نظرات في العقيدة الإسلامية
خطأ منهجي في فكر الملحدين

جمال أبو ريا في السبت ١٩ - سبتمبر - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

قالت: لقد تكلمنا في الحلقة السابقة كثيراً ولم تذكر لي دليلاً واحداً علي وجود إله، فهل عندك من دليل..؟؟..
 
قلت: إنك لم تنتبهي لبعض ما قلته في الحلقة السابقة، فقد ذكرت ما هو فحواه أن احتمال وجود كائنات علي تلك الأرض وخاصة الإنسان وتسخير كل ما يحتاجه في الأرض له والحكمة من الشر وما يحمل في باطنه من خير، وكذلك حكمة الموت وغيرها.. كل من هذه الاحتمالات يساوي صفراً وذلك بنظرية الاحتمالات، وبالطبع فإن معني ذلك هو &Ccring;و احتمال وجود إله بنسبة 100%، هذه واحدة..
 
أما الثانية: فإن الإيمان بالله مسألة قلبية من الدرجة الأولي قبل أن تكون مسألة عقلية، إذ أنكم يا معشر الملحدين لا تريدون أن تؤمنوا بالله تعالي، لا لأنكم لم تقتنعوا بالإيمان به....!!...
 
إن الحديث عن إثبات عقلي لوجود الله عز وجل لا يمثل ركناً ركيناً في الإسلام، إذ أن هناك بديهيات لا يحتاج الإنسان إلي الحديث عنها، ومن ضمنها وجود الخالق، لذا كان كل حديث القرآن الكريم عن "أسماء" (ما يعرف خطأ ب: صفات) هذا الخلاق، ولم يتكلم ولو لمرة واحدة عن إثبات وجوده لأنه من البديهيات التي لا تحتاج إلي إثبات....!!..
 
ولكن أحياناً نري أناساً يشكون في وجود الله سبحانه وتعالي لدرجة غير طبيعية، وفي رأيي الشخصي أن هذا يعد مرضاً نفسياً قد يلازمهم فترة من الوقت وقد يستمر معهم طيلة العمر، وقد قابلتني تلك النوعيات من البشر في منتديات الملحدين واللادينيين العرب وغيرهما، ثم لماذا نذهب بعيداً... إذ أن الدكتور الفاضل مصطفي محمود الذي كان يقدم برنامج العلم والإيمان قد مر بتلك الفترة، والتي أطلق عليها (مرحلة اللاتوازن).... ثم بعد بحث استغرق فترة من الزمن وبفضل الله تعالي أولاً وآخراً فقد اجتاز تلك الأزمة علي خير.
 
قالت: إن الدين لم يجب عن الكثير من (الأسئلة الوجودية) التي يقع بعض الدينيون قبل الملحدين فرائس للإجابة عنها (اعذرني فقد استخدمت هنا لفظ "الدينيين" بدلاً من المؤمنين لقولك أن كلاهما مؤمن)، هذا فضلاً عن المتناقضات الشديدة والتي تعتبرها أنت ضد العقل كما قلت سابقاً، وهذا في حد ذاته يمثل تناقضاً صارخاً في فكر الدينيين، إذ كيف ينددون بما هو ضد العقل ويصفونه بأنه مجرد خرافة في الوقت الذي يؤمنون هم به ويعتبرونه حقيقة، أليست هذه ازدواجية واضحة...؟؟..!!...
 
قلت: إن القرآن الكريم قد أطلق علي المؤمنين بالله وملائكته وكتبه ورسله لقب "المؤمنين"، ولكنني سوف أستعمل في هذا الحوار لقب "الدينيين" (وهم ذوي الإيمان الإيجابي) بدلاً منه، فإذا من الله عليك بنعمة الإسلام فسوف أعود لأستعمل لفظ القرآن من جديد، إذ أنه ليس من المنطقي أن أستعمل ألفاظاً أنت غير مؤمنة بها... وعلي العموم أرجو أن تعطيني أمثلة توضح لي ماذا تقصدين من سؤالك السابق.
 
