الدين / الأمــانة
مقتطفات من الألف إلى الياء

زهير الحافى في السبت ٠٦ - يونيو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                       مقتطفات من الألف إلى الياء


                                                 الدين / الأمــانة 


 الدين   تمعن أيها الأخ المسلم و أيتها الأخت المسلمة كلمات القرءان التالية التي تؤكد أن الله تعالى هو صاحب الدين, و الدين هو منه و إليه تعالى وحده لا شريك له في ذلك:
"إن الله اٌصطفى لنا الدين" "و يكون الدين كله لله" "لا إكراه في &في الدين" "إن الدين عند الله الإسلام" "أفغير دين الله يبغون" "اٌدعوه مخلصين له الدين" "دين الله دين الحق" "ليظهره على الدين كله" "ذلك الدين القيم" "أقم وجهك للدين حنيفا" "له الدين واصبا" "ألا لله الدين الخالص" "هو الله الذى شرع الدين" "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله" "و من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه" "الذين اٌتخذوا دينهم هزوا و لعبا" "أتعلِّمون الله بدينكم و الله يعلم ما فى السمـو’ت و ما فى الأرض" "هو الذى أرسل رسوله بالهدى و دين الحق" "أن أقيموا الدين و لا تتفرقوا فيه" "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا" "اليوم أكملت لكم دينكم و رضيت لكم الإسلام دينا".

بعد التفكير في هذه الكلمات الواضحة من آيات القرءان, يتبين:
أولا, أن الدين هو من الله و إليه تعالى.
ثانيا, إن تعاليم الدين نزلت كاملة في كتاب الله عز و جل.
ثالثا, أن لا نبتدع أي دين, و لا أن نشرع أي تعاليم دينية بدون إذنه جل جلاله.
رابعا, الدين هو الدستور, أو القوانين, أو الحدود, أو الشريعة, أو السنن التي نزلت في القرءان, والتي يأمرنا منزل الدين اٌتباعها في عبادتنا له و في حياتنا اليومية. و قد وصفها مرسلها أنها الصراط المستقيم.
و على هذا, إن أي محاولة أو اٌحتيال للإضافة على دين الله, أو الأمر بإتباع تعاليم دينية غير ما نزل على الرسول الأمين بأي شكل هو إشراك في دين الله و معصية لأوامره. فمن يتقول على مرسل الدين "بأحاديث" و "سنن" فهو مشرك. لا شريك له تعالى في دينه و لا في كتابه و لا في شريعته التي علمنا إياها في القرءان. إن من يتهم الرسول محمد انه تقول على الله بأحاديث لم يأذن بها الله  فقد خان الرسول و كذب على الناس.
لا يصح إذًا الأخذ بادعاءات الأئمة الجهلة و بالإضافات التي يأتون بها مدعين أنها سنة الرسول. هل كان للرسول سنة أو دين غير سنة أو دين القرءان؟ و هل يصدق المؤمن اٌدعاءهم الكاذب أن القرءان سكت عن بعض أمور الدين حتى رخصوا لأنفسهم تتمة الدين؟ ألا يعلم هؤلاء أنه تعالى أكمل لنا الدين؟ هل تصدق أن ذلك الرسول الأمين قال للناس أن القرءان ناقص أو ساكت, و أنه أتمه و صححه لهم, أو أنه أعطاهم المزيد من الدين؟ ألا توافق أن قلوبهم لم تؤمن بالقرءان و لو أن شفاهم تتبجح فيه و أصواتهم تعلوا بالتغني رئاءً فيه؟
لا! فالأفضل أن نهتدي بكتاب الدين الذي أنزله تعالى على رسوله الأمين؛ و أن نأتي الله تعالى بقلب سليم و أن نخلص له تعالى الدين؛ و أن لا ندخل بدينه أي شائبة اٌبتدعها أعوان الشيطان الرجيم؛ و أن لا نجعل لله أندادا فنضل عن سبيله القويم؛ و أن نقتدي بأمره تعالى:  إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ اٌلْكِتَـبَ باٌلْحَقِّ فَاٌعْبُدِ اٌللهَ مُخْلِصًا لَّهُ اٌلدِّينَ(2)- الزمر59, ألا لله الدين الخالص. هدانا الله الكريم لكتابه و دستوره العظيم فهو الصراط المستقيم.

