مسوغات التعيين للعمل عند حكام المسلمين

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٢ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً


1 ـ فشل فى تعليمه وفشل فى تحقيق حلمه بالزواج من الفتاة التى يحبها ، صمم على الإنضمام إلى عصابه تتحكم فى الحى الذى يعيش فيه ليحقق الثراء والنفوذ بأسرع ما يمكن.
توصل لمقابلة زعيم العصابة آملا أن يعمل لديه ، طلب منه زعيم العصابة أن يقدم له شهادة تؤهله للإلتحاق بالعصابة ، أصيب الفتى بدهشه فقال له زعيم العصابة : كما أن التوظيف فى الحكومة يستلزم شهادة فكذلك نحن نشترط فيمن يعمل معنا أن تكون معه شهادة ، والشهادة المطلوب منك أن تقتل الفتاة التى تحبها ، لقد تحرينا عنك وعرفنا ظروفك ، والأن مطلوب منك هذه الشهادة .... إن وافقت ونفذت صرت واحدا منا ، وإن ترددت أو رفضت فعليك أن تغادر الحى فورا . وفى الليلة التالية قدم له شهادته وقتل حبيبته وصار من أبناء العصابة .
هذه الدراما ترددت كثيرا فى أدب نجيب محفوظ وآخرين وتكررت فى أفلام هوليود ، وهى تعكس واقعا حيا فى عالم الجريمة القائم على الولاء والأهلية لإرتكاب العمل الإجرامى .
2 ـ وعالم الجريمة مهما تعقد فهو بسيط ومباشر وواضح لأن تصنيفه واضح وهو الجريمة ، وهو تصنيف قانونى يقوم على تطبيقه البوليس والقضاء .
الغامض حقيقة يكون حين تتخفى الجريمة فى ثوب السياسة ، وحين يتحكم السياسيون المجرمون فى السلطة ، وهذا يتجلى بوضوح فى نظم الحكم المستبدة .
المستبد هنا مجرم عريق ، لا يقتل فردا واحدا بل يقتل ـ بالحقيقة أو بالمجاز ـ شعبا بأكمله،لا يسرق شخصا ولا يهاجم بنكا، وإنما يسرق أموال الشعب ويجد البنوك الأجنبية التى تحفظ سرقاته وتصونها له . وبينما تلاحق اللعنات ذلك المجرم الواضح ويتردد وصفه بين مشتبه به أو مسجل خطر ، فإن المستبد المجرم يحظى بالهتافات والمواكب والتقديس والتمجيد ، وبينما يكون من حق الصحافة وغير الصحافة أن تندد بالمجرم العادى بل قد تلاحق المتهمين ظلما وعدوانا بالإشاعات والتعريض فأن المستبد المجرم يكون إنتقاده جريمة يعاقب عليها القانون ، بل إن مجرد مطالبته بالإصلاح تعتبر خيانة للوطن .
3 ـ ولذلك فإن المجرم العادى الحاذق يعمل بالسياسة ، يدخل إليها من باب التزلف لأعوان المستبد. وأعوان المستبد درجات ـ أعلاهم هم الذين يقابلون المستبد وجها لوجه مثل الوزراء والمستشارين وكبار القادة العسكريين ، وأدناهم ضباط مباحث القسم.
وعلى قدر ما يملك المجرم الحاذق من أموال يستطيع شراء النفوذ .
أدنى دجات النفوذ أن يكون المجرم الحاذق صاحب تجارة يغسل بها أمواله ، فيخصص جانبا منها لشراء ضباط الشرطة فى منطقته ، خصوصا ضباط المباحث ومعاونيهم . ويصبح هذا المجرم البرجوازى هو الكفيل المالى لضابط المباحث ، هو الذى يملأ بيته بما لذ وطاب ، وهو الذى يملأ حسابه بالأموال ويضمن بذلك أن تزدهر تجارته وأمواله العلنية التى يغسل بها تجارته السرية الإجرامية .
