من زمن طويل كان لا يجرأ أحد أن يقول أنا أتبع القرءآن فقط
هل تديُّننا اليوم مؤشر قوة أم نقطة ضعف؟

محمد صادق في الأربعاء ٠٩ - ديسمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

هل تديُّننا اليوم مؤشر قوة أم نقطة ضعف؟

الجزء الأول

أيها الأخوة والأخوات الكرام السلام عليكم ورحمة اللـــه وبركاته، والحمد للــه رب العالمين والعاقبة للمتقين.

أما بعد...

من زمن طويل كان لا يجرأ أحد أن يقول أنا أتبع القرءآن فقط وإلا خسفوا به الأرض، ولكن فى زمننا هذا بدأت كلمة القرءآن وكفى تطفو على السطح. فكانت الأجهزة الأمنية والمعاهد الدينية والفرق، بالمرصاد وفنون التهديد والتعذيب تُمارس ولا أحد ينطق بكلمة الحق وإلاَّ مصيره، كما يُقال " وراء الشمس  ". أما فى الآونة الأخيرة وبالذات الأسبوعين الماضيين فوجئت بعاصفة شديدة اللهجة وإستغاثة بطريقة جلب العامة من المسلمين لرفع شعار السُنة المطهرة والدفاع عنها بكل الأساليب وإستجلاب قلوب هؤلاء الذين لا حول ولا قوة لهم إلا ما يسمعوه على المنابر فى خطب الجمعة وعلى الفضائيات. وقد تتبعت هذه الحملة عن قرب شديد فوجدت أن سبع قنوات فضائية على الأقل وعلى مدار الساعة يوضحون ويشرحون للناس من هم الذين يتبعون القرءآن وكفى وعدم الإيمان والإعتقاد بشرعية ما يسمونها بسُنة الرسول الكريم عليه السلام.

أيها الأخوة والأخوات الكرام، يجب أن نسأل أنفسنا سؤال مهم للغاية وهو أين كانت هذه العاصفة فى السنين الخالية ولماذا ظهرت الآن وبقوة وعلى معظم المنابر والقنوات الفضائية وبهذه الشدة، والتوسل إلى الشباب والشابات الذين لا يتدبرون القرءآن ويُكتفى بالحفظ والتلاوة لكسب الحسنات، أن يتحركوا بشعورهم وحواسهم بالعاطفة نحو السُنة التى يظهرونها اليوم على أنها الضحية وأن هذا معناه عدم حب الرسول عليه السلام وبذلك يكونوا دخلوا الجنة من أوسع أبوابها ونالوا شفاعة الرسول الكريم عليه السلام.

والجواب على هذاالسؤال المهم هو نجاح دعوة القرءآن وكفى والذى شكَّلت تهديدا صريحا لمعتقداتهم والخوف على مناصبهم وسقوط عرش الولاية على أبناء الأمة الإسلامية وبذلك يكونوا قد فقدوا ما ترمى إليه نفوسهم من السيطرة على الشعوب والحكام بدعوة حب الرسول وضمان شفاعته يوم القيامة. وأقول انه لدى بعض من هذه التسجيلات الصوتية، ولا أريد أن أذكر أسماء، ومن يريد ان يستمع لبعض منها فعليه أن يطلب ذلك.

أود أن أنبه من البداية أن كلامى هنا ليس تعديا على أى شخص بعينه ولا تشهير بأى من مذيعى هذه الأشرطة ولكن هذا الكلام للمحاورة المبنية على الإحترام المتبادل وسوف لا أتعرض لأى لفظ خارج عن أصول الحوار ولا الحكم على أىشخص فى عقيدته وإيمانه لأنها من خصائص اللــه سبحانه وتعالى الذى يعلم ما فى الصدور.

وأقول أيضا أن كل كلامى سيُنتقى من القرءآن الكريم رسالة السماء إلى الأرض، وسوف لا أستخدم أو أستشهد بأى حديث غير حديث القرءآن إلا فى حالة التعليق بحديث ليُثبت عدم صحة حديث إستشهد به القائل لإثبات وجهة نظره فى المسألة.

ونظرا لعدم الإمكانية من إذاعة هذه التسجيلات فى الوقت الحاضر، فسوف أذكر مقاطع من التسجيل كما هى ويمكن لقائل هذا التسجيل أن يراجع ما أكتبه على لسانه ليتأكد من صحة النقل، وبعد تنزيل المقطع من التسجيل الصوتى سوف أقوم بالتعليق. والهدف الأساسى من هذه التعليقات هو الوقوف على الحقيقة المبنية على قطعية الدلالة وقطعية الثبوت مهما كانت  هذه الحقيقة وسوف نقابل الملك يوم لا ملك غيره ونقف بين يديه يوم "  يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا ۖ وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ " الإنفطار(19)

وباللــه التوفيق..

