التربية الذهنية

يحي فوزي نشاشبي في الجمعة ٢٦ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                      بسم الله الرحمن الرحيم 

                                       قاعة متعددة الرياضات 
                       تمارين خصيصة  لتربية وبناء عضلات العقل السليم

من المسائل القليلة المتفق عليها أن الذين كان لهم شرف تلقي القرآن العظيم الحامل لتعاليم الخالق الموجهة إلى كافة الناس ، هم أنفسهم مصابون بظاهرة أو بوباء الخلاف الممقوت، وأنهم مازاCcedil;لوا لم يتفرغوا بصفة جدية لتبليغ هذه التعاليم إلى كافة الناس وما زالوا يتخبطون في ما حشروا فيه أنفسهم أو ما حشروا فيه رغم أنفهم . وهذه الحقيقة هي من المسائل القليلة والقليلة جدا التي تحظى بإجماعنا نحن متلقي حديث الرحمان الرحيم
ومن المعتقد أنها حقيقة يؤسف لها، ولا أدل على ذلك مما نحن فيه أو عليه من حيرة،وذهول، وترقّب،وفقرمدقع في الثقة في النفس. وعوض أن نعقد النية الحسنة والعزم على تحمل المسؤولية والتسلّح بالصبر ورباطة الجأش لبذل ما في المستطاع وبكل ما أوتينا من إخلاص لترجمة حديث الخالق إلى الواقع الملموس، إذا بنا نكرّر ما أنتجه الأولون من سلبيات منذ قرون وهو نتاج متسم بالتفرقة، والنزاع، وتبادل التهم، وتزكية النفس، والحكم على صاحب الرأي المقابل وتكفيره، بل وحتى بالدعوة إلى تنفيذ الحكم عليه، وباختصار شديد انهمكنا في إثارة وإبراز وتثبيت كل ما جاء القرآن المنزل من أجل محوه وإبعاده وعملنا – من حيث ندري أولا ندري - من أجل مطاردة التسامح والأمن والطمأنينة، نعم جاء القرآن الكريم من أجل العمل لتبديد كل حرج وإبعاد كل عسر وانتشار كل يسر، ومن أجل تحقيق شئ ما من تلك الأهداف السامية الإنسانية التي لا تصدر إلا من خير أمة أخرجت للناس.
ولعلنا لا نبتعد كثيرا عن الحقيقة عندما نفترض أن سبب ما أصبنا به هو جهلنا نحن أنفسنا بحقيقة تعليمات الله العلي العظيم التي هي محصورة بين دفتي حديثه المنزل ومنها ما يلي على سبيل المثال لا الحصر :
01) إن الإختلاف في الفهم وفي الاستنتاج شئ وارد ومفهوم ،ولعله هو سبب من أسباب عظمة هذه الرسالة عندما يلتزم هذا الإختلاف مساحته ويحترم نفسه ولا يزكيها .
02) ولعل ما آل إليه حالنا حاليا ومنذ قرون مضت، يرجع كله إلى الوهن الذي استفحل على جسمنا حتى أصبحنا لا نقوى على الصمود أمام هبة ريح، وأما عن أمر حمل أي ثقل من أبسط وزن أو التفكير في تحرير السبل وتنظيفها من تلك الأكوام الهائلة من الأنقاض، فذلك غير وارد بالمرة .
وإن تفاعل هذين السؤالين الإثنين المذكورين أعلاه أنتج ما يلي – وهو بيت القصيد- في هذا المقال المتواضع :
إن هناك عضلة ليست كأية عضلة مادية مفتولة وملموسة من لحم ودم تنمى بالحركات والتمرينات الرياضية المنتظمة وبتغذية ملائمة متزنة ، تلك التي نعرفها جميعا ونسميها " تربية بدنية "
إنما المقصود في هذه المحاولة هو افتراض أن لنا جسما غير مادي وغير ملموس وغير مرئي يتكون هو الآخر من عضلات غير مادية وغير ملموسة وغير مرئية، من المفروض أن تكون عضلات مفتولة قوية لينة رشيقة تواجه وتتحمل وتحمل كل الأثقال بدون أدنى تأثر أو انحناء أو خضوع أو ركوع.
وينبغي أن نقولها صراحة بدون حرج ونصرح بأن جسمنا هذا"المفترض اللامادي" ما زال عبارة عن ظل فقظ لنفسه وأنه ما زال لم ينم ولم يترعرع ، وما زالت عضلاته مرسومة فقط برسوم باهتة غير بارزة، ومن غير المعقول الثقة فيها والإعتماد عليها، نعم من الإنصاف لنا أن نعترف أن جسمنا هذا – الآمادي وغير المرئي- ما زال مصابا بالوهن وبالضعف العام وما زال يعاني من وباء أصبنا به ، وباء تلك "الإنفلونزة" التي حوّلت جسمنا إلى شئ غريب لا يصمد أمام آرائنا المتباينة – نحن الموصوفين بالمسلمين – ويرجع ذلك إلى فقرنا أو حتى افتقارنا إلى تلك التربية العقلية أو التربية الذهنية، افتقارنا إلى تلك التمرينات التي ينبغي أن نمارسها بانتظام وبدون كلل ولا ملل لبعث تلك العضلات من مرقدها ، تلك العضلات التي هي في الحقيقة – كما أسلفنا – ليست كالعضلات القوية التي يمتاز ويتميز بها الرياضيون ذوو الأجسام السليمة الجميلة الرشيقة اللينة التي تعجب الناظرين وتأخذ الألباب ويغبطون عليها.
والسؤال الكبير هو :
إذا كانت العضلات في الجسم المادي تنمو وتترعرع وتتطور نتيجة التمرينات المنتظمة مع تغذية مناسبة ملائمة .
فإن العضلات الذهنية أو العقلية التي نحن في حاجة ماسة إليها ستنمو هي كذلك وحتما بتمرينات رياضية منتظمة وبكل ما أوتينا من صبر ومثابرة وإخلاص.
وأما عن طبيعة هذه التربية الذهنية أو العقلية وطبيعة التمريات ، فأنا بكل صراحة لا أدعي أني قد اكتشفتها وعرفتها، إلا أني أدعو الجميع إلى أن يتحولوا إلى غواصين مهرة وليكتشفوا هذه التمرينات لغرض تنمية العضلات المنشودة ويلتمسوها في أحشاء بحر القرآن العظيم نفسه – إن جاز هذا التعبير –