إذا كان المجرم أكثر إجراما وحذقا ومالا ، فإنه يدخل السياسة من أوسع أبوابها وهى الأنضمام للحزب الحاكم والتبرع له ، وتشغيل أعوانه من البلطجية والمشاغبين فى خدمة الحزب ، إلى أن يقتنع به أرباب الحزب فيقبلونه مرشحا لهم فى مجلس الشعب ، بعد أن يكون قد دفع لهم دم قلبه رشاوى وعمولات وحفلات وهدايا وشاليهات .
وبوصوله لمجلس الشعب يتمتع بالحصانة ويأمن من ملاحقة الشرطة له طالما حافظ على مكانه فى مجلس الشعب مصفقا مع المصفقين هاتفا مؤيدا مع الهاتفين المؤيدين ،دون أن يعرف لماذا يصفق وعلام يهلل وماذا يؤيد . وفى مجلس الشعب لا يتمتع فقط بالحصانة ولكن أيضا بالنفوذ السياسى ويستخدمه فى الحصول على الأراضى والحصص والعقود والصفقات والرشاوى والعمولات. وخلال سنين عضويته تتضاعف ملايينه بتضاعف ملفات فساده ، وبتضاعف ملفات فساده يزيد ولاؤه للمستبد أى المجرم الأكبر وبالتالى يزيد رضى المستبد الأكبر عنه وتقديره له .
4 ـ ويحدث أحيانا أن ينسى ذلك المجرم الحاذق بعض حذقه فتفلت منه عبارة ما تعبر به أحد الخطوط الحمراء ، هنا تظهر الملفات وتنبش فى تاريخه الجراد والمجلات ، وتلاحقه الإتهامات . وقد يرفعون عنه الحصانة تمهيدا للتحقيق عنه ، بل ربما يضحى به المستبد ككبش فداء لكى يزعم طهارة نظام الحكم وأنه لايتوانى عن ملاحقة المفسدين .
5 ـ وقد يصل للوزارة مع إحتفاظه بعضوية مجلس الشعب ، وقد يخرج من الوزراة ويبقى فى مجلس الشعب ، فيتخيل أنه نائب حقيقى للشعب فيقول ما لا ينبغى له قوله ، عندها تنهال عليه الصفعات وكل أنواع المهانة ، حتى بدون رفع الحصانة .
وهناك نائب فى مجلس الشعب كان وزيرا لامعا وإقتصاديا إنفتاحيا تضخمت ثروته من تجارة العملة حين كانت ممنوعة بالقانون ، وكانت له خلفية جامعية عريقة ، ومع خدمته المخلصة للحزب والمستبد فإنهم أخذوا عليه كلمة قالها غافلا.. فوجىء بنفسه فى المعتقل . ظل فيه لعدة أسابيع وخرج منه شخصا آخر، لا يفتر لسانه عن تمجيد السيد الرئيس والثناء على حكمته بمناسبة وبدون مناسبة ، يثنى عليه وهو يتكلم مع زملائه النواب فى المجلس ، وزملائه فى الحزب ، وطلبته فى الجامعة، وأقربائه فى القرية ، ومعارفه فى النادى ، ومع زوجته فى الفراش ، ومع نفسه فى دورة المياه. إذا كان فى لحظة رومانسية ـ بالصدفة ـ مع زوجته ، وطلبت منه أن يحدثها عن جمالها ويتغزل فيها ، تفاجأ به يتكلم عن جمال السيد الرئيس وسحر ابتسامة السيد الرئيس ، وإذا تكلم أحد فى الطقس وسوء الأحوال الجوية انبرى يتكلم عن حكمة السيد الرئيس وتوجيهاته فى الحفاظ على البيئة ، ولو تحدث أحد عن السياسة الخارجية لجمهورية أوكرانيا انطلق صاحبنا يمدح السياسة الخارجية التى بفضل توجيهات السيد الرئيس تحسنت بها العلاقة مع اوكرانيا الشقيقة ، ولو قيل كلام عن نوع جديد من سموم الفئران تكلم صاحبنا عن أثر توجيهات السيد الرئيس فى وقف حال الفئران السليم منها والمرضان ، ولو جاءت سيرة الأوبئة والمحن سارع بجهود السيد الرئيس فى حماية الوطن من كل المحن ، ما ظهر منها وما بطن .. وظل صاحبنا هكذا يعانى الوسواس القهرى بالرئيس وتوجيهات السيد الرئيس والهلع من الرئيس وزبانية السيد الرئيس الى أن حضرته الوفاة فيقال انه لم ينطق بالشهادة وإنما شهد بحكمة الرئيس وتوجيهاته ونزاهته وعظمته ...!! .
