ذبح الخنازير قرار طائفى مستفز

مجدي خليل في الجمعة ٠٨ - مايو - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

"إنه إضطهاد متعمد للأقباط، فهم لا يتأخرون عن الإساءة لنا كلما اتيحت لهم الفرصة" (نبيل يعقوب احد سكان منطقة الزبالين متحدثا لصحيفة لوموند الفرنسية عن مذبحة الخنازير)

"لم يتذكر الولاة الشريعة والفقه إلا إذا ارادوا البطش بالأقباط سواء برغبتهم أم بتحريض من الرأى العام" (الدكتورجاك تاجر فى كتابه " أقباط ومسلمون منذ الفتح العربى لمصر حتى عام 1922")


يوم 28 ابريل 2008 أوصى مجلس الشعب المصرى باعدام الخنازير فى مختلف أنحاء البلاد، وكما ذكرت وكالة رويترز جا&Aa;ءت موافقة مجلس الشعب بالاجماع بعد توصية لجنة الشئون الصحية والبيئة باعدام جميع الخنازير تجنبا لفيروس "ايه ان 1 اتش 1"، وجاء فى قرار مجلس الشعب أنه " يوصى الحكومة بالقيام بهذه المهمة ويحملها المسئولية فى حالة تأخير تنفيذ القرار".
فى اليوم التالى مباشرة اجتمع رئيس الجمهورية بعدد من وزراءه واتخذ قرارا بذبح جميع الخنازير فى مصر.وهكذا خلال ساعات تم اتخاذ هذا القرار الشاذ العجيب الذى اثار سخرية وأمتعاض العالم كله، وفى نفس الوقت تهليل الصحافة المحلية التى خرجت بمنشتات عريضة من قبيل " يوم ذبح الخنازير فى مصر"، " مصر خالية من الخنازير لاول مرة"، " يوم اعدام الخنازير المصرية" ،" اعدام الخنازير وحده لا يكفى والخبراء يطالبون بوقف الاستيراد "، " الاخوان والجماعة الإسلامية والحكومة ضد الخنازير"،" صالون كتلة الاخوان:انفلونزا الطيور أخطر من القنبلة الهيدروجينية، والخنزير يحمل 450 مرضا"، "محمود عزت الأمين العام لجماعة الاخوان المسلمين: نحن نريد التخلص من الخنازير فالتخلص من هذه الخنازير واجب دينى"، ، "النائب مصطفى بكر يمنع مدينة مايو من أن
تتحول مستوطنة للخنازير ومقلب للزبالة" ، " مصر بلا خنازير بعد قرار فورى باعدامها".
لقد وصل الأمر بنشر صحيفة الجمهورية الحكومية على لسان محرر الصفحة الدينية عبداللطيف فايد حيث طالب بمنع تربية الخنازير نهائيا، لأن الخنزير حيوان خسيس، وإذا كان لحمه محرماً شرعاً، فلابد من منع تربيته من الأساس، وكذلك بعدم تعويض أصحاب الخنازير عن إبادتها، لأنها محرمة، والمحرمات ليست مالاً مُقَوماً، وقيام الدولة بإعدامها لا يوجب عليها تعويض أصحابها، لأن هذا التعويض يسوى بينها وبين ما هو حلال. ولم يقل لنا لماذا يقبل هو وغيره تلقى علاج الانسولين المستخلص من الخنزير إذا كان يراه بهذه الخسة والنجاسة؟.
ما حدث أقرب إلى حالة الهياج العام المتأسلم بدلا من التحوط الحقيقى ضد المرض. هو حرب إعلامية مصرية ضد الخنازير كما وصفته صحيفة وول ستريت جورنال،أو قرار تمييزى ضد الأقلية المسيحية فى مصر، سيزيد التوتر بين الأقباط والمسلمين كما وصفت ذلك النيويورك تايمز فى صدر صفحتها الأولى. لقد لخص الموضوع كله الدكتور خالد منتصر بوصفه ما يحدث ب" التحقير والشماتة والكيد الطائفى".

