حوار مع حمساوي

كمال غبريال في الخميس ٠٤ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

أعرض هذا الحوارات التي تعبر عن وجهة نظر حمساوية، رغم أنها لا تُعَد رداً يغطي ما جاء بمقالاتنا الأربعة الماضية، عن واقع مليون ونصف المليون إنسان، في ظل حكم حماس للقطاع البائس، الذي ربما يرى البعض ومنهم كاتب هذه السطور، أن شعبه قد ظلم نفسه بنفسه.. فلو كان حقيقة أن الغزاويين قد صوتوا في الانتخابات لحماس، نكاية في حكم فتح والسلطة الفلسطينية الذي لا يرضون عن أدائه، خاصة في ظل اتهامات بالفساد، لم تجد معالجة جدية من المسيطرين على مقدرات الشعب الفلسطيني.. لو &Otiصح هذا فإن الفلسطينيين (والغزاويين بالتحديد) يكونون "كالمستجير من الرمضاء بالنار" كما يقول المثل العربي الشهير.. فالرمضاء قد تجعل حياتهم صعبة أو بائسة، أما النار فإنها تحرق الحياة بكاملها، فلا يتبقى سوى الرماد، مخضباً بدماء القتلى وأنين الجرحى، والنار في حالتنا هذه هي الوقوع في قبضة جماعة تعتنق فكر الإخوان المسلمين، المناسب تماماً لمهمة هدم كل ما هو قائم، دون أي إشارة حقيقية لكيفية تأسيس أي بناء جديد، يصلح لحياتنا المعاصرة، التي لا مكان فيها للجهلة وصناع الموت وكارهي الحياة.
الحوارات إذن غير كافية كرد على ما عرضناه من شهادات حية من واقع غزة، لكن هذا هو كل ما جاءني، بالطبع بخلاف تعليقات الحمساويين على المواقع العديدة التي نشرت المقال، والتي حرصت على متابعتها بأقصى ما أمكنني، ولم يتفضلوا علي فيها إلا بكيل السباب واللعنات، بالإضافة إلى قائمة الاتهامات الشهيرة والأثيرة لديهم، والتي تبدأ بنعتي بالكفر والصليبية، وتنتهي باتهامي بالعداء لله وللإسلام والمسلمين!!
قال: السلام عليكم.. شاهد هذا الموضوع لو سمحت يا أخي. (أحالني إلى رابط لموقع، قرأت فيه ما يلي: تشرع في هذه الأيام حركة المقاومة الإسلامية حماس في كافة مناطق ومدن قطاع غزة بتنفيذ حملة زيارات إلى الأهالي والمواطنين في بيوتهم، وقد ذكر أحد قادة حماس المشرفين على الحملة أن الهدف من حملة الزيارات تقوية أواصر المحبة بين المواطنين وتضميد جراحهم لاسيما بعد حرب الفرقان التي تعرض لها أبناء شعبنا واستمرار الحصار الجائر الذي يعانون من تبعاته)
قلت: وماذا بعد الزيارات يا رفيقي؟
قال: الأثر الطيب في النفوس.
قلت: جميل.. هل أنت مقتنع بهذا؟.. صَدَّام كان يفعل ذلك أثناء الحرب مع إيران، كان الضحايا العراقيون يسقطون بالآلاف قتلى وجرحى وأسرى على الجبهة، بينما القنوات التليفزيونية العراقية تعرض لنا القائد الضرورة، وهو يَفْتَرُّ على دور العراقيين، يسألهم "إيشلونكم"، ويدخل المطابخ ليكشف القدور، ليتأكد سيادته مما بها من طعام، وكان على النسوة العراقيات أن يستقبلنه بالهلاهل والزغاريد، وهن يتشحن بسواد الحداد، بل وكن أحيانا يُجبرن على ارتداء ملابس بيضاء، فرحة باستشهاد رجالهن وأبنائهن في قادسية صدام، التي هي فرع من شجرة القادسية الأولى!!