6 ـ نعود لأصل الحكاية ...نعود الى ذلك الشاب الذى لم يقبله زعيم العصابة إلا بعد أن قدم له مسوغات التعيين بأن يقتل حبيبته الأولى تنفيذا لتوجيهات السيد رئيس العصابة ، وحين قتلها أصبح ضمن تنظيم العصابة ..
نفس الحال مع المستبد المجرم عتيق الإجرام ...فلكى تتولى منصبا لابد من ان تكون لك ملفات فساد ، أقل ملف منها يجعلك سجينا مؤبدا . بهذه الملفات يضمن المستبد الأكبر أنك تحت السيطرة .
أما إذا كنت طاهرا نظيف القلب واليد والسيرة فلا تصلح لهم ولا يصلحون لك ، لأنك لو توليت ستكون طاهرا اليد وطويل اللسان ، ولن تسكت عن الفساد وستفضح المستور وتكشف عنه ، وبالتالى فلا يمكن لك – إذا كنت نظيفا - أن تعمل معهم فالطيور على أشكالها تقع ، والحمام لا يطير مع أسراب الغربان ولا الشحرور يصاحب فى طيرانه الصقور .
اللصوص المجرمون هزمونا فى الداخل ، ولا يصلح اللصوص المجرمون لقيادة دولة ، هم مؤهلون فقط لقيادة عصابة تلاحقها عصابات اخرى ، ويلاحقهم البوليس . وشأن أى عصابة أن تهتم فقط بأمنها الذاتى دون أدنى إهتمام بالضحايا ، لا فارق بين كون الضحية بضعة أشخاص أو بضعة شعوب. هذا هو حال كل نظام مستبد فى مصر وبلاد العرب ...
7 ـ ويختلف الحال فى إسرائيل التى لا نريد أن نتعلم منها ....
الشرطة هناك تلاحق بالتحقيق كل وزير أو رئيس وزراء تحوم حوله الشبهات ، تفتش فى تاريخه وتنقب فى تصرفاته وحساباته البنكية .
آريل شارون أحد أعمدة الجيل القديم المؤسس لدولة إسرائيل لوحق بالتحقيق وهو فى صولجان حكمه ، فسقط فى إغمائه منذ عدة سنوات لا يزال فيها حتى الآن .
بعده لاحقت الشرطة بالتحقيق خلفه أولمرات إلى أن ترك منصبه ، ثم هى الآن تلاحق وزير الخارجية الحالى ليبرمان بشبهة تلقى تبرعات غير قانونية فى حملته الإنتخابية . ولوحق قضائيا أيضا رئيس إسرائيل على خلفية إتهامه بالتحرش الجنسى .
أى أن مسوغات التعيين فى اسرائيل هى الطهارة ونظافة اليد ، ويسرى هذا على الجميع بدءا من رئيس الدولة ورئيس الحكومة والوزراء والقادة العسكريين قبل الأشخاص العاديين.
أما مسوغات التعيين عندانا فهى فى عدد ملفات الفساد التى يستحق بها المفسد أن يكون عضوا فى مجلس الوزراء أو مجلس الشعب أو حتى مجلس إدارة أى شركة من الشركات .
8 ـ هل عرفتم الأن لماذا تهزمكم  إسرائيل ؟!!.

اجمالي القراءات 16374