أين الله عز وجل
رسالة الحيران

زهير قوطرش في الخميس ٠٥ - نوفمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 
 
 
رسالة الحيران.
 
 في البداية انقل الى أحبائي قراء الموقع رسالة الحيران التي أرسلها لي أخ عزيز لم يذكر أسمه  على الميل الشخصي بعد مقالتي التي نشرت على صفحة العلمانين العرب حول الإلحاد.هذا الأخ الذي يبحث عن الله وعن دين الله مدة عشرين سنة ولم يجده.تمنياتي له من كل قلبي  أن يحسن البحث,ورجائي الى الله عز وجل أن يهديه الى سواء السبيل .
وإل&iact;>وإليكم الرسالة والرد عليه.
"أخي العزيز.أريد منك معرفة المصادر التي أرشدتك إلى دين الحق ,والتي قلت عنها أنها قد لا تكون متوفرة للجميع,ولهذا السبب أطلب منك في هذه المناسبة إرشادي أو أرشاد القراء إلى مصادر مراجعك القيمة.فأنا كباحث في الأديان منذ أكثر من عشرين سنة ,وعمري الآن 41 سنة لم أجد أي دين حقيقي يستحق أن يُتبع,فكل الأديان تعج بالخرافات والخزعبلات شاء المؤمنون بهذه الأديان أم كرهوا,لأنك بتتبع مصدر الديانات تجد خرافاتها تنتقل من الأديان القديمة التي نعتبرها وثنية رغم أنها المصدر الحقيقي الأديان التي تعتبر نفسها سماوية.أما الأديان الأسيوية الأخرى كالبوذية فأعتبرها فلسفة حياة أكثر منها دين.أرجع وأقول بأن بحثي حول الديانات مازال مستمراً ,رغم أنني الآن وصلت إلى مرحلة الاعتقاد بعدم وجود أي إله في السماء وذلك بعد عدة تجارب حياتية ,وتحدي شخصي لهذا الإله الذي يتفرج عينا من السماء,إن كان موجوداً حقاً فلماذا لا يعطينا أدنى أشارة عن وجوده حقاً.فإما أنه موجود ولكن لا يستطيع التدخل وإما أنه غير موجود .فلم أجد حتى الآن أي احتمال ثالث منطقي وعقلي لوجوده ...وسلام للعقل" انتهت الرسالة.
 
وفعلاً سلام للعقل الذي يفكر .
هذا الأخ يعبر عن شريحة كبيرة جداً في هذا العالم والتي تبحث عن الحق ,تبحث عن وجود الله ,لكنها فعلاً ضلت طريق البحث ,وسارت في طرق الشيطان الذي زين لها الكفر والإلحاد.المشكلة كما جاء في رسالته هي ,أنه لم يتوصل إلى معرفة المصادر التي أرشدت وترشد المؤمنين إلى دين الحق.لقد بحث عن هذه المصادر 20 سنة ولم يتوصل من خلال بحثه هذا إلا إلى الخرافات والخزعبلات .والنتيجة التي توصل إليها أن هذه الخرافات كانت تنتقل من ديانة إلى أخرى.حتى تجربته الشخصية كانت فاشلة,ووصل فيه الأمر إلى تحدي الله تحدياً شخصياً,طمعاً في معرفته, طبعاً كل هذه الافتراضات والمقدمات التي وضعها كمقدمات لبحثه أوصلته إلى احتمالين لا ثالث لهما وهما إما أن الله عز وجل غير موجود أصلاً ,او أنه موجود ولكن لا يستطيع التدخل في شيء.
 