قال: وما المانع من أن تختلط مع الشعب وتأخذ رأيه وتستمع إليه، لتصل إلى أدنى مستويات العامة.. كما وتنفذ حكومة حماس في غزة مشاريع عديدة من شأنها التخفيف عن المواطنين ومساعدتهم على توفير متطلبات الحياة، ومن أبرز هذه المشاريع برنامج تكافل لتوفير فرص عمل، والذي قام بتشغيل قرابة 22490 عامل فلسطيني لغاية 30/10/2009، كما وتقوم وزارة المالية وسلطة الأراضي والإدارة العامة للمحررات بتشغيل آلاف العاطلين شهرياً في مجال الزراعة، في المحررات الفلسطينية وفي مجال الحراسات.
قلت: منذ سويعات كان يكلمني شاب من رفح، وهذا نص رده عندما سألته ماذا يعمل: "في بيتنا، هو فى شغل؟.. أنت عارف حال البلد، منقسمين، ناس معاها مصاري وناس فش، يعني أبو مازن بيقبَّض عناصره، ونايمين فى بيوتهم، وهنية بيقبَّض عناصره، وباقى الشعب متسول منافق بين الاتنين وبِدُّو فقط يعيش.. وكل مجموعة بتدافع عن بعضها، خايفين على القبضة، همنا اليوم القبضة آخر الشهر، وانشا لله البلد بتنخرق.. خربوها و قعدوا على تلها.. هاى حال البلد."
قال: ما أحكيه لك مشاريع حقيقية يعرفها الجميع، ولا تصدق كل من يحكي معك.
قلت: "أفلح إن صدق" كما يقول المثل، لكن هل أفهم من هذا أن حماس قررت التوجه نحو مشروعات البناء والتعمير؟
قال: حماس منذ توليها الأمانة والمسئولية التي ألقاها الشعب على عاتقها، كان شعارها يد تبني ويد تقاوم.
قلت: ماذا يفيد أن أبني، ثم أدخل في مغامرات غير محسوبة تهدم كل شيء؟!.. اليد التي تقاوم، لا ينبغي أن تؤدي إلى تدمير ما هو قائم، دون إلحاق أذى حقيقي بالعدو.
قال: العدو يهدم منذ عام 48 وليس اليوم، وليس يد المقاوم هي التي تهدم.. يد المقاوم تحاول هدم ما تستطيع من بنيان العدو، بل وتحاول وقفه عن الهدم بما تستطيع.
قلت: هذا رائع، لكن هل نجحت حماس في ذلك بالفعل؟.. هل نجحت في إلحاق ولو خسائر نسبية بالعدو، وفي حماية شعبها، ولو بنسبة معقولة؟.. أم أن أبطالها ومجاهديها اختبأوا في الجحور، ريثما يفرغ العدو من تدميره وقتله للحياة في غزة، ليخرجوا علينا بعد ذلك بادعاء انتصارهم.. ليس منطقياً أن نحاول البناء بالمعونات الدولية، لنعود ونهدم بمغامراتنا كل ما هو قائم!
قال: نحن لا نغامر أستاذ/ كمال.. من يطالب بحقه لا يغامر.
قلت: ماذا تسمي ما يحدث إذن؟.. إنتصار إلهي؟!
قال: نحن أيدينا ممدودة للتهدئة.
قلت: لقد حارب المصريون في أكتوبر 73، وأنجزوا بالسلاح قدر ما استطاعوا ثم ذهبوا للسلام، استكلموا به تحرير باقي أرضهم، لماذا لا تفعلون ذلك؟.. تكفون عن طلب المستحيل، وهو التحرير من النهر إلى البحر، لماذا لا تقبلون العيش المشترك للجميع؟
قال: أيدينا ممدودة لهدنة طويلة الأمد.
قلت: أما كفانا هدنة وتهدئة؟.. نريد سلاماً نهائياً يؤمن مستقبل أولادنا.. كفانا دماراً وحروباً عبثية.
قال: أخي/ كمال، أنا لا أحب الخطابات وأحب الواقع.
قلت: هذا أيضاً رائع، لكن هل الواقع هو أن نظل إلى الأبد بين التدمير وإعادة البناء، أواقع هذا أم عبث؟
قال: لماذا رضيتها لنفسك، أن تدخل حرباً لتحرر أرضك، وتستكبرها وتستكثرها على الآخرين؟.. لقد خضت الحرب بداية وحررت ما حررت.. ثم التجأت للسلم من منطلق قوة.
