هل قتلت اموال الأوقاف الشيخ الذهبى ؟؟

عثمان محمد علي في الثلاثاء ١٩ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

هل قتلت اموال الأوقاف الشيخ الذهبى ؟؟

1-فى مقالته الثالثة عن (تطبيق الشريعة فى الدولة المملوكية) تحدث  الأستاذ الدكتور (أحمد صبحى منصور) عن مسالب وأثر أموال الأوقاف فى  زيادة الفساد الخُلقى  وتأخر التقدم العلمى والتكنولوجى  فى مصر المملوكية  وإكتفاء علمائها بترديد ما قاله السلف من علوم  فى عصورهم السابقة  ،وذلك   نتيجة لسوء إستخدامها ،وإقتصار توزيعها  على الحاشية السلطانية ،ودروايشهم المتسكعين حول أضرحة ومقامات الأولياء الصوفيين ، مع أنها كانت تمثل القدر الأكبر من الإقتصاد المصرى آنذاك ،ولو أنهم احسنوا  إستخدامها لإرتفعوا  بها وبمصر إلى مصاف الدول المتقدمة علمياً  آنذاك ،ولساهموا  بعلومهم فى رقى البشرية مثلما فعل الأوربيون  . وقد عقد سيادته مقارنة بين إستخدام  (أموال الأوقاف فى مصر المملوكية ومصر الحديثة ) وأختتم سيادته  نتائج مقارنته بأن  مصر الحديثة  لم تختلف فى تعاملاتها مع أموال الآوقاف كثيراً عن مصر المملوكية  فى زيادة الفساد ،كما أنها تسببت فى مقتل كثير من قضاة ومشايخ مصر المملوكية والحديثة  مثلما فعلت فى  مقتل الشيخ الذهبى  وزيرها وناظرها فى مصر الساداتية .

2-  فهل حقاً قتلت أموال الأوقاف (الشيخ الذهبى)؟؟.

ليسمح لى أستاذى ،وقراء الموقع الكرام أن نتناول حادثة مقتل الشيخ الذهبى ،وعلاقة  السلطة المصرية وجماعات العنف بها  بشىء من التفصيل .

وبداية فإن الأوقاف  كانت تدخل فى الماضى ضمن العمل الأهلى ،أو ما يسمى الآن بالجمعيات المدنية الأهلية  ،من حيث كونها  أعمالاً  فردية يقوم بها بعض المواطنين بعيداً عن النظام وبيروقراطيته وتعقيداتها . وتتلخص فى أن يقوم شخص ما بوقف ريع (ربح) أرضه الزراعية  أو تجارته أو عماراته السكنية للإنفاق على متطلبات باب ما  من ابواب الخير كالإنفاق على طلبة العلم ومؤسساته مثل ( طلبة الأزهر ومؤسسته  ،أو مدرسة الطب (القصر العينى ) أو الإنفاق على  أحد المساجد الكبرى مثل (الحسين و البدوى ) ،على أن يظل الوقف تحت نظارته هو وأبناءه من بعده ،بشرط الا  يحق لهم بيعه أو التصرف فيه . وظل العمل سارياً هكذا  إلى أن جاءت ثورة يوليو وأقدم الرئيس-عبدالناصر – على تأميم الأموال والممتلكات وإستحداث الوزارات ومنها (وزارة للأوقاف )لتتولى شئون المساجد ،ومعها أموال الأوقاف ،ثم ما لبث وأن أخذ أموال الأوقاف من الوزارة و  إستحدث لها  الهيئة العامة للأوقاف  لتتخصص فى إدارة ما تبقى  من (أموال وممتلكات الأوقاف الأهلية ) بعد التأميم  وضم الجزء الأكبر منها لهيئة الإصلاح الزراعى المصرية .

3-

 فلنعلم  طبقاً للقانون فإن منصب وزير الأوقاف ورئيس الهيئة العامة للأوقاف ،وووكلاء وزارة الأوقاف –لهى مناصب سياسية وإدارية فى المقام الأول ،وليست مناصب دينية  يؤتم بها ،ويؤخذ عنها أو يقتدى بها فى ديننا .

4- لما كانت أموال الأوقاف بالكثرة التى تضاهى وتضارع دخل قناة السويس أو تحويلات المصريين بالخارج ،بل وتزيد عليها أحياناً  ،ومع ما يعتريها من  قصور إدارى فى تسجيلها أولا بأول ،أو إعطاء المتبرعين إيصالات رسمية بها  ،أو خضوعها إلى إشراف رقابى مُباشر.فقد فتحت شهية الطامعين  والفاسدين  من ولاة أمرها والعاملين علييها ومعهم اسيادهم بدءاً من  رئاسة الجمهورية إلى أصغر  فراش  ومقيم شعائر فى  أصغر زاوية من زوايا  نظارة الآوقاف، لسرقتها ونهبها تحت عين وبصر القانون أو فى غيبة منه .تبادلاً للمنافع المُشتركة بينهما (أى بين السلطان وحاشيته) وبين العاملين عليها ، أو بيعها بأبخس الأثمان للمحظين من سدنة الحُكم .

