صراط إلي ثلاث جنان

سامى ناصر في الثلاثاء ١٥ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله  أبدأ

 

 

بطول 4000كم وعرض يتراوح بين   950و1500كم   بيداء مقفرة، دهناء مكفهرة، غبراء و جرداء .... كانها فصلت من كوكب المريخ  للتو ولازالت قيد التشكل.. زوابعها لولبية  تترائ للناظرأول وهلة وكأنها تنين قادم من جهنم محملة بالحصي الحاد والمسنن... تتعاورساكنها جنوبا وشمالا بكرة وعشيا،ريح صرصرعاتية وتجلد جلده جلدا، ثم تسلخه سلخا لتتركه عظاما نخرة ، كأنما  خرج من جدثه .... شمسها لافحةحارقة ، تشعر المتعرض لها وكأنه عوج بن عناق لقربها منه .....جغرافيا هي ال&Otilte;صحراء الأفريقية الكبري أكبر صحراء علي وجه الأرض، تمتد من المحيط الأ طلسي غربا إلي البحرالأحمر شرقا وتهيمن علي عشردول  يحدها حزام من الفقروالجهل يجمع أثنيات وقوميات أصولها من البانتو والبوشمن والمامبووالعرق القفقاسي والعرب والأمازيق والبربر..بعضه مسلم والبعض مسيحي وأغلبه وثني لكنه تعايش عبر التاريخ  وتناحر  أيضا وتصالح... ونقل عدوي التناحر تارة والتصالح  تارة لدوله بعد الاستقلال... ولكل ساكنة هذ الحزام حلم وطموح لجنته الموعوده.

 

 

 

 

 

 

خرجت بريطانيا وفرنسا من الحرب العالميه الثانيه خائرتي القوي مكلومتين مفلستين والفضل في انتصارهما أو بلأحري بقائهما علي أديم الأرض يرجع إلي آمريكا وبنهاية الحرب تقدمت آمريكا وروسيا لتزعم القطبين الذين عرفا بعد ذلك  بالشرق والغرب ومن ضمن قطب آمريكا  كانت بريطانيا وفرنسا وهما الدولتيان المستعمرتان لمنطقة الصحراء

ولما بدأ صراع النفوذ في إطارالحرب البارده بين القطبين كانت ظاهرة الإستعمار بمثابة قميص عثمان لروسيا(الإتحاد السوفيتي) حينها وجدت فيه الفرصة لمقارعة الغرب والتنغيص عليه  وظهورها كمحررة للشعوب 

وحملته إلي منبرالأمم المتحده  ودعمتها آمريكا خشية أن تفوز روسيا بقلوب الشعوب لوحدها بحمل راية التحررمن الأستعمار بيد أنها ضغطت علي حلفائها المستعمرين لتصفيته –علنا- علي الأقل... وانسحب المستعمرتاركا لأزلامه  تسييرأمور شعوبهم نيابة عنه  بعد أن ضمن انسيابية مصالحه التجاريه والأمنيه والسياسيه بواسطة معاونيه وبمعاهدات واتفاقيات موثقه مع النظام البديل

وبطبيعة ارتباط تلك الأنظمه بأسيادها يظل الإعتماد الكلي عليها باقيا

في توفيرالمنتجات الإستهلاكيه وهذا خلق تباينا في البضائع المتوفرة في منطقة الصحراء من ناحية الشكل والجوده والسعر في مختلف بلدانها مما ساهم في إنشاء سوق بينية تلقائية للشعوب المختلطه أصلا بفعل وشائج القرابة وروابط التعارف والترحال بحثا عن الماء والكلأ عبر القرون والأجيال في فيافي الصحراء ومهامها لكن العلاقات بين الأنظمة السياسيه غيرالمستقرة والسيئة أحيانا بسبب المشاكل الحدوديه أوالأوضاع الإقليميه  والدوليه حالت دون التبادل التجاري العفوي فلجأت هذه الشعوب-توظيفا- لخبرتها في مسارب الصحراء ودروبها في الستينات والسبعينات من القرن العشرين إلي تهريب تلك البضائع من سجائر وخلافها واستمرت في ذلك عبر الصحراء إلي بداية عقد الثمانينيات حيث أخذ التهريب منحي آخر فقد نشبت نزاعات عسكريه في اتشاد ومنطقة أريتيريا مرورا بالسودان في أوج الحرب البارده واستغلت الأنظمة والأجهزة الإستخباريه العالمية والأقليميه غياب السلطات كليا عن طرق المهربين ودأبت علي تغذية هذه النزاعات بالسلاح حتي الثقيل منه عبرالصحراء من المحيط الأطلسي إلي أريتيريا بكل بساطة علما أنه يمر بسبع دول ناهيك عن تغذية الجبهات اتشاديه والسودانيه وفي منتصف الثمانينيات انحسرت الحرب البارده وبدأ نجم الأتحاد السوفيتي في الأفول مع قوربتشيف  ببرنامجه الإصلاحي القائم أساسا علي ترشيد الثروة السوفيتيه وعدم تبذيرها خدمة للمد الشيوعي العامل الذي  أثرعلي الأنظمة الدائرة في فلكه ومنها النظام الشيوعي القائم  في أثيوبيا وجنح للسلم مع أريتيريا وهدأت تلك الجبهة وتزامن هذ مع حقنة غربية –أمريكية- لتحجيم دورليبيا والعد التنازلي لتصفيد العقيدالقذافي وكان لاعبا مهما ومزعجا في المعمعة السائدة وسيطرة رجل عسكري قوي في اتشاد ينتمي لقبيلة  كبيرة ومنتشرة عبر الصحراء وانتهت جبهة اتشاد وأوجد المتمردون في جنوب السودان مصدرا للسلاح