وأستسمح الجميع في أن أقترح التأمل مليا في هذه الآيات وفي غيرها ، ومن يدري لعلنا سنستسيغ في الأخير ممارسة هذه التربية الذهنية بغية تنمية ذلك الجسم ذي العضلات المفتولة القوية الجميلة السليمة التي تجعل الإختلاف في الرأي وحتى في المعتقد وفي الممارسة، أي ممارسة العبادة، تجعله اختلافا حضاريا راشدا يعرف حدوده ويستميت من أجل أن ينعم الاختلاف المقابل بالتمتع بحدوده وبأن يحرم على نفسه حتى التفكير في تجاوزها وفي الجهاد في سبيل أن لا تقوم لكلمة خلاف أية قائمة .
ومرة أخرى، من يدري لعل بعض النتائج ستتحقق من هذه التمرينات وهي تأمل ما يلي وتدبره وفهمه وهضمه وتأييده وبذل قصارى الجهد بعد النية والعزم على اعتماده .؟؟
01) ( وإنك لعلى خلق عظيم ) سورة القلم – 4 – شهد الله الرحمان الرحيم على أن عبده محمدا ورسوله هو على خلق عظيم . فإذا لم تحرك فينا شهادة مثل هذا الشاهد ساكنا وتجعلنا تواقين إلى تتبع آثار هذا الخلق فما زلنا لم نقم لهذه الرياضة العقلية الذهنية وزنا .
02) ( فبما رحمة من الله لنـت لهم ولو كنت فظاّ غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) آل عمران – 159. إن هذه الصفات المذمومة والتي تقابلها المحمودة تقع في مجال الإنسان . ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة.
03) ( وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظـنّ أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ) الأنبياء 87. الرجاء من الغواصين أن يطلعوا علينا بالمفهوم الذي اهتدوا إليه في هذه الآية التي – يبدو- أن في أحشائها الدرّ لاسيما في فهم جملة : ذهب مغاضبا .؟
04) ( يا صاحبي السجن ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) ؟ يوسف 39.
05) ( قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ) يوسف 92.
06) ( ...وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ...) يوسف 100
هذه الآيات الثلاث في سورة يوسف فيها مسحة مما يتمتع به جسمه الذهني أو العقلي ، وتبرز هذه الآيات عضلاته – عليه السلام – في سعة صدره ورباطة جأشه وعمق بحر صبره والحجم الهائل لتواضعه.
07) ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر....) الكهف 29-
08) ( أفمن زين له سوء عمله فرءاه حسنا فإن الله يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون ) فاطر – 8 –
09) ( تنزيل من رب العالمين ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ) 43+44+45+46+47- الحاقة.
10) ( .... فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقـى ) النجم 32.
11) ( وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا ) الفرقان -7-
12) ( وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيراً.) الفرقان -20-
13) ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات – 13 – إن واقع المسلمين في الوقت الراهن – وحتى منذ أمد بعيد – يقول قولا لا يختلف فيه اثنان وهو أنهم لم يهضموا هذه الآية ولم يتدبروها، ولا أدلّ على ذلك من كوننا اعتدينا على فعـــــل
- لتعارفوا- فلوينا عنقه بدون شفقة ولا رحمة، ونجحنا أخيرا في تحويله إلى فعــــل
- لتعاركوا -
14) ( وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدّهم من الأشرار أتّخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) ص- 62 +63+64.
15) ( .... ثم إلـيّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون) آل عمران 55
16) ( .... فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) المائدة 48.
17) ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ) النحل 92.
18) ( الله يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون ) الحج 69.
19) ( ومن أحسن دينا مـمن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا ) النساء – 125- وهلا اجتهدنا وبحثنا بغية اكتشاف والتعرف على ذلك السبب أو أو ذلك الخلق أو تلك الأسباب التي جعلت الله الرحمان الرحيم يتخذ إبراهيم العبد المخلوق خليلا ؟ وبما كان يمتاز به عليه السلام ؟؟؟
20) ( وإن كادوا ليفتنـونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذًا لاتخذوك خليلا ) الإسراء 73.
21) ( يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم ) الحجرات -12-
22) ( ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين ) الروم – 22 –
23) ( يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) 88-89- سورة الشعراء.
24) ( ولا تطع الكافرين والمنافقين ودع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا)
48- الأحزاب.
25) ( فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم ... ) 42- المائدة.
26) ( من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً ) 100- طه -
تلك هي بعض الآيات التي أراها بمثابة أدوات وأثقال منتشرة ومعدة في قاعة فسيحة مخصصة لممارسة التمارين الرياضية المتعددة ، أبوابها مفتوحة على مصاريعها ومرحبة بالجميع ، وعلى لافتتها هذه العبارات :

                                      قاعة متعددة الرياضات
                     تمارين خصيصا لتربية وبناء عضلات العقل السليم

اجمالي القراءات 11401