و إن تمعنا مجددا بالكلمات " مخلصا له الدين", نرى أن الدين هو ما نأخذه من تعاليم و معلومات جاءتنا في كتاب الله العظيم. فمن هنا ندرك أن ما يفرضه علينا تجار الدين من تعاليم خارجة عن القرءان ليست من دين الله. و إن تفحصنا مجتمعنا الديني نرى أيضا مدى ما وصل إليه ’العلماء‘ من أساليب لغسل عقول الناس لإلزامهم إتباع تعاليم و أعمال ما أنزل الله بها من سلطان, ليحافظوا على مراكزهم. فعلى المرء المؤمن أن يفصل ما جاء بالقرءان من تعاليم دينية وجب إتباعه لها بإخلاص, عن تعاليم دخيلة و تفاسير غريبة يفرضها العلماء للتحكم بعقول الناس. فتعاليم القرءان لا تفرض على المرء إتباعها, في حين أن التعاليم التي يأتي بها تجار الدين تهدد مصير من لا يأخذ بها, و تعطي الحق لؤلئك التجار بتنفيذ قراراتهم بالقوة أو بغسل عقول الأفراد بالطرق المناسبة لهم. فهم يضربون بعرض الحائط الآيات: وَ لَوْ شَآءَ رَبُّكَ لامَنَ مَن فِى اٌلأَرْض كُلُّهُمْ جَمِيعًا. أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ اٌلنَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ(99) وَ مَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلا بإِذْنِ اٌللهِ. وَِ يَجْعَلُ اٌلرِّجْسَ عَلَى اٌلَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ(101)  -يونس51. و تابعت السورة: قُلْ يَــأَيَّهَا اٌلنَّاسُ قَدْ جَآءَكُمُ اٌلْحَقُّ مِن رَّبّكُمْ, فَمَنِ اٌهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ, وَ مَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا, وَ مَآ أَنَاْ عَلَيْكُم بوَكِيلٍ(108). تدبر كلمات كتاب الحق, إنها تستحق التفكير بها طويلا.