5—وطبقاً للقانون فإن رئيس الجمهورية هو الذى يُصدر بنفسه قراراً بتنظيم العمل بالهيئة  العامة للأوقاف وتشكيل مجلس إدارتها ،وتحديد العلاقة بينها وبين  وزارة الأوقاف من ناحية ،وبين هيئة الإصلاح الزراعى من جهة أخرى.ومن هُنا أصبحت الأوقاف مال من لا مال له ،وثروة من لا ثروة له من الرئيس والمُفسدين فى الأرض  ومن حاشيته المُقربين .إلى أن جاء   الدكتور محمد حسين الذهبى –وزيراً للأوقاف فى وزارة (ممدوح سالم ) فى الفترة من  (أبريل 1975) –حتى(نوفمبر – 1976) ،فأكتشف الفساد المتعنكب بين أرجاء وجنبات وزارته ؛فتصدى له ولم يخش ما أُشيع عن أن ذلك   الفساد تحت مظلة  ووصاية (سيدة مصر الأولى ، ورئيس وزرائها  آنذاك -ممدوح سالم ) (طبقاً لأقوال بعض المؤرخين) وأقسم الرجل أن يُطّهر وزراته من الفساد ،وبر بقسمه ،ورفت إثنين من كباررجال  وزارته  ،وحولهما  للتحقيق وأعلن أنه سيحارب المفسدين والطامعين فى أموال الأوقاف مهما كانت مناصبهم  ،وأقسم أن يُحيل نفسه للتحقيق شخصيا  إن حامت حوله الشبهات    فى سوء إدارته لوزارته  أو فى  توزيع ريع ممتلكاتها   .،وإستغاث الرجل بمجلس الأمة (مجلس الشعب ) لينصره على الفساد ورجاله فى وزارته  ،ولم يعلم بأنه بفعلته هذه قد كتب شهادة وفاته بنفسه ،لأنه تحدى القصر ،وسيدته الأولى ورئيس وزرائها (على حسب أقوال  بعض المؤرخين والمحللين السياسين ).فتم التخلص منه وقاموا  بإقالته فى التعديل الوزارى الذى تم بعد ذلك  فى  (نوفمبر 1976)  وفكروا بالمجىء  بمن يكون طوع بنانهم  ورهن إشارتهم وخادمهم المطيع بديلا له فلم يجدوا سوى   (الشيخ –محمد متولى الشعرواى ) ،وصدق حدسهم  ،فكان فعلاُ رجل المرحلة المُناسب لخدمة أسياده فى  القصر، وقد رد الجميل لهم بأن  تركهم يعيثون فسادا فى أموال الأوقاف مرة أُخرى ،وإكتفى بفتواه الشهيرة  للسادات فى  إحتفالات عيد العمال عام (1977)  التى قال فيها حرفياً ( لوكان الأمر بيدى لجعلت السادات لا يُسأل عما يفعل ) !!!!!

.وبالعودة إلى الشيخ الذهبى فقد أصبحت مُشكلته مع الفساد والقصر علانية ،تداولتها أقلام الكُتاب وأروقة المُثقفين والمفكرين ،واصبحت تمثل لنقطة العلانية  السوداء فى ثوب السادات الأبيض بعد نصر  إكتوبر ، فكان لابُد من التخلُص منه نهائياً. وصادف ذلك أن وضعت الأقدار الشيخ الذهبى فى عصر أطلق فيه السادات العنان للإخوان المُسلمين وتفريعاتهم من الجماعات الإسلامية للعمل فى الشارع المصرى إستقواءاً بهم على  أعداءه من الشيوعين والناصرين وفلول مراكز القوى .

