بوش ما زال في البيت الأبيض!

د. شاكر النابلسي في الخميس ٢٤ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

-1-
 
يقيس معظم العرب الرئاسة الأمريكية بما هو قائم في العالم العربي من الرئاسة، سواء كانت ملكية، أو أميرية، أم جمهورية. ففي العالم العربي عندما يغيب السلطان عن الحكم لأي سبب، ويُؤتى بسلطان جديد، يتغير النهج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذا البلد. فمن الانفتاح إلى الانغلاق أو العكس. ومن القطاع العام إلى القطاع الخاص في الاقتصاد أو ا&aacutlde;و العكس. ومن الاشتراكية إلى الرأسمالية أو العكس. ومن بغض الغرب وكراهيته إلى حبه وتفضيله، ومن الدولة الدينية إلى الدولة المدنية. ولعل السبب في ذلك بشكل رئيسي، هو أن السلطان الجديد – وكذلك القديم  - هو الدولة، والدولة هو. فلا تحديد لقراراته وخططه مؤسسات دستورية وسياسية. ولا رأي عاماً لديه، وإذا كان موجوداً فلا وزن ولا قيمة له. ولا مجتمع مدنياً، ولا نقابات مهنية تقف في وجه قراراته وخططه. ولا إعلام ولا صحافة تنتقده. فالإعلام إعلامه، وهو مالكه، ومسيّرة، ومسخِّرة. ويكون بذلك، الوطن بالسلطان، والسلطان بالوطن. فكل انتقاد أو ملامة تُوجه للسلطان، تُعتبر موجهةً للوطن والشعب كذلك. وهذه المظاهر كلها من أبسط مظاهر الدكتاتورية الحزبية، أو العسكرية، أو القبلية، التي تحكم العالم العربي منذ 15 قرناً حتى الآن. ولا يحتاج الباحث الرائي إلى وقت طويل وجهد كثير، لمعرفتها، والقبض عليها.
-2-
نعلم - وهذه هي الحقيقة - في الغرب عامة، وفي أمريكا خاصة، أن تبديل الرؤساء والمسئولين من وقت لآخر، واحد من آليات الديمقراطية الغربية التي اكتسبوها من الإغريق ولكن بشيء من التحفظ، حين كان أبو الديمقراطية في التاريخ، الحاكم الأثيني الشهير "بريكليس" (495-429 ق. م) يطرح الثقة بنفسه سنوياً على الشعب الأثيني، ليعيدوا انتخابه كل عام، وعلى مدى عشرين عاماً. فكان بذلك، أول من وضع التنظيم السياسي التمثيلي الحقيقي، في تاريخ الديمقراطية.
فأمريكا مثلاً، تُوصف بأنها طائرة بدون طيار. أي أنها تسير سيراً سليماً بدون سلطان أعظم. وأن سلطانها الحقيقي هو المؤسسات الدستورية المختلفة، التي تتقيد بالدستور تقيداً تاماً، وتراقب وتحرص على تنفيذه من قبل المسئولين الآخرين. وانتهاء مدة الرئاسة وتغيير الرئيس الأمريكي، لا تعني شيئاً كثيراً، إلا إذا كان الرئيس السابق قد أغرق البلاد في كوارث وأزمات سياسية واقتصادية لا مثيل لها، كما فعل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، على ما يقال. وأنا – وربما كنت مخطئاً – أشكُّ في أن الكوارث والأزمات السياسية والاقتصادية التي تعاني منها أمريكا سببها الرئيس السابق جورج بوش. فإذا كان الأمر كذلك، فمعنى هذا، أن الرئيس السابق قد ألغى عمل وفعالية كافة المؤسسات الدستورية الأمريكية، ونصّب نفسه ديكتاتوراً كأي ديكتاتور في أمريكا الجنوبية، أو في إفريقيا، أو في العالم العربي. وأن كافة المؤسسات الدستورية الأمريكية التي تشارك الرئيس مشاركة دستورية فعالة في صناعة القرار كانت معطلة، أو هي كانت فعَّالة وموافقة على قرارات الرئيس السياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.
فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا تنصبُّ الآن اللعنات، وينصبُّ الغضب على الرئيس السابق، ويشار إليه بأنه السبب في كل ما يعتري أمريكا اليوم من كوارث وأزمات؟
 
