أسئلة الانتخابات التشريعية العراقية

د. شاكر النابلسي في الخميس ١١ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

-1-

الانتخابات التشريعية العراقية، التي أجريت الأحد الماضي 7/3/2010 من المتوقع أن لا تختلف كثيراً عن أي انتخابات عربية، أو أي انتخابات تجري في العالم الثالث. لذا، فلا نتوقع أن تأتي بما نحلم ونتأمل.

فالناخب العراقي ناخب عربي، أو ناخب من العالم الثالث. وبالتالي، فهو محكوم في اختياره، وفي انتخابه لنائبه المُختار لعدة اعتبارات، لا تختلف عن تلك الاعتبارات التي تحكُم الناخب العربي في أي قطر عربي، أو في أي قطر من أقطار العالم ÇCcedil;لثالث. فالمال السياسي يلعب دوره المهم لفقراء الناخبين، الذين يشكلون 90% من عدد الناخبين، وخاصة في الحالة العراقية الآن. فالهمُّ الاقتصادي والمالي مُقدمٌ على الهمِّ السياسي في العالم العربي والعالم الثالث عامة، فيما لو علمنا، أن المال السياسي يلعب دوراً مفصلياً في الانتخابات العراقية خاصة، منذ عام 1923، عندما أُجريت أول انتخابات تشريعية عراقية في عهد الملك فيصل الهاشمي، وبضغط كبير من المعتمد البريطاني (بيريس كوكس) الذي ربط توقيع المعاهدة البريطانية – العراقية بضرورة إجراء هذه الانتخابات. فكان الضغط البريطاني في عام 1923 ، وكان الضغط الأمريكي في انتخابات 2005، وانتخابات 2010.

-2-

والناخب العراقي كأي ناخب عربي، أو أي ناخب من العالم الثالث، كان محروماً عقوداً طويلة من انتخابات نزيهة. وكان محروماً عقوداً طويلة من ممارسة اللعبة الديمقراطية. واللعبة الديمقراطية كلعبة كرة القدم. ونحن بالأمس، وفي 2005، أدخلنا اللاعب العراقي ملعب كرة القدم أمام جمهور من العالم كله، وراقبنا كيف يلعب الفريق "الديمقراطي" العراقي مع الفريق الآخر المعارض للعبة الديمقراطية. والفريق "الديمقراطي"، الذي دخل الملعب بالأمس للمرة الثانية، كان ما زال غشيماً باللعبة التي لم يمارسها في الحواري، وفي ملاعب المدارس والجامعات، وفي الأندية. في حين أن الفريق المنافس الآخر، كان قد لعب معارضة وقتل الديمقراطية سنوات طويلة، أقلها 35 عاماً من حكم البعث للعراق (1968-2003) يضاف إليها سبع سنوات أخرى (2003-2010 ) كان فيها ظل البعث و(بعبعه) وسلطانه في كثير من دوائر القرار العراقي، وبدعم من جارته البعثية القوية (سوريا). وهو نموذج سياسي نادر الحدوث في العالم العربي، وفي دول العالم الثالث، وكذلك في الدول التي تعرَّضت لمثل ما تعرض له العراق، من ديكتاتورية طاغية، وتحرير خارجي، بقوات أجنبية، وبرغبة شعبية داخليه عارمة، كانت بمثابة الثورة بسواعد صديقة، كما تمَّ في اليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية.

-3-

ومن الأسئلة الأخرى، التي تثار حول ما جرى في العراق بالأمس، بعض هذه الأسئلة:

-      هل تتوقع نسبة تزوير عالية في الانتخابات لصالح أحزاب، وفئات دينية معينة؟

مما لا شك فيه أن الصراع السياسي في العراق هذه الأيام على أشده. ولكن هذا الصراع لم يكن – للأسف الشديد – على أنجع الطرق، وأكثرها سلامة وأمناً لخدمة العراق، والسير به إلى الأمام نحو التقدم والازدهار، ولكنه صراع على كراسي الحكم، وتنافس على المغانم، والمصالح، والمنافع الشخصية. وتلك هي ظاهرة سائدة، وسُنَّة في العالم العربي، والعالم الثالث المتخلفين، اللذين ينتمي لهما العراق تاريخياً وجغرافياً واجتماعياً وسياسياً، وسبق تحليل كل ذلك تحليلاً علمياً، من قبل بعض علماء الاجتماع كحنا بطاطو في كتابه (الشيخ والفلاح في العراق 1917-1958)، وكتابه (الطبقات الاجتماعية القديمة والحركات الثورية الحديثة في العراق، 1978)، وعلي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث، 8 أجزاء)، و (شخصية الفرد العراقي)، وحسن العلوي في كتابه (الشيعة والدولة القومية في العراق)، و (العراق دولة المنظمة السرية)، و (المؤسسة السرية لحزب البعث)، و (شيعة العراق وشيعة السلطة) وغيرها.

كذلك، فإن نسبة 90% من الناخبين هم من الفقراء، ومنهم من ينتظر مواسم الانتخابات (كمواسم الحصاد الزراعي) ليتم فرج إنسدادات مالية كثيرة. وهنا يقوم المال السياسي بدور الفرج. وما لم يتحقق دخل فردي يصل إلى عشرة آلاف دولار سنوياً  - كما قال مدير بنك النقد الدولي السابق- فإنه من الصعب على الناخب العراقي أو غيره، تحرير إرادته السياسية من سلطة المال السياسي. وكما سبق، وقال جودت الأيوبي رئيس وزراء العراق عام 1933، رداً على انتقادات رؤساء العشائر وزعماء العراق لتزوير الانتخابات، فإن "الفكرة النيابية غير مناسبة لأوضاع العراق."

فهل ما زالت الفكرة النيابية غير مناسبة لأوضاع العراق، بعد أن تجرّع العراق كؤوس الاستعباد والديكتاتورية في العصرين الملكي، والجمهوري البعثي؟

وهل علاج الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية؟

-4-

سؤال آخر:

-      ما هي فائدة العراق من الانتخابات التشريعية، يوم الأحد الماضي؟

رغم التكلفة السياسية والمالية الكبيرة لهذه الانتخابات، فلا فائدة سياسية كبيرة تعود على العراق من هذه الانتخابات، غير فائدة "تمرين" الشعب العراقي على لعبة الديمقراطية، ولكن في ملعب غير صحي للأسف الشديد. فالملعب الصحي، هو الملعب الذي لا أميّة أبجدية وسياسية فيه. ولا سلطة للمال السياسي عليه. ولا محاصصة، ولا طائفية نفعية فيه. ولا هيمنة للإسلام السياسي عليه. والقضاء على هذه الأمراض الفتَّاكة، يتطلب وقتاً طويلاً، وتعليماً حديثاً راقياً، وجهداً كبيراً.

-5-

والسؤال الأخير:

-      هل يتحقق التغيير المنشود من خلال هذه الانتخابات ؟

سيتحقق التغيير، ولكن ليس من هذه الانتخابات وحدها. وسيتحقق تدريجياً وببطء شديد. وسيستغرق زمناً ليس بالقصير، رغم كل ما يتمتع به العراق- دون سائر الأقطار العربية الأخرى - من تاريخ عربي وإسلامي عريق، وحضارة سابقة، وموارد بترولية ومعدنية ومائية، وعراقة ثقافية، ونُخب من مختلف التخصصات العلمية. فالماضي المظلم في العراق، كان طويلاً، ومراكمة التخلف كانت كبيرة وقاسية على العراق، وعلى العالم العربي.

 

اجمالي القراءات 8361