لماذا لا يقرأ المصريون؟

خالد منتصر في الجمعة ٢١ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 
المركز الثقافى البريطانى فى مرحلة الصبا والشباب كان زادنا الثقافى، كنت أذهب إليه مشياً على الأقدام مع أصدقائى بعد التهام الزاد البيولوجى من ساندوتشات الفول والطعمية من مطعم «نعمة»، الذى يجاور منزل كاتبنا الكبير «نجيب محفوظ» ويبتعد عن شارع شاهين، الذى كنت أسكن فيه بمسافة قريبة، كنا نحن خريجى المدارس الحكومية التى علمتنا أردأ أنواع الإنجليزى اللاوندى نأخذ كورسات لغة، والأهم نستعير كتباً من مكتبة المركز ب&Ntilrave;رغم تهتهتنا الإنكليزية الفاضحة لنقرأها بمساعدة قاموس المورد، تلك المكتبة الأنيقة الدسمة، التى كانت خلية نحل على كورنيش النيل، للأسف هذه المكتبة العريقة أغلقت أبوابها يوم الخميس الماضى، والأكثر أسفاً والمثير للأسى والحزن والخجل هو ما صرح به مدير المركز «بول سميث»، بأن الإغلاق سببه أن المصريين شعب لا يقرأ!
مكتبة المركز البريطانى توسعت فى الهند ودمشق وأغلقت فى مصر! فضيحة ثقافية لأصحاب السبعة آلاف سنة حضارة تستدعى لطم الخدود وشق الجيوب، رواد المكتبة من جامعة القاهرة كلها بجميع فروعها ٢٠٠ طالب فقط وأربعة من أرباب المعاشات، قال مدير المركز بصراحة وأسى: «المصريون ليسوا من كبار محبى الكتب، وعدد أعضاء المكتبة حالياً حوالى ٢٨٠٠ عضو سنوياً، فى حين تصل تكلفة إدارتها إلى حوالى ثلاثة ملايين جنيه مصرى سنوياً، وهذا ليس الوجه الأمثل لإنفاق أموال دافعى الضرائب البريطانيين».
تصريح «سميث» صدمنا وجعلنا نواجه أنفسنا فى مرآة الغرب الأوروبى الذى يعشق القراءة، بل ويدمنها، فتجد الأوروبى محتضناً الكتاب فى الأتوبيس وعلى شاطئ البحر وفى قاعات الانتظار وفى طابور التذاكر، وكأنه يختلس لحظات المتعة من زمن بخيل، والمقارنة بين مبيعات كُتابنا المصريين وكُتاب الغرب مقارنة مخجلة.
فالكاتب المصرى يقيم عرساً واحتفالاً إذا وافقت دار النشر على طباعة ثلاثة آلاف نسخة، وبالطبع تنفد على مدى نصف قرن، ولنقارن بين المصرى العظيم صاحب نوبل، نجيب محفوظ، والبرازيلى، باول كويلهو، سنجد أن كويلهو قد احتفل بتوزيع النسخة رقم مائة مليون من رواياته، منها ٣٥ مليون نسخة من روايته الشهيرة «الخيميائى»!! والسبب ليس فى نجيب محفوظ ولكن فى قراء نجيب محفوظ، الذى لسوء حظه خلق كاتباً عربياً مصرياً!
الترجمة حدث ولا حرج، حاجة تكسف بجد، ففى تقرير نشرته جريدة «الشرق الأوسط»، قيل إنه خلال الألف عام التى مضت منذ عهد الخليفة المأمون، ترجم العرب من الكتب ما يساوى عدد الكتب التى تترجمها إسبانيا خلال عام واحد فقط! وفى تقرير آخر كان الرقم أسوأ وأقسى دلالة، لأن المقارنة كانت مع إسرائيل التى وجد أنها تترجم حوالى ١٥ ألف كتاب سنوياً باللغة العبرية، وهى لغة منقرضة أصلاً، ونجد أن الدول العربية لا تترجم أكثر من ٣٣٠ كتاباً سنوياً!
والأخطر من عدد الكتب المترجمة والمقروءة هو نوعية تلك الكتب، ونظرة بسيطة على معرض الكتاب وما يحمله معظم الشباب من كتب تصدمنا بكابوس خانق، فالكتب معظمها عن عذاب القبر وزواج الجن ولماذا النساء أكثر أهل جهنم وكيفية العلاج بالبردقوش وحبة البركة.... إلخ، كلها كتب تراثية لا تكبل عقولنا فقط، بل تجرجرنا إلى كهوف النسيان.
ذكرنى تصريح مدير المركز البريطانى بتلك النكتة التى تقول إن أحد السفراء التقى بالرئيس الأمريكى فقال له هامساً: لدىَّ سؤال يا فخامة الرئيس فيما يتعلق بما شاهدته فى أمريكا، فابنى يشاهد هذا المسلسل التليفزيونى عن رحلات الفضاء المسمى Star Trek، وفيه الروس والسود والآسيويون، ولكن لم يظهر عربى واحد إطلاقاً فى هذا المسلسل، ضحك الرئيس وقال للسفير العربى: يا سعادة السفير، السبب هو أن أحداث هذا المسلسل تقع فى المستقبل!
اجمالي القراءات 11588