«شهيدة الحجاب».. والمسكوت عنه

نبيل شرف الدين في الإثنين ١٣ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بالطبع ليس هناك عاقل بوسعه التصدى لتبرير جريمة الكراهية التى ارتكبها النازى الألمانى، بقتل المرحومة مروة الشربينى، لكن هذه الواقعة تدفعنا للنبش فى جذور الصراع بين الثقافات والحضارات الذى يصر الكثيرون على نفيه، مع أنه بات حقيقة دامغة تؤكدها شواهد يومية فى شتى أصقاع المعمورة.

فالمهاجر المسلم يذهب للغرب مثقلاً بإرثه الثقافى والحضارى، الذى يتناقض بدرجة ما مع منظومة القيم الغربية، ويرفض الاندماج فى مجتمعه الجديد، الذى طالما سعى إليه حتى حفيت قدما&il;ه، فيلتف على القوانين فى دول يلعب فيها القانون دور البطولة، ولا تتسامح مع هذا السلوك مهما كان فاعله، فترى آلاف المهاجرين يزوّرون أوراق الإقامة، ويتهربون من الضرائب، ويقدمون معلومات مغلوطة لمكاتب العمل عن بطالتهم، ليحصلوا على المعونة الاجتماعية، ثم يعملون سراً خارج إطار القانون فيما يعرف بالعمل الأسود،

وبعد كل هذا يتهمون الغرب بالعنصرية والتمييز ضدهم، رغم أنه «آمنهم من خوف، وأطعمهم من جوع» ووفر لهم فرص الحياة الكريمة، ولو كان للبعض رأى آخر خلاف ذلك، فلماذا لا يتسق هؤلاء مع أنفسهم ولو مرة واحدة، ليتركوا الغرب الذى يرفضون الاندماج فيه، ويعودوا من حيث أتوا؟

موجعة هى الحقائق حين نواجه بها أنفسنا، وليس هناك أسهل من ممارسة التبرير، لكن الغرب لا يتفهم هذا المنطق المعوج، ولا أتصور أنه سيخضع لابتزاز من هذا النوع، فيضحى بإنجازاته الهائلة من أجل سواد عيون أحد، فهذا الغرب يجنى الآن ثمرة دماء وعرق الآباء الذين واجهوا تحديات رهيبة، وحسموا خياراتهم لصالح نمط براجماتى من الحياة لا يسمح للمعتقدات بتجاوز أسوار دور العبادة، لتعبث فى الحياة العامة أو السياسية، ولسنا بصدد تقييم صحة هذا الاختيار من عدمها هنا، فهؤلاء الغربيون ناضجون بما فيه الكفاية، ليقرروا لأنفسهم ما يرونه فى صالح أممهم وأوطانهم، وليسوا بحاجة لوصاية من أحد.

المشكلة دون تقعر تكمن لدى هؤلاء المهاجرين الذين يريدون فرض قناعاتهم على المجتمعات الغربية، لهذا تثور بين الحين والآخر أزمات عنوانها الحجاب والنقاب وقوانين الأحوال الشخصية وغيرها، والتقيت مهاجرين منذ عقود فى الغرب، ومع ذلك لا يجيد كثيرون منهم لغة هذه البلدان التى أصبحوا يحملون جنسياتها، مع أن هذا يحول دون استيعابهم قوانين المجتمع،

وبالتالى يتعذر حصولهم على حقوقهم، أو اضطلاعهم بواجباتهم، التى لا يمكن اختزالها فى التعامل مع المؤسسات الرسمية، بل تتجاوزها لكل ما يربطهم من علاقات ومصالح بالآخرين، ومن هنا يقع الصدام بين المستقر فى تلك المجتمعات من أعراف وتقاليد، والقادم الذى يرفض الاندماج، ليتحول لنموذج «دونكيشوتى» يحارب طواحين الهواء بسيف خشبى.

بالطبع هناك نماذج من المهاجرين اندمجت تماماً فى المجتمعات التى اختارتها وطناً بديلاً، وحتى هؤلاء تراهم لا يفضلون التواصل مع «الجيتو» المأزوم بين خيارين أحلاهما مر: فإما الانفتاح بشروط الغرب، أو الانغلاق واجترار المرارات وفوبيا الاضطهاد، مع أن الحل بسيط للغاية، وهو أن يتسق المرء مع قناعاته ويتحمل نتائجها، فيعود لبلده الأم معززاً مكرماً، ليستمتع بحريته فى ممارسة هواية التبرير، ولعبة التكفير، والتعايش مع الفساد، والتلذذ بالاستبداد، وانتقائية تطبيق القوانين، وكفى الله المهاجرين شر القتل والقتال.

لا أفهم لماذا لم نتوقع أن يظهر متطرفون فى الغرب كما فعل إرهابيون من أبناء جلدتنا، حين قتلوا السياح الغربيين الآمنين، ولماذا نكيل بمكيالين ونبرر جرائم إرهابيينا، بينما نتهم الغرب بمعاداتنا حين يظهر فيه نازى منبوذ من مجتمعه؟، ثم ألا يحرض التطرف على ظهور تطرف مضاد؟

ولعل المثير أخيراً هو ما يتنطع به أشباه الكتبة بزعمهم أن الحجاب مستهدف فى مصر، وهذا لغو ينفيه الواقع تماماً، فنظرة واحدة على أى شارع فى أى مدينة مصرية، تؤكد أن غير المحجبة الآن هى إحدى اثنتين: فإما أن تكون مسيحية، أو من بقايا النخبة الاجتماعية التى لم ترضخ بعد لابتزاز الغزو الوهابى، واختارت.. وتحملت ثمن حريتها، رغم محاولات مروجى الهوس الدينى لممارسة الوصاية على خلق الله.

اجمالي القراءات 12745