نظام الضرائب

محمود دويكات في الأحد ١٧ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

حتى نعلم لماذا يسود الفقر و الظلم في البلدان التي تدعي الاسلام ، يجب البحث في أسبابه. و الحقيقة بعد كل هذه الثورة المعلوماتية ليس من الصعب معرفة لماذا مازالت تلك البلدان (المليئة بالمصادر الطبيعية) تغوص في الفقر و الجهل في حين دول أخرى ذات مصادر طبيعية محدودة (جداً ) يعيش أهلها في سعة من العيش و لا يقاسون آلام الفقر كما يقاسيه غيرهم من دول العالم الثالث. في هذا المقال سنلاحظ و بكل سهولة مدى الغباء و الجمود الفكري و العقلي (بل و الحسي) الذي يتمتع به معظم ولاة أمورالمسلمين و سوف نلمس ان هناك عاملان يصبّان في جعل حياة المواطن العادي حياة كلها جحيم و لهث وراء الحاجات الاساسية. هذا العاملان هما الفساد الاداري و عدم الاكتراث بالحال العام للمواطن ، و كلاهما يتمثلان في أنظمة الضرائب المعمول بها في البلاد العربية.

الفكرة الاساسية في الزكاة و الصدقات في القرءان

 ليس هناك من اختراع جديد كما قد يتوهم البعض حول الزكاة و الصدقات في القرءان ، فهذا الكتاب ينادي بأن يتم اقتطاع أموال (بالقوة أحيانا) من الأغنياء و إعادة توزيعها للفقراء. هذا هو المبدأ الاساسي و أما التفاصيل فهي متروكة لنا. .. و هذا المبدأ كان موجودا ما قبل نزول القرءان و قد طبقه الرومان و إن كان على مجال محدود بطبقات معينة من المواطنين الرومانيين. و السبب في تغاير التفاصيل هو تغاير تعريف الغنى حسب اختلاف خط الفقر ، فمثلا في مصر خط الفقر هو أن يكون دخل الفرد أقل من 200 جنيه (35 دولار أمريكي) في الشهر ، في حين في أوروبا فخط الفقر يقترب من 1400 دولار أمريكي شهريا. فمن المنطق أن يتم ربط تفسير كلمة "الأغنياء" بمستوى خط الفقر في الدولة ، ففي مصر مثلا فإن شخصا يعيش على 1500 دولار أمريكي شهريا يمكن اعتباره من الاغنياء مقارنة مع ذلك الذي يعيش تحت خط الفقر.