سأحاول حسب قدراتي المحدودة أن أرد على هذا الأخ ,من خلال تجربتي الشخصية.فقد عانيت فعلاً كما عانى هذا الأخ ,لكني سرت منذ البداية على الطريق الصحيح بتوفيق من الله ,وإن كان هذا الطريق مجهولة معالمه بالنسبة لي آنذاك,وقد اصطدمت بالخرافات والخزعبلات ,وكانت  فعلاً عقبات كبيرة وضعت في طريقي ,وكم عانيت وأصابني الإحباط عندما وجدت أن أكثر الذين أمنوا كانوا يعتبرونها أصل الدين.
 لكني كنت أقول في نفسي طالما أني أبحث عن الله فهذا اعتراف مني أنه موجود,لكن كيف لي أن أحقق هذا الوجود من خلال المعرفة والعلم.
تجردت في البداية عن الأفكار المسبقة وعن الحكم المسبق الذي تلبسني نتيجة توجهاتي المعرفية المادية,ووضعت كتب التراث  أيضاً جانباً لأنها كانت أهم مصادر الخرفات والخزعبلات.وسألت نفسي سؤالاُ محدداً....وهو .أين هو الله عز وجل؟ أين أجد الله عز وجل؟
وبدأت رحلة البحث ,وكانت البداية بالطبع كوني مسلم بالوراثة   هي قراءة كتاب الله القرآن العظيم لاقتناعي أنه الأصل وأنه المصدر الحقيقي الذي إما سيدلني على وجود الله عز وجل ,أو أن أقتنع من خلاله وإلى الأبد أن الله لا وجود له على الإطلاق (استغفر الله),ووضعت لنفسي خطة عمل حاولت من خلالها قدر الإمكان تجميع الآيات التي تدل على وجوده.لم يكن المشوار سهلاً ....التدبر والبحث في كتاب الله بحاجة الى إمكانيات لغوية من جهة وثقافة دينية من جهة أخرى.
لم تشغلني أبداً أن هناك آيات مكية وآيات مدنية ,ولم تشغلني آيات التشريع ,وآيات الحلال والحرام,ولا القصص القرآنية في البداية لأنها ستكون محصلة حاصل بعد الإيمان بوجود الله عز وجل.كون هدفي الأساس كان البحث عن الله عز وجل فقط.
بداية كنت على قناعة تامة بأننا مخلوقات أرضية لها مواصفات أرضية, وأننا مخلوقات ناقصة حتميتها الموت ,وفكرة الموت الحق كانت هي الأساس الذي شغلني وشكل لدي القناعة بأن الذي جعل الموت نهاية الحياة,لابد أن يكون هو الذي جعل الولادة الإنسانية بداية الحياة,بعيداً عن كل نظريات الصدفة.ونظريات الأبدية واللانهائية للكون .
وحتى لا يُفهم أن جهودي فقط هي الأساس الذي أوصلني الى جانب التجربة الشخصية التي كانت ترافق مسيرتي في هذا البحث عن الله عز وجل الى الله عز وجل,أبداً ....اليوم وبعد هذه الرحلة أستطيع أن أؤكد ,أن مشيئتي الصادقة لولا النور الإلهي الذي كان يضيء لي الطريق لما توصلت الى الإيمان بالله عز وجل .واليوم استطيع أن أؤكد أيضاً أن صدق النية هو الأساس الذي يجعل هذا النور الإلهي وكأنه منارة توجه الإنسان الصادق الى الاتجاه الصحيح.وإلى فهم كتاب الله أو على الأقل بعض من آياته الكونية التي تدل على وجوده كذات وكمعنى.
القرآن الكريم ككتاب لم يكن غريباً عني ,فقد قرأته وحفظت بعضاً من آياته وأنا على مقاعد الدراسة,لكن نصوصه لم تكن مفهومة بالشكل الذي يشدني الى الإيمان الحقيقي ,ذلك أن أسلوب تدريس كتاب الله كان يعتمد في شرحه على تراث مليء ببعض الخزعبلات  التي ساهمت في إبعاد الكثير من المسلمين عن كتاب الله ,وكنت واحداً منهم ,وخاصة إذا كان للإنسان مصادر معرفية علمية أخرى.وبدأت أتدبر في آيات القرآن.
الى أن قرأت في كتاب الله ما شدني إليه بشكل غير مسبوق.
وخاصة قوله عز وجل "ومن آياته" تركت كل شيء في القرآن وقلت في نفسي ما في معناه ,أن الله لا يمكن أن يكون إلا في هذه الآيات التي تدل عليه لا كذات ولكن كمعنى .
جمعت هذه الآيات وبدأت أحلل وأركب وأتدبر في معانيها.وتوصلت إلى أن الله عز وجل يدل على نفسه بآياته لأن ذاته لا يمكن الوصول إليها ومعرفتها ونحن مخلوقات مركبة  ناقصة قابلة للانحلال لا يمكننا معرفته كذات ونحن على هذا الشكل وهذه المواصفات علينا أن نبحث عنه كمعنى فقط.

ومِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
عند قراءتي لهذه الآية .تفكرت بوجود الليل والنهار والشمس والقمر ,ما عاد يهمني خلق الإنسان ,الله عز وجل يريد أن يخبرنا بأنه خالق لهذا الكون ,وهذا الكون هو من آياته  التي تدل على وجوده, وكان سؤالي هل هناك من ادعى خلقها من قبل ومن بعد.....أبداً.وهل المخلوقات كا لإنسان والحيوانات والنباتات هي خارج نطاق الكون الذي خلقه الله.أبداً...فالذي خلق الكون خلق فيه كل شيء وقدره...وقدر خلقه. ولم تلعب الصدفة أي دور في هذا الخلق.
 
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وهذه الآية وغيرها من الآيات المشابهة  التي تتحدث عن آياته  الكونية والتي جمعتها وكنت أعيد قراءتها وتدبرها مرات ومرات ازالة الغشاوة عن قلبي وفتحت أمامي أفاقاً جديدة رأيت من خلالها نور الإيمان   الى أن قرأت وتدبرت الآية التالية التي كانت الأساس الذي شكل لي الى جانب الواقع المعاش القناعة المطلقة على وجود الله عز وجل.
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
هذه الآية أحدثت في نفسي تغيراً كبيراً.وكنت فعلاً بعد قراءتها وتدبرها من القوم الذين يتفكرون.يومها كانت جارتنا تعتني بزوجها الذي بلغ أرذل العمر ,ولم يكن مثالياً كزوج .وسألت نفسي من أين أتت هذه المودة وهذه الرحمة لزوجة هذا الرجل المريض العاجز .....وكذلك أبي رحمه الله الذي كان طريح الفراش بعد مرضه ,وكانت أمي رحمها الله لا تنام الليل تبكي وتقوم على رعايته.والكثير من الحالات المشابهة ,كلها وضعت أمامي سؤالاُ ...هل الصدفة أوجدت في قلوب هؤلاء المودة والرحمة. الأم التي تسهر الليل لترعى ابنها المريض ولا تغمض لها عيناً ,من أين لها هذه المودة والرحمة. من أين لي هذه المودة والرحمة اتجاه زوجتي ,حبي لها خوفي عليها ,خوفها علي ورعايتها لأولادنا . ويومها  كنت قد قرأت لطاغور شاعر الهند  الذي كنت أحب قراءة شعره الرائع,قصيدة كان يصور فيها رجلاً ,ترك زوجه وأولاده الى قدرهم المجهول  بحجة أنه ذاهب للبحث عن الله ,ولما غادر حياته الزوجية ,قال الله تعالى
" أنظروا الى هذا الرجل الذي خرج مني ليبحث عني".
ما أروع هذه الكلمات  التي قرأتها قبل تدبر الآية العظيمة ,ولم أفهم ما كان يقصد طاغور في هذه المقولة ,الى أن قرأت الآية وفهمت منها قول طاغور حيث أراد أن يقول لكل إنسان يبحث عن الله عز وجل ,أن الله قريب وأقرب إليك أيها الإنسان من حبل وريدك. الله كمعنى وليس كذات معاذ الله. هو في كل علاقة زوجية حميمة ,هو في كل قلب يريد أن يعرف الله.... لا تبحث عنه بعيداً كالمتصوفين في الجبال ,إنه في كل أية من حولك ,أنه في أنفسنا وفي هذا الكون , ما عليك أيها الإنسان إلا أن تنظر الى داخلك بصدق النية ,وستشهد على
وجوده ووحدانيته
واستمرت وإلى اليوم رحلة التدبر. واليوم وبعد أن تعرفت على منهج تدبر القرآن بالقرآن ,صرت أشعر أن في كل حرف و في كلمة في كتاب الله ,دليلاً على وجوده.فصارت العبادات ,وتطبيق شرع الله تحصيل حاصل .أصبحت قضية وجود بالنسبة لي وقضية صلة بخالقي .فالحمد لله على نور الله ,والحمد لله على أني وجدت الله ,ورجائي الى الله أن يثبت عليَّ الإيمان وأن أموت مسلماً مؤمناً .وذخيرتي  في يوم الحساب عملي الصالح الذي سيرافقني في رحلتي الأخيرة إليه.
لهذا أقول لهذا الأخ.
يا أخي تجرد عن كل الاجتهادات البشرية.وابحث عن الله عز وجل في آياته الكونية ,وفي نفسك كإنسان.وكن صادق النية ,وأستعن بالله ,واستعذ به من وساوس الشيطان.وافتح قلبك لنور الله ,فسترى يا أخي أن الله قريب منك ومعك,ولست بحاجة إلى عشرين سنة من البحث عن الله.
اجمالي القراءات 17519