تفسير سورة الأعراف

رضا البطاوى البطاوى في الجمعة ١٣ - نوفمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                  سورة الأعراف

"بسم الله الرحمن الرحيم المص كتاب أنزل إليك فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات وحى أوحى إليك فلا يكن فى نفسك ضيق لتخبر به ونفع للمصدقين ،يبين الله لنبيه(ص)أن اسمه وهو حكمه وهو الرحمن الرحيم أى النافع المفيد قد حكم بالتالى :

أن الوحى هو المص كتاب أنزل إليه والمراد أن الوحى هو آيات أى أحكام وحى قد أوحى إليه من عند الله ،ويطلب الله منه ألا يكن فى صدره حرج والمراد ألا يصبح فى نفسه ضيق من القرآن لأنه سيجلب عليه أذى الناس ويبين له أن عليه أن ينذر به أى يبلغ به الناس والقرآن هو ذكرى للمؤمنين أى للذاكرين مصداق لقوله بسورة هود"ذكرى للذاكرين"وهذا يعنى أن القرآن نفع للمسلمين والخطاب للنبى(ص).

"اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون"المعنى أطيعوا ما أوحى إليكم من إلهكم ولا تتخذوا من سواه آلهة قليلا ما تطيعون،يطلب الله من الناس أن يتبعوا ما أنزل لهم من ربهم والمراد أن يطيعوا الذى أوحى لهم من خالقهم وهو ملة إبراهيم(ص)مصداق لقوله بسورة آل عمران"فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا"وفسر هذا بأن لا يتبعوا من دونه أولياء أى لا يطيعوا من سوى حكم الله الأحكام الأخرى والمراد لا يطيعوا أهواء الضالين مصداق لقوله بسورة المائدة"ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا"ويبين لهم أنهم قليلا ما يذكرون أى ما يطيعون حكم الله والمراد قليلا ما يشكرون الله مصداق لقوله بسورة الأعراف"قليلا ما تشكرون"والخطاب للناس.

"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو وهم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين"المعنى وكم من أهل بلدة دمرناهم فأتاهم عذابنا ليلا أو وهم مظهرون فما كان قولهم حين أتاهم عذابنا إلا أن قالوا إنا كنا كافرين،يبين الله للناس أن كثير من القرى والمراد أهل البلاد أهلكهم أى دمرهم أى قصمهم مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكم قصمنا من قرية"وقد جاءهم البأس والمراد وقد نزل بهم العذاب بياتا أى ليلا وهم نائمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بياتا وهم نائمون" أو نزل بهم وهم قائلون أى وقت الظهر وهو الضحى كما قال بسورة الأعراف"أن يأتيهم بأسنا ضحى"فما كان دعواهم وهو قولهم إذ جاءهم بأسنا والمراد حين نزل بهم عذابنا:إنا كنا ظالمين أى "إنا كنا طاغين"كما قال بسورة القلم والمراد أنهم يعترفون أن العذاب نزل عليهم بسبب ظلمهم  والخطاب وما بعده للناس.

"فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين"المعنى فلنحاسبن الذين بعث إليهم ولنحاسبن المبعوثين ولنخبرنهم بمعرفة أى ما كنا غافلين،يبين الله للناس أنه يسأل الذين أرسل إليهم والمراد سيحاسب الذين بعث لهم الرسل(ص)ويسأل المرسلين والمراد ويحاسب الأنبياء(ص)كل حسب عمله وفى هذا قال بسورة الأنعام"ما عليك من حسابهم من شىء وما من حسابك عليهم من شىء"وسوف يقص عليهم بعلم والمراد سوف ينبىء الجميع بمعرفة والمراد سوف يخبر الكل بما عملوا مصداق لقوله بسورة التغابن"لتبعثن ثم لتنبئن بما عملتم"وفسر علمه بأنه ما كان من الغائبين والمراد الغافلين عن معرفة أعمال الخلق .

"والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون"المعنى والحكم يومذاك العدل فمن حسنت أعماله فأولئك هم الفائزون ومن ساءت أعماله فأولئك الذين أهلكوا أنفسهم بالذى كانوا يسيئون،يبين الله للناس أن الوزن وهو الحكم أى الملك مصداق لقوله بسورة الفرقان"والملك يومئذ الحق للرحمن"وهو الأمر لقوله بسورة الإنفطار"والأمر يومئذ لله"فالحكم فى يوم القيامة العدل لله ،ويبين لهم أن من ثقلت موازينه أى من حسنت أى من قبلت أعماله فأولئك هم المفلحون أى "أصحاب الجنة هم الفائزون"كما قال بسورة الحشر وأما من خفت موازينه أى ساءت أى رفضت أعماله أى كفر بآيات الله فأولئك الذين خسروا أى أهلكوا أى ظلموا أنفسهم والسبب ما كانوا بآياتنا يظلمون أى الذى كانوا بأحكام الله يجحدون أى يكفرون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"والخطاب للناس .

"ولقد مكناكم فى الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون"المعنى ولقد حكمناكم فى البلاد أى أعطينا لكم فيها منافع قليلا ما تطيعون الله،يبين الله للناس أنه مكنهم فى الأرض والمراد حكمهم فى بلاد الأرض وفسر هذا بأنه جعل لهم فيها المعايش والمراد خلق لهم فيها المنافع التى يتحكمون فيها وهم قليلا ما يشكرون أى يذكرون أى يطيعون حكم الله وفى هذا قال بسورة الأعراف"قليلا ما تذكرون"والخطاب للناس

 "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين"ولقد أبدعناكم ثم عدلناكم ثم قلنا للملائكة أطيعوا آدم(ص)فأطاعوهإلا إبليس لم يكن من المطيعين،يبين الله للناس أنه خلقهم والمراد أنشأ بشر من طين ثم صوره أى نفخ فيه من روحه والمراد وضع فيه الحياة مصداق لقوله بسورة الحجر"وإذا قال ربك للملائكة إنى خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون فإذا سويته ونفخت فيه من روحى فقعوا له ساجدين"،ويبين لهم أنه قال للملائكة اسجدوا لآدم(ص)والمراد أطيعوا أدم(ص)أى أقروا لأدم(ص) بالأفضلية فسجدوا أى فأطاعوا أمر الله بتفضيل آدم (ص) على أنفسهم بطاعة أمر آدم(ص) إلا إبليس لم يكن من الساجدين أى لم يكن من المطيعين للأمر والمراد لم يقر لآدم(ص) بالأفضلية فقد استكبر أى كان كافرا مصداق لقوله بسورة البقرة"فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين".

"قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين"المعنى قال ما حملك على ألا تطيع حين طالبتك بالطاعة قال أنا أفضل منه أبدعتنى من نار وأبدعته من طين،يبين الله للناس أن الله سأل إبليس :ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك والمراد ما حملك على ألا تفضل آدم(ص) على نفسك حين طالبتك بالإقرار بأفضليته عليكم والمراد ما السبب الذى جعلك لا تكرم آدم(ص)؟فقال أنا خير أى أحسن منه والسبب أنك خلقتنى أى أنشاتنى من نار وخلقته أى وأنشأته من طين وهذا الرد طبعا يظهر لنا جنون إبليس فهو يوضح أنه أفضل بسبب مادة خلقه التى لم تكن من صنعه ولو عقل وفكر لعرف أن النار هى فى النهاية رماد ومن ثم فهو مخلوق من رماد النار أى التراب وكذلك آدم(ص)ومن ثم فالمادة أصلا واحدة وإن اختلفت صورتها من نوع لأخر.

"قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين قال انظرنى إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين "المعنى قال فاخرج من الجنة فما يحق لك أن تعصى فيها أمرى فابتعد إنك من الأذلاء قال أخرنى إلى يوم يرجعون قال إنك من المؤخرين ليوم البعث،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس"فاهبط منها"والمراد "فاخرج منها "كما قال بسورة ص والمراد ابتعد عن الجنة إلى النار فما يكون لك أن تتكبر فيها والمراد فما يحق لك أن تعصى أمرى فى الجنة فاخرج منها أى فإنزل عنها إنك من الصاغرين أى الرجماء مصداق لقوله بسورة ص"فإنك رجيم"والمراد إنك من الملعونين أى المعذبين فى النار فرد إبليس فقال:انظرنى إلى يوم يبعثون أى أخرنى إلى يوم يعودون فى القيامة مصداق لقوله بسورة الإسراء"لئن أخرتن إلى يوم القيامة"وهذا يعنى أنه طلب من الله أن يؤجل موته ليوم القيامة والسبب حتى يضل الخلق كما زعم فقال الله له:إنك من المنظرين أى المؤخرين والمراد إنك من الباقين حتى يوم القيامة وهذا يعنى أن إبليس لا يموت سوى فى يوم القيامة ولكنه بالطبع لا يعلم  مكان الموت ولا ساعته.

"قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين"المعنى قال فبالذى أبعدتنى لأحرفن لهم دينك العادل ثم لأجيئنهم من أمامهم ومن ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تلق أغلبهم طائعين،يبين الله للناس أن إبليس قال له:فبما أغويتنى والمراد فالبذى أضللتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم والمراد لأحرفن لهم دينك الحق وهذا يعنى أن إبليس أقسم بآدم(ص)على أن يجعل دين الله العادل دين معوج حتى يضل الناس وقال لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم والمراد لأوسوسن لهم فى حاضرهم وفى مستقبلهم وفسر هذا بأنه يأتيهم عن أيمانهم أى فى حاضرهم وعن شمائلهم أى وفى مستقبلهم وهذا يعنى أن تقعيد أى تحريف الصراط المستقيم يكون عن طريق الوسوسة لهم فى وقتهم الحاضر وفى وقتهم المستقبل فالجهات الأربع هنا لا تدل على مكان وإنما تدل على استمرار الشيطان فى الوسوسة للإنسان فى كل وقت حيث يكون معهم فى كل وقت وهذا هو التزيين لهم فى الأرض وفيه قال بسورة الحجر"رب بما أغويتنى لأزينن لهم فى الأرض"ومن ثم قال:ولا تجد أكثرهم شاكرين والمراد ولا تبق معظمهم مطيعين لحكمك والمراد "وأكثرهم للحق كارهون"كما قال بسورة المؤمنون وهو قسم كاذب .

"قال فاخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين"المعنى قال فاهبط منها ملعونا خاذلا من قلدك منهم لأملأن النار منكم كلكم ،يبين الله للناس أن الله قال لإبليس:فاخرج منها أى اهبط أى ابتعد عن الجنة أى اذهب مصداق لقوله بسورة الإسراء"قال فاذهب مذءوما مدحورا" أى ملعونا خاذلا لمن تبعك أى لمن أطاعك أى لمن قلد عصيانك لى منهم لأملأن جهنم والمراد لأدخلن النار منكم كلكم وهذا يعنى أن إبليس خرج من الجنة ملعونا وهو مدحور أى خاذل من قلدوه من الناس فى عصيان الله وسوف يدخلون النار كلهم .

"ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين"المعنى ويا آدم(ص)أقم أنت وامرأتك فى الحديقة فإطعما من حيث أردتما ولا تذوقا هذه الشجرة فتصبحا من الكافرين،يبين الله للناس أنه قال لآدم(ص)يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة والمراد أقم أنت وامرأتك فى الحديقة وهذا يعنى أنه طلب منهما الإقامة فى مكان واحد هو الجنة وقال فكلا من حيث شئتما والمراد فإطعما من حيث أردتما وهذا يعنى أنه طلب منهما أن يأكلا من أى ثمر من ثمار أشجار الجنة إذا اشتهت أنفسهما ذلك وقال ولا تقربا هذه الشجرة والمراد ولا تأكلا من ثمر هذه الشجرة فتكونا من الظالمين أى الكافرين وهذا يعنى أن الله استثنى من أشجار الجنة شجرة محددة حددها للأبوين حتى لا يذوقا ثمرها وقد بين لهم عاقبة أكل ثمرها وهو كونهما من الظالمين أى العصاة وهذا هو أول أحكام الله للبشر .

"فوسوس لهما الشيطان ليبدى ما ورى عنهما من سوءاتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين  "المعنى فدعتهما الشهوة لتظهر لهما ما أخفى من عوراتهما وقالت ما منعكما إلهكما عن هذه الثمرة إلا أن تكونا ملوكا أى تصبحا من الباقين ،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس -وليس إبليس لأنه طرد من الجنة من قبل إلى النار -وسوس لهما أى حسن لهما الأكل من الشجرة والسبب أن تبدى لهما ما ورى عنهما من سوءاتهما والمراد أن تكشف لهما الذى خفى عنهما من عوراتهما ومن هنا نعلم أن جسد الأبوين ينقسم لقسمين فى الجنة الأول السوءة المكشوفة وهى الجزء الظاهر من الجسم والثانى السوءة المغطاة وهى الموراة أى الخفية من الجسم،فقالت لهما الشهوة:ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة والمراد ما منعكما إلهكما عن أكل ثمر هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين والمراد حتى لا تصبحا من الملوك مصداق لقوله بسورة طه"يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى"وفسر لهما هذا بأن يكونا من الخالدين أى الباقين لا يموتون  أى لا يبلون وهذا يبين لنا أن الشهوة زعمت للأبوين أن سبب تحريم الشجرة هو أن يصبحا ملوكا أى خالدين وهذا يعنى أنها أطمعت الأبوين فى أمر محبب للنفس وهو الملك أى البقاء دون موت والخطاب وما سبقه وما تلاه من قصة آدم (ص) هو للناس.

"وقاسمهما إنى لكما من الناصحين فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سواءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين" المعنى وحلف لهما إنى لكما من المخلصين فأوقعهما بخداع فلما أكلا الثمرة ظهرت لهما عوراتهما وظلا يقطعان عليهما من ورق الحديقة فأوحى لهما إلههما ألم أمنعكما عن تلكما الثمرة وأقل لكما أن الشهوة لكما كاره ظاهر،يبين الله للناس أن الشيطان وهو شهوة النفس قاسمهما أى حلفت لهما على الأتى :إنى لكما من الناصحين أى المخلصين وهذه يعنى أن الشهوة بعد أن أطمعت الأبوين فى الخلود وهو الملك أرادت أن تزيد درجة الإطماع فأقسمت بالله على أنها ناصحة مخلصة فكانت النتيجة أن دلاهما بغرور والمراد أوقعهما بخداع وهذا يعنى أن الشهوة أوقعت الأبوين بالخداع الممثل فى القسم الكاذب وقد استجاب الأبوين فذاقا الشجرة أى "فأكلا منها"كما قال بسورة طه وكانت النتيجة أن بدت لهما سواءتهما أى ظهرت للأبوين عوراتهما المغطاة فطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة والمراد فاستمرا يقطعان ويرميان عليهما من أوراق شجر الجنة وهى الحديقة حتى يغطيا العورات ومن هنا نعلم أن عورات الأبوين لم تنكشف من قبل فى الجنة،فناداهما ربهما والمراد فأوحى لهما الله:ألم أنهكما عن تلكما الشجرة والمراد ألم أمنع عليكم الأكل من ثمار هذه الشجرة  وأقل لكما أن الشيطان وهو الشهوة عدو مبين أى كاره ظاهر ؟والغرض من السؤال تذكير الأبوين بارتكابهما للجريمة وهى العصيان للأمر الإلهى.

"قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين"المعنى قالا إلهنا أبخسنا أنفسنا وإن لم تعفو عنا أى تفيدنا لنصبحن من المعذبين،يبين الله للناس أن الأبوين قالا ربنا أى إلهنا ظلمنا أنفسنا والمراد نقصنا حق أنفسنا وإن لم تغفر لنا أى ترحمنا أى تعفو عنا أى تفيدنا بالعفو لنكونن من الخاسرين أى المعذبين وهذا يعنى أنهما طلبا المغفرة أى الرحمة من الله لذنبهما حتى لا يصبحا معذبين مثل إبليس  فلما قالا أى ألقيا الإستغفار تاب الله عليهما أى غفر لهما مصداق لقوله بسورة البقرة"فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه".

"قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين"المعنى قال اخرجا بعضكم لبعض كاره ولكم فى البلاد مقام ونفع إلى وقت معلوم لى ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين :اهبطوا أى اخرجوا من الجنة والمراد انزلوا من الجنة للأرض بعضكم لبعض عدو أى كاره وهذا يعنى أن البشر سيكونون كارهين لبعضهم فى المستقبل ولكم فى الأرض مستقر أى مقام والمراد مكان للسكن ومتاع إلى حين ونفع إلى وقت محدد وهذا يعنى أن الأرض هى المكان الوحيد الصالح لإقامة الناس لأن فيها متاعهم أى منافعهم التى يحتاجون إليها حتى اليوم المحدد للقيامة.

"قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون"المعنى قال فيها تعيشون وفيها تتوفون ومنها تبعثون ،يبين الله للناس أنه قال للأبوين:فيها تحيون أى تعيشون الحياة الأولى وفيها تموتون أى تتوفون أى تنتقلون للحياة فى البرزخ ومنها تخرجون أى تبعثون أى تعودون للحياة فى القيامة .

"يا بنى أدم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون"المعنى يا أولاد أدم(ص)قد خلقنا لكم ثوبا يخفى عوراتكم أى ملابس وعمل الطاعة ذلك أفضل ذلك من أحكام الله لعلهم يطيعون،يخاطب الله بنى آدم وهم أولاد آدم(ص)فيقول لهم قد أنزلنا عليكم لباسا يوارى سواءتكم أى ريشا والمراد قد أعطينا لكم ثيابا تغطى عوراتكم أى ملابسا،وهذا يعنى أن الله هو الذى علم الناس طريقة صنع اللباس وهو الملبس ووظيفة الملابس هى موارة السوءة وهى تغطية العورة ،وقال لهم ولباس التقوى والمراد وقد أنزلنا لكم عمل الطاعة لحكم الله وهذا يعنى أن الله أوحى للناس أن يعملوا الخير وهو طاعة حكم الله ،ويبين لهم أن ذلك خير أى الطاعة لحكم الله أحسن من عصيان حكمه ،ويبين لهم أن ذلك من آيات الله والمراد أن ما سبق ذكره من أحكام الله ذكرها لعلهم يذكرون أى يطيعون حكم الله  .

"يا بنى آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سواءتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون"المعنى يا أولاد الإنسان لا تخدعنكم الشهوة كما طردت والديكم من الحديقة يخلع عنهما ثيابهما ليشهدهما عوراتهما إنها تعرفكم وشيعتها من حيث لا تعرفونهم إنا خلقنا الشهوات أنصارا للذين لا يصدقون ،يطلب الله من بنى آدم وهم أولاد آدم(ص) ألا يفتنهم الشيطان والمراد ألا تخدعهم شهوات النفس كما أخرج أبويهم من الجنة والمراد كما خدعت والديهم فتسببت فى طردهما من الحديقة حيث ينزع عنهما لباسهما أى حيث تخلع عنهما ثيابهما والسبب ليريهما والمراد لتظهر لهما عوراتهما وهى الأشياء التى خجلا من رؤيتها،ويبين لهم أنه يراهم وقبيله من حيث لا يرونهم والمراد أن الشهوة تعرفهم هى وأنصارها من حيث لا يعرفونها وهذا يعنى أن الشهوات تخدع الإنسان من حيث لا يعرف ولا ينتظر،ويبين الله لهم أنه جعل الشياطين وهى الشهوات أولياء للذين لا يؤمنون والمراد أنصار للذين لا يصدقون حكم الله  وهذا يعنى أن الشهوات تناصر صاحبها الكافر بتشجيعه على الكفر.

"وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون"المعنى وإذا صنعوا ذنبا قالوا لقينا عليه آباءنا والله وصانا بعمله قل إن الله لا يوصى بالذنب أتفترون على الله الذى تدرون؟يبين الله للنبى(ص)أن الكفار إذا فعلوا فاحشة والمراد إذا عملوا ذنبا أى جريمة قالوا وجدنا عليها آباءنا والمراد لقيناها فى دين آباءنا والله أمرنا بها والمراد والله وصانا بها وهذا يعنى أنهم ينسبون إباحة الذنوب إلى الله الذى قالها للأباء فى أديانهم ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم إن الله لا يأمر بالفحشاء والمراد إن الله لا يوصى بالذنوب وهذا يعنى أن الله لا يفرض على الناس عمل الجرائم ويطلب منه أن يسألهم أتقولون على الله ما لا تعلمون والمراد هل تنسبون إلى الله الذى لا تعرفون ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم ينسبون لله الباطل وهم يعلمون حقا أنه باطل والخطاب للنبى(ص).

"قل أمر ربى بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون"المعنى قل أوصى إلهى بالعدل وأسلموا أنفسكم عند كل حكم أى أطيعوه موحدين له الحكم كما خلقكم ترجعون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للناس أمر ربى بالقسط والمراد أوصى إلهى الخلق بالعدل مصداق لقوله بسورة النحل"إن الله يأمر بالعدل"وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد والمراد وأسلموا أنفسكم عند كل حكم وهذا يعنى أن على الخلق أن يستسلموا لأى حكم من الله بطاعة الحكم وفسر هذا بقوله وادعوه مخلصين له الدين والمراد واتبعوه موحدين له الحكم وهذا يعنى أن يخصوا الله وحده بطاعة حكمه ويبين لهم أنه كما بدأهم يعودون والمراد كما خلقهم أول مرة يرجعون عند البعث والخطاب للنبى(ص).

"فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون"المعنى جماعة رحم وجماعة وقع  بهم العقاب إنهم جعلوا الشهوات أنصار لهم من سوى الله ويظنون أنهم راشدون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الناس فريقين فريقا هدى أى جماعة رحمهم الله بإدخالهم الجنة وفريقا حق عليهم الضلالة والمراد وجماعة وجب لهم العذاب وهو دخول النار وفى هذا قال بسورة الشورى"فريق فى الجنة وفريق فى السعير"والسبب فى عذابهم أنهم اتخذوا الشياطين أولياء والمراد أنهم جعلوا لهم آلهة من غير الله هى  الشهوات مصداق لقوله بسورة يس"واتخذوا من دون الله آلهة"ولذا يحسبون أنهم مهتدون أى يظنون أنهم محسنون أى أحسنوا العمل مصداق لقوله بسورة الكهف"وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"ومن ثم فهم يعتقدون أنهم مرحومون لو كان فيه قيامة والخطاب للنبى (ص)وهناك جزء محذوف فى أول القول  .

"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"المعنى قل يا أولاد الإنسان أدوا طاعتكم لدى كل حكم واطعموا وارتووا ولا تفرطوا إنه لا يرحم المفرطين،يخاطب الله بنى آدم(ص) وهم أولاد الإنسان الأول فيقول :خذوا زينتكم عند كل مسجد والمراد افعلوا واجبكم لدى كل حكم وأخذ الزينة هو أخذ ما أتاهم الرسول(ص) وهو حكم الله مصداق لقوله بسورة الحشر"وما أتاكم الرسول فخذوه"وهذا يعنى طاعة كل حكم يأتى به ويطلب منهم فيقول كلوا أى اطعموا الطعام واشربوا أى ارتووا من الأشربة ولا يسرفوا أى لا يفرطوا فى طاعة حكم الله ويبين لهم أنه لا يحب المسرفين وهم الكافرين مصداق لقوله بسورة آل عمران"فإن الله لا يحب الكافرين"والمراد أنه لا يرحم من يفرط فى طاعته .

"قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هى للذين أمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون "المعنى قل من منع رزق الله الذى أباح لخلقه أى المباحات من النفع قل هى للذين صدقوا فى الحياة الأولى مسعدة يوم البعث كذلك نبين الأحكام لناس يعرفون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل للناس :من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والمراد من منع رزق الله الذى حلل لخلقه أى الطيبات من الرزق والمراد من منع النافعات من العطاء؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أن من يحرم ما حلل الله من الرزق هو كافر مكذب بدين الله،ويطلب منه أن يقول لهم :هى أى الطيبات من الرزق للذين أمنوا أى صدقوا بحكم الله فى الحياة الدنيا وهى المعيشة الأولى خالصة أى مسعدة أى ممتعة لهم دون أى أذى فيها فى يوم القيامة وهو يوم البعث وهذا يعنى أن متاع الدنيا هو نفسه متاع الآخرة ولكنه ليس فيه أى شىء يؤذيهم كما فى الدنيا،ويبين لهم أنه كذلك يفصل الآيات لقوم يعلمون أى "كذلك يبين الله لكم آياته"كما قال بسورة البقرة والمراد بإبلاغ الوحى لهم يبين لهم الأحكام لناس يفهمون فيطيعونها والخطاب للنبى(ص) ومنه للناس.

"قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون"المعنى قل إنما منع إلهى الذنوب ما أعلن منها وما أخفى أى الذنوب أى العمل بغير العدل أى أن تعبدوا مع الله الذى لم يوحى به حكما يبيحه أى أن تنسبوا إلى الله الذى حقا تدرون أنه الباطل،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للناس إنما حرم ربى والمراد لقد منع إلهى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والمراد الإثم ما أعلن منه وما أخفى مصداق لقوله بسورة الأنعام"وذروا ظاهر الإثم وباطنه"وما ظهر تعنى ارتكاب الذنب أمام الناس وما بطن تعنى ارتكاب الإثم بعيدا عن عيون الناس وفسر الله الفواحش بأنها الإثم وفسره بأنه البغى بغير الحق أى التكبر فى البلاد بالظلم مصداق لقوله بسورة الحجر"الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق "والمراد العمل بغير شرع الله وهو العدل وفسره بأنه أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا والمراد وأن تطيعوا مع حكم الله الذى لم يوحى فيه حكما يبيح طاعته وفسره بأن يقولوا على الله ما لا يعلمون والمراد أن يفتروا على الله الذى يعرفون أنه الكذب ويعملون به ولا فيما ما لا يعلمون تعنى حقا أى الذى حقا يعرفون،والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للناس.

"لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"المعنى لكل جماعة موعد فإذا أتى موعدهم لا يستأجلون وقتا ولا يسبقون ،يبين الله لنبيه(ص)أن لكل أمة أجل والمراد لكل فرد فى الجماعة موعد محدد للموت فإذا جاء أجلهم والمراد إذا أتى موعد موتهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون والمراد لا يموتون بعد الموعد المحدد بوقت ولا يموتون قبل الموعد المحدد بوقت وإنما الهلاك يكون فى الموعد المحدد لا قبله ولا بعده.

"يا بنى آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم أياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون "المعنى يا أولاد الإنسان إما يجيئكم مبعوثين منكم يبلغون لكم أحكامى فمن أطاع أى اتبع فلا عقاب عليهم أى لا يعذبون ،يخاطب الله بنى آدم(ص)وهم أولاد الإنسان فيقول:إما يأتينكم رسل منكم والمراد إما يجيئكم مبعوث من البشر يقصون عليكم آياتى أى "يتلون عليكم آيات ربكم"كما قال بسورة الزمر والمراد يبلغون لكم أحكامى وحيى فمن اتقى أى أصلح أى "فمن تبع هداى "كما قال بسورة البقرة والمراد فمن أطاع أى اتبع أحكامى فلا خوف عليهم والمراد فلا عقاب عليهم وفسرها بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون أى "لا يمسهم السوء"كما قال بسورة الزمر والخطاب وما بعده للناس وهم بنى آدم.

"والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"المعنى والذين كفروا بأحكامنا أى استعظموا على طاعتها أولئك أهل جهنم هم فيها مقيمون،يبين الله للناس أن الذين كذبوا بآياتنا وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى استعظموا طاعتها والمراد خالفوها أولئك أصحاب النار والمراد هم أهل الجحيم مصداق لقوله بسورة المائدة "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم"هم فيها خالدون أى مقيمون والمراد باقون فى النار لا يخرجون منها .

"فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا وكذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين"المعنى فمن أكفر ممن نسب إلى الله باطلا وكفر بأحكامه أولئك يصيبهم حظهم من الحكم حتى إذا أتتهم ملائكتنا يميتونهم قالوا أين الذى كنتم تعبدون من سوى الله قالوا بعدوا عنا وأقروا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين لحكم الله،يبين الله لنا أن أظلم الناس وهو أكفرهم هو من افترى على الله كذبا والمراد من نسب إلى حكم الله باطلا وكذب بآياته أى "وكذب بالصدق إذ جاءه"كما قال بسورة الزمر والمراد وكفر بأحكام الله لما وصلته ويبين الله لنا أن أولئك الكفار ينالهم نصيبهم من الكتاب والمراد يأخذون حظهم من الحكم المكتوب لهم فى الكتاب الأعظم وهو عمرهم  ورزقهم وعقابهم فى الدنيا حتى إذا جاءتهم رسلنا والمراد حتى إذا أتتهم ملائكة الله يتوفونهم أى يميتونهم قالوا لهم:أين ما كنتم تدعون من دون الله والمراد "أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون"؟كما قال بسورة الأنعام وهذا يعنى أنهم يقولون أين ما كنتم تعبدون من غير الله لينصروكم فيردوا ضلوا عنا والمراد تبرءوا منا وهذا يعنى أنهم انقلبوا عليهم ضدا فشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين والمراد فاعترفوا على ذواتهم أنهم كانوا مكذبين بدين الله كما قال بسورة الملك"فاعترفوا بذنبهم".

"قال ادخلوا فى أمم من قبلكم من الجن والإنس فى النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون"المعنى قال اذهبوا مع فرق مضت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم كلما ولجت فرقة ذمت سابقتها حتى إذا تجمعوا فيها جميعا قالت أخراهم لأسبقهم إلهنا هؤلاء أبعدونا عن الحق فأعطهم عقابا زائدا فى الجحيم قال لكل زيادة ولكن لا تعرفون،يبين الله لنا أنه قال للكفار على لسان الملائكة:ادخلوا فى أمم قد خلت قبلكم من الجن والإنس فى النار والمراد اذهبوا مع فرق قد خلت من قبلكم من الجن والبشر إلى الجحيم وهذا يعنى أن الكفار يدخلون النار زمر أى جماعات كل أمة تدخل مع بعضها وكل أمة أى فرقة إذا دخلت أى ولجت أى أقامت فى النار لعنت أختها والمراد ذمت سابقتها وهذا يعنى أنهم يشتمون بعضهم على اعتبار أن كل واحدة منها أضلت السابقة عليها ،وإذا اداركوا فيها جميعا والمراد حتى إذا حشروا أى دخلوا فيها كلهم قالت أخراهم وهى المتأخرة زمنيا فى الدنيا لأولاهم وهى أسبق الفرق زمنيا :ربنا أى إلهنا هؤلاء أضلونا والمراد هؤلاء صدونا عن الحق فأتهم عذابا ضعفا فى النار والمراد فزدهم عقابا كثيرا فى السعير مصداق لقوله بسورة ص"فزدهم عذابا ضعفا فى النار" وهذا يعنى أن الأمة الأخرى تعتبر الأولى سبب ضلالها وليس هى ولذا يطلبون من الله زيادة العذاب للأمة الأولى فيرد الله عليهم على لسان الملائكة:لكل ضعف والمراد لكل زيادة والمراد استمرارية فى العقاب ولكن لا تعلمون أى ولكن لا تعرفون هذا وهذا يعنى أن الله حكم على الجميع بعذاب مضاعف أى مستمر.

"قالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون"المعنى قالت أسبقهم لمتأخرتهم فما كان لكم علينا من ميزة فادخلوا العقاب بالذى كنتم تعملون،يبين الله لنا أن الأمة الأولى وهى السابقة فى الزمن قالت للأمة الأخيرة :فما كان لكم علينا من فضل والمراد ليس لكم علينا ميزة تجعلكم تنقصون عنا فى العذاب فنحن سواء فيها كما قالوا بسورة غافر"إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد" وقالوا فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون والمراد فتألموا من العقاب بما كنتم تكفرون مصداق لقوله بسورة الأحقاف"فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون"أى تعملون مصداق لقوله بسورة السجدة"وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون".

"إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين"المعنى إن الذين كفروا بأحكامنا أى خالفوها لا تتسع لهم منافذ الرحمة أى لا يسكنون الحديقة حتى يدخل الجمل فى خرم الإبرة وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله وهم الذين كفروا بأحكام الله مصداق لقوله بسورة المائدة"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا"وفسرهم الله بأنهم الذين استكبروا عنها أى خالفوا الأحكام لا تفتح لهم أبواب السماء والمراد لا تتسع لهم منافذ الرحمة وهى الجنة وفسر الله هذا بأنهم لا يدخلون الجنة أى لا يسكنون الحديقة حتى يحدث التالى أن يلج الجمل فى سم الخياط والمراد أن يدخل الجمل من ثقب الإبرة وهو المستحيل ومن ثم لا أمل لهم فى دخول الجنة وبتلك الطريقة وهى دخولهم النار يجزى المجرمين أى يعاقب الكافرين مصداق لقوله بسورة فاطر"كذلك نجزى كل كفور" والخطاب وما قبله  وما بعده للناس.

"لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين"المعنى لهم من النار فراش ومن أعلاهم ظلل وهكذا نعاقب الكافرين،يبين الله لنا أن الكفار لهم فى جهنم وهى النار مهاد أى فراش من النار المشتعلة أى ظلل أى قطع من النار ومن فوقهم غواش أى ظلل أى قطع من النار مصداق لقوله بسورة الزمر"لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل "وكذلك نجزى الظالمين أى هكذا يعاقب الله المجرمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى المجرمين".

"والذين أمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون "المعنى والذين صدقوا الوحى وفعلوا الحسنات لا نحمل مخلوقا إلا استطاعته أولئك أهل الحديقة هم فيها مقيمون،يبين الله لنا أن الذين أمنوا أى صدقوا حكم الله وعملوا الصالحات أى وفعلوا الحسنات أولئك أصحاب الجنة والمراد سكان الحديقة هم فيها خالدون أى ماكثون أى باقون فيها مصداق لقوله بسورة الكهف"ماكثين فيها أبدا"ويبين الله لنا أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها والمراد لا يفرض على مخلوق إلا ما أتاه فى الوحى .

"ونزعنا ما فى صدورهم من غل تجرى من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذى هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون" المعنى وأخرجنا الذى فى نفوسهم من كراهية تسير من أسفلهم العيون وقالوا الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنصل لولا أن أرشدنا الله لقد أتت أنبياء إلهنا بالعدل ونودوا أن تلكما الحديقة ملكتموها بما كنتم تحسنون ،يبين الله لنا أن الله نزع ما فى صدورهم من غل والمراد أن الله أخرج الذى فى نفوس المسلمين من كراهية تجاه بعضهم فأصبحوا إخوانا على سرر متقابلين وهم تجرى من تحتهم الأنهار والمراد تسير من أسفل أرضهم فى الجنة العيون ذات الأشربة اللذيذة وقال المسلمون:الحمد لله الذى هدانا لهذا والمراد الشكر لله الذى أوصلنا للجنة وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله والمراد وما كنا لنصل لها لولا أن أرشدنا الله للحق فاتبعناه ،ويقولون لقد جاءت رسل ربنا بالحق والمراد لقد أتى مبعوثى إلهنا بالعدل من الله وهذا اعتراف بدين الله ،ويبين لنا أنهم نودوا أى قيل لهم :أن تلكم الجنة أى الحديقة أورثتموها أى ملكتموها بما كنتم تعملون أى بالذى كنتم تسلمون .

"ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون" المعنى وقال أهل الحديقة لأهل السعير أن قد لقينا الذى أخبرنا صدقا فهل لقيتم الذى قال إلهكم صدقا قالوا نعم فنادى مناد بينهم أن غضب الله على الكافرين الذين يردون عن دين الله ويريدونها ظالمة وهم بالقيامة مكذبون،يبين الله لنا أن أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة نادوا أى قالوا لأصحاب النار وهم سكان الجحيم:أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا والمراد لقد لقينا الذى أخبرنا إلهنا صدقا فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا أى فهل لقيتم الذى أخبركم إلهكم صدقا ؟فقالوا لهم نعم لقد صدقنا وعده فأذن مؤذن بينهم والمراد فنادى ملاك بينهم أن لعنة الله على الظالمين أى غضب الله على الكافرين مصداق لقوله بسورة البقرة"فلعنة الله على الكافرين"وقوله بسورة النحل"فعليهم غضب من الله"وقالوا مفسرين من هم الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله والمراد الذين يردون عن دين الله ويبغونها عوجا والمراد ويريدون الدنيا منحرفة أى ظالمة والمراد تحكم بالظلم وهم بالأخرة كافرون أى وهم بالقيامة مكذبون والمراد أنهم لا يؤمنون بها مصداق لقوله بسورة النحل"فالذين لا يؤمنون بالآخرة".

"وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون "المعنى وبينهما حاجز وعلى الأسوار رجال يعلمون كلا بعلاماتهم وخاطبوا أهل الحديقة أن خير لكم لم يسكنوها وهم يتمنون،يبين الله لنا أن بين أهل الجنة وأهل النار حجاب أى حاجز أى سور مصداق لقوله بسورة الحديد"فضرب بينهم بسور"وعلى الأعراف وهى الأسوار الممتدة بين الجنة والنار رجال والمراد ذكور من المسلمين يعرفون كلا بسيماهم والمراد يعلمون كل من الفريق الكافر والفريق المسلم بصفاتهم وهى أعمالهم فنادوا أصحاب الجنة والمراد فخاطبوا أهل الحديقة :أن سلام عليكم أى أن الرحمة لكم ،ولم يدخلوها والمراد ولم يسكن أهل الأسوار الجنة وهم يطمعون أى يتمنون دخولها .

"وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين"المعنى وإذا اتجهت أنظارهم جهة أهل السعير قالوا إلهنا لا تدخلنا مع الناس المكذبين،يبين الله لنا أن أهل الأعراف إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار والمراد إذا ذهبت عيونهم ناحية سكان جهنم قالوا :ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين والمراد إلهنا لا تدخلنا مع الناس الكافرين فهم يطلبون إبعادهم عن جهنم.

"ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون"المعنى وخاطب أهل الأسوار ذكورا يعلمونهم بأعمالهم قالوا ما منعت عنكم العقاب فئتكم وما كنتم تكفرون؟،يبين الله لنا أن أصحاب الأعراف وهم أهل الأسوار بين الجنة والنار نادوا رجالا يعرفونهم بسيماهم والمراد خاطبوا ذكورا يعرفوهم من أعمالهم فى الدنيا فقالوا لهم:ما أغنى عنكم جمعكم والمراد ما منعت عنكم فئتكم والذى كنتم تعملون ؟والغرض من القول إخبارنا أن الجماعة والإستكبار لا يفيد بشىء فى الأخرة .

"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون"المعنى هل هؤلاء الذين حلفتم لا يدخلهم الله الحديقة ؟اسكنوا الحديقة لا عقاب لكم أى لستم تعذبون،يبين الله لنا أن الله يقول لأهل الأعراف على لسان الملائكة"أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينيلهم الله رحمة ؟والمراد هل الرجال الذين ناديتم هم الذين حلفتم لا يدخلهم الله الجنة؟وهذا يعنى أن سبب وجود القوم على الأعراف هو أنهم أقسموا فى الدنيا أن فلان وفلان لا يدخلون الجنة ولذا أجل الله دخولهم الجنة حتى يروهم فى النار ومن ثم يقول لهم ادخلوا الجنة والمراد اسكنوا الحديقة لا خوف عليكم أى لا عقاب عليكم وفسر هذا بأنهم لا يحزنون أى لا يعذبون فى النار.

 "ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين"المعنى وخاطب أهل الجحيم أهل الحديقة :أن ابعثوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله قالوا إن الله منعهما على المكذبين،يبين الله لنا أن أصحاب النار وهم سكان جهنم نادوا أى تكلموا مع أصحاب الجنة وهم سكان الحديقة فقالوا :أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله والمراد أرسلوا لنا من الماء أو من الذى أعطاكم الله من المتع،وهذا يعنى أنهم يريدون رزق حسن يمتعون به بدلا من الرزق المؤلم فى النار ،فرد أهل الجنة :إن الله حرمهما على الكافرين والمراد إن الله منعهما على المكذبين لدينه وهذا هو قوله بسورة المائدة"إنه من يشرك بالله فقد حرم عليه الجنة ومأواه النار".

"الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون"المعنى الذين جعلوا حكمهم شغلا أى تمتعا أى خدعتهم المعيشة الأولى فاليوم نتركهم كما كذبوا بجزاء يومهم هذا وما كانوا بأحكامنا يكفرون،يبين الله لنا أن الكافرين هم الذين اتخذوا دينهم لهوا أى لعبا والمراد الذين جعلوا ملتهم عبثا أى تمتعا بالدنيا وفسر هذا بأنهم غرتهم الحياة الدنيا والمراد خدعتهم شهواتهم بالمعيشة الأولى ،ويبين لنا أن اليوم وهو يوم القيامة ننساهم أى نتركهم دون رحمة والسبب كما نسوا لقاء يومهم هذا والمراد كما كذبوا بجزاء يوم القيامة وبما كانوا بآياتنا يجحدون والمراد وبالذى كانوا بأحكامنا يكفرون أى يظلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بما كانوا بآياتنا يظلمون "وهذا يعنى أن نسيانهم وهم عدم رحمتهم بسبب تكذيبهم بالقيامة وعصيان حكم الله.

"ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون"المعنى ولقد أتيناهم بحكم بيناه بمعرفة نفع أى إفادة لناس يصدقون ،يبين الله لنا أنه قد جاءهم بكتاب أى بالحق مصداق لقوله بسورة الزخرف"لقد جئناكم بالحق"وهو حكم الله وقد فصله على علم والمراد وقد بينه بمعرفة والمراد أنزله بمعرفته هدى أى رحمة أى بشرى مصداق لقوله بسورة النحل"وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" وهذا يعنى أن حكم الله نافع لقوم يؤمنون أى يوقنون مصداق لقوله بسورة الجاثية"وهدى ورحمة لقوم يوقنون"والمراد لناس  يصدقون به وكل ما سبق من حديث عن الجنة والنار خطاب للناس.

