وداعاً للكسل.. الشعب المصرى يتحفز لمراقبة الانتخابات

سعد الدين ابراهيم في السبت ١٧ - أبريل - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

منذ أطلقنا الدعوة لحملة المليون لمراقبة الانتخابات المقبلة وبريدى الإلكترونى، وكذلك بريد مركز ابن خلدون، لا يتوقفان عن تدفق أسماء المتطوعين بالمئات يومياً. لقد نفض المصريون عن أنفسهم غُبار الكسل وعدم الاكتراث، وموقف «أنا مالى». وما كان لذلك أن يحدث لولا أن أملاً بدأ يلوح لهم فجأة بأن إصلاح أحوال مصر المحروسة أصبح ممكناً، بل فى متناول اليد. وهذه حالة لم تحدث منذ أوائل خمسينيات القرن الماضى.

;

وما كان ذلك أن يحدث لولا نزول د. محمد البرادعى إلى ساحة المنافسة، مُنادياً بتغيير الدستور أولاً، فالدستور كما يدرس طلبة كليات الحقوق هو «أبو القوانين»، وإذا لم يكن مُتيسراً إعادة صياغة الدستور كاملاً، على غرار دستور ١٩٢٣، فلا أقل من إزالة المواد المعيبة التى أقحمها النظام فى تعديلات عامى ٢٠٠٥ و٢٠٠٧، خاصة المواد ٧٦، ٧٧، ٨٨ التى يُجمع المراقبون على أنها أُقحمت لكى تجعل الترشيح لمنصب الرئاسة مقصوراً على ثلاثة أشخاص فقط، من الأربعين مليون مصرى الذين لهم حق مُمارسة الحقوق السياسية، وتنتهى أسماء هؤلاء الأشخاص الثلاثة باسم المصدر «مُبارك»!

وليس بعيداً عن الدقة أن جزءاً من الحفاوة التى تُحيط بالدكتور البرادعى، مصدرها الشوق للتغيير، ومُحاولة إيجاد بديل آخر بعد ثمانية وعشرين عاماً من نفس النظام ونفس الوجوه. لقد تحدث معى أحد الشباب واسمه «شريف» من الإسكندرية ويبلغ من العُمر ٢٩ عاماً، ليقول لى إنه إلى عدة سنوات كان يعتقد أن «الرئيس» و«مُبارك» هما مُترادفان ـ أى أن مُبارك والرئيس هما نفس الشىء، ومنذ اكتشف أن ذلك ليس ضرورياً أو قدراً محتوماً، فإنه أصبح من أكثر المتحمسين لترشيح كل من د. أيمن نور ود. محمد البرادعى، أى أنه الآن يُريد فقط أن تكون هناك بدائل يختار من بينها بإرادته الحُرة.

يرتبط بالشوق إلى بدائل للاختيار شوق أشدّ إلى أمانة الانتخابات، أى ألا تُسرق أو تزوّر أصوات الناخبين. ومن هنا جاء الإقبال للتطوع للتدريب على مُراقبة الانتخابات، ومن المُتطوعين مَن كتب إلىّ منذ أيام مستعجلاً برنامج التدريب الذى كُنا قد وعدنا به. ولهؤلاء جميعاً نُعلن أن برنامج التدريب سيتم خلال شهر يونيو ٢٠١٠ على النحو التالى:

ـ الأسبوع الأول من يونيو لتدريب المراقبين فى محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية.

ـ الأسبوع الثانى لمحافظات الصعيد والبحر الأحمر.

ـ الأسبوع الثالث لمحافظات الإسكندرية والبحيرة ومطروح والوادى الجديد.

ـ الأسبوع الرابع لمحافظات الوجه البحرى والقناة وسيناء.

وغنى عن البيان أن هذه الانتخابات، سواء للبرلمان (٢٠١٠) أو للرئاسة (٢٠١١)، ستقرر مصير مصر والوطن العربى خلال الربع الأول من القرن العشرين، ولذلك أطلق عليها «اتحاد المحامين الليبراليين» الذى يترأسه الناشطان شادى طلعت وأبوالمجد أبوالنصر وصف «حملة المصير»، وكما أطلق عليها تنظيم «عرب بلا حدود» الذى يترأسه الناشط سامى دياب «انتخابات القرن».

ومن هنا جاء الاهتمام الهائل بهذه الانتخابات سواء من الجاليات المصرية فى المهجر العربى أو المهجر الغربى، وكذلك فى بيوت الخبرة ومراكز الدراسات والبحوث فى الولايات المتحدة وكندا، وضمن ذلك الرسالة التى وجهتها خمس من هذه الجاليات إلى السيدة هيلارى كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية يوم ٧/٤/٢٠١٠، يطلبون فيها أن تتخذ الولايات المتحدة موقفاً واضحاً من ضرورة أن تتم تلك الانتخابات بنزاهة وأمانة وحُرية كاملة، وأن يُسمح فيها لمنظمات المجتمع المدنى المصرية، والهيئات الدولية المتخصصة فى مُراقبة الانتخابات، بالمراقبة، وألا يعترف المجتمع الدولى بنتائجها إلا إذا وافقت السُلطات المصرية على هذه الرقابة.

وضمن هذه الهيئات كل من «بيت الحُرية» ومؤسسة كارنيجى للسلام، والمعهد الجمهورى الدولى، والمعهد الديمقراطى الدولى، ومعهد الولايات للسلام، وعدد من الشخصيات العامة الأمريكية ذات الاهتمام بمصر، مثل سُفراء أمريكا السابقين فى القاهرة.