قالت: خذ عندك مثلاً: كيف يحاسب ربكم الناس وقد قدر عليهم أفعالهم ويعلم مستقبلاً ماذا سيؤولون إليه من إيمان أو كفر أو طاعة أو معصية...؟؟.. كيف يختبرهم وهو يعلم مسبقاً نتيجة اختباره لهم، أليس هو الذي أحاط بكل شئ علماً كما تقولون ولا يعلم الغيب في السماوات والأرض سواه..؟؟.. ثم أليست المسألة بها جبرية واضحة..؟؟... أليس هو الذي أطلق علي نفسه اسم (العدل) وأنه لا يظلم مثقال ذرة..؟؟....
 
خذ عندك مثالاً آخر: لماذا خلق ربكم السماوات والأرض وهو ليس في حاجة إلي ذلك أليس هو الغني كما تقولون...؟؟... يكفي هذين المثالين فقط، فما رأيكم دام فضلكم....؟؟..!!..
 
قلت: كل تلك (الأسئلة الوجودية) قديمة كقدم البحر... والمشكلة أن السواد الأعظم من الناس سواء مفكريهم أو دهماؤهم لم يستطيعوا أن يردوا علي هكذا أسئلة، فمنهم من خاض في الذات الإلهية العلية دون علم ولا هدي ولا كتاب منير فكان مصيره الهلاك المحقق إما بالإلحاد (كالكثير من الملحدين) أو بمستشفيات الأمراض العقلية، وهذا لسبب بسيط جداً وهو أنهم قد أجهدوا عقولهم واستعملوها في مهام أخري لم يخلق الله تعالي العقل البشري لها كما تكلمت عن العقل سابقاً، ومنهم من أحجم إحجاماً كلياً عن الخوض في تلك المسائل استبراء لدينه وعقله، كما أن بعضهم قد تكلم بجهل مطبق في تلك المسائل ظناً منه بأنه يدافع عن الله تعالي ودينه الحنيف ولكنه بدوره قد أخطأ الطريق وبدلاً من أن يحقق هدفه المنشود فقد قدم لأعداء الإسلام (وعلي طبق من ذهب) فرصاً كثيرة للخوض في هذا الدين الحنيف والمزيد من الإساءات التي ألحقها به دون أن يدري، فقد كان معظم إجابات أمثال هؤلاء مليئة بالافتراء والاهتراء، ولو أنهم صمتوا لكان خيراً لهم وأقوم...!!...
 
يا عزيزتي، إن أول مظاهر احترام العقل هو أدراك صاحبه بأنه قاصر ومحدود....!!...
 
ثم يجب أن تعلمي أيضاً أن بعض المسلمين أنفسهم قد يكونون أخطر علي الإسلام من أعدائه من غير المسلمين....!!.. وهذا يرجع إما لجهل بعضهم أو نفاق البعض الآخر وادعائه الإسلام وهو منه براء، لذا يجب ألا تنخدعي في أقوال هؤلاء فتعتبرينها أنت وممن حذا حذوك حجة علي الإسلام لا له، فالإسلام حجة علي ما سواه بينما العكس غير صحيح إطلاقاً.... ومن أسف فإننا نجد أن جميع الملحدين يأخذون جميع الأقاويل والمقولات المهترئة حجة علي الإسلام نفسه فيزين لهم الشيطان سوء عملهم هذا ويجعلهم يستمرون في إلحادهم بل ويستمرئونه....!!...
 
وببساطة شديدة سوف أجيب عن السؤالين اللذين طرحتيهما هنا باقتضاب شديد، حيث لا تغني أي فلسفة أو أقاويل بغير علم عن الحقيقة الكلية التي لا يعلمها إلا الله تعالي وحده، والتي تخرج تماماً عن نطاق عقولنا المحدودة القاصرة عن إدراك ما هو ليس من اختصاصها.... إذ أنني سوف أجيب في حدود ما يسمح عقلنا البشري فقط....
 
