المفال الأول
السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث ومحمد الغزالى

عبداللطيف سعيد في الخميس ٠٧ - ديسمبر - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

بإذن الله سنعرض فى عدة مقالات بطريقة نقدية للكتاب الذى أصدره الشيخ محمد الغزالى عن السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث وقد تعرض بسبب هذا الكتاب وما فيه من هجوم وإنكار على الأحاديث تعرض الشيخ لحملة شعواء اشترك فيه أصدقاء الأمس من التيار السنى الذين لم يتسامحوا معه واتهموه بالكفر ( مخاصمة السنة) وقد رد عليهم محمد الغزالى فى الطبعات الجديدة من كتابه فقال " لكن الشتم الذي أوجعني إتهام البعض لي: بأني اخاصم السنة النبوية!!.
وأنا أعلم أن الله ورسوله أحب إلي مما سواهما، وأن إخلاصي للإسلام يتجدد ولا يتبدد، وأنه أولى بأولئك المتحدثين أن يلزموا الفقه والأدب..
فغايتي تنقية السنة مما قد يشوبها! وغايتي كذلك حماية الثقافة الإسلامية من ناس قيل فيهم: إنهم يطلبون العلم يوم السبت، ويدرسونه يوم الأحد، ويعلمون أساتذة له يوم الاثنين. أما يوم الثلاثاء فيطاولون الأئمة الكبار ويقولون: نحن رجال وهم رجال!!."
ويحاول الشيخ أن ينصح من يهاجموه ويكفروه فيقول "وأنا أتوجه إلى أمراء الجماعات الدينية الأكارم، والى الأوصياء الكبار على تراث السلف أن يراجعوا أنفسهم كي يهتموا بأمرين:
أولهما: زيادة التدبر لآيات القرآن الكريم.
وآخرهما: توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القرآن القريبة والبعيدة، فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا.."
ويتوقع الشيخ رد فعل عنيف على التيار السنى فيقول" وفي هذا الكتاب جرعة قد تكون مرة للفتيان الذين يتناولون كتب الأحاديث النبوية ثم يحسبون أنهم أحاطوا بالإسلام علما بعد قراءة عابرة أو عميقة."
ويوضح الشيخ رأى من سبقوه فى قضية الأحاديث ما يقبل منها وما لا يقبل فيقول" وقد وضع علماء السنة خمسة شروط لقبول الأحاديث النبوية: ثلاثة منها في السند، واثنان في المتن:
1 ـ فلابد في السند من راو واع يضبط ما يسمع، ويحكيه بعدئذ طبق الأصل...
2 ـ ومع هذا الوعي الذكي لابد من خلق متين وضمير يتقي الله ويرفض أي تحريف.
3 ـ وهاتان الصفتان يجب أن يطردا في سلسلة الرواة، فإذا اختلتا في راو أو اضطربت إحداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة.
وننظر بعد السند المقبول الى المتن الذي جاء به، أي الى نص الحديث نفسه..
4 ـ فيجب ألا يكون شاذا.
5 ـ وألا تكون به علة قادحة.
والشذوذ أن يخالف الراوي الثقة من هو أوثق به.. والعلة القادحة عيب يبصره المحققون في الحديث فيردونه به..
وهذه الشروط ضمان كاف لدقة النقل وقبول الآثار. بل لا أعرف في تاريخ الثقافة الإنسانية نظيرا لهذا التأصيل والتوثيق.. والمهم هو إحسان التطبيق..! "
أى أن الشيخ يوضح المنهج الذى بواسطته يقبل الحديث من عدمه عن طريق خمسة شروط ثلاثة فى السند وأثنان فى المتن ..
والقراءة المتأنية لهذه الشروط الخمسة يتضح منها الآتى ..
أولا بالنسبة لوعى الراوى وشدة حفظه وحكيه ما سمع طبق الأصل فإن التطبيق العملى لهذا الشرط بعيد كل البعد عما قاله الشيخ وغيره وراجع كتب الأحاديث تجد فيها على سبيل المثال فى حديث (من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) وكلمة متعمد هناك من يسقطها من الحديث وهناك من يثبتها فيه .. والأمثلة كثيرة منها ما ذكره الشيخ فى موضوع ( عذاب الميت ببكاء أهله ) وغيره وهذا فى حالة راو واحد فما البال فى عدد من الرواة فى سلسلة الحديث يصل إلى خمسة أو ستة وليسوا جميعا يعيشون فى عصر واحد بل إنهم ينتشرون فى مساحة زمنية تصل إلى أكثر من 200 سنة تفصل آخرهم عن رسول الله عليه السلام المنقول عنه روايتهم..