"هل ينظرون تأويله إلا يوم يأتى تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون"المعنى هل يتربصون إلا تحققه يوم يجىء تحققه يقول الذين كذبوه من قبل قد أتت أنبياء إلهنا بالعدل فهل لنا من أنصار فينصرونا أو نرجع فنفعل غير الذى كنا نفعل قد أهلكوا أنفسهم وبعد عنهم الذى كانوا يزعمون،يبين الله لنا أن الكفار ينظرون تأويله والمراد يتربصون تحقق خبر الساعة الذى جاء فى القرآن مصداق لقوله بسورة الزخرف"هل ينظرون إلا الساعة "وفى يوم يأتى تأويله والمراد فى يوم يتحقق وقوع الساعة يقول الذين نسوه من قبل والمراد الذين كذبوا به من قبل :قد جاءت رسل ربنا بالحق والمراد قد أتت مبعوثى إلهنا بالعدل وهذا إقرار منهم بصحة الوحى بعد فوات الآوان وقالوا "فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا والمراد هل لنا من أنصار فينقذونا من النار أو نرد فنعمل غير الذى كنا نعمل والمراد أو نعود للدنيا فنصنع غير الذى كنا نصنع وهو الكفر يريدون عمل الإيمان مصداق لقولهم بسورة المؤمنون"قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحا"،ويبين لنا أنهم قد خسروا أنفسهم أى أهلكوا أنفسهم مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن يهلكون إلا أنفسهم" وهذا يعنى أنهم يدخلون أنفسهم العذاب ويبين لنا أنهم قد ضل عنهم ما كانوا يفترون والمراد تبرىء منهم الذى كانوا يزعمون عبادتهم وانقلبوا عليهم ضدا والخطاب للناس.  

"إن ربكم الله الذى خلق السموات والأرض فى ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين"المعنى إن إلهكم الله الذى أنشأ السموات والأرض وأوحى إلى الملك يغطى الليل النهار يذهبه تدريجيا والشمس والقمر والكواكب مسيرات بحكمه ألا له المخلوقات والحكم دام جزاء الله إله الكل،يبين الله لنا أن ربنا وهو خالقنا أى إلهنا هو الله الذى خلق أى"فطر السموات والأرض"كما قال بسورة الأنعام والمراد هو الذى أنشأهما ثم استوى على العرش أى أوحى إلى الكون أنه مالكه،ويبين لنا أن الليل وهو الظلام يغشى أى يذهب النهار وهو النور يطلبه حثيثا والمراد يذهبه تدريجيا فكل جزء يدخل عليه الليل يذهب عنه النهار ثم الجزء الذى بعده وهكذا فى دائرة مستمرة،ويبين لنا أن الشمس والقمر والنجوم وهى الكواكب مسخرات بأمره أى جاريات على حكم الله الذى شرعه لها ،ويبين لنا أنه له الخلق والمراد يملك المخلوقات فى السموات والأرض وله الأمر وهو الحكم مصداق لقوله بسورة الأنعام"ألا له الحكم"،ويقول تبارك الله رب العالمين أى دام جزاء الله خالق الجميع فهو يبين لنا أن وجهه وهو ثوابه وعقابه دائم لا يفنى والخطاب للناس وما بعده وما بعده.

"ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين ولا تفسدوا فى الأرض بعد اصلاحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة الله قريب من المحسنين"المعنى أطيعوا حكم إلهكم جهرا وسرا إنه لا يرحم الكافرين أى لا تظلموا فى البلاد بعد عدلها أى اتبعوه رهبة عذابه ورغبة فى رحمته إن رأفة الله خالصة للمصلحين،يطلب الله من الناس أن يدعوا ربهم تضرعا وخفية والمراد أن يتبعوا حكم إلههم علنا وسرا ويبين لهم أنه لا يحب المعتدين وهم المفسدين مصداق لقوله بسورة المائدة"إنه لا يحب المفسدين "وهذا يعنى أنه لا يرحم الكفار ويرحم المتبعين لحكمه وفسر الله طلبه بأن يقول لهم لا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها والمراد لا تظلموا فى البلاد بعد عدلها وهذا يعنى ألا يحكموا البلاد بالظلم بعد أن كانت تحكم بالعدل ويفسر نهيه قائلا ادعوه خوفا وطمعا والمراد أطيعوا حكمه رهبة من عقابه ورغبة فى جنته مصداق لقوله بسورة الأنبياء"وكانوا يدعوننا رغبا ورهبا"ويبين لهم أن رحمة الله وهى نفعه أى رأفته قريب من المحسنين أى خالصة للمصلحين مصداق لقوله فى نفس السورة "قل هى خالصة للذين أمنوا فى الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ".

"وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون"المعنى وهو الذى يبعث الهواء المتحرك مفرحا أمام رأفته حتى إذا ساقت غماما كبيرا أرسلناه لقرية مجدبة فأسقطنا به الغيث فأنبتنا به من كل الأنواع هكذا نحيى الهلكى لعلكم تتبعون،يبين الله للناس أنه هو الذى يرسل الرياح والمراد الذى يحرك الهواء والسبب بشرا بين يدى رحمته أى خبرا مفرحا أمام نفع الممثل فى المطر وهذا يعنى أن الرياح الطيبة تكون مقدمة لرحمة الله وهى نزول المطر ،ويبين لنا أن الرياح إذا أقلت سحابا ثقالا والمراد إذا كونت غماما عظيما سقناه لبلد ميت والمراد أرسلناه لقرية مجدبة فأنزلنا به الماء والمراد فأسقطنا من السحاب المطر فأخرجنا به من كل الثمرات والمراد فأنبتنا به من كل الأزواج وهى الأنواع مصداق لقوله بسورة لقمان"وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم"وهذا يعنى أن السحاب يتكون عن طريق الإقلال وهو دفع الذرات لأعلى حتى تلتحم ببعضها وتكون السحابة كما يعنى أن البلد الميت هو الذى ليس به ماء كما يعنى أن سبب الحياة هو الماء الذى تحيا به كل النباتات والحيوانات ،ويبين لنا أنه كذلك يخرج الموتى والمراد بتلك الطريقة وهى نزول الماء يبعث الموتى وقد ذكر لنا هذا لعلنا نتذكر أى نعقل مصداق لقوله بسورة النور"لعلكم تعقلون"والمراد نتبع حكمه والخطاب للناس .

"والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون"المعنى والقرية الطاهرة تطلع ثمرها بأمر إلهها والتى فسدت لا تطلع إلا أذى هكذا نبين الأحكام لقوم يطيعون،يبين الله لنا أن البلد الطيب والمراد أن أهل القرية الصالحة يخرجون نباتهم بإذن ربهم والمراد يعملون عملهم طاعة لحكم إلههم وأما البلد الذى خبث أى وأما أهل البلد التى فسد أهلها فإنها لا تخرج إلا نكدا والمراد فإن أهلها لا يعملون إلا عملا فاسدا،ويبين لهم أنه كذلك أى بتلك الطريقة وهى المقارنة بين الطيب والخبيث يصرف الآيات أى يبين الأحكام لناس يشكرون أى يعقلون فيطيعون مصداق لقوله بسورة البقرة"كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون" والخطاب للناس.

"لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم"المعنى لقد بعثنا نوحا(ص)إلى شعبه فقال يا شعبى أطيعوا حكم الله ليس لكم من خالق سواه إنى أخشى عليكم عقاب يوم شديد،يبين الله للنبى(ص) أنه أرسل نوح(ص)لقومه والمراد بعث نوح(ص)لشعبه فقال :اعبدوا الله ما لكم من إله غيره والمراد اتبعوا حكم الله ليس لكم من رب سواه وهذا يعنى أنه يطلب منهم ترك طاعة أديانهم الأخرى وطاعة دين الله وقال :إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم والمراد إنى أخشى عليكم"عذاب يوم أليم"مصداق لقوله بسورة هود وهو بهذا يبين لهم أنه يريد مصلحتهم وهى إنقاذهم من عقاب الله والخطاب وما بعده من قصص للنبى(ص)

"قال الملأ من قومه إنا لنراك فى ضلال مبين"المعنى قال السادة من أهله :إنا لنعرفك فى كفر عظيم ،يبين الله لنا أن الملأ وهم سادة القوم الكفار قالوا لنوح(ص):إنا لنراك  فى ضلال مبين والمراد إنا لنعرف أنك فى جنون ظاهر مصداق لقوله بسورة المؤمنون"إن هو إلا رجل به جنة "وهذا يعنى أنهم يتهمونه بالضلال وهو الجنون.

"قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكنى رسول من رب العالمين"المعنى قال يا شعبى ليس بى جنون ولكنى مبعوث من خالق الكل ،يبين الله لنا أن نوح (ص)قال لشعبه :يا قوم أى شعبى ليس بى ضلالة أى جنون أى سفاهة مصداق لقوله بسورة الأعراف"ليس بى سفاهة"ولكنى رسول من رب العالمين والمراد ولكنى نذير من إله الجميع مصداق لقوله بسورة هود"إنى لكم نذير مبين"وهذا يعنى أنه مبعوث من قبل الله لهم.

"أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون"المعنى أوصل لكم أحكام إلهى وأخلص لكم وأعرف من الله الذى لا تعرفون ،يبين الله لنا أن نوح(ص)قال لقومه:أبلغكم رسالات ربى والمراد مهمتى أن أعرفكم أحكام إلهى المنزلة على وفسر هذا بقوله وأنصح لكم أى أعرفكم الحق وأعلم من الله ما لا تعلمون والمراد وأعرف من علم الله الذى لا تعرفون ،وهذا يعنى أنه يبلغ لهم أحكام الله التى لا يعرفوها حتى يعملوا بها .

"أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون"المعنى هل دهشتم أن أتاكم وحى من خالقكم نزل على ذكر منكم ليخبركم به ولتطيعوه ولعلكم تفلحون ،يبين الله لنا أن نوح(ص)قال لقومه:أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم والمراد هل دهشتم أن بلغكم وحى من إلهكم نزل على ذكر من خالقكم لينذركم أى ليخبركم به؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم تعجبوا أى اندهشوا من نزول الوحى على بشر من وسطهم وهو شىء لا يدعو للدهشة لأن هذا ما حدث مع الأقوام السابقة وهو ما سيحدث مع الأقوام اللاحقة وبين نوح(ص)لهم أن عليهم أن يتقوا أى يطيعوا وحى الله خوفا من عذابه والسبب لعلهم يرحمون أى يفلحون مصداق لقوله بنفس السورة"لعلكم تفلحون "والمراد حتى يفوزوا برحمة الله.

"فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين"المعنى فكفروا به فأنقذناه والذين ناصروه فى السفينة ودمرنا الذين كفروا بأحكامنا إنهم كانوا ناسا كافرين،يبين الله لنا أن القوم كذبوا نوحا (ص)والمراد كفروا برسالة نوح(ص)فكان الجزاء أن أنجاه الله والذين معه فى الفلك والمراد أن أنقذه الله والذين أمنوا برسالته فى السفينة وأغرق الذين كذبوا بآيات الله والمراد وأهلك الذين كفروا بأحكام الله ووصفهم بأنهم كانوا قوما عمين أى ناسا سيئين مصداق لقوله بسورة الأنبياء"إنهم كانوا قوم سوء"والمراد كافرين بحكم الله.

"وإلى عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون"المعنى وبعثنا إلى عاد صاحبهم هودا قال أطيعوا حكم الله ليس لكم من رب سواه أفلا تطيعون؟،يبين الله لنا أنه أرسل إلى عاد أخاهم هود(ص)فقال لهم :اعبدوا الله ما لكم من إله غيره والمراد اتبعوا حكم الله ليس لكم خالق سواه أفلا تتقون أى تتبعون حكم الله ؟وهذا يعنى أنه يطلب منهم طاعة حكم الله وحده وترك طاعة ما سواه من الأديان والغرض من السؤال إخبارهم أن الواجب عليهم طاعة الله.

"قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك فى سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين"المعنى قال السادة الذين كذبوا من شعبه إنا لنعلم إنك فى ضلال أى إنا نعرف أنك من الكافرين،يبين الله لنا أن الملأ وهم السادة الذين كفروا أى كذبوا حكم الله من قومه وهم شعبه قالوا :إنا لنراك فى سفاهة أى "فى ضلال مبين"كما قال بنفس السورة والمراد إنا لنعلم أنك مجنون وفسروا قولهم فقالوا وإنا لنظنك من الكاذبين أى وإنا لنعلم أنك من الكافرين بديننا ،وهذا يعنى اتهامهم له بالسفاهة وهى الجنون أى الكذب المتعمد.

"قال يا قوم ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم  ناصح أمين"المعنى قال يا شعبى ليس عندى جنون ولكنى مبعوث من خالق الكل وأنا لكم مبلغ صادق،يبين الله لنا أن هود(ص)قال لهم :يا قوم أى يا شعبى ليس بى سفاهة والمراد ليس بى جنون وهذا يعنى أنه ينفى عن نفسه الجنون ،وقال ولكنى رسول من رب العالمين والمراد ولكنى مبعوث من خالق الجميع أبلغكم رسالات ربى أى أوصل لكم أحكام إلهى وهذا يعنى أنه يقول لهم أنه مجرد مبلغ للوحى من الله ويقول وأنا لكم ناصح أمين أى وأنا لكم مبلغ صادق وهذا يعنى أنه لا يكذب عليهم .

"أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم فى الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون"المعنى هل دهشتم حين أتتكم بينة من إلهكم إلى ذكر منكم ليخبركم واعلموا نعمة الله عليكم حين عينكم حكام من بعد شعب نوح(ص)وأعطاكم فى الحكم سعة فاتبعوا أحكام الله لعلكم ترحمون،يبين الله لنا أن هود(ص)قال لقومه :أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم أى هل اندهشتم لما أتاكم حكم من خالقكم على إنسان منكم ليبلغكم به ؟والغرض من السؤال هو إخبارهم بسبب تكذيبهم له وهو تعجبهم من تمييز الله له بإنزال الوحى عليه وهو الذى أبلغه لهم وهو أمر ليس عجيب لأنه حدث من السابقين وسيحدث من اللاحقين ،وقال :واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم بصطة فى الخلق والمراد اعلموا نعمة الله عليكم وقت أن اختاركم حكام للأرض من بعد شعب نوح(ص)وأعطاكم زيادة فى القوة مصداق لقوله لهم بسورة هود"ويزدكم قوة إلى قوتكم "وهذا يعنى أن عاد خلفوا قوم نوح(ص)فى البلاد وقد أعطاهم الله قوة أى سعة عظيمة من نعمه ،وقال فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون والمراد فاتبعوا آيات وهى أحكام الله" لعلكم ترحمون "كما قال تعالى بنفس السورة وهذا يعنى أنه يطلب منهم أن يطيعوا حكم الله حتى يرحمهم .

"قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين"المعنى قالوا هل أتيتنا لنطيع حكم الله وحده ونترك ما كان يطيع آباؤنا من أحكام فهات لنا الذى تخبرنا من العذاب إن كنت من العادلين،يبين الله لنا أن القوم قالوا لهود(ص):أجئتنا لنعبد الله وحده أى هل أتيتنا لنتبع حكم الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا أى وندع الذى كان يتبع آباؤنا من آلهة مصداق لقولهم بسورة الأحقاف"أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا"؟والغرض من السؤال هو إخبار هود(ص)أنهم لن يتركوا عبادة آلهتهم مصداق لقوله بسورة هود"وما نحن بتاركى آلهتنا عن قولك"ثم قالوا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين والمراد فأحضر لنا العذاب الذى تخبرنا به إن كنت من العادلين فى قولك مصداق لقوله بسورة العنكبوت"ائتنا بعذاب الله" وهذا يعنى أنهم يطلبون عذاب الله الذى يشكون فى حدوثه ولذا طلبوه.

"قال قد وقع عليكم رجس من ربكم وغضب أتجادلوننى فى أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان فانتظروا إنى معكم من المنتظرين"المعنى قال قد حق عليكم من إلهكم أذى أى عقاب أتحاجونى فى أحكام اخترعتموها أنتم وآباؤكم ما أوحى الله بها من كتاب فترقبوا إنى معكم من المترقبين،يبين الله لنا أن هود(ص)قال لهم قد وقع عليكم رجس من ربكم وغضب والمراد قد حق عليكم عذاب من خالقكم أى عقاب،وهذا يعنى أن العذاب قرره الله عليهم بسبب كفرهم ،ثم سألهم أتجادلوننى فى أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله به من سلطان والمراد هل تناقشوننى فى أحكام افتريتموها أنتم وآباؤكم ما أوحى الله بها من كتاب؟والغرض من السؤال هو تعريفهم أن دينهم عبارة عن أسماء سموها والمراد أحكام اخترعوها من عند أنفسهم هم والأباء والله لم يوحى بها وحى يذكر فيه العمل بها ،وقال فانتظروا إنى معكم من المنتظرين أى فتربصوا إنى معكم من المتربصين وفى هذا قال بسورة التوبة "فتربصوا إنا معكم متربصون"وهذا يعنى أنه يطلب منهم ترقب نزول العذاب عليهم وهو مترقب لهذا معهم حتى يعلموا صدقه.

 "فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين"المعنى فأنقذناه والذين ناصروه برأفة منا وأهلكنا كل الذين كفروا بأحكامنا أى ما كانوا مصدقين بها،يبين الله لنا أن الله أنجى والمراد أنقذ هود(ص)والذين معه وهم الذين أمنوا برسالته مصداق لقوله بسورة هود"نجينا هودا والذين أمنوا معه" والسبب رحمة أى أمر الله بإنقاذهم وقطع الله دابر الذين كذبوا بآياته والمراد وأهلك الله كل الذين كفروا بأحكام وحيه وفسرهم بأنهم ما كانوا مؤمنين أى ليسوا مصدقين لحكم الله.

"وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل فى أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم"المعنى وأرسلنا لثمود صاحبهم صالحا(ص)قال يا شعبى أطيعوا حكم الله ليس لكم من رب سواه قد أتاكم برهان من خالقكم هذه ناقة الله لكم معجزة فاتركوها ترعى فى بلاد الله ولا تصيبوها بأذى فيمسكم عقاب مهين،يبين الله لنا أنه أرسل صالح(ص)إلى قومه ثمود فقال لهم :اعبدوا الله ما لكم من إله غيره والمراد اتبعوا حكم الله ليس لكم من خالق سواه ،وهذا يعنى أنه يطلب منهم ترك أديانهم الضالة وطاعة دين الله وحده،ثم قال قد جاءتكم بينة من ربكم والمراد قد أتاكم برهان من الله على صدق كلامى هو ناقة الله التى هى لكم أية أى معجزة دالة على صدقى ،وهذا يعنى أن معجزة صالح(ص)كانت ناقة خلقها الله من غير الطريق الطبيعى وهو ولادتها من ناقة أخرى وكانت لها حجم غير طبيعى،وقال لهم فذروها تأكل فى أرض الله والمراد فاتركوها ترعى فى بلاد الله وهذا يعنى أنها تفعل ما يحلو لها،وقال:ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم المراد ولا تصيبوها بأذى فيهلككم "عذاب يوم عظيم"كما قال بسورة الشعراء وهذا يعنى أن الله أنزل حكم هو أن من يصيب الناقة بأذى يعاقبه هو ومن ساعده على الأذى .

"واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين"المعنى واعلموا نعمة الله عليكم حين خلقكم حكام من بعد عاد وأنزلكم فى البلاد تجعلون من وديانها حدائقا وتبنون من الجبال مساكنا فأطيعوا أحكام الله ولا تتولوا فى البلاد كافرين،يبين الله لنا أن صالح(ص)قال لقومه واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد والمراد اعرفوا نعمة الله عليكم حين اختاركم حكام للأرض من بعد موت عاد وبوأكم فى الأرض والمراد وحكمكم فى البلاد تتخذون من سهولها قصورا والمراد تجعلون من وديان الأرض حدائق وتنحتون من الجبال بيوتا والمراد وتبنون من حجارة الجبال التى تجلبوها للوادى مساكنا مصداق لقوله بسورة الفجر"وثمود الذين جابوا الصخر بالواد"وهذا يعنى أنهم نظموا الأرض مزارع وبنوا فيها بيوت جدرانها مبنية بإحضارها من حجارة الجبال ،وقال فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا فى الأرض مفسدين والمراد واتبعوا أحكام الله ولا تسيروا فى البلاد ظالمين وهذا يعنى أنه يطلب منهم أن يطيعوا حكم الله وحده ويتركوا فسادهم وهو حكمهم الظالم فى البلاد بأديان الكفر.

"قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن أمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون"المعنى قال السادة الذين عصوا من شعبه للذين استحقروا لمن صدق منهم أتعرفون أن صالح(ص)مبعوث من خالقه قالوا إنا بالذى بعث به مصدقون ،يبين الله لنا أن الملأ وهم السادة الذين استكبروا أى استعظموا على طاعة حكم الله من قوم صالح(ص)قالوا للذين استضعفوا أى استصغروا والمراد من يظنون أنهم حقراء لمن أمن أى صدق من المستضعفين :أتعلمون أى هل تصدقون أى صالح مرسل من ربه أى مبعوث بالوحى من خالقه؟فقال من آمن منهم:إنا بما أرسل به مؤمنون والمراد إنا بالذى بعثه الله به مصدقون ،وهذا يعنى أنهم أعلنوا إيمانهم بالرسالة وهم لا يتراجعون عن إيمانهم.

"قال الذين استكبروا إنا بالذى أمنتم به كافرون"المعنى قال الذين كفروا :إنا بالذى صدقتم به مكذبون ،يبين الله لنا أن الذين استكبروا أى استعظموا على طاعة حكم الله قالوا:إنا بالذى أمنتم به كافرون أى إنا بالذى أيقنتم به مكذبون وهذا إعلان لكفرهم بالرسالة بإستمرار.

"فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين"المعنى فقتلوا الناقة أى خرجوا على حكم خالقهم وقالوا يا صالح هات لنا الذى تخبرنا إن كنت من الصادقين ،يبين الله لنا أن ثمود عقروا والمراد ذبحوا أى قتلوا الناقة وفسر هذا بأنهم عتوا عن أمر ربهم أى عصوا حكم إلههم بعدم مسها بسوء وقالوا :يا صالح ائتنا بما تعدنا أى "ائتنا بعذاب الله "كما قال بسورة العنكبوت فهم يطلبون أن يجيئهم بعذاب الذى أخبرهم به إن كان من المرسلين أى المبعوثين الصادقين مصداق لقوله بسورة الأعراف "إن كنت من الصادقين ".

"فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين"المعنى فأهلكتهم الزلزلة فأصبحوا فى بيوتهم راقدين فأعرض عنهم وقال يا شعبى لقد أخبرتكم وحى إلهى أى وعظتكم ولكن لا تودون الواعظين،يبين الله لنا أن ثمود أخذتهم الرجفة والمراد أهلكتهم الصيحة مصداق لقوله بسورة هود"وأخذ الذين ظلموا الصيحة"وهى الزلزلة فأصبحوا فى ديارهم جاثمين والمراد فأصبحوا فى أرضهم راقدين بلا حراك هلكى فتولى عنهم والمراد فانصرف صالح(ص)عنهم وهم يقول:يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربى والمراد لقد أوصلت لكم أحكام إلهى ونصحت لكم أى ووعظتكم ولكن لا تحبون الناصحين والمراد ولكن لا تودون الواعظين أى الذين يبلغون الحق لكم .

"ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون"المعنى وأرسلنا لوطا حين قال لشعبه :هل ترتكبون الزنى ما فعله قبلكم أحد من الناس إنكم لتجامعون الذكور من غير الزوجات ؟إن أنتم إلا ناس كافرون،يبين الله لنا أنه بعث لوط(ص)لقومه وهم شعبه الذين عاش معهم فقال لهم :أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين والمراد هل تفعلون الزنى ما فعله قبلكم من أحد من الناس؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم يفعلون الحرام وهو جماع الرجال لبعضهم وهو ذنب لم يرتكبه الناس فى العصور السابقة عليهم أبدا وقال إنكم لتأتون الرجال من دون النساء والمراد إنكم لتنيكون الذكور من غير الزوجات بل أنتم قوم مسرفون والمراد إنما أنتم ناس مفرطون أى عاصون لحكم الله وهذا يعنى أنهم يجامعون الذكور ويتركون جماع الزوجات .

"وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون "المعنى وما كان رد شعبه إلا أن قالوا اطردوهم من بلدكم إنهم أناس يتزكون،يبين الله لنا أن جواب وهو رد قومه وهم شعبه هو قوله لبعضهم :أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون والمراد أبعدوا لوط(ص)وأهله من بلدكم إنهم ناس يتزكون وهذا يعنى أنهم يريدون طردهم من البلدة والسبب فى نظرهم تطهرهم من الفاحشة والمراد بعدهم عنها.

"فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين وأمطرنا عليهم مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين"المعنى فأنقذناه وأسرته إلا زوجته كانت من الهالكين وأنزلنا عليهم حجارة فاعلم كيف كان جزاء الكافرين،يبين الله لنا أنه أنجى أى أنقذ لوطا(ص)وأهله وهم أسرته التى أمنت برسالته إلا امرأته كانت من الغابرين والمراد عدا زوجته العجوز كانت من الهالكين مصداق لقوله بسورة الشعراء"إلا عجوزا فى الغابرين"وأمطر الله عليهم مطرا والمراد فأسقط الله عليهم حجارة مصداق لقوله بسورة هود"وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل "وهذه الحجارة أهلكتهم ويطلب الله من نبيه(ص)أن ينظر كيف كان عاقبة المجرمين والمراد أن يعلم كيف كان عذاب المفسدين ويتخذ منه العظة مصداق لقوله بسورة الأعراف "فانظر كيف كان عاقبة المفسدين".

"وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين"المعنى وأرسلنا إلى مدين صاحبهم شعيبا(ص)قال يا شعبى أطيعوا حكم الله ليس لكم من رب سواه وقد أتتكم آية من إلهكم فأقيموا العدل أى القسط أى لا تظلموا الخلق حقوقهم أى لا تظلموا فى البلاد بعد عدلها ذلكم أفضل لكم إن كنتم مصدقين،يبين الله لنا أنه أرسل لمدين أخاهم وهو صاحبهم شعيب(ص)فقال لهم :يا قوم أى يا شعبى اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أى اتبعوا حكم الله ليس لكم من خالق سواه والغرض من القول هو إخبارهم بوجوب طاعة حكم الله وترك طاعة ما سواه من الأحكام وقال وقد جاءتكم بينة من ربكم والمراد وقد أتتكم آية معجزة دالة على صدقى وقال فأوفوا الكيل والميزان والمراد فأطيعوا العدل أى القسط وهو حكم الله وفسر هذا بقوله ولا تبخسوا الناس أشياءهم والمراد ولا تنقصوا من الخلق حقوقهم وفسر هذا بقوله ولا تفسدوا فى الأرض بعد إصلاحها والمراد ولا تظلموا فى البلاد بعد عدلها وهذا يعنى ألا يحكموا البلاد بأحكام غير الحكم الصالح وهو حكم الله وقال ذلكم وهو طاعة حكم الله وترك ما سواه خير لهم أى أحسن لهم ثوابا إن كانوا مؤمنين أى مصدقين بحكم الله  .

"ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين "المعنى ولا تقوموا بكل دين تخوفون وتردون عن دين الله من صدق به وتريدونها منحرفة واعلموا نعمة الله عليكم حين كنتم قليلا فزادكم عددا واعلموا كيف كان جزاء الكافرين،يبين الله لنا أن شعيب(ص)قال للقوم :لا تقعدوا بكل صراط توعدون والمراد لا تظلوا بكل دين تخوفون أى بألفاظ أخرى لا تستمروا بآلهة كل دين ضال تخوفون الناس  وهذا إخبار لهم أن المسلم لا يخاف من آلهتهم وتصدون عن سبيل الله من آمن به والمراد وتردون عن دين الله من صدق به وهذا نهى لهم عن طرق الإضلال المختلفة وقال وتبغونها عوجا والمراد وتريدونها منحرفة والمراد وتحبون أن تحكم الدنيا بالظلم  أى يبغون حكم الجاهلية مصداق لقوله بسورة الأنعام"أفحكم الجاهلية يبغون"وقال واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم والمراد واعلموا نعمة الله عليكم حين كان عددكم قليل فزاد عددكم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين والمراد واعلموا كيف كان عذاب الكافرين أى المكذبين مصداق لقوله بسورة النحل"فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" .

"وإن كان طائفة منكم أمنوا بالذى أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين"المعنى وإن كانت جماعة منكم صدقوا بالذى بعثت به وجماعة لم يصدقوا فانتظروا حتى يفصل الله بيننا وهو أحسن الفاصلين ،يبين الله لنا أن شعيب (ص)قال لهم :وإن كان طائفة أى فريق منكم أمنوا أى أيقنوا أى صدقوا بالذى أرسلت به والمراد الذى بعثت به من حكم الله وطائفة أى وفريق لم يؤمنوا أى لم يوقنوا أى لم يصدقوا فاصبروا والمراد فانتظروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين والمراد حتى يقضى الله بيننا بالحق وهو أحسن الفاصلين أى القضاة مصداق لقوله بسورة الأنعام"وهو خير الفاصلين "ومن هنا نعرف أن القوم انقسموا لفريقين فريق مؤمن وفريق كافر.

"قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين أمنوا معك من قريتنا أو لتعودن فى ملتنا قالوا أولو كنا كارهين"المعنى قال السادة الذين استعظموا على طاعة الله من شعبه لنطردنك يا شعيب والذين صدقوا برسالتك من بلدنا أو لترجعون إلى ديننا قالوا حتى ولو كنا رافضين لها؟،يبين الله لنا أن الملأ وهم السادة الذين استكبروا أى كفروا من قوم شعيب(ص)قالوا له لنخرجنك يا شعيب والذين أمنوا معك من قريتنا والمراد لنطردنك يا شعيب والذين صدقوا برسالتك من أرضنا مصداق لقوله بسورة إبراهيم"لنخرجنكم من أرضنا" أو لتعودن فى ملتنا أى أو لترجعون إلى ديننا وهذا يعنى أنهم خيروهم بين الطرد من البلد وبين العودة لدين الكفر فكان ردهم أو لو كنا كارهين والمراد حتى ولو كنا مكذبين به؟والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم مجانين إذ يصدقون أنهم يعودون إلى دينهم وهم له مكذبون فكيف يقبلون من يعرفون جيدا أنه لن يصدق بدينهم سوى خوفا منهم .

"قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شىء علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين"المعنى قد نسبنا إلى الله باطلا إن رجعنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منها وما يحق لنا أن نرجع إليها إلا أن يريد الله إلهنا شمل كل مخلوق معرفة بطاعة الله احتمينا إلهنا افصل بيننا وبين شعبنا بالعدل وأنت أحسن القاضين ، يبين الله لنا أن المؤمنين قالوا للكفار:قد افترينا على الله كذبا إن عدنا فى ملتكم بعد إذ نجانا الله منها والمراد لقد نسبنا إلى الله زورا إن رجعنا إلى دينكم بعد أن أنقذنا الله منه وهذا يعنى أن المسلمين يعترفون أن عودتهم لدين الكفر معناها نسبتهم الباطل إلى الله كما يعنى أن دين الكفر هلاك أنجى الله المسلمين منه ،وقال وسع ربنا كل شىء علما والمراد شمل إلهنا كل مخلوق معرفة وهذا يعنى معرفته بكل أمر عن مخلوقاته كلها ،وقالوا على الله توكلنا والمراد بطاعة حكم الله احتمينا من عذابه ،وقالوا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين والمراد إلهنا اقض بيننا وبين شعبنا بالعدل وأنت أحسن الفاصلين وهذا يعنى أنهم يطلبون منه إنزال العذاب على الفريق الكاذب منهم حتى يعلم الكفار أنهم كانوا على ضلال.  

"وقال الملأ الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون"المعنى وقال السادة الذين كذبوا من أهله لئن أطعتم شعيبا(ص)إنكم إذا لمعذبون،يبين الله لنا أن الملأ وهم  سادة القوم قالوا للناس لئن اتبعتم أى أطعتم ما يقول شعيب(ص) إنكم إذا لخاسرون أى لمعذبون ،وهذا يعنى أنهم يهددونهم بالخسارة وهى العذاب حتى لا يطيعوا حكم شعيب(ص).

"فأخذتهم الرجفة فأصبحوا فى دارهم جاثمين الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين"المعنى فأهلكتهم الزلزلة فكانوا فى بيوتهم خامدين الذين كفروا بشعيب(ص)كأن لم يكونوا فيها الذين كفروا بشعيب(ص)كانوا هم المعذبين ،يبين الله لنا أن كفار قوم شعيب(ص)أخذتهم الرجفة أى أهلكتهم الزلزلة وهى الصيحة مصداق لقوله بسورة هود"وأخذت الذين ظلموا الصيحة"فأصبحوا فى دارهم جاثمين والمراد فكانوا فى بلدهم هالكين وهذا يعنى أنهم رقدوا بلا حراك فى القرية ،ويبين لنا أن الذين كذبوا شعيبا والمراد أن الذين كفروا برسالة شعيب(ص)كأن لم يغنوا فيها والمراد كأن لم يعيش الكفار فى الدنيا ،ويبين لنا أن الذين كذبوا شعيبا أى أن الذين كفروا برسالة شعيب(ص) كانوا هم الخاسرين أى المعذبين الهالكين وليس المسلمين الذين خوفوهم بالخسران .

"فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربى ونصحت لكم فكيف أسى على قوم كافرين"المعنى فأعرض عنهم وقال يا شعبى لقد أوصلت لكم أحكام إلهى أى وعظتكم فكيف أحزن على ناس مكذبين لى ؟،يبين الله لنا أن شعيب (ص)تولى عنهم والمراد انصرف عن مكان موتهم وهو يقول:لقد أبلغتكم رسالات ربى والمراد لقد أعلمتكم بأحكام خالقى وفسر هذا بقوله ونصحت لكم أى أخبرتكم بها ،ثم قال فكيف أسى على قوم كافرين والمراد فكيف أحزن على ناس فاسقين مصداق لقوله بسورة المائدة"فلا تأسى على القوم الفاسقين"والغرض من قوله هو أن الحزن على هلاك الكفار أمر محرم لا يجوز بسبب كفرهم .

"وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون "المعنى وما بعثنا فى بلدة من رسول إلا عاملنا أصحابها بالأذى أى العقاب لعلهم يتوبون،يبين الله لنا أنه ما أرسل فى قرية من نبى والمراد ما بعث فى بلدة من رسول مصداق لقوله بسورة النساء"وما أرسلنا من رسول"إلا أخذ أهلها بالبأساء أى الضراء والمراد إلا عامل أصحابها بالأذى وهو العذاب مصداق لقوله بسورة المؤمنون"ولقد أخذناهم بالعذاب"وهذا يعنى أن الله عاملهم بإرسال العذاب عليهم بسبب كفرهم والسبب هو لعلهم يضرعون أى لعلهم يتوبون عن كفرهم .

"ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون"المعنى ثم غيرنا موضع الضارة النافعة حتى فرحوا وقالوا قد أصاب آباءنا الأذى والنفع فأهلكناهم فجأة أى هم لا يعلمون بوقت الهلاك،يبين الله لنا أنه بدل مكان السيئة الحسنة والمراد جعل مكان العذاب الرزق الكثير وهو فتح أبواب الرزق مصداق لقوله بسورة الأنعام"فتحنا عليهم أبواب كل شىء حتى إذا فرحوا"أى كما قال حتى عفوا والمراد رضوا بهذا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء والمراد قد أصاب آباءنا العذاب والرزق ،فكان رد الله عليهم أن أخذهم بغتة أن أهلكهم فجأة وفسر هذا بأنهم لا يشعرون أى هم لا يدرون بوقت مجىء الهلاك.

"ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون"المعنى ولو أن أصحاب البلدات صدقوا وأطاعوا حكم الله لأعطينا لهم أرزاق من السماء والأرض ولكن كفروا فأهلكناهم بالذى كانوا يكفرون ،يبين الله لنا أن أهل القرى وهم سكان البلاد لو أمنوا أى صدقوا حكم الله واتقوا أى أطاعوا حكم الله وهو ما سماه الله إقامة حكم الله لحدث التالى فتح عليهم بركات من السماء والأرض والمراد أعطى لهم الله أرزاق من فوقهم ومن تحتهم مصداق لقوله بسورة المائدة"ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم"ويبين لنا أن أهل القرى كذبوا أى كفروا بحكم الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بما كانوا يكسبون والمراد أن أهلكهم الله بالذى كانوا يذنبون وهذا يعنى أن سبب هلاكهم كسبهم وهو ذنوبهم مصداق لقوله بسورة الأنفال"فأهلكناهم بذنوبهم".

"أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون "المعنى هل استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو استبعد أصحاب البلاد أن يجيئهم عذابنا نهارا وهم يلهون،يسأل الله أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بياتا وهم نائمون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عذابنا ليلا وهم ناعسون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون والمراد هل استحال سكان البلدات أن ينزل بهم عقابنا نهارا وهم يلهون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن عذاب الله يأتى فى أى وقت نهارا أو ليلا فى وقت نومهم أو فى وقت شغلهم وهو صحوهم وأن عذاب الله ليس مستحيل وإنما وارد فى أى وقت .

"أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون "المعنى هلا استبعدوا كيد الله فلا يستبعد كيد الله إلا الناس المعذبون،يسأل الله أفأمنوا مكر الله والمراد هل استبعد الكفار عذاب الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون والمراد فلا يستبعد عذاب الله إلا الناس الهالكون ،والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار المعذبون هم الذين يستبعدون أن يعذبهم الله بسبب كفرهم .

"أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون"المعنى أو لم يعلم الذين يملكون البلاد من بعد أصحابها أن لو نريد أهلكناهم بخطاياهم ونختم على نفوسهم فهم لا يؤمنون ،يبين الله لنا أن على الذين يرثون الأرض من بعد أهلها وهم الذين يملكون البلاد بعد موت سكانه السابقين أن يهدوا أى يعلموا أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم والمراد أخذناهم بخطاياهم أى أهلكناهم بسيئاتهم مصداق لقوله بسورة غافر"فأخذهم الله بذنوبهم "،ويبين الله لنا أنه يطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون والمراد أنه يختم على نفوس الناس فهم لا يفقهون مصداق لقوله بسورة المنافقون"فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون" وهذا يعنى أن الله يضع حاجز على نفوسهم هو كفرهم فلا يؤمنون.

"تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين"المعنى تلك البلاد نحكى لك من أخبارها ولقد أتتهم مبعوثيهم بالآيات فما كانوا ليصدقوا بالذى كفروا به من قبل هكذا يختم الله على نفوس المكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أن تلك القرى والمراد أن أهل البلدات يقص الله عليه من أنبائها والمراد يحكى له من أخبارهم ،ويبين له أنهم قد جاءتهم رسلهم بالبينات والمراد أتتهم أنبياءهم بالكتاب وهو الآيات مصداق لقوله بسورة فاطر"جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر والكتاب المبين " فما كانوا ليؤمنوا  والمراد فما كانوا ليصدقوا بما كذبوا من قبل والمراد أنهم لا يوقنون بالذى كفروا به من قبل ويبين له أن كذلك أى بتكذيبهم للكتاب يطبع الله على قلوب الكافرين والمراد يختم أى يضع حاجزا على نفوس المكذبين لوحى الله هو تكذيبهم فلا يؤمنون بالكتاب وهو البينات والخطاب وما قبله للنبى(ص) وما بعده حتى نهاية قصة موسى (ص)

"وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين "المعنى وما علمنا لأغلبهم من ميثاق أى لقد علمنا أغلبهم لكافرين ،يبين الله لنبيه(ص)أنه ما وجد لأكثرهم من عهد والمراد ما علم لمعظم الناس من طاعة لوحيه وفسر هذا بأنه وجد أكثرهم فاسقين والمراد أنه علم أن معظمهم كافرين مصداق لقوله بسورة النحل"وأكثرهم الكافرون" 

"ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين"المعنى ثم أرسلنا من بعد موتهم موسى (ص)ببيناتنا إلى فرعون وشعبه فاعلم كيف كان جزاء المعتدين ،يبين الله لرسوله(ص)أنه بعث موسى بآياته والمراد أنه أرسل موسى(ص)بسلطانه المبين وهو المعجزات إلى فرعون وملائه وهم شعبه ومعها الوحى وفى هذا قال بسورة هود"ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين"فظلموا بها أى فكفروا بآيات الله مصداق لقوله بسورة الأنفال"كدأب قوم فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"ويطلب من نبيه(ص)أن ينظر كيف كان عاقبة المفسدين والمراد أن يعلم كيف كان هلاك المكذبين مصداق لقوله بسورة القصص"فانظر كيف كان عاقبة المكذبين".

"وقال موسى يا فرعون إنى رسول من رب العالمين حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معى بنى إسرائيل"المعنى وقال موسى(ص)يا فرعون إنى مبعوث من إله الكل واجب على أن لا أنسب إلى الله سوى العدل قد أتيتكم ببرهان من إلهكم فابعث معى أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص)قال لفرعون :يا فرعون إنى رسول من رب العالمين والمراد إنى مبعوث من خالق الجميع حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق والمراد فرض على أن لا أنسب إلى الله سوى الصدق وهذا معناه أنه يقول لفرعون العدل وليس الكذب ،وقال قد جئتكم ببينة من ربكم والمراد قد أتيتكم بسلطان من إلهكم وهذا يعنى أنه أتى ببرهان على صدق حديثه هو السلطان المبين مصداق لقوله بسورة الدخان"إنى أتيكم بسلطان مبين"وقال فأرسل معى بنى إسرائيل والمراد فابعث معى أولاد يعقوب(ص)نسير حيث نريد وهذا يعنى أنه يريد أن يخرج ببنى إسرائيل من مصر فقط ولا يريد حربا أو غيرها.

"قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين "المعنى قال إن كنت أتيت ببرهان فأظهره إن كنت من العادلين،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال لموسى(ص)إن كنت جئت بأية والمراد إن كنت أتيت بمعجزة فأت بها أى فأظهرها برهان على أنك من الصادقين أى العادلين فى قولهم .

"فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين"المعنى فرمى خشبته فإذا هى حية كبرى وأخرج كفه فإذا هى منيرة للمشاهدين،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى(ص) استجاب لطلب فرعون فألقى عصاه وهى خشبته التى يتكىء عليها فإذا هى ثعبان مبين أى حية كبرى مصداق لقوله بسورة طه"فإذا هى حية تسعى "ونزع يده فإذا هى بيضاء للناظرين والمراد وأخرج كفه من تحت إبطه فإذا هى مضيئة للمشاهدين وهذا يعنى أن موسى(ص)جاء بمعجزتين الأولى العصا المتحولة لثعبان والثانية هى اليد المضيئة .

"قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون "المعنى قال الكبير من ناس فرعون إن هذا لمخادع خبير يود أن يطردكم من بلدكم فبماذا تشيرون ؟يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهو الكبير من قوم أى شعب فرعون وهو فرعون وقال :إن هذا لساحر عليم أى إن موسى(ص)لماكر خبير بالسحر وهذا اتهام له بممارسة السحر ،وقال يريد أن يخرجكم من أرضكم والمراد يحب أن يطردكم من بلدكم بسحره فماذا تأمرون والمراد فبماذا تشيرون والغرض من السؤال هو أن يعطوا رأيهم فى المسألة حتى ينفذه مع موسى(ص).

 "قالوا أرجه وأخاه وأرسل فى المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم "المعنى قالوا واعده وأخاه وابعث فى البلدات جامعين يجيئوك بكل ماكر خبير،يبين الله لرسوله(ص) أن قوم فرعون قالوا له:أرجه وأخاه والمراد واعده وأخاه والمراد حدد معه ومع أخيه موعد لمقابلة فى السحر وأرسل أى"وابعث فى المدائن حاشرين"كما قال بسورة الشعراء والمراد وابعث فى البلاد وهى القرى والمدن جامعين يأتوك بكل ساحر عليم أى يحضرون لك كل مخادع خبير بالسحر ،وهذا يعنى أنهم يريدون منه إجراء مباراة حتى يظهر كذب موسى (ص)فى رأيهم

  "وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين قال نعم وإنكم من المقربين "المعنى وأتى المخادعون فرعون قالوا إن لنا لمالا إن كنا نحن الفائزين قال نعم وإنكم من الوجهاء ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة وهم المخادعون جاءوا فرعون والمراد أتوا فى قصر فرعون فقالوا له :إن لنا لأجرا والمراد إن لنا لمالا إن كنا نحن الغالبين أى الفائزين وهذا يعنى أنهم يطلبون المال مقابل فوزهم على موسى(ص)فقال لهم فرعون نعم أى لكم المال وإنكم لمن المقربين والمراد إنكم من الوجهاء وهم المستشارين له فى الحكم .

"قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين"المعنى قالوا يا موسى إما أن ترمى وإما نصبح نحن الرامين،يبين الله لنبيه(ص)أن فى يوم المباراة قال السحرة لموسى (ص)يا موسى إما أن تلقى أى ترمى والمراد تظهر سحرك وإما أن نكون نحن الملقين والمراد وإما أن نصبح نحن الرامين أى المظهرين لسحرنا أولا،وهذا يعنى أنهم خيروه بين أن يظهر سحره أولا أو أن يظهروا هم سحرهم أولا .

"قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم "المعنى قال موسى (ص)ارموا فلما رموا خدعوا عيون البشر أى خوفوهم أى أتوا بخداع كبير،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى (ص)قال لهم ألقوا أى أظهروا سحركم ،فلما ألقوا أى لما أظهروا سحرهم سحروا أعين الناس والمراد خدعوا أبصار الخلق وفسر هذا بأنهم استرهبوهم أى خوفوهم بأسباب خيالية وفسر هذا بأنهم أتوا بسحر عظيم أى عملوا خداع كبير .

"وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هى تلقف ما يأفكون فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون"المعنى وقلنا لموسى(ص)أن ارم خشبتك تبلع ما يصنعون فثبت الصدق وزال الذى كانوا يصنعون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه أوحى أى ألقى أى قال لموسى(ص)"ألق عصاك والمراد ارم خشبتك على الأرض تلقف ما يأفكون أى تبتلع ما يصنعون مصداق لقوله بسورة طه"تلقف ما صنعوا "،فرمى موسى العصا فوقع الحق والمراد فثبت الصدق وهو العصا وأما ما كانوا يعملون فقد بطل والمراد أما ما كانوا يصنعون من السحر فقد زال أى اختفى وبقت العصا وحدها رمز الإعجاز وليس السحر .

"فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين وألقى السحرة ساجدين قالوا أمنا برب العالمين رب موسى وهارون"المعنى فانهزموا عند ذلك وعادوا أذلاء وأصبح المخادعون مؤمنين قالوا صدقنا بإله الكل إله موسى(ص)وهارون(ص)،يبين الله لنبيه(ص)أن القوم غلبوا أى انهزموا هنالك أى فى ذلك المكان وانقلبوا صاغرين والمراد وعادوا خائبين وألقى  السحرة ساجدين والمراد وأصبح المخادعون مؤمنين بالله اعترافا أن هذا لا يمكن أن يكون سحرا وقالوا :أمنا برب العالمين أى صدقنا بحكم خالق الجميع رب أى خالق موسى (ص)وهارون(ص) وبهذا يكون السحرة من أوائل من أمنوا بموسى (ص)من قوم فرعون .

"قال فرعون أأمنتم له قبل أن أذن لكم إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون"المعنى قال فرعون هل صدقتم به قبل أن أقول لكم إن هذا لمكيدة دبرتموها فى البلدة لتطردوا منها أصحابها فسوف تعرفون أينا أشد عذابا ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون لما وجد السحرة أمنوا بموسى(ص)قال أأمنتم له قبل أن أذن لكم والمراد هل صدقتم به قبل أن أسمح لكم بالتصديق؟والغرض من السؤال إخبار السحرة أن من يريد الإيمان عليه أن يأخذ منه الإذن بهذا وكأنه لا يدرك أن الإيمان ليس عليه أى إذن من أى مخلوق وقال إن هذا لمكر مكرتموه فى المدينة والمراد إن الهزيمة هى مكيدة دبرتموها مع موسى(ص) فى البلدة والسبب أن تخرجوا منها أهلها والمراد أن تطردوا منها أصحابها وهذا اتهام لهم ولموسى (ص)بأنهم اتفقوا على الهزيمة حتى يستطيعوا هم حكم مصر ،وقال فسوف تعلمون فسوف تعرفون أينا أشد عذابا وأبقى مصداق لقوله بسورة طه"ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى".

"ولأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ثم لأصلبنكم أجمعين"المعنى ولأبترن أيديكم وأقدامكم من تضاد ثم لأعلقنكم كلكم ،يبين الله لنبيه(ص)أن فرعون قال للسحرة :ولأقطعن أيديكم وأرجلكم والمراد لأفصلن أيديكم وأقدامكم من خلاف أى من جهات متعاكسة من أجسامكم ثم لأصلبنكم أى لأعلقنكم بعد القطع على جذوع النخل جميعا مصداق لقوله بسورة طه"ولأصلبنكم فى جذوع النخل"وهذا يعنى أنه سيعاقبهم على إيمانهم ببتر يد من الجهة اليمنى ورجل من الجهة اليسرى أو العكس ثم يعلقهم على سيقان النخل حتى يموتوا .

"قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين "المعنى قالوا إنا إلى جزاء إلهنا عائدون وما تغضب علينا إلا لأننا صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا إلهنا أنزل علينا سكينة وأمتنا مطيعين لك ،يبين الله لنبيه(ص)أن السحرة قالوا لفرعون:إنا إلى ربنا منقلبون والمراد افعل ما تريد إنا إلى جنة إلهنا عائدون وهذا يعنى أن تهديده لن يجعلهم يكفرون برسالة موسى(ص)وقالوا وما تنقم منا إلا أن أمنا بآيات ربنا لما جاءتنا والمراد وما يغضبك علينا إلا أن صدقنا بأحكام خالقنا لما أتتنا وهذا يعنى أنهم يعرفون أن سبب انتقامه منهم هو إيمانهم برسالة موسى(ص) وقالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين والمراد إلهنا أنزل فى قلوبنا سكينة وأمتنا مطيعين لك وهذا يعنى أنهم يطلبون من الله أن يعطيهم الطمأنينة حتى يقدروا على تحمل ألم عقاب فرعون ويطلبون أن يموتوا على الإسلام حتى يدخلوا الجنة

"وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أولادهم ونستحى نساءهم وإنا فوقهم قاهرون"المعنى وقال الكبار من شعب فرعون هل تترك موسى وشعبه ليدمروا فى البلاد ويتركك وأربابك قال سنذبح عيالهم ونسبى إناثهم وإنا لهم غالبون،يبين الله لنبيه(ص)أن الملأ وهم الكبار فى قوم وهم شعب فرعون قالوا لفرعون:أتذر موسى وقومه ليفسدوا فى الأرض والمراد هل تدع موسى وشعبه ليظلمونا فى البلاد ويذرك وآلهتك والمراد ويترك عبادتك وأربابك ؟والغرض من السؤال هو إخبار فرعون أن هدف موسى وقومه هو حكم البلاد وترك عبادتهم لفرعون وآلهته وذلك بالفساد وهو الممثل فى رأيهم فى حكم الله فقال فرعون :سنقتل أبناءهم أى سنذبح عيالهم ونستحيى نساءهم أى ونستعبد إناثهم والمراد يتخذهم خدم  وإنا فوقهم قاهرون والمراد وإنا لهم غالبون ،وهذا يعنى أن سياسة تعامل فرعون مع قوم موسى(ص)ستكون هى ذبح الأولاد واستعباد النساء وحكمهم بالقهر.

"قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين"المعنى قال موسى (ص)لشعبه استمسكوا بحكم الله أى أطيعوه إن البلاد ملك لله يملكها من يريد من خلقه والجنة للمطيعين ،يبين الله لنبيه(ص)أن موسى لما عرف سياسة فرعون قال لقومه وهم أهله:استعينوا بالله والمراد احتموا منهم بطاعة حكم الله  أى اصبروا أى اتبعوا حكم الله إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والمراد إن البلاد ملك لله يعطيها من يريد من خلقه وهم الصالحون مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ولقد كتبنا فى الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون" وهذا يعنى أنه وعدهم بحكم البلاد إن أطاعوا حكم الله وقال والعاقبة للمتقين أى والجنة فى الآخرة للمطيعين لحكم الله

"قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم فى الأرض فينظر كيف تعملون"المعنى قالوا :أصبنا من قبل أن تجيئنا ومن بعد ما جئتنا قال عسى إلهكم أن يدمر كارهكم ويحكمكم فى البلاد فيعلم كيف تفعلون،يبين الله لنبيه(ص)أن بنى إسرائيل قالوا لموسى(ص) أوذينا أى أضررنا أى أصابنا العذاب من قبل أن تأتينا أى تحضر عندنا ومن بعد ما جئتنا أى ومن بعد ما أتيتنا،وهذا يعنى أنهم عذبوا قبل عهد موسى (ص)وعذبوا بعد عهد موسى(ص)  فقال لهم موسى (ص)عسى ربكم أى إلهكم أن يهلك عدوكم والمراد لعل الله يدمر قوم فرعون كارهيكم ويستخلفكم فى الأرض والمراد ويحكمكم فى البلاد أى يجعلكم ملوكا للبلاد كما قال بسورة المائدة "وجعلكم ملوكا"فينظر كيف تعملون أى فيعرف كيف تفعلون هل تطيعون حكمه أم تكفرون كما كفر قوم فرعون به.

"ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون "المعنى ولقد عاملنا شعب فرعون بالأمراض وقلة فى المنافع لعلهم يتوبون،يبين الله لنبيه(ص) أنه أخذ آل فرعون والمراد عاقب قوم فرعون بالسنين وهى الأمراض ونقص من الثمرات والمراد وقلة فى الأرزاق وهذا يعنى أنه أفسد محاصيلهم وتجارتهم وصناعتهم والسبب لعلهم يذكرون أى يضرعون أى يتوبون والمراد لعلهم يعودون لدين الله فلن يعودوا .

"فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة تطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون"المعنى فإذا أتتهم المنفعة قالوا لنا هذه وإن تأتهم أذية تشاءموا بموسى(ص)ومن معه ألا إنما عملهم لدى الله ولكن معظمهم لا يطيعون،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون إذا جاءتهم الحسنة والمراد إذا أتاهم نفع من الله قالوا لنا هذه وهذا يعنى إننا السبب فى تملكنا لهذه المنفعة وإن تصبهم سيئة والمراد وإن تمسهم أذية فإنهم يتطيروا بموسى(ص)ومن معه والمراد يتشاءموا بهم أى يقولون أن السبب فى نزول الأذى عليهم هو موسى (ص)وبنى إسرائيل ،ويبين الله له أن طائر القوم عند الله وهو عمل القوم مسجل لدى الله ولكن أكثرهم لا يعلمون والمراد ولكن أغلبهم لا يتبعون حكم الله أى لا يشكرون مصداق لقوله بسورة يوسف"ولكن أكثرهم لا يشكرون".

"وقالوا مهما تأتنا من آية لتسحرنا فما نحن لك بمؤمنين"المعنى وقالوا مهما تجيئنا به من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمصدقين،يبين الله لنبيه(ص)أن قوم فرعون قالوا لموسى(ص):مهما تأتنا من آية والمراد مهما تحضر لنا من خدعة لتخدعنا بها فما نحن لك بمؤمنين أى بموقنين بها ،وهذا يعنى أنهم يخبرون موسى(ص)أنهم لن يصدقوا برسالته مهما جاء به من براهين معجزة وهى فى رأيهم خدع لأن كل ما يجىء به هو سحر أى خداع يخدعهم به وليس حق.  

"وأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين"المعنى وبعثنا لهم الفيضان والجراد والقمل والضفادع والدم علامات بينات فكفروا وكانوا ناسا مكذبين،يبين الله لنبيه(ص)أنه أرسل أى بعث على قوم فرعون الطوفان وهو فيضان الماء والجراد وهو حشرة طائرة تأكل الزروع والقمل وهو حشرة مؤذية توجد فى شعور الناس والضفادع وهى حيوانات برمائية لها أصوات مزعجة والدم وهو سائل أحمر وهى آيات مفصلات أى معجزات بينات واضحات مصداق لقوله بسورة الإسراء"ولقد أتينا موسى تسع آيات بينات"فكانت النتيجة أنهم استكبروا أى كفروا بها أى كانوا قوما مجرمين أى عالين مصداق لقوله بسورة المؤمنون"وكانوا قوما عالين "والمراد كانوا ناسا كافرين بحكم الله .

"ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بنى إسرائيل "المعنى ولما نزل عليهم العذاب قالوا يا موسى اقصد لنا إلهك بالذى عرف عندك لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)،يبين الله لنا أن قوم فرعون لما وقع عليهم الرجز والمراد لما أذاهم العذاب الممثل فى الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم قالوا لموسى(ص):يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك والمراد يا موسى(ص)نادى لنا إلهك بما قال لك فى مثل هذه الأحوال :لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك والمراد لئن أزلت عنا العذاب لنصدقن برسالتك ولنرسلن معك بنى إسرائيل والمراد ولنبعثن معك أولاد يعقوب(ص)وهذا يعنى أنهم يطلبون من موسى(ص)أن يدعو الله ليزيل عنهم العذاب واشترطوا أن يؤمنوا به ويتركوا بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد وهذا يرينا أنهم لا يريدون الإيمان حقا لأنهم اشترطوا على الله كما قالوا عنه لموسى(ص)ربك ولم يقولوا ربنا وبألفاظ أخرى أنهم لا يعرفون الله إلا وقت الضرر.

"فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون "المعنى فلما أزلنا عنهم العذاب إلى وقت هم واصلوه إذا هم يخالفون العهد،يبين الله لنبيه(ص)أنه لما كشف الرجز والمراد لما أزال العذاب عن قوم فرعون مصداق لقوله بسورة الزخرف"فلما كشفنا عنهم العذاب"إلى أجل هم بالغوه والمراد إلى موعد هم عائشون عنده وهو يوم إزالة العذاب إذا هم ينكثون أى ينقضون عهدهم بالإيمان بموسى(ص)وترك بنى إسرائيل يذهبون معه حيث يريد

"فانتقمنا منهم فأغرقناهم فى اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى فغضبنا عليهم فأهلكناهم فى البحر بأنهم كانوا كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنبيه(ص)أنه انتقم من قوم فرعون والمراد غضب عليهم فأغرقهم فى اليم والمراد أهلكهم فى البحر والسبب أنهم كذبوا بآيات الله والمراد بأنهم كفروا بأحكام الله أى"وكانوا بآياتنا يجحدون"كما قال بسورة فصلت فالتكذيب هو الجحود وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا عاصين لأحكام الله .

"وأورثنا القوم الذين استضعفوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بنى إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون"المعنى وملكنا الناس الذين أذلوا منارات البلاد وظلماتها التى قدسناها وصدق حكم إلهك العادل على أولاد يعقوب(ص)بما أطاعوا حكمنا وأهلكنا الذى كان يفعل فرعون وشعبه والذى كانوا يبنون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أورث أى ملك أى مكن القوم الذين استضعفوا أى استذلوا مشارق الأرض ومغاربها التى باركنا فيها والمراد ملكهم منيرات وهى نفسها ظلمات البلد التى قدسها وهى الأرض المقدسة مكة مصداق لقوله بسورة المائدة"ادخلوا الأرض  المقدسة التى كتب الله لكم" ويبين له أن كلمة الله الحسنى وهى وعد الله الصادق تم على بنى إسرائيل والمراد حدث لأولاد يعقوب (ص) بنصرهم على قوم فرعون والسبب ما صبروا أى بسبب ما أطاعوا حكم الله ويبين له أنه دمر ما كان يصنع فرعون وقومه والمراد أهلك كيد فرعون وهو خططه للقضاء على بنى إسرائيل وفى هذا قال بسورة غافر"وما كيد فرعون إلا فى تباب "ودمر ما كانوا يعرشون أى يبنون من مبانى يقصد بها عداوة الله كالصرح الذى أراد أن يطلع عليه فرعون لقتل إله موسى(ص).

"وجاوزنا ببنى إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين" المعنى وعبرنا بأولاد يعقوب(ص) الماء فمروا على ناس يطوفون على أوثان لهم قالوا يا موسى(ص)اصنع لنا أوثانا كما لهم أرباب قال إنكم ناس تكفرون إن هؤلاء مدمر الذى هم عليه أى محرم الذى كانوا يفعلون قال أسوى الله أطلب لكم ربا وهو اختاركم من الناس،يبين الله لنبيه(ص)أنه جاوز أى عبر ببنى إسرائيل وهم أولاد يعقوب(ص)البحر وهو اليم أى الماء فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم والمراد مروا فى طريقهم للأرض المقدسة على ناس يعبدون أوثان لهم فقالوا لموسى:اجعل لنا إلها كما لهم آلهة والمراد اصنع لنا وثنا كما لهم أوثان وهذا يعنى أنهم يريدون إلها متجسدا فى صورة صنم فقال لهم موسى(ص)إنكم قوما تجهلون والمراد إنكم ناسا تكفرون بحكم الله وهذا اتهام لهم بتناسى حكم الله الذى منع عليهم عبادة أى وثن ،وقال إن هؤلاء متبر ما هم فيه والمراد إن عابدى الأوثان مدمر الذى هم فيه وقال أنه باطل ما كانوا يعملون أى محرم الذى كانوا يفعلون وهذا يعنى أن أوثان الكفار سيدمرها الله وأما أعمالهم وهى عبادة الأوثان فهى محرمة ،وقال أغير الله أبغيكم إلها والمراد"أغير الله أبغى ربا"كما قال بسورة الأنفال والمراد أسوى الله أختار لكم ربا؟والغرض من السؤال إخبارهم أنه لن يختار لهم إله سوى الله وقال وهو فضلكم على العالمين أى اختاركم من الناس مصداق لقوله بسورة الدخان"ولقد اخترناهم على علم على العالمين" وهذا يعنى أن الله ميز القوم باتباعهم لدينه .

"وإذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم"المعنى وقد أنقذناكم من قوم فرعون يذيقونكم أشد العقاب يذبحون أولادكم ويستعبدون إناثكم وفى هذا اختبار من إلهكم كبير،يبين الله لبنى إسرائيل وإذ أنجيناكم من آل فرعون والمراد وقد أنقذناكم من شعب فرعون يسومونكم سوء العذاب والمراد يذيقونكم أعظم العقاب يقتلون أى "يذبحون أبناءكم"كما قال بسورة البقرة أى يذبحون أولادكم ويستحيون نساءكم والمراد ويستعبدون إناثكم وهذا يعنى استخدامهم الإناث فى خدمتهم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم والمراد وفى القتل والإستحياء اختبار من خالقكم كبير والسبب ليرى أيصبرون على طاعته أم يكفرون.

"وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وقال موسى لأخيه هارون اخلفنى فى قومى وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" المعنى وواقتنا موسى(ص)ثلاثين يوما وأكملناها بعشر فتم ميعاد إلهه أربعين يوما وقال موسى(ص)لأخيه هارون(ص) اتلونى فى أهلى واعدل أى لا تطع دين الكافرين،يبين الله لنا أنه واعد موسى(ص)والمراد وقت لموسى(ص)ثلاثين ليلة فى الجبل وأتمها أى وأكملها بعشر ليال فتم ميقات ربه والمراد فكمل بهم مدة إلهه أربعين ليلة لغرض أراده الله وقال لموسى(ص)قبل ذهابه للميعاد لأخيه هارون(ص):اخلفنى فى قومى والمراد اتلونى فى حكم شعبى وأصلح والمراد تولى الحكم واعدل فى الحكم ولا تتبع سبيل المفسدين أى لا تطع دين الكافرين أى لا تطع أهواء الذين لا يعلمون مصداق لقوله بسورة الجاثية"ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"وهذا يعنى أن يحكم بشرع الله ولا يحكم بشرع غيره.

"ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين"المعنى ولما أتى موسى(ص)لموعدنا وحدثه إلهه قال إلهى اجعلنى أرى ذاتك قال لن تشاهدنى ولكن شاهد الجبل فإن ثبت فى موضعه فسوف تشاهدنى فلما ظهر أمر إلهه للجبل جعله مدمرا وسقط موسى(ص)ميتا فلما صحا قال طاعتك أنبت إليك وأنا أسبق المصدقين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما جاء ميقات ربه والمراد لما ذهب لموعد الله على الجبل وكلمه ربه أى وحدثه أى وأوحى له إلهه مصداق لقوله بسورة طه"وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى"فقال رب أرنى أنظر إليك والمراد إلهى اجعلنى أشاهدك وهذا يعنى أنه أراد أن يشاهد الله عيانا فقال الله له "لن ترانى" أى لن تشاهد ذاتى عيانا وهذا يعنى استحالة رؤية الله ولكن انظر للجبل والمراد ولكن شاهد الجبل فإن استقر مكانه أى فإن ثبت فى موضعه فسوف ترانى أى تشاهدنى وهذا يعنى أنه جعل الرؤية حادثة فيما لو ثبت الجبل فى مكانه ، فلما تجلى ربه للجبل والمراد فلما ظهر أمر الله للجبل جعله دكا أى أصبح مدمرا وخر موسى(ص)صعقا والمراد وسقط موسى(ص)مغشيا عليه ،ونحن نقول المجلى هو أمر الله لأنه لو تجلى للجبل لكان معنى ذلك أنه دخل المكان ومن ثم فهم يحل فى الأمكنة وهذا هو المحال لأنه لا يشبه خلقه فى وجودهم  هم بمكان،فلما أفاق أى فلما استيقظ موسى(ص)من صعقته قال سبحانك أى الطاعة لك يا الله تبت إليك والمراد عدت لدينك وهذا يعنى أن طلب الرؤية ذنب يجب التوبة منه وأنا أول المؤمنين أى وأنا أسبق المسلمين مصداق لقوله بسورة الأنعام"وأنا أول المسلمين".

"قال يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتى وبكلامى فخذ ما أتيتك وكن من الشاكرين"المعنى قال يا موسى إنى اخترتك من الخلق لإبلاغ أحكامى أى لوحيى فاعمل بالذى أوحيت لك أى كن من المطيعين ،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)إنى اصطفيتك أى "اخترتك"كما قال بسورة طه على الناس والمراد وأنا اخترتك من الخلق برسالاتى أى بكلامى والمراد لإبلاغ أحكامى أى وحيى للناس فخذ ما أتيتك والمراد فأطع الذى أوحيت لك وفسر هذا بقوله وكن من الشاكرين أى الساجدين وهم المطيعين لحكم الله مصداق لقوله بسورة الحجر"وكن من الساجدين".

"وكتبنا له فى الألواح من كل شىء موعظة وتفصيلا لكل شىء فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دار الفاسقين"المعنى وسجلنا له فى الصحف من كل حكم عبرة وتوضيحا لكل أمر فأطعها بعزم وطالب أهلك يعملوا بأفضلها سأشهدكم مقام الكافرين،يبين الله لنا أنه كتب لموسى(ص)فى الألواح والمراد سجل لموسى فى الصحف من كل شىء أى من كل قضية موعظة أى حكما وفسر هذا بأنه تفصيل لكل شىء أى بيان حكم لكل قضية وقال له خذها بقوة أى أطعها بعزم والمراد اتبعها بنية خالصة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها والمراد وطالب أهلك يعملوا بأفضلها وهذا يعنى أن يطالب بنى إسرائيل أن يعملوا بأفضل ما فى التوراة من أحكام ،وقال سأوريكم دار الفاسقين أى سأشهدكم مقام الكافرين وهذا يعنى أنه سيشهدهم عذاب الكفار

"سأصرف عن آياتى الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين"المعنى سأبعد عن أحكامى الذين يحكمون فى البلاد بغير العدل أى إن يعلموا كل حكم لا يصدقوا بها أى إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا أى إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا ذلك بأنهم كفروا بأحكامنا أى كانوا لها عاصين،يبين الله لنا أنه سيصرف عن آياته والمراد سيبعد عن طاعة أحكامه الذين يتكبرون فى الأرض بغير الحق أى يبغون مصداق لقوله بسورة الشورى "والذين يبغون فى الأرض بغير الحق"أى يحكمون فى البلاد بسوى العدل وفسرهم بأنهم إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها والمراد إن يعلموا كل حكم يعرضوا عنها مصداق لقوله بسورة القمر"وإن يروا آية يعرضوا "والمراد إن يعرفوا حكم إلهى يكذبوا به وفسرهم بأنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الحق لا يعتنقوه دينا وفسرهم هذا بأنهم إن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا والمراد إن يعلموا دين الباطل يعتنقوه دينا وهذا يعنى أنهم يتبعوا غير دين المؤمنين مصداق لقوله بسورة النساء"ويتبع غير سبيل المؤمنين"ويبين لنا أن ذلك وهو دخول دار الفاسقين وهى النار بما كذبوا بآياتنا أى سبب دخولهم النار هو أنهم كفروا بأحكام الله وفسر هذا بأنهم كانوا عنها غافلين أى كانوا لأحكام الله عاصين .   

"والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون "المعنى والذين كفروا بأحكامنا وجزاء القيامة ضلت أفعالهم  هل يعاقبون إلا بالذى كانوا يكسبون ،يبين الله لنا أن الذين كذبوا بآيات الله أى "الذين كفروا بأيات ربهم"كما قال بسورة الكهف فالذين كفروا بأحكام الله ولقاء الآخرة وهو حساب القيامة حبطت أى ضلت أعمالهم مصداق لقوله بسورة محمد"وأضل أعمالهم"والمراد خسرت أفعالهم فلا قيمة لها عند الله فهى هباء منثورا،ويسأل هل يجزون إلا ما كانوا يعملون أى "هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"كما قال بسورة يونس والغرض من السؤال هو إخبارنا أن الكفار يعاقبون بسبب ما كانوا يفعلون وهو الكفر .

"واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين "المعنى وعبد شعب موسى(ص)من بعد ذهابه للميقات من ذهبهم عجلا ذهبيا له صوت ألم يعلموا أنه لا يحدثهم أى لا يعرفهم دينا عبدوه وكانوا كافرين،يبين الله لنا أن قوم أى شعب موسى(ص)اتخذوا من بعده والمراد عبدوا من بعد ذهابه لميقات ربه فى الجبل عجلا جسدا أى عجلا ذهبيا مصنوع من حليهم أى ذهبهم الذى كانوا يلبسونه وكان له خوار أى صوت بسبب الهواء الذى يدخل من مقدمته فيخرج من مؤخرته ،ويسأل الله ألم يروا أنه لا يكلمهم أى "أفلا يرون ألا يرجع لهم قولا"كما قال بسورة طه والمراد ألم يعلم القوم أنه لا يحدثهم وفسر هذا بأنه لا يهديهم سبيلا والمراد لا يعلمهم دينا ؟والغرض من السؤال هو إخبار القوم وإيانا أن الإله يتكلم أى يشرع حتى يعلم الناس دينهم وأما غير الإله فلا يتكلم أى فلا يشرع ومن ثم فليس إلها لأنه لا يعلم الناس دينا ،ويبين لنا أنهم اتخذوه وكانوا ظالمين والمراد عبدوا العجل وكانوا مجرمين مصداق لقوله بسورة يونس"وكانوا قوما مجرمين".

"ولما سقط فى أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين"المعنى ولما نزل فى أنفسهم أى علموا أنهم قد كفروا قالوا لئن لم يعفوا عنا إلهنا أى  ينفعنا لنصبحن من المعذبين ،يبين الله لنا أن قوم موسى(ص) سقط فى أيديهم أى نزل فى نفوسهم الحق وفسر هذا بأنهم قد ضلوا والمراد علموا أنهم كفروا بعبادتهم للعجل فقالوا :لئن لم يرحمنا ربنا أى لئن لم ينفعنا إلهنا بعفوه وفسر هذا بقولهم يغفر لنا أى يعفوا عنا أى ينفعنا برحمته لنكونن من الخاسرين أى لنصبحن من المعذبين دنيا وآخرة.

"ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال بئسما خلفتمونى من بعدى أعجلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره إليه قال ابن أم إن القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى فلا تشمت بى الأعداء ولا تجعلنى مع القوم الظالمين "المعنى ولما عاد موسى (ص)إلى شعبه ثائرا غاضبا قال قبح الذى فعلتموه من بعد ذهابى للميقات استأخرتم حكم إلهكم ورمى الصحف وأمسك بشعر أخيه يشده له قال يا ابن والدتى إن الشعب استصغرونى وهموا يذبحوننى فلا تفرح بى الكارهين ولا تدخلنى فى جمع الكافرين،يبين الله لنا أن موسى(ص)لما رجع إلى قومه والمراد لما عاد لشعبه من الجبل كان غضبان أسفا أى ثائر مغتاظ من عملهم فقال لهم بئسما خلفتمونى والمراد ساء الذى عملتموه فى شرعى من بعدى أى من بعد ذهابى للميقات وهذا يعنى أنه يبين لهم سوء وقباحة ما صنعوه وقال لهم أعجلتم أمر ربكم والمراد استأخرتم حكم إلهكم أى هل طال عليكم عهد ربكم ؟كما قال بسورة طه"أفطال عليكم العهد"والغرض من السؤال هو إخبارهم أنهم كذبوا عهد الله له بأيام الميقات لأنهم استأخروا رجوعه بعد الثلاثين الذين أتمهم الله أربعين ،ويبين الله لنا أنه ألقى الألواح أى رمى الصحف التى كتب الله له فيها التوراة وأخذ برأس أخيه يجره إليه والمراد وأمسك شعر لحية ودماغ هارون(ص)يشده ناحيته فقال له هارون(ص):ابن أم والمراد يا ابن والدتى إن القوم استضعفونى والمراد إن الشعب استصغروا شأنى فلم يطيعوا أمرى وكادوا يقتلوننى أى وهموا يذبحوننى بسبب إنكارى عبادتهم للعجل فلا تشمت بى الأعداء والمراد لا تفرح فى الكارهين لنا ولا تجعلنى مع القوم الظالمين والمراد ولا تدخلنى فى زمرة الكافرين وهذا يعنى أنه لم يعبد العجل معهم.

"قال رب اغفر لى ولأخى وأدخلنا فى رحمتك وأنت أرحم الراحمين"المعنى قال إلهى اعفو عنى وعن أخى أى اجعلنا فى جنتك وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال أى دعا الله:اغفر لى ولأخى والمراد اعفو عنى وعن أخى وفسر طلبه بقوله أدخلنا فى رحمتك أى اجعلنا فى جنتك مصداق لقوله بسورة الفتح"ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات"وأنت أرحم الراحمين أى "وأنت خير الراحمين "كما قال بسورة المؤمنون أى "وأنت خير الغافرين"فأرحم الراحمين هو خير الغافرين أى النافعين للمستغفرين.

"إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة فى الحياة الدنيا وكذلك نجزى المفترين"المعنى إن الذين عبدوا العجل سيصيبهم عقاب من خالقهم أى هوان فى المعيشة الأولى وهكذا نعاقب المجرمين،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)قل للقوم إن الذين اتخذوا العجل والمراد إن الذين عبدوا العجل سينالهم غضب من ربهم والمراد سيصيبهم سخط أى عذاب من إلههم مصداق لقوله بسورة المائدة"أن سخط الله عليهم"وذلة فى الحياة الدنيا أى خزى فى المعيشة الأولى مصداق لقوله بسورة المائدة"لهم فى الدنيا خزى"وكذلك نجزى المفترين أى بالغضب والذلة نعاقب الظالمين مصداق لقوله بسورة الأعراف"وكذلك نجزى الظالمين".

"والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وأمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم"المعنى والذين صنعوا الذنوب ثم أنابوا من بعدها أى صدقوا إن إلهك من بعد التوبة لعفو نافع،يبين الله لنا أن موسى(ص)قال للقوم:والذين عملوا السيئات أى والذين فعلوا الجرائم ثم تابوا أى عادوا للحق أى أمنوا أى أصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم والمراد إن إلهك من بعد التوبة وهى الإيمان أى الصلاح لعفو عنهم أى نافع لهم وهذا يعنى أنه سيغفر لمن تاب منهم عن عبادته للعجل.

"ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفى نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون"المعنى ولما ذهب عن موسى(ص) الغيظ أمسك الصحف وفى كتابتها نفع أى فائدة للذين لعذاب خالقهم يخافون،يبين الله لنا أن الغضب وهو الغيظ لما سكت أى ذهب عن موسى(ص)أخذ الألواح والمراد انحنى ومسك بصحف التوراة وفى نسختها والمراد فى كتابتها القول التالى :هدى أى رحمة للذين هم لربهم يرهبون والمراد التوراة نفع أى فائدة للذين هم لعذاب إلههم يخافون ومن ثم يطيعون التوراة وهذا يعنى أن الوحى يكون نافع لمن يخاف عذاب الله .

"واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم وإياى أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين"المعنى واصطفى موسى(ص) من شعبه سبعين ذكرا لموعدنا فلما أماتتهم الزلزلة قال إلهى لو أردت دمرتهم وأنا أتدمرنا بالذى طلب المجانين منا إن هى إلا امتحانك تعاقب به من تريد وترحم من تريد أنت ناصرنا فاعفو عنا أى انفعنا وأنت أحسن النافعين،يبين الله لنا أن موسى(ص)اختار من قومه والمراد اصطفى من شعبه سبعين رجلا أى ذكرا والسبب ميقات أى الموعد الذى حدده الله لهم بناء على طلب الشعب رؤية الله بقولهم كما فى سورة البقرة"وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة "فأخذتهم الرجفة أى "فأخذتكم الصاعقة"كما قال بسورة البقرة وهذا يعنى أن الله أهلك السبعين رجلا بالزلزلة فقال موسى (ص)له:رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياى والمراد إلهى لو أردت دمرتهم من قبل بسبب العجل وإياى بسبب طلبى الرؤية ،أتهلكنا بما فعل السفهاء والمراد أتدمرنا بالذى طلب المجانين ؟والغرض من القول إخبار الله بما يعلمه من قبل وهو أن السبعين رجلا لم يطلبوا الرؤية وإنما طلبها المجانين رغم ما أخبرهم موسى(ص)به من استحالة ذلك،وقال :إن هى إلا فتنتك أى إن هو إلا بلاؤك تضل به من تشاء وتهدى من تشاء أى "يعذب من يشاء ويرحم من يشاء"كما قال بسورة العنكبوت والمراد تعاقب بالسقوط فى البلاء من يسقط وترحم بالنجاح فى البلاء من يطيع حكمك ،وقال أنت ولينا أى إلهنا أى ناصرنا فاغفر لنا أى ارحمنا والمراد انفعنا أى أفدنا برحمتك وأنت خير الغافرين أى وأنت أحسن الراحمين أى النافعين لنا وهذا يعنى أنه يطلب من الله أن يتوب على القوم .

"واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة إنا هدنا إليك قال عذابى أصيب به من أشاء ورحمتى وسعت كل شىء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون"المعنى واجعل لنا فى هذه الأولى نفع وفى القيامة إنا أنبنا لك قال عقابى أمس به من أريد ونفعى شمل كل مخلوق فسأجعلها للذين يطيعون أى يتبعون الحق أى الذين هم بأحكامنا يصدقون ،يبين الله لنا أن موسى(ص) قال واكتب لنا فى هذه الدنيا حسنة وفى الآخرة والمراد واجعل لنا فى هذه المعيشة الأولى رحمة وفى القيامة رحمة وهذا يعنى أنه يطلب من الله حكم الدنيا والجنة فى القيامة ،وقال إنا هدنا إليك أى إنا أنبنا إليك كما قال بسورة الممتحنة"وإليك أنبنا" ومن هنا جاءت تسميتهم يهودا أى تائبين أى منيبين لله فقال الله فى وحيه لموسى(ص)عذابى أصيب به من أشاء والمراد عقابى أسلطه على من أريد وهو من كفر بى ورحمتى وسعت كل شى والمراد ورزقى شمل كل مخلوق فى الدنيا فسأكتبها للذين يتقون والمراد فسأخصصها فى القيامة للذين يطيعون حكمى وفسرهم بأنهم الذين يؤتون الزكاة أى يتبعون الطهارة وهى الحق وفسرهم بأنهم الذين هم بآيات الله يؤمنون والمراد الذين هم بأحكام الله يوقنون أى يصدقون مصداق لقوله بسورة السجدة"وكانوا بآياتنا يوقنون".

"الذين يتبعون الرسول النبى الأمى الذين يجدونه مكتوبا عندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التى كانت عليهم فالذين أمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذى أنزل معه أولئك هم المفلحون"المعنى الذين يطيعون المبعوث المصطفى المكى الذين يلقونه مذكورا فى التوراة والإنجيل يطالبهم بالعدل ويزجرهم عن الظلم أى يحلل لهم المنافع ويمنع عنهم المفاسد ويرفع عنهم ثقلهم أى القيود التى فرضت عليهم فالذين صدقوا به وأطاعوه أى اتبعوه أى أطاعوا الوحى الذى أوحى له أولئك هم الفائزون،يبين الله لنا أن الله قال لموسى(ص)أن المكتوب لهم رحمة الله هم الذين يتبعون الرسول النبى الأمى والمراد الذين يطيعون حكم المبعوث المختار المكى وسماه أمى نسبة لأم القرى وهى مكة الذين يجدونه مكتوبا عندهم والمراد الذين يلقونه مذكورا لديهم فى التوراة والإنجيل وهذا يعنى أن محمد(ص)مذكور بالتوراة والإنجيل  ذكرا واضحا لا لبس فيه وهو يأمرهم بالمعروف والمراد يطالبهم بالعدل مصداق لقوله بسورة النحل"ومن يأمر بالعدل"وفسر الله هذا فى آيتنا بأنه يحل لهم الطيبات والمراد يبيح لهم الأعمال الحسنات وينهاهم عن المنكر أى يزجرهم عن الظلم وهو السوء وهو الفساد مصداق لقوله بسورة الأعراف"وينهون عن السوء"وقوله بسورة هود"ينهون عن الفساد"وفسر هذا فى آيتنا بأنه يحرم عليهم الخبائث والمراد يمنع عليهم السيئات وهى الأعمال المنكرة وقال ويضع عنهم إصرهم وفسره بأنه الأغلال التى كانت عليهم والمراد أنه يحرم على القوم ثقلهم وهو الأحكام التى كانت تقيدهم فلا يقدرون على طاعتها ،ويبين له أن الذين أمنوا به أى صدقوا بحكمه وعزروه أى أطاعوا حكمه وفسرهم بأنهم نصروه أى اتبعوا حكمه وفسرهم بأنهم اتبعوا النور الذى أنزل معه والمراد أطاعوا الحق الذى أوحى إليه مصداق لقوله بسورة محمد"وإن الذين أمنوا اتبعوا الحق من ربهم"أولئك هم المفلحون أى الفائزون برحمة الله مصداق لقوله بسورة التوبة"وأولئك هم الفائزون".