مقارنة بين أنظمة الضرائب
في هذه الفقرة نقارن بشكل عام بين مقادير الضرائب على الدخل الشخصي و ليس على كافة أنواع الضرائب ، الهدف من المقارنة هو تبيان مدى غباء ولاة الأمور نحو رعاية مواطنيهم كما ينبغي ، فسنرى جمود و تخلف اللوائح المعمول بها في قوانين الضرائب عند العرب بشكل عام بحيث أنها لا تعمل على تحقيق الهدف المنشود من ورائها و الذي هو إعادة توزيع الاموال على الشعب كافة. و بهذا نعلم لماذا يزداد الأغنياء غنىً و يزداد الفقراء فقراًُ في تلك البلدان.
في مصر (2005) تكون الضريبة على الدخل الشخصي السنوي تصاعدية و تبدأ بقيمة 10% على الدخل السنوي إذا كان ما بين 5000 جنيه مصري ( 890 دولار أمريكي) في السنة أو 75 دولار امريكي في الشهر) و حتى 20000 جنيه مصري في السنة ( 890-3561 دولار أمريكي في السنة). و بقيمة 15% على 20000 الى 40000 جنيه مصري في السنة ، و تكون بقيمة 20% على ما زاد عن 40000 جنيه مصري في السنة (أي 593 دولار أمريكي في الشهر أو 7122 دولار في السنة) . و كمثال بالنسبة لشخص (غني جدا في مصر) دخله السنوي 10000 دولار أمريكي (أي 5000 جنيه في الشهر = حوالي 60000 جنية سنوي ، أي 25 مرة فوق خط الفقر) فإن قيمة الضرائب على الدخل فقط (دون احتساب أي إعفاءات على الاولاد و غيره) يكون 20% × 60000 =12000 جنيه (2000 دولار أمريكي سنويا) .. يعني هذا الذي يكون دخله 10000 دولار لا يدفع منها سوى 2000 دولار في السنة. .. لاحظ أن هذا الشخص يعتبر من الأغنياء جداً في مصر ، إذ أن دخله يرتقع عن مستوى خط الفقر في مصر عن 25 ضعف.
لننظر الى دولة قريبة من مصر لكن تستخدم نظام ضرائب مختلف في تفاصيله ، في إسرائيل (2004) أيضا نظام الضرائب على الدخل الفردي تصاعدي و يمكن تلخيصه بالجدول التالي (لاحظ أنه أكثر في التفاصيل و تعلو نسبة الضرائب على الاغنياء حقا)
نسبة الضريبة                  الدخل السنوي (بالدولار الأمريكي)
 10%                               1-9072   
17%                             9072-11900
27%                             11901-31790              
43%                             31700 -56700
45%                             56700-98300
49%                             98300 فمافوق
خط الفقر في إسرائيل (اليهودية) يقترب من الـ 4000 شيقل شهري (أي حوالي حوالي 900 دولار شهريا = 10800 دولار في السنة) و بالتالي فإن حاولنا تطبيق نفس المثال السابق لرجل دخله السنوي 10000 دولار سنويا (أي قريب من خط الفقر هناك) فإن الضرائب التي سيدفعها هذا الرجل في إسرائيل ستكون حوالى 17% أي 1700 دولار أمريكي. .. لاحظ هنا أن هذا الرجل يعتبر قريب من خط الفقر في إسرائيل و لكنه في مصر يعتبر من الأغنياء (جداً) ..و مع ذلك فإن مساهمته في الضرائب قريبة مما هي مصر! و من أجل المقارنة دعنا نأخذ رجل في أسرائيل دخله حوالى 25 مرة ضعف خط مستوى الفقر (أي 270,000 دولار سنوي) فعندها يدفع ذلك الرجل في إسرائيل حوال نصف دخله (49%) كضرائب للدولة العبرية.
كملخص لتلك المقارنة .. فإن رجلا غنيا جداً (دخله أعلى من 25 مرة فوق خط الفقر) فإنه يدفع قرابة نصف دخله في إسرائيل كضرائب ـ و لكن في مصر فإنه يدفع الخمس فقط. إن من البديهيات أن نظام الضرائب هدفه إعادة توزيع الثروة خصوصا على من هم دون خط الفقر! و بالتالي فإن ذلك الرجل (مصر) و الذي دخله يزيد عن 25 ضعف مستوى خط الفقر يجب أن يسهم بشكل أكثر فعالية مما هو الوضع الآن .
عادة في أنظمة الضرائب المعمول بها في الدولة الغربية يتم تعديل حدود الضرائب لتبدأ من خط مستوى الفقر ..فلا يقوم رجل دون خط مستوى الفقر بدفع ضرائب للدولة و السبب هو أن ذلك الرجل محتاج للمال في الحقيقة. و لكن تبدأ الضرائب بشكل تصاعدي ما فوق خط الفقر و يكون تصاعدها متسارعا كلما زاد مستوى دخل الفرد. على العكس نجد الحال في مصر ، فهناك تبدأ الضرائب بعيدا جدا عن مستوى خط الفقر (و كأن نسبة الفقراء في الدولة لا تعنى المشرعين هناك) .. فنلاحظ أن الضرائب تبدأ على أناس دخلهم يزيد عن ضعف خط الفقر و يكون تزايدها بطيئا جدا بحيث تكون غير عادلة و غير فعالة في تحصيل الأموال من الآغنياء في البلد ، فلا ينالهم سوى نصيب قليل كما رأينا في المثال السابق لرجل يزيد دخله عن 25 ضعف خط مستوى الفقر هناك.

