رمضان
رمضان

زهير قوطرش في الخميس ٢٠ - أغسطس - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

 

رمضان

 يقول الله تعالى في كتابه العزيز

 "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو&uacutcute;ضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ"

 

"أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"

 " أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" البقرة-184

 رمضان شهر مميز ومبارك  .كونه أنزل فيه القرآن ,وصيامه  عبادة مثلها مثل الصلاة ,والزكاة ,والحج . تقع ضمن مجموعة كبيرة أسمها مجموعة العبادات ,تنقسم هذه المجموعة الكبيرة الى مجموعات تتمايز فيما بينها وتختلف في تأدية  طقوسها لكنها متكاملة.

في هذا الشهر تقرر الصوم فريضة على كل مسلم ومسلمة , ووضع الخالق لهذا الشهر دستوره الذي جاء مفصلاً في آيات القرآن الكريم المذكورة أعلاه ,التي عالجت تقريباً كل الاحتمالات المحيطة  بصيام الإنسان .فأعطى خالق الإنسان للإنسان رخصاً واضحة ,عالجت حالات المرض والسفر ,وكنوع من التيسير,جعل الإفطار فيهما مرخصاً على أن يتم التعويض كقوله عز من قائل "فعدة من أيام أخر".والصيام لم يكتب على المسلمين كحالة استثنائية ,بل هو نفس الصيام الذي كُتب على الذين من قبلهم ,مثله مثل الصلاة وغيرها من العبادات.

دقة التعبير القرآني والتيسير القرآني  التي لاشك بها أبداً ,نلاحظها في قوله عز وجل "وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع فهو خير له" هذه الآية حدث فيها جدل كبير وكثير ,وتنوعت الاراء واختلفت ,ومثال على ذلك أورد بعض التفاسير مثل

تفسير الجلالين

لَا "يُطِيقُونَهُ" لِكِبَرٍ أَوْ مَرَض لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ "فِدْيَة" هِيَ "طَعَام مِسْكِين" أَيْ قَدْر مَا يَأْكُلهُ فِي يَوْمه وَهُوَ مُدّ مِنْ غَالِب قُوت الْبَلَد لِكُلِّ يَوْم وَفِي قِرَاءَة بِإِضَافَةِ فِدْيَة وَهِيَ لِلْبَيَانِ وَقِيلَ لَا غَيْر مُقَدَّرَة وَكَانُوا مُخَيَّرِينَ فِي صَدْر الْإِسْلَام بَيْن الصَّوْم وَالْفِدْيَة ثُمَّ نُسِخَ بِتَعْيِينِ الصَّوْم بِقَوْلِهِ مَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ قَالَ ابْن عَبَّاس : إلَّا الْحَامِل وَالْمُرْضِع إذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَد فَإِنَّهَا بَاقِيَة بِلَا نَسْخ فِي حَقّهمَا "فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا" بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْقَدْر الْمَذْكُور فِي الْفِدْيَة "فَهُوَ" أَيْ التَّطَوُّع "خَيْر لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا" مُبْتَدَأ خَبَره "خَيْر لَكُمْ" مِنْ الْإِفْطَار وَالْفِدْيَة "إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ" أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَافْعَلُوهُ

الطبري.

{ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } فَإِنَّ قِرَاءَة كَافَّة الْمُسْلِمِينَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } وَعَلَى ذَلِكَ خُطُوط مَصَاحِفهمْ , وَهِيَ الْقِرَاءَة الَّتِي لَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنْ أَهْل الْإِسْلَام خِلَافهَا لِنَقْلِ جَمِيعهمْ تَصْوِيب ذَلِكَ قَرْنًا عَنْ قَرْن . وَكَانَ ابْن عَبَّاس يَقْرَؤُهَا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ : " وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوِّقُونَهُ " . ثُمَّ اخْتَلَفَ قُرَّاء ذَلِكَ : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } فِي مَعْنَاهُ , فَقَالَ بَعْضهمْ : كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّل مَا فُرِضَ الصَّوْم , وَكَانَ مَنْ أَطَاقَهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ صَامَهُ إنْ شَاءَ , وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَهُ وَافْتَدَى فَأَطْعَمَ لِكُلِّ يَوْم أَفْطَرَهُ مِسْكِينًا حَتَّى نُسِخَ ذَلِكَ

