا علمه باسم (فلان) بينما البخاري لا يعلمه.

وكلمة أقولها للسلفية بالأمة الإسلامية، لقد اعتمد شيخكم حديثا بأن آخر ما نزل من القرءان هو آية [ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم....] وقال بأنها آية غير منسوخة، وأنا أقول أليس الأحياء الذين نجوا من مقتلة معركة صفين والجمل هم الذين نقلوا لنا علم الحديث، ألم يقتلوا الصحابة والتابعين من المسلمين عمدا؟، أنأخذ الحديث من قوم حكم الله عليهم بأنهم من أهل النار؟.

وكيف بكم وقد اعترف الشيخ على الهواء مباشرة بوجود 180 من المبهمات بمتن أحاديث صحيح البخاري؟، أتكون المبهمات مما لا يخالف الحس والمشاهدة؟.

 وكيف بكم تعتبرون قول الصحابي حديثا موقوفا تنزلونه منزلة حديث النبي، وأضرب لذلك المثل بحديث القردة الذي لم يقل به رسول الله ولم يجيزه، فكيف يكون حديثا، وتعتبرون كتابه أصح الكتب بعد كتاب الله، أعدمت الأمة معرفة الصواب من الخطأ؟.

وكيف بكم تعتبرون قول التابعي حديثا مقطوعا تنزلونه منزلة حديث رسول الله، أتكون هذه أصول لعلم الحديث أم أصول لعلم الكلام؟.

أعلم بأن كلماتي الأخيرة تضرب علم الحديث في مقتل، لكن ذلك لا يعني استغنائي عن الحديث النبوي الصحيح المرفوع بطريق التواتر أو الآحاد رفعا صحيحا لرسول الله، لكن أن أجد الهراء في المتن والسند ثم تقولون بأن الحديث النبوي رواية ودراية!، فأين الرواية وأين الدراية في هذا الخضم من السفه المنكور.

فكيف علم النبي بكلام البقرة والله تعالى لم يعط إلا نبيا واحدا تلك الخصيصة (سيدنا سليمان) ولا تنبغي لأحد غيره، وكيف نسمح للبخاري أن يروي عن ابن مسعود إنكاره المعوذتين أنعتبر الرواية بعد ذلك من الدين لأن سندها صحيح ومتنها صحيح؟!، أنعتبر الكتاب الذي حواه ذلك التردي دين؟!، إن من يقبع تحت خط الفقر الفكري يمكنه أن يقول ما يشاء وأن يفهم ما يشاء لكن لا يعتبر هذيان القول علما، ولا عته الفكر ردا يعتد به.  

وكيف نسمح لفضيحة رضاع الكبير أن يقول سفهاء الحديث بأنها في أعلى درجات الصحة سندا ومتنا؟!، إن أمة يقول بعض رجالها بمثل ذلك القول وتسميهم علماء، جدير بها أن تكون في ذيل الأمم.

وكيف نقول بفقه الأئمة بأن أقصى مدة لحمل المرأة أربع سنوات، وهل تعتبرون ذلك شريعة تسعون لتطبيقها بالبلاد، هل نسمح للأرملة والمطلقة أن تلد بعد أربع سنوات من الطلاق أو الموت وتسمي المولود باسم طليقها أو أرملها ونقول فقه الأئمة، أي أئمة هؤلاء، وأي خلف هذا الذي يرضى بالدعارة وخلط الأنساب، وأين دور علماء الفقه وعلماء الحديث الذين يباركون هذا الخرق ولا يصوِّبونه؟!، وكيف يستسيغون ذلك العلم، هذا إن صحت تسميته علما.

نعم للنقل عن الأسلاف لكن لا لانعدام العقل حال النقل، إن الأمة الإسلامية لن تقوم لها قائمة طالما اتخذت من الخرافات سبيلا لعقيدتها، بينما اشترط الله تعالى علينا أن ننصره حتى ننتصر فقال:[إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم]، لذلك فلننصر قويم دين الله، ولنعلم بأن العقل هو مناط التكليف، وبغير العقل لا تكليف ولا حساب، وتوقف العقول جريمة.

 وحين قال الله تعالى [أفلا يتدبرون القرءان أم على قلوب أقفالها] لم يوقف تدبر القرءان على أهل السلف ولا رجال الأزهر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم كما يريدون منا أن نفعل، ولم يعقِّد الله الدين كما عقَّدوه ثم قالوا بالتخصص، إن جريمة تحاك لهذه الأمة بإقامة العقل الخرافي فيها، وتشييد العقل المقلد، وحتى نكون مرشدين أكثر فإن أبو إسحق الحويني لم يكن أزهريا، ولا المحاسب خالد عبد الله الذي قام بدور المذيع لكن هؤلاء يستحسنون من يدور في فلكهم ويعادون من يهديهم طريق الرشاد..

مستشار/أحمد عبده ماهر

محام بالنقض ومفكر إسلامي

 

 

 

اجمالي القراءات 25597