الأمانة   لقد جاء في سورة الأحزاب الآية التالية: إِنَّا عَرَضْنا اٌلأَمَانَةَ عَلَى اُلسَّمَـوَ’تِ وَ اٌلأَرْضِ وَ اٌلْجبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنهَا وَ أَشفَقْنَ مِنهَا وَ حَمَلَهَا اٌلإنْسَـنُ, إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(72) -الأحزاب90. فما هي "الأمانة" التي عُرضت على السـماوات و الأرض و الجبال و كذلك على الإنسان؟ و ما هو الفارق بين الإنسان من جهة و السـماوات و الأرض و الجبال من الجهة الأخرى؟
لقد تعددت الاٌجتهادات في تفسير هذه الآية و اٌختلفت. فمن الكتبة من قال أن الأمانة هي ’الشهوة المركبة في الإنسان‘. و من ذكر أن الأمانة هي ’التكاليف التي تعم جميع وظائف الدين ... و أهمها جماح النفس, و الصبر على الطاعات, و عن المعاصي و الشهوات‘. و ذكر آخر: ’للأمانة ثلاثة أركان: الأول نفس الأمانة ... و المراد هنا التكليف بفعل الواجبات و ترك المحرمات, و بكلمة: الدين. و الثاني صاحب الأمانة و هو الخالق المشرع جل و علا. و الثالث الأمين أو المؤتمن, و هو الإنسان‘. و اٌقترح آخر أن ’الأمانة هي ’الفرائض و التكاليف الشرعية على السـماوات و الأرض و الجبال و ذلك دليل عظم الأمانة و ثقل حملها‘. و أضاف أبو السعود: ’أن تلك الأمانة في عظم الشأن بحيث لو كلفت هاتيك الأجرام العظام – التي هي مثل في القوة و الشدة – و كانت ذا شعور و إدراك على مراعاتها لأبين قبولها و أشفقن منها‘. و كتب ابن جزي: ’الأمانة هي التكاليف الشرعية من التزام الطاعات, و ترك المعاصي‘. و أكد آخر أنها ’الأمانة في الأموال‘. أضف إلى كل ذلك ’أن "العرض" كان حقيقي, و "العرض" المذكور كان غير حقيقي و لو أن هذا خلاف ظاهر الآية المذكورة‘. و هكذا نطلع على ما يشغل بال الدينيين, (الشهوة) و أسلوب تفكيرهم.
لكن الملاحظ بين تلك الاجتهادات أن المعلقين قد ركزوا تحاليلهم حول الإنسان أكثر من تركيز اٌهتمامهم حول باقي أعضاء المعادلة. فما علاقة جماح النفس مثلا بالجبال و الأرض؟ و ما علاقة الطاعة و المعاصي و الدين بالسماوات و الأرض؟ إن تلك الأوصاف النفسية إنما تعود إلى الإنسان صاحب الشعور التي وضعها خالق الإنسان بآدم. فهو الذي يملك الحرية في إدارة شؤونه. و هذا هو بيت القصيد.
نحن نذكر كيف أن آدم و زوجه مارسا حرية التناول من الشجرة التي أمرهما خالقهما عز و جل أن لا يقرباها. إذ كان لهما الخيار في ذلك. لم يسبب عملهما هذا طردهما من العرش – و لو أن عصيان العزيز القدير أمر بالغ الخطورة – و لكن ما سبب طردهما هو ظهور أعضاء التناسل بآدم و بزوجه بسبب تناولهما من الشجرة, الوضع الذي لا يسمح لهما البقاء في الفردوس الذي وضعه خالقه فيه. فبظهور أعضاء التناسل في آدم و زوجه إنما يعني بدء نوع جديد من ’الحياة‘ و هو التناسل. فبدل أن يحيى آدم للأبد كبقية الملآئكة, قد أصبح يحيى عن طريق التناسل, أي: ولادة و حياة و موت و ولادة..., و كذلك اٌعتماده على إيجاد الغذاء بنفسه, و الدفاع عن نفسه, و حفظه و تعلقه بالحياة. في حين لو اٌبتعد عن الشجرة – لكفل له ربه تلك النعم بدون عناء و لكن بدون تناسل. فجاء قول الشيطان لآدم و زوجه و هو يحاول إغراءهما لإبعادهما عن ربهما: ... مَا نهَنـكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَــذِهِ اٌلشَّجَرَةِ إِلآ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ اٌلْخَــلِدِينَ(20) - الأعراف39. فلو أطاع آدم ربه لما زال في الفردوس يرتع و ينعم كباقي الملآئكة الكرام, و لما تعرفت عليك أيها القارئ و أيتها القارئة عن طريق هذا السبيل. إذًا, بمنح آدم حرية القبول و عدمه, كان له المقدرة أن يختار أحد الأمرين: أن يقرب الشجرة أو أن لا يقربها. أو بلغة أخرى, إن الخالق العظيم أعطى آدم أمانة الخيار.

فبعد خلق السماوات و الأرض و ما فيها من رواسي و بحار, عرض الخالق القدير أمانة إمكانية إدارة السماوات على السماوات. فلا شجرة هنا و لا إبليس, و لكن عرض الله تعالى على خليقته أن تقوم بإدارة حفظها و تصرفها بالقوانين الطبيعية لبقائها في الكون, كما عرض أمانة سياسة الأرض و جبالها على الأرض نفسها أيضا. فالجبل مثلا لا ينتقل من مكانه حسب رغبته, و لا يتهدم لتعبه من العلو, و لا يدري مسؤوليته في حفظ توازن الأرض ... إلى آخر ما هنالك من إمكانيات. فتركت الجبال أمر سياسة بقاءها إلى خالقها و فاطرها لثقل ذلك العبء و عظم المسؤولية التي تتبع تلك الوضعية في إدارة أمور ’الطبيعة‘. و تنازلت كل من السماوات و الأرض و الجبال عن حمل المسؤولية, متخلية للخالق القدير مسؤولية إدارتها. لقد أبين الأخذ بتلك الأمانة. غير أن الإنسان لم يتوانى عن التقدم و قبول تلك الأمانة – مسؤولية الخيار في إدارة حياته و بقاءه – بالرغم من عظمها. فقال ربه عنه "إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا", إذ ظلم نفسه بتحمل ذلك العبء الذي سيضنيه, و ما ذلك إلا لجهله للمتطلبات التي سيواجهها في الحياة على الأرض بسبب التناسل. كل ذلك بسبب اٌنصياعه لعرض إبليس أن يترك "حياة" الخلد كالملائكة في الفردوس, و يصبح خالدا عن طريق الأخذ بحرية التناسل.