 

حَدَّثَنِي مُحَمَّد بْن عَمْرو , قَالَ : ثنا أَبُو عَاصِم , قَالَ : ثنا عِيسَى , عَنْ ابْن أَبِي نَجِيح , عَنْ مُجَاهِد وَعَطَاء عَنْ ابْن عَبَّاس فِي قَوْل اللَّه : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ } قَالَ : يُكَلِّفُونَهُ , { فِدْيَة طَعَام مِسْكِين } وَاحِد , قَالَ : فَهَذِهِ آيَة مَنْسُوخَة لَا يُرَخَّص فِيهَا إلَّا لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيق الصِّيَام , أَوْ مَرِيض يَعْلَم أَنَّهُ لَا يُشْفَى .

 

كل التفاسير مع الأسف اعتمدت مبدأ النسخ لحكم هذه الآية , وأقروا أن الصيام واجب إلا في حالة المرض والسفر ويجب التعويض ,والبعض أقر أن هناك حالات مرضية مستعصية لا يُرجى الشفاء منها , أو في حالة  الشيخوخة مع عدم القدرة على الصيام , عندئذ يمكن معهما  تطبيق حكم ما جاء في الآية الكريمة من دفع الفدية "إطعام مسكين".

 مبدأ النسخ  في القرآن مرفوض جملة وتفصيلاً ,وأعتقد والله أعلم أن حكم الآية ينطبق على المرض الدائم والشيخوخة ,وعدم القدرة على الصيام ,كحالة استثنائية لبعض الناس الذين يعانون من صيام رمضان , ويسبب لهم الصيام ضيق وتعب  ووهن لا يمكنهم احتمال ذلك ,فهؤلاء يسري عليهم حكم الآية . فدين الإسلام دين يسر لكن تم تعسيره  وتصعيبه من قبل رجال الدين لغاية شخصية وغايات سياسية.

الله عز وجل ختم الآيات بقوله"وأن تصوموا خيراً لكم" لأنه خالق الإنسان يعلم ما مدى تأثير الصيام  الايجابي على جسم الإنسان من الناحية الصحية والمعنوية .

من ناحية أخرى ,يبقى الصيام كعبادة خالصة لله تعالى ,تشكل مع  عبادة الصلاة التي لا تنقطع في هذا الشهر الكريم ,والزكاة التي أفهمها هي تزكية النفس ,كوحدة تعبدية متكاملة , فلا يمكن للصائم إلا أن يتحلى بأخلاقيات القرآن أثناء الصيام فإذا كانت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ,فلابد للصيام المترافق مع عبادة الصلاة أن ينهى عن الفحشاء والمنكر . ولسنا بحاجة الى هذا الكم الكبير من الاحاديث التراثية لتوضيح   ما على الصائم أن يفعله أو ما  لا يفعله. هذه الأحاديث التي وضِعت لعبادة الصيام   بحيث أصبحت تشكل عند سدنة الإسلام التراثي  عبادة استثنائية بكل معنى الكلمة  يستغلها الإسلام السياسي ,للترهيب والترغيب وذلك من أجل أحكام السيطرة على تفكير الفرد المسلم ,وتعطيل ملكاته العقلية.فصار الصيام إيماناً واحتساباً مكفراً  عن الذنوب مهما كانت ,وصارت عبادة الصيام  الكرت الأخضر لدخول الجنة بدون حساب.حتى بلغت بعض الأحاديث درجة أكبر من ذلك ,فصيام رمضان واتباعه بستة من شوال فكأنما المسلم  صام الدهر كله ,أي هو  ليس بحاجة بعد ذلك   الى صيام رمضان .

