نظرة على المجتمع المصري
عصر آباء الثمانينيات أسوأ عصور التاريخ المصري

شادي طلعت في السبت ١٨ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مرت مصر بالعديد من الثورات و الإحتجاجات و المظاهرات منذ قديم الأزل ، و ما الثورات إلا حالة مكتسبة نتيجة التربية مما يعود بنا إلى أهمية الدور الذي يقوم به الآباء و الأمهات في التوعية السياسية بالنسبة لأبنائهم .
و نظرآ لما كانت تمر به البلاد من الحماية البريطانية مرورآ بالإحتلال و الحملة الفرنسية و عصور المماليك و الدولة العثمانية ... إلخ كانت ثقافة الكفاح و الإيمان بأن الحرية تكتسب و لا توهب مسيطر على الشعب المصري ، إلا أنه و بعد قيام ثورة يوليو 1952 تغير الحال و سيطر على الحكم مجموعة من الضباط المصريين و طبيعي أن الوضع بالنسبة إليهم كان مفاجئآ و نقلة غريبة فبعد أن كانوا أشخاصآ عاديين أصبحت مقاليد الحكم في أيديهم ! و بما أن النقلة الوضعية كانت نقلة غير عادية أراد هؤلاء الضباط الحفاظ على ماهم فيه من قوة و سيطرة بأي ثمن كان ، ففرضوا الإشتراكية التي نادو بها و قاموا بتأميم من أرادو و أستولوا على الثروات جميعآ بحجة أن كل شيئ أصبح من ممتلكات الدولة و التي تقوم بدورها بإعادة تقسيم الثروات ، و لم يدخلوا أنفسهم كأفراد ضمن أفراد الشعب حيث أن الوضع الخاص بهم كان مختلفآ جدآ ، فلهم كل الحق في الإستيلاء على ثروات من تم تأميمهم ، بداية من الرئيس الذي كان يقطن بأحد القصور و تقول وسائل الإعلام أنه كان يقطن بشقه ! ثم باقي الضباط الأحرار اللذين عرفوا طريق القصور من حسين الشافعي و أنور السادات ... إلخ و طبعآ كانت هذه الخيرات تعم على كل من ينعم بالعمل بالقوات المسلحة .
المهم أن أن هؤلاء الضباط لم يكن له شاغل إلا مواجهة كل الأخطار المحيطة بهم ، و التي تهدد مقاعد السلطة بالنسبة إليهم ، و الأخطار كانت نوعين أحدهما خارجي و الآخر داخلي ، و أدخوا البلاد في صراعات و حروب خارجية لم يكن للبلاد فيها ناقة و لا جمل للوقاية من الخطر الخارجي ، و فتحوا السجون و المعتقلات للقضاء على كل الثورات الداخلية ، سواء حدثت أم أن هناك إحتمالات من حدوثها ! و إنتشر التعذيب و تعددت أشكاله و ألوانه و إختلف مذاقه لكل من قاسوا من مرارته و عانوا منها فمنهم من مات نتيجة التمسك بآرائه ، و منهم تظاهر بالتراجع حتى يقي نفسه آلام العذاب و منهم من تراجع متخذآ فرارآ بأن يبتعد عن السياسة و لا يطرق أبوابها أبدآ ، بل و تحريم طرق أبوابها على أبنائه و هؤلاء كانوا الأغلبية المطلقة و هم موضوع هذا المقال :
فهذا الجيل التعس الذي ظهر في هذه الظروف الصعبة أثر بالسلب على أبنائه و أحفاده و ورثوهم الخوف من المستقبل المظلم و الخوف نتيجة الإقتراب من السياسة و نتيجة مجرد المحاولة حتى و لو كانت مع التيار الحاكم نفسه ، و إنتقلت عدواهم إلى كل من هم حولهم فذاع بين الناس هذا الإنذار المبكر و أصبح كل من تسول له نفسه أن يشارك سياسيآ بأي مجال لا تسمح به الدولة في عداد المفقودين أو في عداد الأموات اللذين يسيرون على أقدامهم ، و كانت أوضاع البلاد في بداية الثمانينات أوضاع محزنة حيث كانت البلاد بالقياس بدول العالم من أكثر البلدان تخلفآ و تراجعآ للوراء ، إلا أن الشعب كان سباته عميقآ و لا يريد أن يستيقظ .