قلت: هل أنتم تحاربون حقيقة، أم أنكم فقط تثيرون العدو ليدمركم ويهدد أمننا معكم؟.. هذه ليست حرباً، هي مجزرة لنا وليس للعدو.. لقد قال لي مناضل فلسطيني، يعيش حالياً في مخيم رفح الشابورة، أنه أمضى ثلث حياته فى سجون الاحتلال، وإخوته استشهدوا فى لبنان، وزوجته استشهدت فى الحرب الأخيرة، وتركته هو و7 أطفال.
قال: وهل صار هذا المناضل من دعاة الاستسلام؟
قلت: قال لي الرجل أنه لا بديل عن المصالحة، لكنه يقول أن القرار أكبر من حماس، وأن عدم التزامها بما تمليه إيران معناه لا دعم مادي، بما يعني انتهاء حماس، وأن إيران أصبحت وعن طريق قطر تدعم الإخوان المسلمين، والثلاثة يعملون فى غسيل الأموال: قطر وحماس والإخوان المسلمين، فغزة في نظره صارت مغسلة أموال منذ ثلاث سنوات.
قال: وماذا يريد هذا بعد المصالحة، ماذا يريد أن نفعل؟
قلت: يقول أنه بعد المصالحة ممكن أن يكون هناك اتفاق على برنامج موحد بين فصائل منظمة التحرير وباقى الفصائل، وأن هذا ليس صعباً لأن الطرفين متفقان على حدود 67 بلا مزاودات، وأن أحمد يوسف فى وثيقته وافق على دولة بدون حدود.. هو يرى أن سقف حماس السياسي فى الحقيقة أقل من سقف منظمة التحرير، بعيداً بالطبع عن المزاودات.
قال: وهل يوافق صاحبك عن التخلي نهائياً عن الأرض السليبة لليهود؟!
قلت: هو يرى أن ترك باقي فلسطين موضوع مستحيل، وأن قبوله حالياً بالحل لا يعنى الحل النهائي، لأنه من يافا ولا يمكن أن ينساها، ولا يمكن أن ينهي بيديه حلمه في العودة إليها.. هو أيضاً يرى أن نهاية إسرائيل حتمية، وأن القوة تُسقط أي اتفاقيات، وأن علينا أن ننتظر تغير التاريخ وتغير موازين القوى.
قال: هو إذن متفق مع رؤية حماس العامة، وليس معارضاً حقيقياً لها.
قلت: ربما، ولكنكم هكذا، ألستم تبعثون برسالة إلى الإسرائيليين، تقولون لهم: "لا تثقوا في أي يد عربية ممدودة للسلام"؟!!
كان الحوار يمكن أن يمتد هكذا بلا نهاية، دون أي جدوى حقيقية، فلم تكن هناك أرضية مشتركة بيننا، يمكن أن نتحرك منها نحو أي قدر من التوافق، أو حتى التفاهم والتفهم.. فلقد كان صديقي أسير الماضي والشعارات والدوجما، وكنت أنا أسير هذا الواقع الحي المخضب بالدماء والبؤس والفساد!!
آخر من تعرف علي من الغزاوية، شاب جامعي طلب منى الاكتفاء مؤقتاً بأن أعرفه بلقب "طيف الأمل"، وقد نبهني أنه ليس حمساوياً، كما رفض أن أعتبره مناصراً لحماس، أو متشيعاً لفكر الإخوان المسلمين... أصر على أنه فلطسيني الهوية فقط لا غير، وبعد أن أرسل إلي رسالة بريدية تحوي مداخلته كاملة، ووعدته بنشر نصها الكامل في مقالي القادم، تفضل بأن عرفني ببعض أحواله قائلاً:
أنا مناصر للعزة والكرامة.. إننا من أكثر الناس تضرراً من حكم حماس.. تأكد سيدي العزيز، أنني اضطررت لتأجيل فصول دراسية بالجامعة لعدم قدرتي على سداد الرسوم، وأيام أزمة البترول، كنا نذهب مشياً على الأقدام للجامعة أكثر من 7 كيلو متر، ومع ذلك فإن النموذج الذي تقدمه حماس لمثلي ولغيري لازال ملهماً (هكذا!!).. وهذا هو نص رسالته الذي وعدته بنشره، دون أن أجد لدي تعليقاً عليه، فهو يعلق على نفسه بنفسه فيما أظن:
بداية،،،
مساء الخير سيد/ كمال.. سأعرفك بنفسي.....