"قل يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا الذى له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيى ويميت فأمنوا بالله ورسوله النبى الأمى الذى يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"المعنى قل يا أيها الخلق إنى مبعوث الله لكم كلكم الذى له حكم السموات والأرض لا رب إلا هو يخلق ويهلك فصدقوا بحكم الله ونبيه المختار المكى الذى يصدق بالله وحكمه وأطيعوه لعلكم ترحمون،يبين الله لنا أنه قال لموسى(ص)قل للناس يا أيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا والمراد إنى مبعوث الله لكم كلكم وهذا يعنى أنه مبعوث للخلق كلهم وليس لبنى إسرائيل بدليل دعوته قوم فرعون وإيمان بعضهم مثل السحرة ،وقال: الله الذى له ملك أى ميراث وهو حكم السموات والأرض مصداق لقوله بسورة الجاثية"له ميراث السموات والأرض "لا إله إلا هو والمراد لا رب سوى الله يحيى أى يخلق المخلوقات ويميت أى ويتوفى المخلوقات مصداق لقوله بسورة النحل"والله خلقكم ثم يتوفاكم"فأمنوا بالله ورسوله النبى الأمى والمراد فصدقوا بحكم الله ونبيه(ص)المختار المكى الذى يؤمن بالله وكلماته والمراد الذى يصدق بحكم الله أى رسالات الله عبر العصور واتبعوه أى وأطيعوه لعلكم تهتدون أى "لعلكم ترحمون "مصداق لقوله بسورة الأنعام وهذا يعنى أن موسى يطلب من المؤمنين برسالته أن يؤمنوا بمحمد(ص)ويطيعوه ويوصوا أولادهم بالإيمان به وطاعته إن بعث فى عصرهم .

"ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون "المعنى ومن شعب موسى(ص)جماعة يحكمون بالعدل أى به يتعاملون،يبين الله لنا أن من قوم أى شعب موسى  (ص) أمة يهدون بالحق أى يحكمون بالعدل وهو التوراة مصداق لقوله بسورة المائدة "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار "وفسر هذا بأنهم به يعدلون أى بالحق يتعاملون فى حياتهم .

"وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن أنفسهم يظلمون"المعنى وقسمناهم اثنتى عشر قسما طوائف وألقينا لموسى(ص)حين طلب الشرب شعبه أن ضع عصاك على الجبل فخرجت منه اثنا عشر نهرا قد عرف كل قسم نهرهم ورفعنا عليهم السحاب وأعطينا لهم المن أى السلوى اطعموا من نافعات الذى أعطيناكم وما أضرونا ولكن كانوا أنفسهم يضرون ،يبين الله لنا أنه قطع أى قسم بنى إسرائيل أسباطا أمما والمراد أقساما طوائف والمراد أنه قسمهم على أساس أولاد يعقوب(ص)الإثنا عشر ،ويبين لنا أنه أوحى أى ألقى لموسى(ص)إذ استسقاه قومه والمراد حين طلب الشرب شعبه:أن اضرب بعصاك الحجر والمراد أصب بعصاك الجبل فلما وضع العصا على الجبل انبجست أى انفجرت مصداق لقوله بسورة البقرة"فانفجرت اثنتا عشرة عينا " والمراد خرج من الجبل اثنا عشر نهرا قد علم كل أناس مشربهم والمراد قد عرفت كل طائفة نهرهم ،ويبين لنا أنه ظلل على القوم الغمام والمراد وضع فوق بنى إسرائيل السحاب حتى لا يتعرضوا لأشعة الشمس الحارقة فى الصحراء،ويبين لنا أنه أنزل عليهم المن وهو السلوى والمراد وخلق لهم طعام يسمى المن وهو نفسه السلوى لقولهم بسورة البقرة"لن نصبر على طعام واحد"ويقال أنه طير والله أعلم  ويطلب الله منهم أن يأكلوا من طيبات ما رزقناهم والمراد أن يطعموا من منافع الذى أعطاهم وهو المشرب والمن أى السلوى ويبين لنا أنهم ما ظلموا الله أى ما أضروا الله بكفرهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"إنهم لن يضروا الله شيئا"ولكن كانوا أنفسهم يظلمون والمراد ولكن كانوا أنفسهم يضرون بإدخالها النار.

"وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين "المعنى وقد قيل لهم ادخلوا هذه البلدة وانتفعوا بها حيث أردتم وقولوا غفرانك أى افتحوا البلد طائعين نمحو لكم ذنوبكم سنعطى المصلحين،يبين الله لنا أنه قال لبنى إسرائيل :اسكنوا هذه القرية أى "ادخلوا هذه القرية"كما قال بسورة البقرة والمراد أقيموا فى الأرض المقدسة وكلوا منها حيث شئتم والمراد انتفعوا منها حيث أردتم وهذا يعنى أن يقيموا بالبلدة وينتفعوا بكل ما فيها وقال وقولوا حطة أى غفرانك وهذا يعنى أنه يطلب منهم أن يستغفروه لذنوبهم وقال ادخلوا الباب سجدا والمراد افتحوا البلد طائعين وهذا يعنى أنه يطلب منهم الهجوم على الأرض المقدسة متبعين أوامره والسبب أن يغفر لهم خطاياهم أى يترك عقابهم على ذنوبهم مصداق لقوله بسورة آل عمران"يغفر لكم ذنوبكم "ويبين لهم أنه سيزيد المحسنين أى سيعطى المصلحين عطاء مستمر.

"فبدل الذين ظلموا قولا غير الذى قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون"المعنى فقال الذين كفروا كلاما سوى الذى أمروا به فبعثنا عليهم عذابا من السحاب بالذى كانوا يكفرون،يبين الله لنا أن الذين ظلموا أى كفروا بحكم الله بدلوا قولا غير الذى قيل لهم والمراد قالوا كلاما غير الذى طالبهم الله به وهو حطة فقالوا كما عند البعض والله أعلم بصحتها حبة فى حنطة فكانت النتيجة أرسلنا عليهم رجز من السماء والمراد بعثنا عليهم عقاب من السحاب أهلكهم بما كانوا يظلمون أى "بما كانوا يفسقون"كما قال بسورة البقرة والمراد أن السبب فى هلاكهم الظلم أى الفسق أى الكفر.

"وسئلهم عن القرية التى كانت حاضرة البحر إذ يعدون فى السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون"المعنى واستفهم منهم عن البلدة التى كانت مطلة على الماء إذ يخالفون فى السبت حين تجيئهم حيتانهم يوم راحتهم قصدا ويوم لا يستريحون لا تجيئهم هكذا نختبرهم بالذى كانوا يكفرون،يطلب الله من نبيه(ص)أن يسأل والمراد أن يستفهم من بنى إسرائيل عن القرية التى كانت حاضرة البحر والمراد عن البلدة التى كانت مطلة على شاطىء البحر إذ يعدون فى سبتهم والمراد حين يعصون أمر الراحة فى يوم السبت بصيدهم للحيتان إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا والمراد وقت تجيئهم يوم راحتهم عمدا وهذا يعنى أن الله كان يأمر السمك بالذهاب لساحل القرية يوم السبت فقط ويوم لا يسبتون لا تأتيهم والمراد ويوم لا يستريحون لا تجيئهم وهذا يعنى أن فى أيام العمل وهو الصيد كانت تمتنع عن المجىء ومن ثم كان الناس سيموتون بسبب قلة عقلهم فلم يبحثوا عن عمل أخر غير الصيد يقتاتون منه وهكذا نبلوهم أى نختبرهم أى نمتحنهم لنرى هل سيعصون حكم الله أى يطيعونه ويبحثون عن مصدر أخر للرزق والسبب فى هذا البلاء ما كانوا يفسقون أى يظلمون أى ما كانوا يكفرون.

"وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يهتدون"المعنى وقد قالت جماعة منهم لم تنصحون جماعة الله مفنيهم أى معاقبهم عقابا عظيما قالوا براءة لربكم ولعلهم يطيعون،يبين الله لنبيه(ص)أن أمة أى جماعة من أهل القرية قالت لجماعة أخرى:لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا والمراد لماذا تنصحون ناسا الله معذبهم أى معاقبهم عقابا كبيرا ،وهذا يعنى أنهم يقولون لهم أن نصيحتهم لن تنفعهم ولن تنقذهم من الهلاك أى العذاب الدنيوى  فقالت الجماعة الواعظة:معذرة إلى ربكم أى براءة من ذنب عدم النهى عن المنكر والمراد عمل لأمر الله بالوعظ ولعلهم يتقون أى يطيعون الوعظ،فهم يعظون المعتدين استجابة لأمر الله بالنهى عن المنكر ومن أجل احتمال أنهم قد يطيعون أمر الله.

"فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون "المعنى فلما تركوا طاعة ما وعظوا به أنقذنا الذين يبتعدون عن المنكر وعاقبنا الذين اعتدوا بعقاب شديد بالذى كانوا يكفرون،يبين الله لنبيه(ص)أن المعتدين لما نسوا ما ذكروا به والمراد لما تركوا طاعة الذى أمروا به من ترك الصيد فى السبت أنجى الله الذين ينهون عن السوء والمراد أنقذ الله الذين يبتعدون عن الكفر وهو مخالفة الله وأخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس والمراد وعاقب الذين كفروا أى اعتدوا بعقاب شديد والسبب ما كانوا يفسقون أى يظلمون مصداق لقوله بسورة الأعراف"بما كانوا يظلمون" أى يعتدون.

"فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم "المعنى فلما فعلوا الذى زجروا عنه قلنا لهم أصبحوا قردة باقين وحين حكم إلهك ليرسلن عليهم من يذيقهم أشد العقاب إن إلهك لشديد العذاب وإنه لعفو نافع ،يبين الله لنبيه(ص)أن المعتدين لما عتوا عن ما نهوا عنه والمراد لما خرجوا عن الذى زجروا عنه وهذا يعنى أنهم فعلوا ما أمروا بالبعد عنه فقال الله لهم :كونوا قردة خاسئين أى أصبحوا قردة باقين وهذا يعنى أنه حول أجسامهم لأجسام قردة طوال فترة حياتهم ،ويبين له أن تأذن ربه ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة والمراد إنه قد حكم إلهه ليرسلن لهم حتى يوم البعث من يسومهم سوء العذاب والمراد من يذيقهم أشد العقاب وهذا يعنى أنهم بعد حياتهم فى الدنيا يدخلون نار البرزخ فتعاقبهم الملائكة ،ويبين الله له أنه سريع العقاب أى "شديد العذاب"كما قال بسورة البقرة والمراد أنه عظيم العذاب لمن يكفر به وأنه غفور رحيم أى عفو نافع لمن يؤمن به ويطيعه.

 "وقطعناهم فى الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم غير ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون "المعنى وقسمناهم فى البلاد طوائفا منهم المسلمون ومنهم الكافرون واختبرناهم بالمنافع والأضرار لعلهم يتوبون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه قطع اليهود فى الأرض أمما والمراد أنه وزع اليهود فى بلاد الأرض فرقا منهم الصالحون وهم المسلمون ومنهم غير ذلك وهم القاسطون أى الكافرون كما قال فى تقسيم الجن بسورة الجن"وإنا منا المسلمون ومنا القاسطون" وبلاهم بالحسنات والسيئات والمراد اختبرهم بالخير وهو المنافع والشر وهو الأضرار مصداق لقوله بسورة الأنبياء"ونبلوكم بالشر والخير فتنة"والسبب لعلهم يرجعون أى يتوبون أى يعودون للحق أى يتضرعون مصداق لقوله بسورة الأنعام"لعلهم يتضرعون".

"فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه والدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون"المعنى فأتى من بعد وفاتهم نسل أخذوا الميثاق يأكلون متاع هذا القريب ويقولون سيعفو عنا وإن يجيئهم متاع شبهه يأكلوه ألم يفرض عليهم عهد التوراة أن لا يزعموا على الله سوى العدل وعلموا ما فيه وجنة القيامة أفضل للذين يطيعون حكم الله أفلا تفهمون؟،يبين الله لنبيه(ص)أن بعد ذلك الجيل من بنى إسرائيل خلف من بعدهم خلف والمراد جاء من بعد وفاتهم جيل ورثوا الكتاب أى علموا الوحى من توراة وغيرها من كتب رسلهم وهى عهد الله وهم يأخذون عرض هذا الأدنى والمراد يأكلون متاع هذه الدنيا بالباطل ويقولون سيغفر لنا أى سيعفو عنا وهذا يعنى أنهم من كذبهم يكررون نفس الفعل باستمرار ويحسبون أن الله سيعفو عنهم كل مرة وإن يأتهم عرض مثله والمراد وإن يجيئهم متاع مثله أى شبهه من متاع الدنيا يأخذوه أى يأكلوه بالباطل ،ويسأل الله ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق والمراد ألم يفرض عليهم عهد التوراة ألا ينسبوا إلى الله سوى الصدق؟والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن القوم نسبوا إلى الله الكذب وهو هنا غفران الذنوب لهم مع إصرارهم على فعلها ويبين الله لنا أنهم درسوا ما فيه أى علموا الذى فى عهد التوراة ومع هذا فعلوا الباطل الذى حرمه ويبين لنا أن الدار الآخرة وهى أجر القيامة ممثل فى الجنة هو نصيب الذين يتقون أى يتبعون الحق وفى هذا قال بسورة يوسف"ولأجر الآخرة خير للذين أمنوا وكانوا يتقون"ويسأل أفلا يعقلون أى"أفلا يبصرون"كما قال بسورة السجدة والغرض من السؤال إخبارهم أن الواجب عليهم فهم العهد ومن ثم طاعته وليس عصيانه.

"والذين يمسكون الكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين"المعنى والذين يطيعون الوحى أى اتبعوا الدين إنا لا نخسر ثواب المحسنين،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين يمسكون الكتاب أى يتلون أى يطيعون الوحى مصداق لقوله بسورة البقرة"الذين أتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته"وفسرهم بأنهم أقاموا الصلاة أى اتبعوا الدين مصداق لقوله بسورة الشورى"أن أقيموا الدين"هؤلاء لا يضيع الله أجرهم والمراد لا يخسر ثواب المصلحين وهم المحسنين مصداق لقوله بسورة التوبة "إنا لا نضيع أجر المحسنين".

"وإذ نتقنا الجبل أعلاهم كأنه ظلة وظنوا أنه واقع بهم خذوا ما أتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون"المعنى وقد رفعنا الجبل أعلاهم كأنه غمامة واعتقدوا أنه ساقط عليهم اتبعوا الذى أوحينا لكم بعزم أى أطيعوا الذى فيه لعلكم ترحمون،يبين الله لنبيه(ص)أنه نتق الجبل أعلاهم والمراد رفع جبل الطور فوق رءوسهم  كأنه ظلة أى سحابة وفى هذا قال بسورة البقرة"وإذ رفعنا فوقكم الطور"فظنوا أنهم واقع بهم أى فاعتقدوا أنه ساقط عليهم والمراد اعتقدوا أنه مهلكهم فقال الله لهم خذوا ما أتيناكم بقوة أى أطيعوا الذى أوحينا لكم بنية خالصة وفسر هذا بقوله واذكروا ما فيه والمراد اتبعوا الأحكام التى فيه لعلكم تتقون أى تفلحون مصداق لقوله بسورة الأنفال"لعلكم تفلحون"والمراد لعلكم ترحمون بدخول الجنة.

"وإذ أخذ ربك من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون"المعنى وقد أخرج إلهك من أولاد آدم(ص)من أنفسهم مواثيقهم  وأقرهم على أنفسهم ألست بإلهكم قالوا بلى أقررنا كى لا تقولوا يوم البعث إنا كنا بهذا جاهلين أو تقولوا إنما كفر آباؤنا من قبل وكنا نسل من بعد وفاتهم أفتعذبنا بما صنع الكافرون وهكذا نبين الأحكام ولعلهم يتوبون،يبين الله لنبيه(ص)أنه أخذ من بنى آدم من ظهورهم ذريتهم والمراد أنه فرض على أولاد آدم(ص)على أنفسهم ميثاقهم وهذا يعنى أن الله واثق كل إنسان على ذرية أى ميثاق هو عبادة الله وحده وقد أخذ الميثاق من ظهر أى نفس كل إنسان عن طريق إبلاغه الوحى الإلهى فى عصره عن طريق رسله وكتبه وفى هذا قال بسورة المائدة "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذى واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"وأشهد الله الناس على أنفسهم والمراد وأقر الله الناس لما سألهم ألست بربكم أى ألست بإلهكم فأجابوا بلى شهدنا أى أقررنا أنك إلهنا والسبب فى أخذ الميثاق على الناس هو ألا يقولوا يوم القيامة أى البعث: إنا كنا عن هذا غافلين أى جاهلين والمراد لم يخبرنا أحد بوجوب عبادة الله وحتى لا يقولوا إنما أشرك أى كفر آباؤنا وكنا ذرية أى نسل من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون والمراد هل تعذبنا بالذى عمل الكافرون؟وهذا يعنى أنه سد على الكفار منافذ الحجة وهى وصول الوحى والإعتذار بالغير ويبين أنه بهذا يفصل الآيات أى يبين الأحكام للكل والسبب لعلهم يرجعون أى يعودون للحق  والخطاب للنبى(ص).

"واتل عليهم نبأ الذى أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين"المعنى وأبلغ لهم قصة الذى أعطيناه أحكامنا فخرج عليها أى أضلته الشهوة فكان من الكافرين،يطلب الله من نبيه(ص)أن يتلو نبأ والمراد أن يقص قصة الذى أتيناه آياتنا أى الذى أعطيناه أحكامنا فانسلخ منها أى كفر بها مصداق لقوله بسورة مريم"الذى كفر بآياتنا"والمراد عصى الأحكام وفسره الله بأنه اتبعه الشيطان أى أضلته الشهوة مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"فكان من الغاوين أى الكافرين مصداق لقوله بسورة ص"وكان من الكافرين" والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث وإن تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون"المعنى ولو أردنا لرحمناه بها ولكنه تمسك بمتاع الدنيا أى أطاع شهوته فشبهه كشبه الكلب إن تهجم عليه ينهج وإن تدعه ينهج ذلك شبه الذين كفروا بأحكامنا فأبلغ الأحكام لعلهم يفقهون،يبين الله لنبيه(ص)أنه لو شاء لرفع الرجل بها والمراد لو أراد لرحم الرجل بطاعته لحكم الله ولكنه أخلد إلى الأرض أى تمسك بمتاع الدنيا وفسر هذا بأنه اتبع هواه أى أطاع شهوته مصداق لقوله بسورة النساء"الذين يتبعون الشهوات"فمثله كمثل الكلب والمراد شبهه كشبه الكلب إن تحمل عليه يلهث والمراد إن تضربه يتنفس بصوت والكافر لو ضربه الله بالأذى لا يترك كفره كالكلب لا يترك اللهاث عند ضربه وإن تتركه يلهث والمراد وإن تدعه سليما ينهج أى يتنفس بصوت والكافر لو تركه الله بلا أذى فى خيره لتمسك بكفره كتمسك الكلب بلهاثه ،ويبين لنا أن ذلك مثل الذين كذبوا بآياتنا أى شبه الذين كفروا بأحكام الله ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقصص القصص والمراد أن يبلغ الأحكام للناس والسبب لعلهم يتفكرون أى يفهمون فيطيعون الوحى.

"ساء مثلا القوم الذين كفروا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون"المعنى قبح جزاء الناس الذين كذبوا بأحكامنا أى أنفسهم كانوا يبخسون،يبين الله لنبيه(ص)أن مثل وهو جزاء القوم الذين كفروا بآياتنا والمراد الناس الذين كذبوا بأحكام الله ساء أى قبح وهو النار وفسر هذا بأنهم أنفسهم كانوا يظلمون أى يهلكون مصداق لقوله بسورة الأنعام"إن يهلكون إلا أنفسهم"والمراد يبخسون أنفسهم حقها وهو الجنة .والخطاب للنبى(ص)

"من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون"المعنى من يثيب الله فهو المرحوم ومن يعاقب فأولئك هم المعذبون،يبين الله لنبيه(ص)أن من يهد الله فهو المهتد والمراد أن من يثيب الله يكون هو المرحوم أى داخل الجنة وأما من يضلل أى يعاقب فهم الخاسرون أى المعذبون فى النار والخطاب وما بعده للنبى(ص)

"ولقد ذرأنا لجهنم كثير من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون"المعنى ولقد بعثنا للنار كثير من الجن والناس لهم عقول لا يفهمون بها أى لهم نفوس لا يعقلون بها أى لهم قلوب لا يفقهون بها أولئك شبه الأنعام أى هم أكفر وأولئك هم الكافرون،يبين الله لنبيه(ص)أنه ذرأ لجهنم كثير من الجن والإنس والمراد أنه ساق لدخول النار كثير من الجن والناس مصداق لقوله بسورة الزمر"وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا"والسبب أن لهم قلوب وفسرها بأنها أعين وفسرها بأنها أذان والمراد عقول لا يفقهون بها وفسرها بأنهم لا يبصرون بها وفسرها بأنهم لا يسمعون بها والمراد أنهم لا يفهمون بعقولهم حكم الله فيطيعونه وشبههم الله بالأنعام والمراد يشبههم فى التمتع و الأكل  مصداق لقوله بسورة محمد"والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام"ويبين له أنهم أضل أى أكفر من الأنعام لأن الأنعام مسلمة فهى تعمل ما تعمله ضمن أحكام الله التى ألزمها بها ويبين أنهم الغافلون أى الكافرون بحكم الله .