و كان من جملة ما عُرِض على السماوات و الأرض, مسؤولية تدبر أمر يوم القيامة. فلا تقتصر المسؤولية التي عرضها الله تعالى, على إدارة و سياسة بقاء السماوات و الأرض و الجبال أثناء ’الحياة‘, بل تتعداها إلى تدبر شؤون و حلول "الساعة". و لكن تلك المسؤولية كانت ثقيلة جدا أيضا, فرفضت السماوات و الأرض حملها, و تركت معرفة وقت حلولها, و ما يحدث قبلها و أثناءها و بعدها إلى خالقها و بارئها لثقل حملها: يَسْــَلُونَكَ عَنِ اٌلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَـهَا, قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّى, لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلا هُوَ. ثقُلَتْ فِى اٌلسَّمَـوَ’تِ وَ اٌلأرْضِ. ...(187) - الأعراف39 .
فالأمانة المعنية في تلك الآية إذًا هي مسؤولية الخيار في حسن إدارة شؤون السماوات و الأرض و الجبال و الإنسان. فالسماوات و الأرض و الجبال محكومة للقوانين ’الطبيعية‘ التي وضعها لها بارئها, و تحمل الإنسان بنفسه أمانة إدارة شؤون بقاءه, و تصرفه في الأرض؛ و لكنه سيسأل عن ذلك. لهذا جاء أمر الله تعالى بأن لا نفسد في الأرض بعد أن أصلحها و ذللها لمنفعتنا. و لكن الأدلة تشير أن الإنسان اليوم كثيرا ما يفسد في الأرض. ظَهَرَ اٌلْفَسَادُ فِى اٌلْبَرِّ وَ اٌلْْبَحْرِ بمَا كَسَبَتْ أَيْدِى اٌلنَّاسِ...(41) - الروم84. و كذلك: وَ لا تُفْسِدُواْ فِى اٌلأرْضِ بَعْدَ إِصْلَـحِهَا وَ اٌدْعُوهُ خَوْفًا وَ طَمَعًا. إِنَّ رَحْمَتَ اٌللهِ قَرِيبُ ُ مِّنَ اٌلْمُحْسِنِينَ(56)  - الأعراف39. لا يقتصر الفساد المعني في الأرض و الماء بل يتضمن أيضا قتل الناس و فساد المجتمع و خلق العداء و الخصام و النميمة... بين الناس: ...؛ وَ يْسـَلُونَكَ عَنِِِِِ اٌلْيَتَـمَى, قُلْ إِصْلاحُ ُلَهُمْ خَيْرُُُُ ُُ وَ إِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَ’نُكُمْ. وَ اٌللهُ يَعْلَمُ اٌلْمُفْسِدَ مِنَ اٌلْمُصْلِحِ. ...(220) - البقرة87. وَ مِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بهِ َوَ مِنهُم مَّن لا يُؤْمِنُ بهِ . وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ باٌلْمُفْسِدِينَ(40) -يونس51. إنها أمانة ثقيلة و لا شك.

في هذا كله, المزيد من إيضاح العبارة "و له ملك السمـوات و الأرض". فالبارئ المجيد هو الذي فطر السمـوات و ما بها و الأرض و ما عليها, و هو الذي جل جلاله يدبر بحكمته إدارة شـؤون هذه الخليقـة, فلهذا فهي ملكه. و كذلك إن الله تعالى خلق الإنسان و بث به من روحه ذو الفضل, و لكن عندما عرض عليه "الأمانة" قبلها الإنسان, فلهذا أصبح الإنسان عبدا لخالقـه الذي يملك روحه و دينه. فمن يحاول التدخل في شؤون إدارة ملكه تعالى – التي هي من اٌختصاص رب العزة- فإنما يشرك بربه. و لذا لا يسمح لأحد بتعديل دينه أو صراطه, و لهذا توعد المشركين بالقصاص. إنه عالم الغيب و الشهادة يعلم كل شيء و لا تخفى عليه خافية.
ملحوظة: أرقام السور المذكورة مدونة حسب ترتيب النزول وليس الترتيب التقليدى.

اجمالي القراءات 11805