أنا "طيف الأمل" من غزة طالب جامعي.. مثقف ومتعلم وعلى قدر كبير من المطالعة والمتابعة.. هذا مبدئياً، وإن حصل لاحقاً "الود المتبادل"، لن أتوانى عن التعريف الكامل.. إلى صلب الموضوع:
أرجو أن يكون الحوار من العقل إلى العقل،،، وحتى لو اختلفتُ معك، أنا مستعد للتواصل معك لعام كامل وبكل سرور، وتأكد أنني لن أكل أو أمل.. سيدي العزيز:
لاحظت من مقالك عن حركة كفاية (مشيراً لمقال لي بعنوان: حركة كفاية والمهزلة الحنجورية) في مصر، أنك طعنتهم بشدة، بدعوى أنهم "الطفيليات الناصرية المتبقية" على حد وصفك، وحملت على الإخوان المسلمين، وقلت أنهم في غمرة صمت فئة "الغالبية الصامتة"، استطاعوا السيطرة على النقابات.. هل لي بسؤال، ماذا أنت؟؟؟؟؟.. إلى ماذا تدعو، فالكلام هكذا دون توجه أعتقد أنه دون أي معنى؟.. ليبرالي الفكر؟؟.. أتمنى إجابة.. سأوضح لاحقاً لماذا سألت هذا السؤال، إن حظيت برد على هذا السؤال.
سيدي العزيز:
هل تعلم أننا في غزة المحاصرة نتنفس العزة والكرامة والإباء؟.. ونعلم أن الاخرين من العربان ومتخاذلي الخليج، الذين رغم دنياهم الممتعة، يتنفسون المهانة والذلة؟.. أنظر بعينيك مشايخ الخليج، دول وهمية يحكمها السفراء الأوروبيون والقواعد العسكرية الأمريكية، ومصر "أم الدنيا" يحكمها نظام قهري احتكاري قاتل لكل شيئ جميل فيها و و و.. نعم، نحن نعترف أننا لا نملك من مقاييس القوة المادية شيئاً، ولكن
في خضم كل هذا، وأنا أتحدث معك الآن والكهرباء منقطعة عن منزلي، أحدثك من كافي نت، ورغم المساوئ التي تحدثتَ عنها، إلا أننا وبكل فخر، نؤمن بأن هذا ابتلاء من الله عز وجل، والناس يتم ابتلاؤهم على قدر ايمانهم.. هذا في عقيدتنا الإسلامية.. نعم، قد يكون بعض ما ذكرته في مقالك صحيحاً وربما أسوأ، وأنا لا أنكر ذلك، لكن إن كنت تنقل بأمانة علمية، لا بصفة كيدية، وجب عليك سيدي الكاتب أن تتطرق لبعض النماذج الجيدة وهي كثيرررة، وألا تتصيد الأخطاء، فمن يحكمون غزة هم بشر، والبشر يخطئون وغير معصومين.. أتمنى أن تتطرق لهذه الفكرة في مقالك القادم.. سأنتظره وسأعلق لك مباشرة.
كلمة أخيرة:
أنا فلسطيني الهوية،،،،، عربي الجذور.
تحياتي من غزة المعتمة "المضاءة بثبات رجالها".
"طيف الأمل"- غزة
شهادة أخيرة علي أنا أن أدلي بها، بعد عشرات الاتصالات من شباب فلسطيني في غزة، معظمهم ساخط على الوضع اللا إنساني، لكنني لم أعثر بينهم على فرد واحد، يوافق أو حتى يقبل الحديث عن سلام نهائي مع إسرائيل أو اليهود، في حين تتراوح آمالهم في المستقبل، بين استمرار المقاومة (لدى القِلَّة)، وبين الأمل في هدنة تطول أو تقصر، لكنها مرتهنة باستجماع القوى، لتحرير كامل التراب الفلسطيني، أي ما نعرفه بالتحرير من النهر إلى البحر!!
إلى هنا أظنني قد قمت بأقصى ما يستطيع ضعفي، لمحاولة إنقاذ أخوة لنا في الإنسانية، حتى وإن كانوا يبدون غير راغبين في مساعدة أنفسهم، ناهيك عن الاستماع إلى صوت العقل ونداء الحياة، الذي يرونه استسلاماً وذلة وخنوعاً!!

اجمالي القراءات 8882