ليس هذا فقط بل وهم أيضا ليسوا فى مكان واحد بل هم كانوا منتشرين فى بقعة كبيرة من الكرة الأرضية تتسع بإتستسع بإتساع البلاد التى فتحها المسلمون ،مع العلم بصعوبة المواصلات والسفر الذى كان قطعة من العذاب فى هذه الأيام وصعوبة الأتصالات .. إلخ .
ثانيا بالنسبة لضرورة اتصاف الراوى بالخلق المتين والضمير الحى الذى يتقى الله مما يجعله يرفض أى كذب على رسول الله .. وأقول أنها أمور تدخل فى علم الله سبحانه وتعالى فمن يستطيع منا أن يحكم على أحد الأشخاص بالتقوى .. وبعبارة أخرى من يستطيع منا أن يدعى علم الغيب الذى لم يعطيه الله سبحانه وتعالى حتى للنبى عليه السلام !!.؟ أليس بهذ نفضل أنفسنا أو بعضنا على نبى الله الذى قال عنه رب العالمين أنه لا يعلم الغيب وأقرأ معى قول الله سبحانه وتعالى " قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (50)" الأنعام .. أى أنه طبقا لهذه الآية الكريمة فإن النبى عليه السلام يقول لنا فى الوحى القرآنى أنه لا يعلم الغيب وليس عنده خزائن الله وليس بملك وأنه فقط متبع لما يوحى إليه .. أنظر ماذا فعلنا بأنفسنا لقد أعطينا لأنفسنا علم الغيب عن طريق أننا نعتقد أننا نستطبع أن نحكم على من سبقونا بألف وأربعمائة عام من منهم التقى ومن منهم غير ذلك .. وذلك لكى نحكم على صدق نقله للأخبار ..!!؟
وإقرأ معى أيضا هذه الآيات الكريمة
"وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) البقرة .."
وفى هذه الآيات السابقة يبين لنا الله أن هناك صنف من البشر يمتلك من القوة والكاريزما وحلاوة الحديث ما يؤهله بإن يخدع صفوة البشر وهم الأنبياء ..مع أنه ألد الخصام كما يقول الله سبحانه وتعالى وأنه على استعداد لإن يهلك الحرث والنسل ويفسد فى الأرض إن استطاع ،وهو فى نفس الوقت يزكى نفسه ويتعالى عمن يذكره بتقوى الله سبحانه وتعالى .. أى أن هذا النموذج موجود والنبى عليه السلام لم يستثنى من الانخداع فى مثل هذه النماذج . فهل نحن أفضل من الرسول حتى ندعى لأنفسنا الحكم على تقوى رواة الأحاديث ومدى حفظهم ووعيهم ..؟ حاشا لله
ثالثا يذكر الشيخ أن الصفتان السابقتان التى لابد أن يتصف بهم كل راوى فى سلسلة الحديث عن النبى وهم الوعى والتقوى ، فإذا اختلتا في راو أو اضطربت إحداهما فإن الحديث يسقط عن درجة الصحة.
وهو بهذا الحكم يسقط جميع الأحاديث الواردة عن النبى عليه السلام عن درجة الصحة وذلك لصعوبة الحكم على السابقين بل لاستحالة ذلك علميا ودينيا .
وندخل على ما ذكر بالنسبة للمتن فنجد أنه يقول أن النص لابد أن يكون غير شاذ ولا يكون به علة قادحة .. ولاحظ معى عزيزى القارئ كلمة " علة قادحة " أى ليست علة فقط بل لابد وأن تكون قادحة أى لابد أن يحدث كوارث لكى يعيدوا النظر فى الحديث ، وهو بهذا يسلم بأقوال الوضاع الصالحين الذين كانوا يكذبون للرسول لا عليه أى الذين كانوا يكذبون على النبى بأقوال يحسبونها لا تتعارض مع القرآن الكريم وبالطبع فإن ما ينسبونه للنبى ليس به علة قادحة وبالتالى سوف تعتبر من الأحاديث الصحاح مع أن النبى لم يقلها.. وهذه تعد كارثة وكان الأجدر بهم أن يقولوا هذه هى آراء لنا ولا ينسبوها زورا للنبى عليه السلام .. إنصافا للإسلام ورسول الإسلام ..
أليس الأجدر بنا العودة للقرآن فقط ..؟



اجمالي القراءات 27262