أما إجابة السؤال الأول فتتلخص في أن الله تعالي علي الرغم من أنه يعلم مآل ومصير كل إنسان بل وكل دابة في السماوات والأرض، إلا أنه جعل للإنسان إرادة وحرية اختيار تكونان بمثابة المناط الثاني لتكليفه ولحسابه فضلاً عن المناط الأول وهو العقل.... أما الكيفية فليست معلومة لنا كبشر ولا سبيل لبيانها، ويكفي أن يؤمن الإنسان بربه حق الإيمان ويوقن بأنه لا يظلم مثقال ذرة وأنه منزه عن ذلك، كما يجب أن يعلم وظائف العقل التي ذكرتها لك قبل ذلك حتي يطمئن قلبه فيهدأ ويستريح.... أما إذا وقع فريسة لهذا السؤال أو غيره فيما يخرج عن نطاق العقل فهنا يصبح من قبيل المرض النفسي العضال الذي قد يبرأ أو لا يبرأ منه..... نسأل الله تعالي السلامة.
 
وأما إجابة السؤال الثاني فهي: أن من أسماء الله تعالي الحسني "الخالق"، وهو أحد أسمائه التي لا يمكن تعطيلها إطلاقاً.... إذ كيف يكون سبحانه خالقاً وهو لم يخلق شيئاً.... أرأيت من منا قد وقع في التناقض....؟؟....!!...
 
لازلت أكرر عليك أن الإسلام لا يوجد به ما هو ضد العقل أبداً، ولكن يوجد به ما هو فوق العقل وما هو في مستواه...
 
قالت: إنك قد اعترفت منذ قليل أن تلك الأسئلة قد يقع الديني والملحد سواء بسواء فريسة لها، وبهذا الاعتراف تكون قد أقررت ضمناً أن الملحد أكثر واقعية من الديني، إذ أن عدم إجابة الملحد عن تلك الأسئلة جعلته يختار الطريق الواقعي وهو الإلحاد، إذ أنه قد أخفق في الحصول علي الإجابة حتي من الدينيين أنفسهم ورآهم يتخبطون في غياهب الحيرة والتيه فاختار لنفسه علي الفور عدم الوقوع فيما وقع فيه الديني، وقد كان البديل عن ذلك هو الإلحاد ولا شئ غيره، أما الديني فقد اختار لنفسه البديل اللاواقعي فأخذ يدفن رأسه في الرمال كالنعام متغاضياً عن الإجابة، أي أنه قد اختار الإيمان بدون قيد أو شرط.... ولكن إذا ألحت عليه تلك الأسئلة وأطلت برأسها عليه كل حين وحين نجده في تلك الحالة يحاول أن يلقي بها جانباً لعجزه عن إجابتها ولكنه لا يستطيع نظراً لملاحقتها له، الأمر الذي يشل حركته تماماً ولا يجعله يقوم بأي نشاط آخر سوي طردها من ذهنه دون جدوي، فيصبح في تلك الحالة ضحية للمرض النفسي وربما صريعاً له، فهل هذه واقعية...؟؟... أستحلفك بالعقل أن تجيبني أيهما أكثر واقعية وعلمية وموضوعية، الديني أم الملحد..
 
قلت: من فضلك حينما تخاطبيني ألا تنسي أنني مسلم فلا تجرحي مشاعري وتسيئي إلي.... تقولين لي (أستحلفك بالعقل)، وكان من الأحري بك أن تستحلفيني بالله تعالي لا بالعقل، فإذا كانت حجتك أنك لا تؤمنين به فلا تستحلفيني بشئ علي الإطلاق، فشتان بين مفهوم العقل عندي وعندك وقد أظهرت لك ذلك من قبل فلا داعي لتكرار ما سبق.
 
قالت: إنني لم أكن أعلم أن ذلك سوف يغضبك إلي تلك الدرجة، وعلي كل حال فأنا أعتذر عن ذلك.
 
قلت: نعود إلي موضوعنا، إن جميع الدينيين قد سألوا تلك الأسئلة لأنفسهم أو ألحت عليهم بشكل ما في زمن ما، ولكن من فضل الله تعالي عليهم ورحمته أنهم قد اجتازوا تلك الحيرة المؤقتة بسلام وظلوا علي إيمانهم به سواء البسطاء منهم أو المفكرين، فعلموا جميعاً أنها فوق عقولهم وأن الله تعالي ذات علية لا يمكن الوصول إلي كنهها وأنهم لن يحيطوا به سبحانه علماً كما أخبرهم في القرآن الكريم فاختاروا الواقعية بعينها وهي ألا يتكلموا فيما لا يخصهم ويوردهم موارد التهلكة، أما الملحد فقد باع القضية بالكامل واختار ما هو ضد العقل كما بينت سابقاً فكان موضعاً لسخرية الآخرين من المفكرين بل وحتي من العوام....!!... إن الديني يا عزيزتي هو الأكثر واقعية بلا منازع.....!!...
 