كل هذه الاحاديث وغيرها ,يتبعها مع كل أسف في شهر رمضان ,احاديث يحاول من خلالها الإسلام السياسي استغلال الحالة الوجدانية للصائم وخاصة عندالشباب المسلم   دافعاً إياه  لتحقيق مآربه السياسية , من خلال العمليات الانتحارية , التي يقتل فيها المسلم أخوانه في الدين و في الإنسانية ,لأن الانتحار كما زينوه للشباب في هذا الشهر له مكانة خاصة وهو الطريق الى الجنة وحور العين.

لا أدري ,هل كان الله ومعاذ الله عاجزاً عن أن يذكر لنا كل تلك الفوائد الرمضانية التراثية ,حتى يأتي البخاري ومسلم وغيرهما  من سدنة الإسلام السياسي  ليقوموا مقام الخالق في وضع المعاير ودرجات العقاب والثواب ,وكأن الوحي كان قد نزل عليهم. الله عز وجل لخص كل فوائد الصيام بكلمات واضحة .وأن تصوموا  خيراً لكم . ألا يكفي هذا التعبير  الكافي والوافي.

وكون الصيام عبادة مترافقة مع الصلاة .وتشكل معها وحدة متكاملة ,لتشكيل شخصية إسلامية مؤمنة تتجوهر في أخلاقيات القرآن .

 فما فائدة أن يصوم المرء بعد ذلك عن الطعام والشراب وهو يكذب على الله والعباد.

ما فائدة أن يصوم البعض  وأيديهم  تتغول في أموال وحقوق الناس. ما فائدة أن يصوم أحدهم  ويده  تمتد الى أخيه المسلم أو أخيه الإنسان لتقتله أو تخطفه .وهو يردد لا إله إلا الله ,والله وأكبر  . ما فائدة الصيام عند بعض المنافقين الذين يراءون و يصفقون للفساد والاستبداد المفروض على أفراد الأمة من  قبل حكامها, هذه الأمة التي  استباح حكامها وزبانيتهم  المال والعرض ومع ذلك .نرى بعض المسلمين يتدافعون للصلاة خلف أسياد الفساد والاستبداد  ,وينحنون لهم وكأنهم ألهتهم والعياذ بالله.

 

رمضان شهر الصيام والعبادة ,وكما ذكرت أعلاه هو عبادة لا تكتمل إلا باكتمال بقية العبادات ضمن المجموعة الكبيرة التعبدية.وكون الصدقات من أصل العبادات ,فهل يقبل صيام المسلم المقتدر ومن حوله نصف الأمة تعيش تحت خط الفقر.هل تكفي الافطارات الجماعية التي يتبرع بها بعض المقتدرين ,لإطعام بعض المحتاجين في حل أزمة الفقر ,وخاصة في رمضان..الله عز وجل يقول في كتابه العزيز "

. " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ

هذه الآية الكريمة تطلب إلينا أن ندفع الفدية أيضاً بشكل تطوعي ,ليس فقط في حال الذين يطيقونه ,بل في كل الأحوال.وكما أننا نحب أن ننال ثواب الصيام ,فعلينا أن نتطوع لدفع ما نستطيع دفعه للفقراء والمساكين .وأقترح على الميسورين من المسلمين ,بدفع صدقة كل يوم تعادل ثمن الاطعمة والحلويات والفواكه التي يتم تناولها على موائدة إفطارهم على المساكين والفقراء ,وأنا واثق أن هذه الصدقة يمكنها أن تشبع على الأقل عائلتين أو ثلاث عائلات بل وأكثر من الذين يعيشون تحت خط الفقر.

 

في النهاية ارجوا من الله العلي القدير أن يساعدنا على صيامه وقيامه ,ويساعدنا على دفع الصدقات لمن يحتاجها من المسلمين   وغير المسلمين من الفقراء والمساكين,وكل عام وأنتم بخير

 

اجمالي القراءات 10496