المقطع الأول: مقدمة الخطبة...

إفتح الخطيب خطبته – بعد الدُعاء المُتفق عليه دائما بين المشايخ والمتحدثين- فقال:

" من المصائب أن نعيش زمانا نحتاج فيه إلى أن نُبين حُجية السُنة ومكانة السُنة وقدر صاحب السُنة صلى اللــه عليه وسلم. فلقد خرج علينا فى هذه الأيام من يهرسُ بما لايعرف ويدعى أن الإسلام قرءآن فقط ولسنا فى حاجة إلى السُنة أو إلى غيرها بدعوى أن السُنة فيها الضعيف والموضوع وأن القرءآن الكريم قد حوى عِلم كل شيئ مصداقا لقول اللــه جل وعلا " ما فرطنا فى الكتاب من شيئ ".

وتتاوى الشبهات على شاشات الفضائيات وعبر الجرائد والمجلات ويتأثر كثيرٌا من المسلمين عامة ومن شبابنا وأولادنا خاصة بهذه الشبهات الخبيثة التى يُغنى بُطلانها عن إبطالها ويُغنى إفسادُها عن فسادها وذلك لقلة العلم وإبتعاد الناس عن عصر النبوة فما هى السُنة لغة وإصطلاحا وما الأدلة على حُجية السُنة وما هو واجبنا نحو السُنة وصاحب السُنة صلى اللــه عليه وسلم.  إنتهى المقطع...

التعليق:

إفتتح الخطيب خطبته بكلمة المصائب، وهى جمع مصيبة، فأى مصيبة يتكلم عنها سيادته؟

إذا كان سيادته يعنى إثبات حُجية السنة مصيبة فى هذا العصر الذى نعيشه، فما سبب هذه المصيبة ولا بد أن تكون هناك مصيبة أكبر قد حدثت وسببت المصيبة الأولى والمعنى فى بطن الشاعر، حيث ان من ينادى بإتباع اللــه سبحانه وتعالى وسنته فى القرءآن الكريم والإيمان الصادق بنبوة محمد الرسول النبى عليه السلام الذى بُعث للناس كافة، فإذا كانت هذه هى المصيبة التى سببت مصيبة إثبات حُجية السنة والتى أزعجت الكثير فما بال الإفتراء على اللــه سبحانه وتعالى وتأويل الكلام يُنسب إلى الرسول النبى الذى لا رسول ولا نبى بعده والذى قال عنه خالقه " وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ".

ولو دققنا النظر فى عنوان هذا الحوار نجد أننا لا نتكلم عن الدين لأن العنوان هو بمثابة سؤال لكل من يهمه الأمر وعليه أن يراعى الصدق مع اللــه ومع نفسه وأمام الأمة الإسلامية فى الإجابة على هذا السؤال، فالسؤال مرة ثانية هو " هل تَديُّننا اليوم مؤشر قوة أم نقطة ضعف؟ فالكلام هنا عن التدين وليس الدين لأنه دين اللــه الذى فطر الناس عليها وهو الإسلام. أما عن التدين فهو أصل كلامنا فى هذا المقام.

نحو ألف عام أو ما يقرب من ذلك، والأمة الإسلامية فى مشارق الأرض ومغاربها تتبع طريقة واحدة وحتى هذه اللحظة، وهى إتباع السنة المطهرة والأحاديث النبوية الشريفة. ويحضرنى فى هذا المقام سؤال آخر وأرجو أن نكون صرحاء مع اللــه ومع أنفسنا ومع أفراد هذه الأمة المسلمة ونكون أيضا صادقين مخلصين للــه فى الإجابة: ما هو حال الأمة المسلمة اليوم بعد ما يقرب من الألف عام وإلى أين وصلت الأمة الإسلامية ومكانتها بين العالم حولنا حتى نستطيع أن نقول للعالم هذا هو الإسلام والذى يجب علينا أن ندعوهم إليه؟

أترك الإجابة للقارئ لأن الحالة لا تخفى على أحد فالشواهد والأحداث أحسن إجابة لهذا السؤال لأن حال الأمة لايخفى على أحد من داخلها ومن خارجها. بالرغم من أن بلد مثل جمهورية مصر العربية أرضنا الحبيبة، بالرغم من وجود عدد لا حصر له من المساجد والكليات والمعاهد الدينية والفرق والمظمات وعلى قمة هذا وذاك كم هائل من العلماء الأفاضل والمشايخ المتمكنة من هذا الدين، يدعون ليل نهار على المنابر وفى قاعات الحوار وعلى شاشات الفضائيات التى لا تُعد ولا تُحصى والكل ينادى بالتقوى والصلاح والدعاء بالنصرة للمسلمين وإهلاك الكفرة من غير المسلمين والأمنيات التى تُدخل الجنة بحساب وبغير حساب وعداك عن الآف الكتب على اسوار الحسين والمكتبات ودور النشروالمجلات والصحف وكل ذلك على مسمع ومرأى للجميع، فأين نحن الآن يا أُمة القرءآن، إلى أين تذهبون؟