تلخيص
لقد وضع القرءان المبدأ العريض الذي على أساسه يجب أن يتم اقتطاع أموال الزكاة ، و ترك لنا تحديد التفاصيل بما يخدم المصلحة العامة.  و هذا المبدأ العريض قائم على أساس تعريف الآغنياء في البلد في قوله (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ) حشر ، و يتم توزيع ذلك المال المأخوذ من الاغنياء على من يستحقه ، لقوله (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)ذاريات ـ (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ، لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) معارج. .. و أيضا يتم استخدامه في مجالات التنمية و التزكية لقوله (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) توبة، فالتزكية هي التنمية و النمو و التطوير ، فزكا النبات إذا نما و زاد ، و لهذا سميت تلك الاموال باموال الزكاة لمافيها من تزكية أي تطوير و تنمية بمصطلحات هذا العصر ، فتذهب تلك الأموال الى إصلاح و مد الشوارع و الكهرباء و المياه و بناء مدارس و مستشفيات و مراكز أبحاث و تعليم عالى و توفير التأمين الصحي للأشخاص..كما يحدث عند الغرب و ما هو متجاهل تماماً عند العرب و معظم المسلمين.
و السبب في تجاهل ذلك عند العرب و المسلمين هو أنهم لم يفقهوا فعلا معنى الزكاة ، فكما قلنا الزكاة هي أخذ المال من الغني و إعادة تدويره على شكل خدمات و تنمية على الشعب العام ، و لكن ما يحصل (كما رأينا في المثال السابق) فإن أنظمة الزكاة عند العرب تتجاهل الأغنياء فلا تأخذ منهم إلا قليلا في حين تركّز على متوسطي الدخل ،و بالتالي فإن كمية المال المتحصلة تكون قليلة و غير كافية لإحداث تنمية ، هذا عدا عن السرقات و تبذير تلك الأموال في أمور لا علاقة لها بالتنمية كالتسليح و الحفلات الباذخة العامة بإسم الدولة.
إن النقطة الاساسية وراء هذا المقال هو تبيان فكرة محددة هي أنه : في نفس الوقت الذي يدفع الغني حوالى نصف ماله كضرائب يتم استعمالها في التنمية في بلاد الغرب ، فإن ذلك الغني عند العرب لا يدفع سوى القليل من ماله نحو نفس الهدف. و السبب هو عدم فعالية نظام الضرائب عند العرب و عدم ربطها بمستويات الفقر عندهم

. هذه دعوة مباشرة لإعادة النظر بشكل جدي في أنظمة الضرائب المعمول بها عند العرب و المسلمين .. فإن تكديس الأموال بيد الآغنياء و عدم استخدامه في التنمية هو من الاسباب الرئيسية في تخلف مستوى الحياة في معظم إن لم يكن جميع البلدان العربية و الاسلامية. و بنفس الوقت نجد الدول التي تمتلك نظام ضرائب فعال موّجه نحو منع تكديس الاموال فإن مستويات المعيشة في تلك الدول تكون عالية و راقية في معظم الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين ، الأمر الذي يؤدي الى الراحة النفسية و البدنية لمواطنيها و بالتالي زيادة إنتاجهم و أرتفاع مستوى التنافس نحو الأفضل بعد توفير الحاجات الاساسية للمواطنين ، على العكس مما يحدث عند العرب حيث يلهث معظم السكان نحو توفير الحاجات الاساسية هناك مما يؤثر سلبا على الانتاج و التقدم العام للدولة.
-------------
المصادر:
- المادة الثامنة من قانون الضريبة المصري على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005، المنشور بالجريدة الرسمية بالعدد 23 تابع في 9 يونيو 2005 - و هذا القانون تم إصداره لإلغاء قانون الضرائب السابق لعام 1981. .. يمكنك الحصول على نسخة منه هنا (http://www.incometax.gov.eg/)
- قانون الضرائب الاسرائيلي  على الدخل الفردي لعام 2004. من هنا (http://www.hanner.co.il/Israel-Lawyers/Israel-Income-Taxes-and-Tax-Laws.htm)

اجمالي القراءات 23501