تشكيل حكومة البرادعي ضرورة وطنية

محمد عبد المجيد في الخميس ٠٤ - مارس - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أوسلو في 4 مارس 2010

شراسة الطاغيةِ لا تعادلها إلا شراسة الطغاة الصغار الذين يسبغ عليهم نِعَمَه، ويتولوّن حمايته!

في أقل قليلا من ثلاثة عقود تمكن الرئيس حسني مبارك من تكوين عشرات من الميني طغاة الذين تسمح لهم امكانياتهم التي صنعتها تربية القصر من الجمع بين الديكتاتورية والاستبداد والنهب والقسوة والاحتيال، فضلا عن عشرات الممنوعات والجرائم غير المرئية ، وهؤلاء هم خط الدفاع الأول عن جرائم كبيرهِم، وخط الهجوم الأول على كل مصري يؤمن أن له حقوقا في جمهورية مبارك، وأن فيه نفخة من روح الله في عصر هذه الأسرة التي سعت بكل قوة ووحشية لمساواة المصريين بالحشرات، وجعل الوطن الكبير سجناً أكبر.

لم أشعر بقرف في حياتي مثلما شعرت به هذه الأيام وأنا أقرأ وأتابع تصريحات وكتابات مصريين، من معارضة قزمية، ومحررين مملوكيين لا يدري المرءُ إنْ كانوا فلولا من الرقيق، أو كانوا جواسيس نائمين أغضبهم من جاء ينبههم بالكف الغليظة التي تهوي على أقفيتهم.

رئيس تحرير أكبر صحيفة قومية يشير إلى أن الدكتور البرادعي ومناصريه قطاع طرُق، وشخص آخر يتولى رئاسة حزب لا تراه بالعين المجردة يطالب بعقد محاكمة للدكتور البرادعي، وحزبي ثانٍ أشك في أنه يعرف القراءة والكتابة قال بأن ( البرادعي لديه أحاسيس أمريكية) وهي جملة جديدة أزعم أنها ستنقلب لاحقاً إلى تهمة تشبه ما تطلق عليه أجهزة الاستخبارات السورية ( النيّل من هيبة الدولة)، وما يسميه حماة العقيد المجاهد ضد سويسرا ( التعاطف مع الكلاب الضالة)، وما يراه قاتيو الرئيس علي عبد الله صالح( أعداء الوحدة اليمنية)، وكذلك التشابه مع التهمة الأمنية التونسية بأنها(التعاون مع أعداء الحرية في جمهورية بن علي)!

الدكتور البرادعي يرى أن نيوب الليث بارزة، فهل هو حقا يظن أن الليث يبتسم؟

مبارك لن يترك السلطة، فالطاغية لم يعد قادرا على التحكم في أفكاره، وتحركاته، وعضلات وجهه، والمونتاج الذي يقوم ابنه بعمله قبل بثه على الهواء إثر كل لقاء جماهيري يتم فيه اقتطاع تسعة أعشاره حتى يبدو العُشر الباقي كأن الرئيس لا يزال حياً، وأن عزرائيل على مسافة عشرين ألف فرسخ تحت الماء!

القضاة والفنانون وأساتذة الجامعات والمثقفون والمحامون وأكثر الإعلاميين حسموا خيارَهم تقريبا، وانحازوا للطاغية ضد الشعب.

أما كبار الكتاب الذين كانت مقالاتهم تزلزل الأرض من تحت أقدام لصوص العهد المباركي فقد صكّ كل منهم وجهه، وتملكته الحيرة بين عهد ديمقراطي لا يعلم عنه شيئا، وبين زمن أغبر جعل مصر تلامس تراب الأرض فقراً وجوعاً وعِلماً وتأخراً، وتهبط تحت الأرض إنْ تعلق الأمر بحقوق الإنسان وكرامة المواطن.

أعترف بأنَّ حزني كان جَمّاً على الزميل عادل حمودة، الإعلامي والكاتب المثقف وصاحب المعارك الوطنية ضد لصوص مصر، والمتابع الجيد الذي يملك أسلوبا يُعَصْرن فيه المازني، وأحيانا يتفوق عليه، عندما وقف ضد ( البرادعي الذي جاء ليأكل الديك الرومي جاهزاً)، وكأن الزميل لا يعرف أن الديك الرومي في بطن الطاغية منذ ثمانية وعشرين عاماً ولم تتقدم قوى المعارضة قيد شعرة من الاطاحة بديكتاتورها، ويشهد ميدان التحرير أنه خلا تماما من أقطاب المعارضة عندما سلطت كلاب السلطة بلطجية النظام وقبضاته على شباب زي الورد آمنوا بالكبار، فلما خرجوا إلى الشوارع خذلهم القضاة وأقطاب المعارضة، وبحثوا عن مصر الغاضبة فقيل لهم بأن الوطن نائم، وأن المصريين يُطمئنون النظام بشخيرهم الذي تفرح بها جنبات القصر و .. جدران السجون والمعتقلات.

أعيد فأكرر بأن الفترة الممتدة إلى انتخابات عام 2011 لن تكون في صالح الدكتور البرادعي، فالطاغية يملك الأرض والبحر والجو والجيش وأجهزة الأمن والمخابرات والاعلام ، وأن الفنانين مِلكُ يمينه، وأن السلطة القضائية تحكم بهواه، وأن السلطة التشريعية تحت حذائه، وأن وجبة من قيادات الإخوان المسلمين يغيبها خلف القضبان مرة في كل شهر أو شهرين تقزم الجماعة فلا تملك بعدها إلا أن تقول : حسبي الله ونعم الوكيل!