قالت: ولكن الكليات الدينية تُدَرّس الفلسفات التي تحاول أن تجيب عن تلك الأسئلة دون جدوي فتؤلف الكتب المطولة والعديدة وتضع المناهج المكدسة محاولة منها للإجابة عن تلك الأسئلة، فهل هم مخطئين أيضاً....؟؟....
 
قلت: لقد أوضحت لك منذ قليل أنه لا يجب الأخذ بأقوال البشر كحجة علي الإسلام، فما كان لأحد منهم أن يمثل الإسلام وما ينبغي له، إن الشخص الوحيد الذي يمثل الإسلام هو الرسول صلي الله عليه وسلم فقط......
 
لقد ظهر ما يسمي بعلم الكلام في مراحل متأخرة عن الرسالة بكثير، وهو بالطبع ليس علماً بقدر ما هو وسيلة للإغراق الفكري الذي لا يخرج منه القارئ اللهم إلا بالغثيان والصداع النصفي أو ربما الكلي...!!... إذ أن الكلام لا يعدو أن يكون فلسفياً محضاً تم اقتباس بعضه من بعض الأقدمين كأبي حامد الغزالي وغيره، والآخر قد قام بتأليفه من حذوا حذوهم هو وغيرهم، وقد ندد الشيخ محمد الغزالي (رحمه الله تعالي) بهذا العلم في كتابه (عقيدة المسلم)، وهذا العلم (إذا صحت تسميته بذلك) لا يجيب عن أي سؤال إجابة شافية، وإنما قدم بعض الآراء وقام بترجيح بعضها علي بعض (من وجهة نظر المؤلف فقط)، وبذلك فقد أثقل علي الطالب ووضع سداً منيعاً بينه وبين معرفة الحق....!!...
 
كما قامت تلك الكليات بتدريس الروايات ووضع المناهج لمعرفة الغث فيها من السمين، وبالطبع فإن تلك المناهج قد بلغت من العقم الحد الذي لا يستقيم مع أي عقل أو ضمير، وبالتالي فقد تواترت العديد من الأسئلة التي ليس لها إجابة عند القائمين علي التدريس في تلك الكليات، الأمر الذي جعل خريجيها غير مؤهلين للعمل حتي مجرد خُدّام للمساجد فضلاً عن دعاة....!!.....
 
إنها المذاهب يا عزيزتي... وبالطبع فإن لكل مذهب (علماً...!!) خاصاً به وكليات تدرس معتقداته....!!.. فهناك كليات شيعية وكليات أباضية وكليات زيدية وكليات أشعرية وهكذا.....!!...
 
يا عزيزتي، إن الإسلام أبسط وأوضح وأعظم من ذلك بكثير
 
قالت: إذن فأرجو أن تدلني علي الخطوات المنهجية الصحيحة للإيمان بالله، إذ أنني أتعجب من أحوال الدينيين بشدة، فقد نجدهم يحرمون علي أنفسهم ملذات الحياة ومشتهياتها مستبدلين بذلك لذة الزهد والتصوف والدروشة (اعذرني في هذه الكلمة فنحن نسميها هكذا)، فهل أنتم متأكدين إلي تلك الدرجة بأن هناك آخرة فتعدون لها العدة وتضحون في سبيلها بكل غال ونفيس...
 
قلت: يقول الصوفي لابس الخرقة: (نحن في لذة لو عرفها الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف)... يا عزيزتي اسمحي لي أن أخبرك بأنكم محرومين من أكبر نعمة في الوجود، محرومين من أكبر لذة يمكن أن يتمتع بها الإنسان.... إن المسألة ليست دروشة كما تسمونها، فالإسلام يحث المؤمنين علي العمل بدأب وإتقان وتفان تام في الدنيا، هذا وإلا فسوف تكون السيادة للكافرين عليهم، وبما إن الدينيين هم الأعلي عند الله تعالي، لذا فهو سبحانه لا يرضي لهم الذل والهوان ويحب أن يحقق لهم السيادة في الدنيا قبل الآخرة....
 