"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون"المعنى ولله الأحكام العادلة فأطيعوه فيها واتركوا الذين يعصون أحكامه سيعاقبون بالذى كانوا يكفرون،يبين الله لنا أن له الأسماء الحسنى وهى الأحكام العادلة مصداق لقوله بسورة الأنعام"ومن أحسن من الله حكما"ويطلب الله منا أن ندعوه بها أى نطيعه فى هذا الأحكام ويطلب منا أن نذر الذين يلحدون فى أسمائه والمراد أن نترك طاعة الذين يعصون أحكامه لأنهم سيجزون ما كانوا يعملون أى سيعاقبون على ما كانوا يكسبون مصداق لقوله بسورة يونس"هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون"وما يكسبون هو الكفر والخطاب للمؤمنين.

"وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون"المعنى ومن أنشأنا طائفة يحكمون بالعدل أى به يعملون ،يبين الله لنا أن ممن خلق أى أبدع من الناس أمة يهدون بالحق والمراد طائفة يعملون بالعدل وفسر هذا بأنهم به يعدلون أى بالعدل يعملون .

" والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملى لهم إن كيدى متين"المعنى والذين كفروا بأحكامنا سنضلهم من حيث لا يشعرون أى أكيد لهم إن مكرى عظيم،يبين الله لنا أن الذين كذبوا أى "إن الذين كفروا بآيات الله"مصداق لقوله بسورة آل عمران والمراد إن الذين كفروا بأحكام الله سيستدرجهم من حيث لا يعلمون والمراد سيضلهم من"حيث لا يشعرون"كما قال بسورة النحل وهذا يعنى أنه يعطيهم الخيرات ليس خيرا لأنفسهم وإنما ليزدادوا إثما وفى هذا قال بسورة آل عمران"ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى ليزدادوا إثما"وفسر هذا بأنه يملى لهم  أى يخدعهم ويبين أن كيده متين والمراد إن مكره ناجح لا يخيب  والخطاب وماقبله للنبى(ص).

"أفلم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين"المعنى هل لم يفهموا أن ما بصديقهم من جنون إن هو إلا مبلغ أمين،يسأل الله الناس أفلم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة والمراد هل لم يعلموا أن ليس بأخيهم من سفه؟والغرض من السؤال هو إخبار الكفار أن محمد (ص)ليس سفيها وهو نذير مبين أى مبلغ مخلص والمراد موصل أمين للوحى والخطاب وما بعده للمؤمنين.

"أو لم ينظروا فى ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شىء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأى حديث بعده يؤمنون"المعنى هل لم يفكروا فى خلق السموات والأرض والذى خلق الله من مخلوق ؟وأن عسى أن يكون موعدهم قد دنا فبأى حكم بعده يصدقون،يسأل الله أو لم ينظروا أى يفكروا فى ملكوت أى خلق السموات والأرض وما خلق أى والذى أنشأ الله من مخلوق ؟والغرض من السؤال هو أن يفكر الناس فى خلق السموات والأرض وما خلق الله فيهما من مخلوقات حتى يصلوا إلى وجود خالق واحد لهم يستحق العبادة وحده ويبين لنا أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم والمراد أن عسى أن يكون قد حان موعد وفاتهم فبأى حديث بعده يؤمنون والمراد فبأى حكم بعد حكم الله يصدقون؟والغرض من السؤال أن الإيمان بحكم الله واجب وأن الكفار يصدقون به عند وفاتهم حيث لا ينفعهم الإيمان.

"من يضلل الله فلا هادى له ويذرهم فى طغيانهم يعمهون"المعنى من يعاقب الله فلا منقذ له ويتركهم فى كفرهم يسيرون،يبين الله لنا أن من يضلل الله فلا هادى له والمراد أن من يبعد الله عن طريق الجنة وهو طاعة الله فلا منقذ له من النار ويبين لنا أنه يذرهم فى طغيانهم وهو خوضهم أى كفرهم يعمهون أى يلعبون مصداق لقوله بسورة الأنعام"ثم ذرهم فى خوضهم يلعبون"والمراد أن الله يترك الكفار فى كفرهم يستمرون حتى الوفاة فيموتون على كفرهم  والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت فى السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون"المعنى يستفهمون منك عن القيامة متى موعدها قل إنما معرفة موعدها لدى إلهى لا يكشفها إلا حينها إلا هو غابت عن خلق السموات والأرض لا تجيئكم إلا فجأة يستفهمون منك كأنك عليم بها قل إنما معرفتها لدى الله ولكن معظم الخلق لا يفهمون،يبين الله لنبيه(ص) أن الكفار يسألونه عن الساعة والمراد يستفهمون منه عن موعد القيامة أيان مرساها أى متى وعد حدوثها مصداق لقوله بسورة الأنبياء"متى هذا الوعد "ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم إنما علمها عند ربى والمراد إنما معرفة موعد حدوثها خاص بإلهى لا يجليها إلا لوقتها إلا هو والمراد لا يكشفها إلا حينها إلا هو وهذا يعنى أنه لا يظهر موعد حدوث القيامة إلا ساعة حدوثها،ثقلت فى السموات والأرض والمراد غابت عن خلق السموات والأرض وهذا يعنى أن موعد حدوث القيامة خفى عن كل المخلوقات فى السموات والأرض ،لا تأتيكم إلا بغتة والمراد لا تجيئكم إلا فجأة وهذا يعنى أنها تحدث دون مقدمات تبين حدوثها لأن مقدماتها هى أحداثها ،يسألونك كأنك حفى عنها والمراد يستفهمون منك كأنك خبير بها وهذا يعنى أن الكفار يعتقدون أن محمد(ص)يعلم موعد الساعة جيدا وهو يخفيها عنهم ويطلب منه أن يقول إنما علمها أى معرفة موعد حدوث القيامة عند أى لدى الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون والمراد ولكن معظم الخلق لا يؤمنون مصداق لقوله بسورة غافر"ولكن أكثر الناس لا يؤمنون" .

"قل لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لأستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"المعنى قل لا أقدر لنفسى على خير ولا شر إلا ما أراد الله ولو كنت أعرف المجهول لاستزدت من النفع وما أصابنى الضرر إن أنا إلا مبلغ أى مخبر لناس يصدقون ،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول للكفار لا أملك لنفسى نفعا ولا ضرا والمراد لا أحدث لذاتى خيرا أو شرا إلا ما شاء أى أراد الله وهذا يعنى أن أى عمل يعمله الإنسان سواء نافع أو ضار لا يحدث إلا إذا أراد الله أن يحدث مصداق لقوله بسورة الإنسان"وما تشاءون إلا أن يشاء الله"وقال ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسنى السوء والمراد لو كنت أعرف المجهول وهو هنا المستقبل لاستزدت من النفع وما أصابنى الضرر وهذا يعنى أن محمد(ص)لا يعرف الغيب والمراد به فى سؤال الكفار موعد الساعة التى هى جزء من الغيب لأن عارف الغيب سيجلب لنفسه النفع ويمنع عن نفسه الشر عن طريق التخلص من الشر بالهروب منه أو بغيره من الأساليب ويقول إن أنا إلا نذير أى بشير والمراد مبلغ أى مخبر للوحى لقوم يؤمنون والمراد لناس يصدقون فيطيعون حكم الله والخطاب للنبى (ص)ومنه للكفار.  

"هو الذى خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن أتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين "المعنى هو الذى أنشاكم من إنسان واحد وخلق منه امرأته ليرتاح معها فلما جامعها حبلت حبلا هينا فلما كبرت نادوا الله خالقهما لئن أعطيتنا نافعا لنصبحن من الصالحين،يبين الله لنا أنه هو الذى خلقنا من نفس واحدة والمراد أبدع الناس من إنسان واحد هو آدم(ص)وجعل منها زوجها والمراد وخلق من جسم آدم (ص)امرأته والسبب ليسكن إليها والمراد ليستلذ معها،ويبين لنا أن أحد الناس لما تغشى زوجه أى لما نكاها أى جامعها حملت حملا خفيفا والمراد حبلت حبلا هينا والمراد أنه جزء صغير جدا فى رحمها وهو الثلاثة شهور الأولى حيث يكون الجنين جسما يتكون لا نفس أى لا روح فيه فمرت به والمراد فقضت مدة الحمل الخفيف بسلام فلما أثقلت أى كبرت أى دخلت فى مرحلة وضع النفس فى الجسم وهذا يعنى أن الحمل ينقسم لقسمين الحمل الخفيف وهو ثلاثة شهور والحمل الثقيل وهو الشهور الستة،ودعوا الله ربهما والمراد نادوا الله خالقهما :لئن أتيتنا صالحا والمراد لئن أعطيتنا طفلا سليما لنكونن من الشاكرين أى الصالحين مصداق لقوله بسورة التوبة"ولنكونن من الصالحين" وهذا يعنى أنهما اشترطا على الله أن يكون الولد صالحا والخطاب وما بعده للناس وما بعده.

"فلما أتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما أتاهما فتعالى الله عما يشركون" المعنى فلما أعطاهما سليما خلقا له أندادا فى الذى أعطاهما فتنزه الله عن الذى يعبدون،يبين الله لنا أن الرجل وزوجته لما أتاهما صالحا والمراد لما وهبهما الله طفلا سليما جعلا له شركاء فيما أتاهما والمراد خلقا لله أنداد فى الذى وهبهما وهذا يعنى أنهما سميا الولد باسم من أسماء الشرك وهو عبد كذا مثل عبد النبى أو عبد ود ويبين لنا أنه تعالى عما يشركون والمراد أنه أفضل من الذى يعبدون أى يصفون وهم الآلهة المزعومة مصداق لقوله بسورة الأنعام"سبحانه وتعالى عما يصفون".

"أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون" المعنى  أيعبدون الذى لا يبدع مخلوقا وهم يبدعون ولا يقدمون لهم نفعا ولا أنفسهم ينفعون،يسأل الله أيشركون ما لا يخلق شيئا والمراد أيدعون الذى لا ينشىء مخلوقا وهم ينشؤن ولا يستطيعون لهم نصرا أى لا يقدمون لهم خيرا ولا أنفسهم ينصرون أى ينفعون ؟والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن الكفار يعبدون آلهة لا تقدر على خلق شىء وهم فى نفس الوقت مخلوقون خلقهم الله وهم لا يقدرون على نصر عابديهم ولا يقدرون على نفع أنفسهم .

"وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون" المعنى وإن تبلغوا لهم الحق لا يطيعوكم سيان عندكم أأبلغتموهم أم أنتم ساكتون،يبين الله لنا أننا إن ندعو الكفار للهدى لا يتبعونا والمراد إن نبلغ الكفار حكم الله لا يطيعونا أى لا يسمعونا مصداق لقوله بسورة الأعراف"وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا" ،ويبين لنا أن سواء علينا أدعوناهم أم نحن صامتون والمراد أن سيان عندهم أأنذرناهم أى أأبلغناهم بالوحى أم نحن ساكتون أى غير منذرون أى غير مبلغون للوحى مصداق لقوله بسورة البقرة"سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون"،وهذا يعنى أن إبلاغهم الوحى يتساوى بعدم إبلاغهم الوحى فى النتيجة وهى كفرهم،والمراد أن يتوقف المسلمون عن تكرار دعوة الناس إلى الوحى والخطاب للمؤمنين.

"إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فإدعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين"المعنى إن الذين تعبدون من غير الله خلق أشباهكم فنادوهم فليطيعوكم إن كنتم مؤمنين،يبين الله على لسان المؤمنين للكفار أن الذين يدعون من دون الله وهم الذين يعبدون من غير الله هم عباد أمثالكم أى خلق من خلق الله أشباهنا وهذا يعنى أن كل الآلهة المزعومة ليست سوى مخلوقات لله ويطلب منهم أن يدعوهم أى ينادونهم فليستجيبوا لكم والمراد فليحققوا مطلبهم إن كانوا صادقين أى عادلين فى قولهم  والخطاب للكفار من المؤمنين .

"ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم أذان يسمعون بها قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون"المعنى هل لهم بأس يتحركون به أى هل لهم قوة يعملون بها أم هل لهم أنفس يعلمون بها أى هل لهم قلوب يخبرون بها قل اعبدوا آلهتكم ثم امكروا بى ولا تترقبون ،يسأل الله ألهم أرجل يمشون بها والمراد هل لهم قوة يعملون بها وفسر هذا بقوله أم لهم أيد يبطشون بها أى هل لهم قوة يحكمون بها والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن الشركاء ليس لهم قوة يحركون بها هذا الكون ويسأل أم لهم أعين يبصرون أى هل لهم نفوس يعلمون بها وفسر هذا بقوله أم لهم أذان يسمعون بها أى هل لهم قلوب يعلمون بها والغرض من السؤال هو إخبار الكل أن الشركاء جهلة لا يعلمون بكل شىء فى الكون ،ويطلب الله من نبيه(ص)أن يقول لهم ادعوا شركاءكم أى نادوا آلهتكم المزعومة ثم كيدون أى امكروا بى فلا تنظرون أى تترقبون والمراد اطلبوا من آلهتكم إنزال العقاب بى ودبروا لى المؤامرات ثم نفذوها ولا تنتظروا وقتا بعد تدبيرها والخطاب للنبى(ص) وما بعده ومنه للكفار.

"إن ولى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين"المعنى إن إلهى الله الذى أوحى القرآن وهو ينصر المؤمنين،يطلب الله من نبيه(ص)أن يقول إن ولى أى إلهى أى ناصرى هو الله الذى أى نزل الكتاب وهو الذى أوحى الحكم ممثلا فى القرآن وهو يتولى الصالحين أى ينصر المؤمنين مصداق لقوله بسورة غافر "إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد".

"والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون "المعنى والذين تعبدون من غيره لا يقدرون على إنقاذكم ولا أنفسهم ينقذون،يطلب الله من نبيه (ص)أن يقول للكفار والذين تدعون أى "ويعبدون من دون الله " كما قال بسورة النحل لا يستطيعون نصركم أى لا يقدرون على منع عذاب الله عنكم مصداق لقوله بسورة الأنبياء"أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا"وهذا يعنى أنهم لا يقدرون على إنقاذ القوم من عقاب الله ولا أنفسهم ينصرون والمراد لا تقدر الآلهة المزعومة على إنقاذ أنفسهم من عقاب الله والخطاب وما بعده للنبى(ص)ومنه للكفار.

"وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون"المعنى وإن تناديهم لطاعة الحق لا يطيعوا أى تعلمهم يستمعون لك وهم لا يفقهون ،يبين الله لنبيه(ص)أنه إن يدعو الكفار إلى الهدى والمراد إن يطالب الكفار بطاعة حكم الحق لا يسمعوا أى لا يتبعوا حكم الله مصداق لقوله بنفس السورة"وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم"وفسر هذا بقوله وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون والمراد وتعرف أنهم يستمعون لقولك وهم لا يفهمون فلا يتبعون سبيل الرشد مصداق لقوله بسورة الأعراف"وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا".

"خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"المعنى اعمل الرحمة أى افعل المعروف أى ابتعد عن طاعة الكافرين،يطلب الله من رسوله (ص)بقوله:خذ العفو أى اعمل بالكتاب وهو الرحمة مصداق لقوله بسورة مريم"خذ الكتاب بقوة"وفسر هذا بقوله أمر بالعرف والمراد افعل الصلاة وهى الدين مصداق لقوله بسورة طه"وأمر أهلك بالصلاة"وفسر هذا بقوله أعرض من الجاهلين أى "وأعرض عن المشركين"كما قال بسورة الحجر والمراد أن يبتعد عن طاعة أديان الكافرين والخطاب للنبى (ص).

 "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم"المعنى وإما يصيبك من الشهوات وسواس فاحتمى بالله إنه خبير محيط،يطلب الله من نبيه(ص)أنه إن نزغه من الشيطان نزغ والمراد إن أصابه من الشهوات وسواس أى إن تمكن من إضلاله الهوى إضلالا فالواجب عليه أن يستعذ بالله أى يحتمى بطاعة حكم الله والمراد أن يذكر حكم الله إذا نسى مصداق لقوله بسورة الكهف"واذكر ربك إذا نسيت"ويبين له أنه سميع عليم أى خبير محيط بكل أمر والخطاب وما بعده وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون وإخوانهم يمدونهم فى الغى ثم لا يقصرون"المعنى إن الذين أطاعوا إذا تمكن منهم وسواس من الهوى علموا فإذا هم تائبون وأصحابهم يزيدونهم فى الضلال ثم لا يألون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين اتقوا أى أطاعوا حكم الله إذا مسهم طائف من الشيطان أى إذا أصابهم وسواس من الشهوات والمراد إذا فعلوا ظلما بسبب تمكن وسواس الشهوات منهم تذكروا أى علموا الحق فإذا هم مبصرون أى مستغفرون مصداق لقوله بسورة آل عمران"الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم"وهذا يعنى أنهم يتوبون فيعودون لطاعة الحق ويبين الله له أن إخوانهم وهم أصحاب المسلمين من الكفار يمدونهم فى الغى والمراد يزيدونهم أى يوحون لهم عمل الكفر وهم لا يقصرون أى لا يألون جهدا فى إضلالهم عن الحق  .

"وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون"المعنى وإذا لم تجيئهم بحكم قالوا لولا اخترته قل إنما أطيع الذى يلقى إلى من إلهى هذه أحكام من إلهكم أى رحمة أى نفع لناس يصدقون،يبين الله لنبيه (ص)إنه إن لم يأت الكفار بآية والمراد إن لم يخبر الكفار بحكم يريدونه قالوا لولا اجتبيتها والمراد هلا طلبت هذا الحكم وهذا يعنى أنهم يريدون منه أن يطلب من الله أن ينزل حكم لا يريده الله ومن ثم طالبه الله أن يقول لهم إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى والمراد إنما أطيع الذى يلقى لى من خالقى وهذا يعنى أنه لا يختار الأحكام وإنما الله هو الذى يختارها وهو يتبع قول الله وقال هذا بصائر من ربكم  أى  هذه أحكام من خالقكم أى  هدى أى رحمة والمراد نفع  لقوم يؤمنون أى لناس يصدقون وهذا يعنى أن الوحى يفيد من يوقن به .

"وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون"المعنى وإذا تلى الوحى عليكم فاتبعوا أى فأطيعوه لعلكم تفلحون يطلب الله من المؤمنين إذا قرىء القرآن أى إذا أبلغ لهم الوحى أن يستمعوا له أى ينصتوا له والمراد أن يطيعوا ما فيه من أحكام والسبب فى تفسير الإستماع أى الإنصات بالطاعة هو أن الكفار يستمعون للقرآن مصداق لقوله بسورة الإسراء"نحن أعلم بما يستمعون به إذ يستمعون إليك"والسبب فى طاعة القرآن لعلهم يرحمون أى يفلحون أى يدخلون الجنة والخطاب للمؤمنين .

"واذكر ربك فى نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين"المعنى وردد اسم إلهك فى ذاتك تذللا ورهبة ودون الإعلان من الكلام بالنهارات والليالى ولا تصبح من الكافرين،يطلب الله من نبيه (ص)أن يذكر ربه أى يردد اسم خالقه تضرعا أى تذللا أى رهبة ودون الإعلان من الكلام بالنهارات والليالى وهذا يعنى أن يردد النبى(ص)الألفاظ الممجدة لله بطريقتين الأولى فى النفس أى فى القلب وهو ما يسمى السر والثانية وهى دون الجهر من القول أى غير الإعلان من الحديث وهو ما يسمى الصوت الخفيض وهذا الذكر يكون تذللا أى خوفا من عذاب الله وهو يتم فى وقتين الغدو وهو النهارات والآصال وهو الليالى ويطلب منه ألا يكون من الغافلين أى الكافرين  والخطاب وما بعده للنبى(ص).

"إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون"المعنى إن الذين لدى إلهك لا يستعظمون على طاعته أى يطيعون أى له يطيعون ،يبين الله لنبيه(ص)أن الذين عند الرب وهم الذين لدى كرسى العرش وحوله لا يستكبرون على عبادته والمراد لا يستعظمون على طاعته وفسر هذا بأنهم يسبحون له وفسر هذا بأن له يسجدون أى له يطيعون الحكم بالليل والنهار مصداقا لقوله بسورة الأنبياء"يسبحون الليل والنهار لا يفترون".

 

اجمالي القراءات 22276