اللــه العلى القدير يعطينا المفاتيح للهداية فى قرءآنه الكريم والذى نطق به الصادق الأمين وإتبعه حتى أتاه اليقين يقول رب العزة: "  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ " سورة محمد (7)

مفتاح للنجاح والنصرة واللــه يريد لنا النصرة ولكن أبَيْنا وعَصَينا، فهل نحن منتصرين... لا واللــه، وليس فقط النصرة ولكن يثبت اقدامنا، فهل أقدامنا ثابتة... لا واللــه...لماذا؟

إذا تدبرنا فى قصة آدم وزوجه وإبليس اللعين، والذى أغفل عن دراستها الكثير لوجدنا أن اساسيات الدين مجتمعة فى الدروس المسطنبطة من هذه القصة. وأهم هذه الدروس الذى لا يجب أن يغفل عنها أحد والذى يرسم لنا طريق الهداية ويبين لنا الشرع الذى يجب إتباعه وعدم الحياد عنه. فكلنا نعلم أن وعد اللــه حق، واللــه سبحانه الخبير العليم يقول عل لسان إبليس اللعين يوم الحساب: "  وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ .... " إبراهيم (22) حتى إبليس اللعين يعترف أن وعد اللــه حق.

القرءآن الكريم فيه أنواع كثيرة من وعود اللــه لأولاد أدم عليه السلام، ولكن نلاحظ من تدبر قصة آدم عليه السلام أن أول وعد نزل لأولاد آدم بعد خروجه وزوجه من الجنة وطرد إبليس منها، بعد ذلك مباشرة جاء وعد اللــه:

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ " طه (123)

فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ  هذا هو أول وعد من اللــه وقد تحقق ذلك بإرسال الرسل والأنبياء ومعهم وعد اللــه الذى هو الرسالات السماوية وفى قول آخر أرسل معهم الكتاب والميزان. وهذا الوعد هو الطريقة وهو المنهاج وهو شرع اللــه الذى يجب إتباعه. ولا ننسى أن الشقاء فى كل مكان يا أمة القرءآن أمة محمد عليه السلام. 

وهناك من وعود اللــه التى تحققت وايضا وعود لم تتحقق حتى الآن ولنقرأ هذا الوعد من اللــه: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ .... " النور(55) هذا الوعد يشمل على ثلاث عناصر الخلافة ، التمكين و الأمن، فهل بعد ما يقرب من ألف عام تحقق فينا وعد الخلافة وهل تحقق لنا التمكين لديننا وهل نحن آمنين حتى فى بلدنا الأم....اقول لا واللـــه لم يتحقق أى منهم. ولكن اللــه سبحانه وتعالى وضع شرطين لهذا الوعد بعناصره الثلاثة فيقول عز من قائل: " يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا .... " شرطين العبادة الخالصة وعدم الشرك به بأنواعه وما يؤمن أكثرهم باللــه إلا وهم مشركون.

الرحمن علَّم القرءآن، يأتى بتشريع يوضح لنا كيفية الحصول على هذه الوعود التى لم تتحقق بعد وهذه الوعود التى لم تتحقق كثيرة ولكن ليس هو هنا المقام لذلك فجاءت شريعة اللــه وأمره: " لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ " الرعد (11)...... فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ *  إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ " التكوير 26-29

قيل فى مقدمة الخطبة " الشبهات الخبيثة التى يُغنى بُطلانها عن إبطالها ويُغنى إفسادُها عن فسادها وذلك لقلة العلم وإبتعاد الناس عن عصر النبوة"

لم توضح ما هو العلم الذى تقصده " لقلة العلم " وتركت هذا العلم مفتوحا ليدخل فيه كل من هب ودب، وأيضا كنت أتوقع ان يكون السبب الثانى هو إبتعاد الناس عن كلام ربهم الذى هو أساس النبوة ودليلها...

وقد شرح لنا الشيخ مشكورا معنى السنة لغةً وإصطلاحا فقال: فى اللغة هى الطريقة محمودة كانت أو مذمومة. وإصطلاحا (عند الأصوليين) هى ما نُقل عن النبى من قول أو فعل أو تقرير، وعند المحدثين (علماء الحديث) ما أُثر عن النبى من قول أوفعل أو تقرير أوصفة خلْقية أو خُلقية أو سيرة.