أجل.. إننا متأكدين تمام التأكد من الآخرة التي تنتظرنا جميعاً، ونحن في سبيل ذلك نضحي بكل ما هو غال ونفيس من مال ونفس وولد وصحة... الخ
 
وسوف نبدأ من نقطة الصفر متتبعين الخطوات المنهجية الصحيحة التي توصل صاحبها للإيمان الصحيح بإذن الله تعالي
 
1-يجب علي الإنسان أن يتخلي تماماً عن معتقداته القديمة ولا يعتبر عدم استطاعته للإجابة عن الأسئلة الوجودية دليلاً عدم وجود إجابة ومن ثم عدم وجود إله مقدراً قيمة العقل متفهماً وظائفه.. لذا فعليه أن يطرح تلك الأسئلة الوجودية جانباً....
 
2-يجب أن ينظر في الكون بتأمل وتدبر وتواضع وبصيرة، وحينئذ سوف يدرك علي الفور أن الكون لا مجال فيه لأي عبث أو هزل، وحينئذ سوف يراوده سؤال منطقي ألا وهو: هل حدث كل ذلك دون موجد...؟؟.. فإن كانت الإجابة بنعم...!!!... فسوف يراوده سؤال آخر وهو: وهل رأيت في حياتك قبل ذلك صنعة دون صانع أو رأيت إبداع دون مبدع أو رأيت حكمة دون حكيم صائغ لها.. فإن كانت الإجابة بلا (وهي بالقطع سوف تكون كذلك)، فسوف يدرك علي الفور خطأ إجابته للسؤال الأول بلا أدني شك...!!...
 
3-إذن لا بد أن يكون هناك خالقاً حكيماً عاقلاً مريداً مبدعاً... وحينئذ سوف يراود هذا المفكر المتفكر سؤال هام وهو:
 
هل هناك خالق واحد فقط أم أكثر من خالق...؟؟.. وهنا قد يجيب علي الفور حينما يري الحكمة البالغة المتمثلة في هذا الكون وأن الشر يحمل في طياته الخير، كذلك حينما يري حكمة الموت وتحلل الأجساد (إذ أنه لولا بلاء الأجساد بعد الموت لما وُجِد مكاناً خالياً ليسير الناس في الأرض..!!)، إنه حينما يري ذلك كله يعلم تماماً أن هذا الخالق منزه عن أي نقيصة أو عيب لأن الذي خلق تلك النقائص (كما تبدو في ظاهرها والتي تحمل في باطنها كل الخير والكمال) لا يمكن أن يعتريه نقص إطلاقاً ويكون عليماً ببواطن الأمور، وكما يقولون أن نقص الكون هو عين كماله، وهذا يشبه الحكمة التي تقول: (اعوجاج القوس عين استقامته)، وأنه لو استقام لما رمي، لذا فلا يصح أن يتعدد الكامل... وهل به نقص ليحتاج  إلي من يكمله....؟؟.. فحينئذ سوف يدرك علي الفور أن هناك خالق قادر حكيم مريد واحد أحد (وكل ذلك يمكن أن يدركه دون أي كتاب سماوي أو نبي أو رسول كما أوضحنا سالفاً).
 
4- ثم لا تلبث الأسئلة أن تجتر علي عقله تباعاً، وهنا يحق له أن يسأل نفسه: وماذا يريد منا هذا الخالق ولماذا خلقنا... (ونلاحظ هنا أنه قد عاد من جديد إلي أحد الأسئلة الوجودية المحظورة)، ولكنه من الممكن أن يتجاوز هذا السؤال بسهولة حينما يكون قد امتلأ باليقين من جراء تفكره وتأمله... فيعاوده السؤال السابق، ماذا يريد منا هذا الخالق... هل تركنا في تلك الحياة الدنيا نهيم علي وجوهنا هكذا....؟؟... مستحيل بالطبع، إذن فلا بد من تواصل هذا الإله مع مخلوقاته بطريقة ما... ثم من بعد أن يصل إلي تلك النتيجة سوف يصل إلي الحق بإذن الله تعالي.
 