فلماذا هذا الاهتمام غير المسبوق بالانتخابات المصرية؟

ـ أول هذه الأسباب هو أن مُعظم بُلدان العالم قد تحوّلت خلال نصف القرن الأخير من أنظمة حُكم شمولية أو تسلطية إلى أنظمة حُكم ديمقراطية. فمن بين الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة، التى يصل عددها حالياً إلى ١٩٠ دولة، يتمتع ١٦٠ منها بالديمقراطية،حيث يختار مواطنوها القائمين على السُلطة التنفيذية فى بُلدانهم بإرادتهم الحُرة، ويُغيّرونهم سلمياً، كل أربع أو خمس أو ست سنوات.

وقد أقبلت الشعوب ـ شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً ـ على هذا النوع من أنظمة الحُكم، لأن التاريخ أثبت أنه الأفضل. ففضلاً عن أنه سيُحقق للشعوب حقها فى تقرير مصريرها، فإن المُنافسة بين الطامحين والطامعين فى الوصول إلى السُلطة تفرز الأصلح. وحتى إذا أخطأت الأغلبية فى الاختيار مرة، فإنها تصيب ألف مرة. كذلك تثبت كل الدراسات والتقارير الدولية أن البُلدان الديمقراطية لا تُحارب بعضها بعضا، وهى مقولة اكتشفها الفيلسوف الألمانى إيمانويل كانط منذ ثلاثة قرون، ثم إن تغيير النخبة الحاكمة دوريا من شأنه أن يُجدد دماءها، ويعظِّم من فرص التجديد والابتكار السياسى والاجتماعى والاقتصادى.

إن نظاماً شمولياً هنا، أو نظاماً استبدادياً هناك، قد يُحرز تقدماً تنموياً مُبهراً لعدة سنوات، ولكنه إن عاجلاً أو آجلاً يُصاب بالانتكاس. أما التنمية المُستدامة فهى دائماً من نصيب البُلدان الديمقراطية.

وشعب مصر يستحق أن يهنأ بالديمقراطية، فقد عرفها فى تاريخه الحديث مرتين: الأولى فى فترة عهد الخديو إسماعيل (١٨٦٦)، والتى استمرت خمسة عشر عاماً، حتى الاحتلال البريطانى (١٨٨١). والثانية بعد ثورة ١٩١٩، التى قادها الزعيم سعد زغلول، وأدت إلى استقلال جزئى، ولكن مع دستور ليبرالى تعددى عام ١٩٢٣حتى تم إرساء دستور ليبرالى. ورغم وجود الملكية (فؤاد، ثم فاروق) وبقايا الاحتلال، فإن العقود الثلاثة التالية لذلك الدستور كانت بحق هى الأكثر حُرية وإبداعاً فى تاريخ مصر الحديث.

فتلك هى الحقبة الليبرالية التى نشأ وترعرع فيها أعظم عُلماء مصر ومُفكريها وفنانيها. إن كل من حصلوا على جوائز نوبل من المصريين ـ نجيب محفوظ، أنور السادات، أحمد زويل، محمد البرادعى - ولدوا أو ترعرعوا فى تلك الحقبة. هذا فضلاً عن أعظم شعرائنا (شوقى وحافظ)، وأعظم مُطربينا (أم كلثوم وعبدالوهاب)، وأعظم اقتصاديينا (طلعت حرب وأحمد عبود).. تلك هى أيضاً حقبة الريادة المصرية الحقيقية، لا فقط فى الوطن العربى، ولكن فى الشرق كله.

إن المراقبين يدركون أن هناك فرصة حقيقية الآن لتحوّل ديمقراطى فى مصر مرة أخرى، وأن ذلك من شأنه أن يُعجّل بتحوّل بقية الوطن العربى إلى الديمقراطية. فوطننا العربى (٣٠٠ مليون) هو آخر مناطق العالم غير الديمقراطية.

فحتى بقية العالم الإسلامى (١.٤ مليار) أخذ بالديمقراطية ـ من إندونيسيا (٢٥٠ مليونا) فى شرق آسيا إلى نيجيريا (١٠٠ مليون) فى وسط غرب أفريقيا. وقد أطلقنا على هذا المشهد المؤلم فى البلاد العربية تعبير «الرُبع الخالى». فمنطقتنا العربية هى رُبع العالم الإسلامى سُكاناً، ولكنه الرُبع الخالى من الديمقراطية، ومصر هى رُبع الوطن العربى (٨٠ من ٣٠٠ مليون) وهى الأكبر وزناً (ثقافياً وسياسياً) بين بُلدانه الاثنين والعشرين.

إن الحركات التى ظهرت على مسرح الحياة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة ـ من «كفاية» إلى «شباب من أجل التغيير» و«حركة ٦ أبريل» و«المحامين الليبراليين»، فضلاً عن الجمعيات والمؤسسات الدافعة للديمقراطية التى ظهرت منذ عقدين، مثل ابن خلدون واتحاد العمال الحُر، «وشايفنكو»، ورابطة التنمية البشرية التى يترأسها د. سمير فاضل، ورابطة حقوق الإنسان بالدقهلية التى يترأسها الناشط محمد مُحيى الدين، والرابطة المصرية الثقافية التى يترأسها الناشط ماجد أديب ومثيلتها فى محافظة القليوبية، والمؤسسة القومية للعدالة الانتقالية، التى يترأسها الناشط على الفيل - قادرة الآن على القيام بمراقبة الانتخابات وتغيير نتائجها.

وهكذا، لدينا جميعاً فرصة ذهبية لا فقط للمُشاركة بل أيضاً للمُراقبة، ثم للاستمرار فى حركة مجتمعية لتغيير مصر والوطن العربى. فحىّ على الصلاح والإصلاح.

وعلى الله قصد السبيل

اجمالي القراءات 10636