تعليق:

لقد إستشهد الشيخ بأحاديث من الصحيحين وغيرهما ليُأكد هذا التعريف ولم يستشهد بأى آية من كتاب اللــه الذى هو الحق المطلق، وهذه الأحاديث هى عبارة عن أقوال بعض من البشر الذى تحتمل الخطأ والصواب أما آيات اللــه فى القرءآن الكريم فهى حق ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

كلمة السُنة ذُكرت فى القرءآن الكريم 14 مرة منها أربعة " سنة الأولين"  الأنفال 38، الحجر 13، الكهف 55، فاطر 43  و10 مرات سُنة اللــه الإسراء 77 مرتين، غافر 85، الأحزاب 38، الأحزاب 62 مرتين، الفتح  23 مرتين، فاطر 43 مرتين، وان اللــه سبحانه وضح لنا أن كلمة فرض وكلمة أمر وكلمة سُنة كلها بمعنى واحد وهو الشرع. والسنة المقبولة عند اللــه سبحانه فى القرءآن الكريم جاءت منسوبة إلى اللــه " سنة اللــه " بمعنى أن لا سنة إلا سنة اللــه التى يجب أن تُتبع، ولا يوجد فى القرءآن الكريم أى ذكر لفظا يوحى أن النبى عليه السلام له سُنة منفصله عن سنة اللــه فى القرءآن الكريم.

معنى السنة فى القرآن هو المنهج او الطريقة وذلك فيما يخص تعامل الله تعالى مع المشركين .كما ان معناها هو التشريع الالهى ،وبالمعنيين فان السنة فى القرآن تأتى منسوبة لله ، اى سنة الله.

يقول تعالى فى تشريع خاص بالنبى (عليه السلام)

" مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا " الأحزاب (38) فهنا كلمة فرَضَ اللــه يعنى سنة اللــه وأمر اللــه هو شريعة اللــه بمعنى أن السُنة معناها الشرع.

وهذا يتفق مع المعنى اللغوى لكلمة السنة ،تقول سن قانونا اى شرَّع قانونا ،واذا تم سن القانون اصبح شريعة واجبة التنفيذ. وهذا ايضا يتفق مع المعنى الفقهى لمصطلح " السنة العملية " اذ تعنى السنة العملية العبادات من الصلاة وزكاة وحج وصيام.

فإن الله تعالى هو صاحب التشريع الذى نزل فى القرآن الكريم، والنبى عليه السلام هو القدوة لنا فى تطبيق ذلك التشريع ،لذلك يقول تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " الأحزاب " (21 ) لم يقل كان لكم فى رسول الله سُنة حسنة ،لان السنة هى سنة الله، اما النبى عليه السلام فهو القدوة الحسنة فى تطبيق سنة الله وشرع الله.

إلاَّ أن بعض فقهاء التراث يقولون ان السنة العملية هى العبادات التى اشرنا اليها ، اما السنة القولية للنبى فهى تلك الاحاديث التى اسندوها اليه بعد موته بقرون فيما يعرف بكتب الصحاح وغيرها . وهنا نختلف معهم ،لان السنة القولية للنبى عليه السلام هى ما ورد فى القرآن فى كلمة "قل "التى يتميز بها القرآن . وقد تكررت كلمة "قل "للنبى فى القرآن (332) مرة. وكانت الموضوعات التى ترددت فيها كلمة "قل" تشمل كل ما يحتاجه المؤمن من امور الدين ،وبعضها يؤكد ما جاء فى القرآن ايضا بدون كلمة "قل".وكان النبى عليه السلام مأمورا بأن يقول ذلك القول المنصوص عليه فى القرآن كما هو دون زيادة او نقصان، اذ لايملك ان يتقول على الله تعالى شيئا فى امر الدين، وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ." الحاقة (48) وان السنة القولية للنبى هى كلمة " قل "  لان السنة تعنى الشرع المفروض اتباعه .

وأن سنة اللـــه لا تتحول ولا تتبدل وتمعن فى قوله تعالى:

سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا ۖ وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا " الإسراء (77 )

سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا " الأحزاب ( 62 )

 

أكتفى بهذا القدر فى الجزء الأول لآن الموضوع مهم والخطبة فيها الكثير الذى يجب أن نتحاور فيه فسيكون هناك أجزاء وأجزاء لأهمية هذا الموضوع الذى يجب ان يعلم حقيقته كل مسلم موحد باللــه تعالى ويؤمن بالرسول الكريم وصدق نبوته. وأرجو من كل من يريد أن يُدلى بتعليقاته ويشترك فى هذا الحوار فلا يبخل علينا بما أفاض اللـه عليه من علم. وارجو أن يكون الحوار بالتى هى أحسن ونبتعد عن التعصب وأى ألفاظ خارجة عن وصية اللــه بالتى هى أحسن.

ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا... وقولى فى نهاية هذا الجزء ... واللــــه أعلم.

وإلى اللقاء القادم أستودعكم اللــه وأدعو لجميع الأمة الإسلامية وإيانا بالهداية والفلاح بإذنه تعالى...

 

اجمالي القراءات 13044