-3-
من خلال منطق العرب في الرئيس الجديد، والإدارة الجديدة، والكونجرس الجديد الذي تسيطر عليه أغلبية حزبية ديمقراطية، ينطلق العرب في آمالهم وأحلامهم الوردية، ويتصورون أن إدارة الرئيس الجديد أوباما هي "خاتم سليمان"، أو "فانوس علاء الدين السحري" ، الذي سيحقق الآمال ويصنع المعجزات، خاصة بعد خطاب أوباما التاريخي في جامعة القاهرة في 4/6/2009، الذي اعتبرته غالبية العرب فاتحة جديدة للسياسة الأمريكية، ومرحلة متقدمة من التفهم والتفاهم للقضية الفلسطينية، خاصة ما قاله أوباما بشأن الدولتين الفلسطينية واليهودية في فلسطين. واقتراحه القديم – الجديد بإقامة هاتين الدولتين كحل جذري لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، وإحلال السلام الدائم في المنطقة، والذي لن يَحلَّ إلا إذا تمَّ إنهاء الصراع العربي- الإسرائيلي، وإقامة الدولة الفلسطينية التي أصبحت إقامتها اليوم من سابع المستحيلات، في ظل الصراع العنيف والخلاف العميق بين "حماس" و "فتح"، وفي ظل إصرار إسرائيل على متابعة بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس، و(تزويغها) من كل الوعود بإيقاف بناء المزيد من المستوطنات، ووقوف إدارة أوباما مكتوفة اليدين، وعاجزة عن إجراء أية خطوة جديدة، ما عدا "الكزدرة" (التمشّي) المجانية، التي يقوم بها بين حين وآخر جورج ميتشل، مبعوث أوباما إلى الشرق الأوسط، ويخرج منها دائماً بتصريح: لا جديد.
 
-4-
ولا جديد – في واقع الأمر – في طرح "حل الدولتين" ذاته. فحل الدولتين، ليس مشروعاً جديداً مقترحاً من إدارة أوباما، بقدر ما هو مشروع قديم كان قد قدمه ونادى به عام 2001 الرئيس السابق جورج بوش، وذلك بعد كارثة 11 سبتمبر 2001 مباشرة، كما تضمنته "خارطة الطريق" التي أعلنتها الإدارة الأمريكية البوشية في نيسان/إبريل 2003.
وكان الرئيس بوش قد وعد بإقامة الدولة الفلسطينية في نهاية ولايته الأولى. ولكن الأرضية الإسرائيلية والأرضية الفلسطينية خاصة، لم تكن مهيأة لإقامة هذه الدولة. وبقيت الدولة الفلسطينية حبراً على ورق، كما هي الآن، وكما ستظل إلى سنوات طويلة، نتيجة للعجز العربي والفلسطيني وفقدان القوة والمقدرة العسكرية والسياسية والاقتصادية لتحقيق قيامها. ونتيجة لذلك فقد قام الرئيس بوش بتمديد موعد إقامة الدولتين نهاية عام 2005، ولكن لا الأرضية الإسرائيلية ولا الفلسطينية ولا العربية، كانت جاهزة لإقامة مثل هذا المشروع. وظل النزاع الفلسطيني – الفلسطيني قائماً من جهة، والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني من جهة أخرى. والجانب الإسرائيلي ومعه الجانب الأمريكي حائر مع مَنْ يتكلم ومع مَنْ يتباحث: مع "حماس"، أم مع "فتح"، في الوقت الذي لا تعترف لا "حماس" ولا "فتح" ببعضهما، ولا تأخذ باتفاقية أي واحد من هذين الفريقين. وما زال الوضع على حالة حتى الآن. وهو سبب عودة جورج ميتشل خالي الوفاض من رحلاته المكوكية إلى الشرق الأوسط. وهي نتيجة  طبيعية في ضوء عجز القاهرة – كما هو معلوم – عن مصالحة "فتح" مع "حماس" منذ سنة تقريباً.
-5-
أما معظم العرب في هذا الحال وهذا المآل، فقد اعتبروا أن إدارة بوش كذبت عليهم وتقاعست، وسارت كما تريد إسرائيل، وإنها غير مؤهلة لأن تكون راعي إقامة الدولتين. وقرأت الإدارة البوشية الأمريكية كل ردود الفعل العربية والإسرائيلية، وضحكت في عبها، وقامت بتأجيل تحقيق الوعد الأسطوري والخرافي حتى نهاية 2008 ، وهي نهاية ولاية الرئيس بوش.
وهكذا كان.
فلا دولة فلسطينية قامت.
ولا وقف لبناء المستعمرات تمَّ.
ولا تصالح بين الفريقين الفلسطينيين المتخاصمين ("حماس"، و"فتح") قد تحقق.
ولا عاد العقل العربي إلى وعيه المفقود.
والدليل على ذلك أننا بدأنا الآن، نتهم أوباما وإدارته – كما سبق واتهمنا بوش الأب والابن ومَنْ بينهما ومَنْ سبقوهما من الرؤساء – بالكذب، والمماطلة، والتدليس، وبيعنا معسول الكلام. في حين أن العقل المجرد يقول، أن "المقاول الأمريكي"، لا يستطيع الشروع في البناء، ووضع الأسس والقواعد لصرح الدولة الفلسطينية، إلا عندما ينتهي الصراع على ملكية أرض البناء ذاتها، ويعرف "المقاول الأمريكي" تمام المعرفة، لمن تعود ملكية الأرض، ومن هو بيده صكها القانوني، ليبدأ عليها البناء.
وإلى ذلك اليوم، سوف لن يملك "المقاول الأمريكي" غير الوعود الكاذبة!
 
 
 
 

 

اجمالي القراءات 9299