و فتحت الدول العربية أبوابها للمصريين و بادر المصريون بالسفر و العمل بالخارج ، كان حياتهم روتينية لأبعد حد ، فالحياة بالنسبة إليهم تعني بعض أشياء مثل "فرصة عمل و طعام و شراب و زواج و قدرة مالية لزواج الأبناء" و كل ما عدا ذلك لم يدخل قط في أي حسابات لهم مثل " الحرية – العيش الكريم – المشاركة السياسية حب الوطن و الإخلاص له .. إلخ " و إنتشر بين المصريين في ذلك الوقت حب التفاخر و التكبر و لكن على من هم مصريين مثلهم سواء من قريتهم أو من مدينتهم ، و إنتشرت الغيبة و النميمة بين الشعب و كانت الغيبة و النميمة مجرد أحاديث فارغة حول الأقارب و الأصدقاء و " عم فلان و بت فلان و أبو فلان و أم فلان " و كانت مواضيع الغيبة و النميمة " فلان يحقد علينا لأننا ننعم بالستر و فلان إستطاع أن يحصد مالا كثيرآ ، و فلان غضب الله عليه و لا زال فقيرآ ..إلخ " و لم يتأثر المصريون العاملين بالخارج بالتناقض الواضح بداية من ترك مطارات الدول العربية و بداية النهاية لوصولهم لمطار القاهرة و الذي كان يعد من أسوأ مطارات العالم في فترة الثمانينات ، مرورآ بالسيارات الفيات و البيجو و السيارات التي عفى عليها الزمن و التي كانت مجرد رؤيتها تلوث بصري يؤذي الناظر إليها ، و مرورآ بشرفات العمارات السكنية المكتظة بالبصل و الثوم و الملابس المعلقة على أحبال الشرفات و مرورآ ......إلخ
و كانت تربية من جاءوا من الخارج من الأبناء مختلفة نوعآ ما عن تربية من كانوا بالداخل ، و كانت بعض الأحلام تسيطر عليهم و كان لهم وجهة نظر في التغيير أو الأمل في التغيير ، إلا أن الآباء كانت لهم بالمرصاد دائمآ و كان العصى لمن عصى من أبنائهم و سولت نفسه الإقتراب أو طرق أبواب العمل السياسي ، و سخروا أبنائهم لما أرادوا ، و أصبحوا يزوجون الأبناء حتى لو كانت أعمارهم صغيرة فالإبن بعد الزواج سينشغل بتربية أبناءه و سينشغل بالبحث عن الرزق و سينشغل بالوصول إلى مركز متقدم في عمله و ستأخذه دوامة الحياة ، بما يعني أنه لم و لن يفكر أبدآ في أي مشاركة سياسية !
و تطورت نشأة الجيل حتى بلغت ذروتها في بداية الثمانينات حيث كان أغلب الشعب من هذه النوعية المستكينة و التي آثرت البحث عن المتع الرديئة و القليلة و تم قتل أي طموح داخلي لديهم ، و كان هذا الجيل من وجهة نظري أسوأ جيل آباء شهدته البلاد فهو جيل خائف مرعوب أورث الخوف و الرعب لأبناءه و لا يوجد ما هو أسوأ من تربية الخوف و التي تقترن بالذل و ما أدراك ما الذل الذي نسأل الله أن يحفظنا منه و أن يمدنا بالطاقة لمواجهته و محاربته في حال التعرض له .

اجمالي القراءات 9190