القرآن و تحرير العبيد

وليد وليد في السبت ٠٩ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله الرحمن الرحيم

 

القرآن و تحرير العبيد

 

ان موضوع الرق و الاستعباد لمن المسائل الشائكة فى التاريخ الاسلامى, وقد يتسائل البعض بغض النظر اذا كان هذا التساؤل برىء او له غرض النيل من ديننا الحنيف فلسنا هنا بصدد الحكم على ضمائر الناس فالله وحده هو اعلم بما تضمر القلوب, و التساؤل هو لماذا لم يحرم الله سبحانه الرق؟ ولماذا استباح  المسلمون العبيد و الاماء على مر التاريخ الاسلامى؟

 

اولا: دعونا نتفق على شىء وهو ان الاسلام لا يقاس بمدى التزام الاشخاص بتعاليمه.

ثانيا: عندما نتدبر ايات الذكر الحكيم التى تشير الى هذا الموضوع, نجد ان الاسلام الممثل فى القرآن الكريم قام بثورة غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى, وذلك بانه قضى على نظام اجتماعى سياسى كان يسود مجتمعات هذا العصر, وقد تم ذللك على ثلاث محاور متوازية, اولهم تجفيف منابع الرق, ثانيهم اقرار حقوق لهذه الطبقة المستباحة و المستغلة من قبل مالكيهم, وثالثهم  التشجيع على تحرير ما تبقى من عبيد تقربا لله سبحانه, ودعونا الان نتدبر ايات الله سبحانه بشىء من التفصيل و التدبر.

 

1-تجفيف منبع من اكبر منابع الرق و الاستعباد.

 

فقد كان اكبر منبع من منابع و مصادر العبيد ويكاد يكون المصدر الاوحد لهم وهو نتاج الحروب و الغزو من اسرى  فنرى الله سبحانه فى اياته المحكمه يضعنا امام خيارين لا ثالث لهما فى الاسرى بعد ان تضع الحرب اوزارها, اولهما المن اى نحسن على الاسير و نطلق سراحه بلا مقابل ابتغاء وجه الله سبحانه, و ثانيهما ان نفتدى به اما باسير لنا عند الاعداء او نظير فدية من الاموال, وهذا هو حكم الله كما فصله فى الاية الكريمة الاتية من سورة محمد.

 

( فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّىٰ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ۚ ذَ‌ٰلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ )محمد 4

 

وكيف ان الله سبحانه وجه لهم اية على لسان رسوله عليه السلام تحررهم وتمنيهم برزق خير مما اخذ منهم و بمغفرة من الله سبحانه و تتوعدهم ان هم عادوا للاعتداء على النبى و المسلمين, قال الله سبحانه:

 

 يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (70) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 
(71)(  سورة الأنفال  ,
Al-Anfal, Chapter #8, Verse #71)

 

2-عدم استباحة العبيد من قبل السادة و ارساء قوانين تعبر عن حقوقهم.

 

و اول هذه الحقوق و اعظمها هى حرمة اجسادهم حيث ان اجساد العبيد و الاماء غير مباحة لاسيادهم غير عن طريق واحد وهو الزواج و ذلك يتبين فى قول الله تعالى:

 

 وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ۚ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُم ۚ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۚ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ۚ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ۚ ذَ‌ٰلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنكُمْ ۚ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (  سورة النساء  , An-Nisa, Chapter #4, Verse #25)

 

ولفظ نكاح فى القرآن الكريم ليس له اى دلالة على العلاقة الجنسيه ولكنه يدل على عقد الزواج فقط تصديقا لقول الله تعالى:

 

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا ۖ فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا 
(  سورة الأحزاب  , Al-Ahzab, Chapter #33, Verse
#49)

 

ويتبين ذلك المعنى ايضا فى قول الله تعالى:

 

 وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ 
(  سورة النور  , An-Noor, Chapter #24, Verse #33)

 

كما فرض الله سبحانه و تعالى مهرا للامة كما هو الحال فى الحره, وبما انه عقد زواج اذن تنطبق عليه كل احكام الزواج والطلاق التى حددها الله تعالى فى كتابه الحكيم.

وليس ذللك فحسب بل ان الله سبحانه فضلهم عن الاحرار من الرجال و النساء المشركين تصديقا لقول الله تعالى:

 

وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ۗ أُولَـٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ۖ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ۖ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 
(  سورة البقرة  , Al-Baqara, Chapter #2, Verse
#221)

 

كما ان الله سبحانه جعل لهم نصيب من اموال الصدقات كما جاء فى قوله تعالى:

 

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا 
(  سورة النساء  , An-Nisa, Chapter #4, Verse #36)

 

ولهذا دلالة اخرى وهى ان الله سبحانه جعل لطبقة العبيد ذمة مالية منفصلة عن سادتهم , وان لهم نصيب ايضا فى الرزق الذى رزقه الله لسادتهم ومن ينكر ذلك فقد جحد بنعمة الله تصديقا لقوله تعالى:

 وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ 
(  سورة النحل  , An-Nahl, Chapter #16, Verse #71)

 

انها عدالة الخالق سبحانه حيث ان هذه الطبقة هى الطبقة العاملة و فرض الله لهم حق فى الرزق مما كسبت ايديهم, و اقر لهم ذمتهم المالية المنفصلة.

 

3-التشجيع على تحرير ما تبقى من طبقة الرقيق و العبيد.

 

والمحور الثالث لهذا التحرير هو تشجيع المؤمنين لتحرير ما لديهم من رقاب وذلك كفارات عن الذنوب وتقربا لله عز و جل.

ويتجلى ذلك فيما يلى من ايات الذكر الحكيم بالنسبة للقتل الخطأ كما فى قوله تعالى:

 

 وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا 

(  سورة النساء  , An-Nisa, Chapter #4, Verse #92)

 

وفى الحلف بالله وعدم الوفاء به

 

 لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَ‌ٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَ‌ٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 
(  سورة المائدة  , Al-Maeda, Chapter #5, Verse #89)

 

وفى ظهار النساء

 

وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ 
(  سورة المجادلة  , Al-Mujadila, Chapter #58, Verse #3)

 

و تقربا لله سبحانه

 

فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) البلد 13

 

وبذلك يكون الاسلام قد هدم نظام من اقوى النظم السياسية و الاجتماعية المسيطرة التى تواجدت بقوة فى وقت نزوله.

و يجب علينا ايضا ان نشير الى ان الاسلام لا يتحمل وزر من ارتدوا على مر العصور عن المبادىء العظيمة التى ارساها والتى تعد بحق ثورة غير مسبوقة على نظام اجتماعى عالمى يقوم على الاستغلال و الطبقية.

وننهى بقول الله تعالى:

 

 أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا 

(  سورة محمد  , Muhammad, Chapter #47, Verse #24)

 

صدق الله العظيم

 

 

اجمالي القراءات 111721