ففى تلك الفترة خرجت جماعة جديدة  على يد أحد شباب القطبيين السابقين  (نسبة إلى سيد قطب) ،وسماها (جماعة المُسلمين ) والتى عُرفت بعد ذلك بإسم (جماعة التكفير والهجرة)  على غرار تسمية (الإخوان المُسلمين) . وكان هذا الشاب هو (شكرى أحمد مصطفى ) خريج كلية الزراعة ،والسجين السابق ضمن مساجين القطبيين من  الإخوان المسلمين فى منتصف الستينات فى  عهد عبدالناصر . وإنتهجت نهجاً يقضى بتكفير المُجتمع المسلم وإعتزاله مؤقتاً ،والخروج إلى صحراء  ومغارات جبال  صعيد مصر ،حتى يتسنى لهم العودة مرة أخرى للقضاء على المجتمع ،وإنشاء دولة الخلافة وإمارة آخر الزمان ، وقد سلك شكرى مُصطفى فى  تحقيق ذلك سُبلاً منها (جمع أموال وحُلى وذهب  أفراد جماعته ،وتسفير بعضهم  إلى بعض الدول العربية مثل الأردن واليمن والسعودية والجزائر ،وكذلك اليونان (إعتقادا منه أنها أرض أهل الكهف)  لجمع الأموال ،ولإختيار أنسب أرض يخرجون  إلى جبالها فيما بعد ليعودوا منها  العودة الكبرى لقتال الكافرين  من المسلمين وبسط نفوذه عليهم  بإعتباره كما قال عن نفسه  أنه المهدى المُنتظر ،وأمير آخر الزمان ) .ووقع إختياره على (اليمن ) لكثرة ما ورد فى مناقبها من روايات نبوية فى البخارى ومسلم وغيرهما .

ولا ادرى لماذا لم يختر (مكة أو المدينة) فقد روى فى مناقبهما اضعاف ما روى عن (اليمن)؟؟

وبالفعل فقد أمر رجاله بالذهاب إلى جبال (المنيا –بصعيد مصر ) لتنفيذ إولى خطوات هجرته عن المجنمع ،وللتدريب على  الحياة البدوية الصحراوية ،إستعدادا للتسلل منها إلى جنوب مصر ،ومنها إلى الجانب الآخر من البحر الأحمر ثم إلى جبال (اليمن) ،إلا أن أجهزة الأمن  أكتشفت أمر رجاله بجبال الصعيد المصرى  فى منتصف 1973 ،وتم إعتقالهم ،ولكنهم خرجوا ضمن الخارجين بالعفور الرئاسى  العام  إحتفالاً بنصر إكتوبر 73 .ولكن شكرى مصطفى  إستمر بعدها فى تدعيم و تثبيت أركان جماعته (جماعة المُسلمين ) والدعوة إليها ،وعقد مُناظرات داخلية مع أعضائها ،وخارجية مع نظراءه من الجماعات الآخرى ،إلا أنه كان كثيراُ ما يُهزم هزيمة فكرية  نكراء ،مما يستتبعها خروج بعض أفراد جماعته عليه  والإنقلاب عليها أو الإنضمام إلى جماعات أخرى ، فقرر أن يستلهم فكر الإخوان المسلمين فى ( التظيم  السرى ،أو التنظيم الخاص ) للإنتقام من خصومه وتأديب الخارجين عليه و تصفيتهم إذا لزم الأمر . فكوّن ما كان يعرف عنده (بالكتيبة الخضراء) كجيش سرى له ولجماعته ،  وكانت تضم كل من تعلم فنون القتال من الكاراتيه وما شابه ، ومن على علم بإستخدام السلاح النارى  ممن خدموا فى البوليس أ والجيش المصرى ،خاصة من هم من  أبناء صعيد مصر .وبالفعل فقد كان له ما أراد وأتم تكوينها ،واستخدمها فى أضيق الحدود فى تأديب الخارجين عليه من جماعته ،والتلويح بها فى تصفيتهم ومن يُفكر فى الغدر به أو الخروج عليه  .  فصادف هذه الفترة ا أن إقترح (الدكتور الذهبى ) وبعض من  مشايخ الأزهر محاولة بمُناقشة تلك الفئات من شباب الجماعات  ،لتوعيتهم وإبعادهم عن طريق العنف والقتل والدماء ،وخاصة أنه كان حريصاً جداً على الصبر عليهم و التعامل معهم بالحوار بديلاً عن مواجهتهم أمنياً وعسكرياً كما كان يطالب آخرين من مشايخ الأزهر ورجال الجيش والبوليس . وقام بالفعل الشيخ ببعض من تلك المُناقشات  وشارك أيضاً  فى تأليف كتاب يرد فيه على مزاعمهم ،ويناقشهم الحجة بالحُجة . فإتخذت منه (جماعة المسلمين ) خصماً وعدواً لها ، ونفخ فى كير تلك الخصومة بعض أذناب النظام المُندسين على  الجماعة من أجهزة الأمن ، تنفيذا لأوامر أعداءه وخصومه السابقين من المستفيدين سابقاً ولاحقاً من أموال (هيئة الأوقاف الإسلامية ) .