قالت: من المؤكد أنكم تؤمنون بكتابكم (القرآن) وتقدسونه وترفعونه عن سائر الكتب الأخري، وهذا يتضح جلياً في طريقة تعاملكم معه واستشهادكم بآياته، وأرجو أن تعذرني إذا قلت لك أنني لا أجد فيه حتي الآن ما تجدونه أنتم علماً بأنني من خلفية إسلامية مثلكم، فهل يرجع ذلك إلي أنه دين آبائكم وأنتم تتبعونهم دون وعي أو فكر، أم أنني قاصرة عن إدراك ما أدركتموه أنتم، وإن كان الأمر كذلك، فما هو وجه القصور الذي عندي حتي أتلافاه وأؤمن مثلكم بالقرآن الكريم...؟؟.. ولماذا القرآن الكريم دون سائر الكتب الأخري.....؟؟...!!..وما هو دليلكم أنه من عند ربكم..؟؟..
 
قلت: اسمحي لي يا عزيزتي أن أؤكد لك أن القصور من ناحيتك أنت دون أدني شك، إن العيب كل العيب يكون في المتلقي الذي قد فسد قلبه بما يكسب من كفر ومعاصي.... لا بد أن تعيدي قراءتك للقرآن مرة أخري دون الدخول عليه بفكرة مسبقة مكتسبة من بيئتك وأقرانك الذين يرفضونه ككتاب سماوي ويظنون به الظنونا...!!.. أجل.... إنه القرآن الكريم دون سائر الكتب الأخري لأن تلك الكتب (التوراة والإنجيل وصحف إبراهيم وموسي....الخ) قد بشرت بهذا الكتاب الكريم وأنه هو المهيمن علي كل تلك الكتب، فلم ولن يعتريه تحريف حتي قيام الساعة، كما أن به آيات وإشارات علمية وعددية ونبوءات تتحقق علي مدار الزمان ولن تنتهي إلا بانتهاء تلك الدنيا.... لذا فهو كتاب سماوي قد أنزله رب العالمين، فهو حديث الله تعالي لعباده ومن أصدق من الله حديثاّ....؟؟..
 
كل ذلك سوف أثبته لك في الجزء الثالث إن شاء الله تعالي فتابعيه معي إن أردت.
 
قالت: وأنا منتظرة تنفيذ وعدك لي بفارغ الصبر وأشكرك علي صبرك علي وتفانيك في سبيل ما أنت مقتنع به.
 
من هنا نخلص في تلك المقالة إلي:
 
1-أن وجود الخالق سبحانه وتعالي والاهتداء إلي وحدانيته هو برهان عقلي من الدرجة الأولي قبل أن يكون قلبياً ولا يحتاج إلي نبي أو رسول أو كتاب سماوي وهذا بشرط أن يكون هذا المهتدي ذو فطرة سليمة وعقل راجح وقلب ناصع....!!..
 
2-إن مهمة الرسول أو النبي الذي يُبعث في الناس تتمثل في تذكير الناس بذلك وإصلاح ما فسد من فطرتهم التي فطرهم الله تعالي عليها، كما تتمثل بعد ذلك في إظهار عظمة هذا الخالق وبيان أسمائه الحسني وبيان الأشياء التي يريدها منهم (افعل ولا تفعل)، كما تتمثل في النهاية في بيان ما سيئول إليه الناس نتيجة أعمالهم تلك من جنة أو نار وهو المصير المحتوم لكل منا.
 
3-إن أهل المذاهب قد أساءوا إلي الإسلام أيما إساءة بتطاولهم علي القرآن الكريم والانتقاص من قدره سواء كان ذلك عن عمد أو غير عمد منهم، وعلي الإنسان أن يقف مع نفسه وقفة حيادية بعيدة عن الموروثات التي اكتسبها من بيئته المحيطة به ولا يسلم قياد عقله لما يسمون (خطأ) بالعلماء.. فالدين يعمد علي العقل من الدرجة الأولي ومن السهل استخلاصه مما هو دخيل عليه كاستخلاص الذهب وتنقيته من الشوائب العالقة به.
 
 
 
اجمالي القراءات 24240