مبارك والطغاة الصغار نفخوا في بوق الحرب، والمستبد يستعد لهدم الوطن على رؤوس الجميع إنْ تعرضت مِلكيته الخاصة لعزبة مصر لتهديد من الداخل أو من الخارج، وقبل أن تتشوه صورة الدكتور البرادعي بفضل آلةٍ إعلامية حمقاء تطارد عيون وآذان المصريين آناء الليل وأطراف النهار، فعلى الرجل أن يضيف إلى هدوئه قليلا من غضب الجماهير، فالحماس ليس حالة عقلانية أو تأملا فلسفيا أو وصفا ساكنا لمياه هادرة، إنما هو أيضا صلة وصل بين القائد والجماهير، والخطيب الهاديء الذي تبتسم له الجماهير في أول الخطبة، تتثاءب في نهايتها، ومن أراد دفع مئة ألف مواطن لشوارع العاصمة المصرية فعليه أن يصرخ فيها، ويهاجم سجّانيها، ويتوعد منتهكي حرماتها بالويل والثبور، ويكشف سوءات الطغاة الصغار، ويقلل من شأن ابن الرئيس، ويرفع من شأن نفسه، ويجعل أمانيه أحلاماً مصفوفة أمام الجماهير.

إنهم نفس جماهير الكرة المسحورة بضربة الجزاء، فاللاعب الذي لا يصرخ تتوجه الأنظار لقدم أخرى تطارد الكرة بشراسة كأنها في أرض معركة حربية، والدكتور البرادعي هو المحرك للعصيان المدني، والانتفاضة الشعبية، والثورة، والغضب الجماهيري، وعمال المحلة وكفر الدوار، وملايين من الطلاب والتلاميذ، وعدة ملايين من سكان العشوائيات والمقابر، وتسعة ملايين تهينهم صباح كل يوم بطالة تمسح دورهم في الحياة والأسرة.

الخطوة القادمة ينبغي أن تكون اجتماعا مع قوى المعارضة في الخارج، والخروج بتوصيات تقرّب الدكتور البرادعي من رئاسة الدولة.

أما الخطوة الأهم والأخيرة والعاجلة فهي الدعوة للاثنين معا: خروج الجماهير للشارع، وخروج الرئيس من القصر.

أنا أرى أن محاكمة الرئيس مبارك تعادل في أهميتها محبتنا لمصر، ففي المحاكمة ستتكشف حقائق عن جرائم القرن وكل القرون، وسنخجل جميعا من أنفسنا وصمتنا.

الدكتور البرادعي لا يعرف، ربما، أن النظام يستطيع كأي حكم طغياني في العالم أن يعثر على قرود تقفز، وتصرخ، وتصوّت له، وتهاجم خصومه، ولو طلب منها احراق مصر فلن تتردد لحظة واحدة.

لقد أثبتت الأسابيع الماضية أن مصر لا يصلح لها إلا من قضى سنوات طويلة في الخارج، وأن غياب المنقذ في الداخل الذي ترك لمبارك الحُكم لخمس ولايات ستعقبها السادسة قبل أن يقترب عمره من التسعين عاماً سيمتد في صراع المعارضة وعجزها إلى ربع قرن قادم، وربما إلى حفيد الطاغية الذي لن يجد شيئا يبيعه من وطن انقرض، وبلد يستعد المؤرخون لوضعه مع الأمم البائدة.

نظام مبارك لا يملك ذرة من حياء، وقد يقوم بأي جريمة يساعده فيها الموساد والاستخبارات الأمريكية، وقد يقوم بتصفية الدكتور البرادعي، أو اسقاط طائرته على طريقتي البشير وصدام حسين مع خصومهما، أو فضيحة أخلاقية كما يفعل الرئيس التونسي مع خصومه، أو حادث دهس بالسيارة وأكثر طغاتنا بارعون في تدبير حوادث السيارات.

أمام الدكتور محمد البرادعي باب يوصله إلى أقصر الطرق الشرعية في مواجهة حكم غير شرعي: أن ينظم دعوة للانتفاضة الشعبية والعصيان المدني، ثم يطلب من مبارك وأسرته مغادرة القصر في خلال ساعات معدودة.

مازلت مؤمنا أن نظام مبارك نمر من ورق، وأن سقوطه أسهل من سقوط تمثال صدام حسين في قلب بغداد، وأن قصره أكثر هشاشة من خيمة العقيد، وأن ابنه أضعف من بيت العنكبوت.

أعداء مصر الحقيقيون في الداخل، والمنقذ في الخارج!

أعداء مصر الحقيقيون عارضوه عندما كانت المعارضة لا تمثل خطرا على النظام، وعندما اكتشف مناهضو السلطة أن الأمر جدّ خطير، وأن طاغية مصر يمكن أن يفقد العرش والسوط والكلاب شعروا بخطر غيابه، فأكل العيش تتساوى فيه أحيانا اللا والنعم!

إذا لم يسقط مبارك قبل نهاية العام الحالي فستظل أسرته تقبض على رقاب المصريين لثلاثة عقود قادمة!

الشابي كان يقول إذا الشعب يوما أراد الحياة، لكنه لم يسأل إذا كان الشعب لا يريد الحياة، فهل سيستجيب القدر؟

هل المصريون في حيرة حقاً بين القاتل والمنقذ؟

الغلبة لمن: عشاق الحرية أم .. المستعذبين بالذل؟

 

محمد عبد المجيد

رئيس تحرير مجلة طائر الشمال

أوسلو النرويج

 

اجمالي القراءات 10768