فإجتمعت على الرجل السؤتين ،سوءة الفاسدين من النظام ،وسوءة الفاسدين من (جماعة المُسلمين) والتقت مصلحتهما سوياً  فى  التخلص منه نهائياً ،فأعدوا لذلك عُدته وإختطفوه عنوة ،وقاموا بإغتياله سريعاُ بعد أن رفضت الحكومة المصرية دفع الفدية لهم بأقل من خمس ساعات . وقُتل  الشيخ( الحُر،نظيف اليد ) الدكتور  الذهبى على أيديهم جميعاً  ، فتخلص منه النظام و معه (جماعة المسلمين) إلى الأبد ،  فى نفس الوقت الذى أبقى  وأحتفظ  بمن هم على شاكلة (الشعراوى) ،و والإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية الآخرى التى قام النظام نفسه بتأسيسها والإشراف عليها وإمدادها بالعُدة والعتاد  .

6-مات الرجل  وسر إغتياله معه ،تاركاً وراءه أسئلة كثيرة  تحتاج إلى أجوبة ، منها ::

هل قامت جماعة المسلمين  بإغتياله وقتله وحدها ،دون توجيهات من النظام ؟؟

 أم قامت به بمساعدة مباشرة أو غير مُباشرة منه ؟؟

أم قتله النظام نفسه من خلال عناصره المُندسة  داخل الجماعة ،وتحملت الجماعة المسئولية بدلاً عن النظام لأنها لم تستطع الدفاع عن نفسها؟؟

 علم ذلك كله عند ربى  !!!!! ولكن ما نعلمه هو ،

 أن الرجل كان  بين مطرقة النظام من ناحية،وسندان جماعة المُسلمين من ناحية أخرى ،وأنه راح ضحية لتصديه  للفساد الإدارى من جهة   والعُنف والفساد الفكرى الذى إتخذ من البخارى وإبن تيمية  وحسن البنا وسيد قطب والمودودى أسوة لهم بديلة عن إسوتهم  برسول الله محمد وأبيهم إبراهيم  فى القرآن الكريم من جهة أخرى  .

7-—وتبقى كلمة مشروعة ،وهى :

متى  يعلم الناس أن منصب وزير الأوقاف ووكلاء وزارته ،ومعهما منصب شيخ الأزهر ونوابه ،لهما  من المناصب الإدارية ا لبحتة مثلها مثل مناصب إدارات السكة الحديد والصرف الصحى ،وهيئة نظافة القاهرة ،والهيئة القومية للبريد ،وأنها ليس لها من الإجتهاد فى الدين من نصيب .؟؟

متى يعرف الناس أن عليهم المطالبة برقابة  نذورهم وتبرعاتهم وهباتهم  رقابة حقيقية تبدأ بإستلامهم إيصالات رسمية عنها ،وتنتهى عندما يصير من حقهم الإطلاع على أوجه صرفها، والتحقق من صرفها فيما خصصت له من أعمال البر والخير ،وأنها لم تذهب إلى بطون العاملين عليها ؟؟؟

-متى تُفعّل الدولة قراراتها بمُحاسبة  الفاسدين والسارقين (لمغارة على بابا والأربعين حرامى )(هيئة الأوقاف سابقاً) ؟؟؟

وأخيراً متى يتعلم النظام المصرى من أخطاءه ويعلم أن الفكر لا يواجه إلا بالفكر ،ولن تُفلح معه  المُعالجات  الأمنية والعسكرية ؟؟

ومتى يعترف النظام أنه هو الذى صنع على عينه  أمثال (شكرى مُصطفى ،وأيمن الظواهرى ،وعبدالسلام فرج و غيرهم وغيرهم ) بتعنته بل وبغباءه السياسى الذى يفتقد إلى الحكمة والدراية الكافية فى معالجتة للقضايا الفكرية الخطيرة .

متى يعترف النظام بأن مؤسساته الدينية لا تفرز إلا مزيدا من القنابل الموقوته  التى لا تعلم شيئاً عن سماحة الإسلام ،وتعددية دولته الحقيقية ؟؟

 ومتى يتركون المُثقفين والمُفكرين يعملون بحرية ،لينشرون فكرهم  وأرائهم الإصلاحية  فى جو إتخذ من  الأمن والسلام والطمأنينة سبيلاً ،  بعيداً عن الملاحقات البوليسية والمُحاكمات العسكرية ،والزج بهم وراء  القضبان، وفى غياهب السجون ،؟؟

متى يتعلمون أن الحُرية الفكرية هى التى ستُخلصنا  من فيروسات الفكر السلفى الوهابى القطبى الإخوانى  الذى حول حياة المصريين إلى قنبلة موقوتة لا يعلم خطرها  وميقاتها إلا إلله؟؟.

 يرحم الله الشيخ الذهبى ،ويحمى مصر من الطامعين والفاسدين  حكاماً كانوا أو محكومين .

اجمالي القراءات 29144