بانتهاء جبهتي أريتيريا واتشاد والسبات الشتوي للعقيد القذافي تحت ظل السيف الغربي وبداية النهاية للشيوعية –حلف وارسو-وجد المهربون  وحلفاءهم من تجار السلاح والعناصرالإستخباريه أنفسهم عاطلين عن العمل فاستغلواالتناقضات الإجتماعيه التقليديه مع الحكومه في شمال مالي

ذلك الجزء  الصحراوي من جمهورية مالي  والذي يمثل 60في المئه منها وظل مصدرإزعاج للحكومات التي تعاقبت علي  (بامكو) كما كان للمستعمر الفرنسي  فهو يتألف من عنصرين  طوارق وعرب والطوارق ينقسمون إلي سبع اثنيات لكل ثقافتها واهتماماتها  ولها عمق في الجزائر والنيجر ومصائرها تتحدد من ذلك العمق... والعمق بدوره كان منغمسا حتي الودجين في التهريب  بأنواعه الثلاث –سلاح- مخدرات- سجائر وبضايع-وهو مع ذلك بيدق من بيادق شطرنج اللجان الثوريه التي يتسلي بها العقيد وقد تلقفته في السبعينات واحتضنته ورعته وكان يستمد تمويله وتسليحه وتوجيهه من طرابلس ولايعصي لها أمراوظلت إلي موسم السبات القسري تستخدمه كخناجرفي خواصرهذه الدول حسب الحاجه وأصبح بانحسارالدور الليبي يعاني فراغا ماليا وعاطفيا في وقتها....أما العرب فهم  نسخه مصغرة من  القبائل  الموريتانيه –الجزائريه الناقمة علي الحكومة الماليه التي تلصق بها تهمة فصلها عن جذورها في الجزائر وموريتانيا وتتربص بها الدوائرللإستقلال بإقليم أزواد...وهذه التركيبة الإجتماعيه في شمال مالي خلقت مرتعا خصبا لشبكة مهربي السلاح وأنشئت جبهتين تقاتل الحكومة الماليه  لفرض الأمرالواقع باستمرارية السوق التي وجدت نتيجة لظرف زمني منفرط...  كما كان هذ الأقليم مأوي لمجاميع تتعامل في تهريب البضائع وأخري في الهجرة السريه إلي أروبا وتسللت إليه خلسة فلول جماعة الهجرة والتكفير بعد تضييق الخناق عليها في الجزائر وكانت ملجأ أيضا  للفارين من العداله وهذ خلق  بيئة  مناسبة  لولادة  القاعدة في المغرب الأسلامي

 

  ومن هنا بدأ حلم الجنان الثلاث... حلم المتشددين الإسلاميين بجنة( الخلد) وحلم المهاجرين الأفارقه بجنة( أوروبا) وحلم مهربي المخدرات وسماسرة السلاح بجنتهم  (الثروة)وتقاطعت المصالح وتشابكت واختلط حابل القاعدة بنابل المهربين مع طوابير الجوعي والمحرومين الحالمين بالهجرة إلي الشمال... وبما أن الغرب عموما ياخذ بفرضية استهداف شعوبه بنشاط  تهريب المخدرات والهجرة السريه ناهيك عن وعيد القاعدة المعلن للشعوب الغربيه وعلي هذه المسافة من حدوده فقد أصابه الهلع وجعل اهتماماته تتركزكلها هنا في هذه البيداء المجهولة وليس في أفغانستان ولا العراق ولا تستطيع أنظمة الغرب إزاء ذلك

  أن تحرك ساكنا إلاعبر تقوية وتمكين الأنظمة الإقليميه بالتسليح والتدريب والتجهيز اللوجستيكي علها تشغل المجموعات الثلاث عن التمادي في استهداف شعوبها لبعض الوقت

وتتغافل-وصاحب الحاجة أعمي كما يقولون-عن حقوق شعوب هذه الدول فتمكين أنظمتها عسكريا وسياسيا لن يغيرفي تهديد المجموعات قدرأنملة لسبب بسيط وهو أن هذه الأنظمة الدكتاتورية لاتكترث إلا لأمنها ومادامت ضمنت اعتمادها من الغرب كحليف في محاربة الأرهاب فسيزيد تسلطها تسلطا علي شعوبها المسكينه المسالمه بدعم غربي وبالتالي زيادة المعاناة من الفقر والبؤس ومزيد من التطرف والسخط والحقد علي الآخر

فلأولي بالغرب أن يتجه إلي الشعوب ويخاطبها وجها لوجه بتمويل المشاريع المدرة للربح وخلق مجالات العمل وفتح مؤسسات تعليميه مجانية متطورة أو فرض برامج تعليميه والعمل علي تطوير المجتمع المدني وترسيخ فضيلة الديموقراطيه واحترام الآخر في عقلية الشباب ودعم المعتدلين المتمسكين بالدين الإسلامي الصحيح الذين يتخذون من القرآن شريعة وهدي ولا يلتفتون إلي غيره من سفسطة الصوفية والوهابية والقناطيرالمقنطرة من الأحاديث الكاذبه ابتداء من مالك إلي الساعاتي الألباني فهجراننا  للقرآن وأخذنا بغيره أودي بنا إلي المهزلة التي نحن فيها فبدل أن نكون خير أمة أخرجت للناس صيرنا أرذل الأمم  وإسهاماتنا في مسيرة البشرية في التاريخ  الحديث لاتعدو أن تكون أذي في أذي

 

 

 

اجمالي القراءات 10487