الحمل المستكن (١ ـ ١)

خالد منتصر في السبت ٠٤ - يوليو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

فى مؤتمر طبى بإحدى كليات الطب الخاصة وقف أستاذ طالباً الكلمة وقال « لماذا لانناقش فى المؤتمر الحمل المستكن؟!»، ولما سأله الحاضرون عما يقصده بالحمل المستكن، رد قائلاً: أقصد الحمل الذى يظل عاماً وعامين وثلاثة وأربعة!!، اندهش الحاضرون أساتذة وطلبة وتساءلوا: هو فيه حمل بيقعد ثلاث أو أربع سنين!!، رد الأستاذ واثقاً وساخراً من جهل زملائه:طبعاً..إذا كان الإمام مالك ظل فى بطن أمه ثلاث سنوات.

خطورة هذا الرأى أنه قد صدر عن أستاذ طبيب، المفروض أنه قد تعلم المنهج العلمى فìrave; التفكير، والمفروض أن مرجعه فى الطب هو المراجع والمجلات العلمية، وفى قضية طبية مثل معلومة أقصى مدة للحمل لابد أن يعود إلى ماتعلمه وقرأه فى هذه المراجع وليس إلى ماقرأه فى كتب الفقه،

ولكن هذا الأستاذ للأسف لا يعبر عن نفسه ولكنه صار يمثل ظاهرة تغلب النقل على العقل، ويلخص تياراً مستعداً للتضحية بكل ماتعلمه من طب فى سبيل تغليب نص فقهى أو الانتصار لفتوى تراثية، بدليل أن هذا الأستاذ ليس الوحيد الذى ينتصر لمثل هذه الآراء ولك أن تعلم أن من يتزعم تيار دعم وتأييد ختان الإناث ـ لدرجة أنه قد اختصم وزير الصحة أمام المحاكم ـ يعمل أستاذاً للنساء والتوليد!!.

بعض الفقهاء مثل الحنفية يرون أن أقصى مدة للحمل قد تطول إلى سنتين، والمالكية والشافعية أربع سنوات، والبعض يرى أنها خمس سنوات، والبعض مدها إلى أكثر من ذلك!!،

وهو كلام نقبله كنوع من الفولكلور، ولانقبله على الإطلاق كنوع من العلم أو الحقيقة، ومن الممكن تبريره كما سنرى لاحقاً نتيجة سوء فهم لبعض الظواهر آنذاك مثل انقطاع الحيض والتى لم يستطع القدماء تفسيرها إلا بأنه حمل مؤكد فحدث الالتباس، أما أن يفرض كائن من كان على تفكيرى وعقلى أن أقبل هذه الخزعبلات تحت مسمى تطبيق الشريعة،

فهذا ما أرفضه أولاً للإسلام دين العقل بأن تلصق به هذه الأفكار التى تنتمى للقرون الوسطى، وثانياً أرفضه بالنسبة لعقلى الذى يفرض عليه أن يقبلها لمجرد أن المفتى قد ذكرها فى كتابه أو لأن الأزهر يدرسها فى منهجه!، فكيف أقبل علمياً مالم يشاهده طبيب نساء وولادة واحد منذ اختراع علم طب النساء والتوليد، ومالم يسجله جهاز سونار واحد حتى فى بلاد واق الواق؟!!،

وكيف أقبل أخلاقياً أن أسمح بطوق نجاة فقهى لامرأة من الممكن أن تمارس الفاحشة بعد وفاة زوجها ثم تنسب طفل الخطيئة للأب المتوفى احتماء بمظلة الحمل المستكن، أو تستراً وراء فتوى فلان أو مذهب علان، كما حدث فى ١٩ جمادى الآخرة عام ١٣٤٦ هجرية فى المحكمة الشرعية فى مكة، عندما حكم القاضى مصطفى عبدالقادر العلوى بإلحاق نسب طفل ولدته أمه بعد موت زوجها بخمس سنين!!.

ولكن السؤال المهم هل ظل مفهوم الحمل المستكن سجين كتب الفقه لايطبق إلا فى الدولة الدينية أم تسلل إلى قوانين الدولة المدنية المذعورة من شعارات جماعات ضغط الإسلام السياسى؟، هل نحن دولة تحترم العقل والتفكير أم تقدس النقل والتكفير؟، هذا هو سؤال الإثنين المقبل.

اجمالي القراءات 25657