فى نفس اليوم الذى قرر الرئيس فيه القضاء على هذه الثروة الحيوانية والصناعة المرتبطة بها، قال الوزير المختص حاتم الجبلى وزير الصحة لصحيفة المصرى اليوم نشر بعدد 30 ابريل "لقد تم خلال اجتماع الرئيس مبارك مع اللجنة الوزارية اليوم عرض الموقف الوبائى للمرض المسمى خطأ " انفلونزا الخنازير"، مشيرا إلى أن المرض الحالى هو مرض جديد تماما مركب من فيروسات مختلطة من الانفلونزا التى تصيب البشر وتلك التى تصيب الطيور والخنازير،أى أن المرض الحالى ليست له علاقة بمرض انفلونزا الخنازير المعروف بيطريا."، وأكد وزير الصحة للجريدة بأنه لا توجد دولة فى العالم أقدمت على إعدام الخنازير كوسيلة احترازية، مشيرا إلى أن المشكلة تكمن فى انتقال الفيروس عبر البشر وليس الخنازير.
الوزير يقر بوضوح بأن قرار رئيس الجمهورية قرار خاطئ، وقرار مجلس الشعب قرار خاطئ أيضا، بل وعاد الوزير بعد عدة أيام فى برنامج القاهرة اليوم وكرر نفس الكلام واضاف اليه بأن القرار جاء نتيجة ضغوط مارسها التيار الدينى داخل مجلس الشعب، وجاء فتحى سرور رئيس المجلس على التليفون فى نفس البرنامج ودافع عن قرار الذبح وإنه اتخذ فى المجلس بالاجماع.
كلام وزير الصحة كلام صحيح طبيا وعلميا ، وهو المفروض المختص بتقرير مثل هذه المسائل،. كما أنه الكلام المتداول فى الاوساط الصحية العالمية .كلام رئيس مجلس الشعب يقر حقيقة أخرى مرعبة تقول كلنا اخوان وكلنا مسلمون وكلنا متعصبون، وأن اعضاء مجلس الشعب من الاخوان هم 88 عضوا فى حين وافق على القرار 444 عضو،وأن النظام والاخوان وجهان لعملة واحدة وكلاهما يبذل اقصى جهده لأسلمة مصر، وأن التضحية بالأقباط هو سلوك متكرر من نظام فاسد يحاول التغطية على فساد أركانه بتقديم الأقباط قربانا على مذبح التيارات الشعبوية المتأسلمة فى مصر.
قانونيا تتحمل الحكومة والنظام المسئولية القانونية والادبية عن هذا القرار الطائفى الذى يستهدف الأقباط بالاساس ويهدر ثروة حيوانية وصناعية متشابكة تقدر ب 300 مليون دولار ،أى حوالى 2 مليار جنيه مصرى، وأن هذا القرار يمثل سلسلة ضمن ما يقع على الأقباط من إضطهاد ويعلل كالمعتاد بحجج واهية مرفوضة وغير منطقية، وأن النظام يتحمل المسئولية الكاملة عن ما يقع على فقراء الأقباط فى مناطق تربية الخنازير من تشريد وترويع وصل لحد حصارهم واطلاق الرصاص المطاطى على فقراء يحتجون على قرار متعسف وظالم يستهدف ارزاقهم.
عشرات التقارير جاءت فى الصحافة العالمية والتليفزيونات العالمية وكلها تستنكر هذه الخطوة الشاذة من الحكومة المصرية وتشير إلى إنها إجراء دينى تمييزى يستهدف الاقلية المسيحية فى مصر. جل ما قرأته فى الإعلام العالمى يشير إلى هذه الحقيقة بوضوح، وهو ما اشارت اليه كذلك بعض الاصوات المسلمة الشجاعة وفى مقدمتها السيدة امينة اباظة سفير الجمعية الدولية لحقوق الحيوان فى مصر بقولها لوكالة الأنباء الفرنسية " يبدو القرار وكأنه يستهدف الأقباط"، " وأن القرار مرتبط بالدين اكثر مما هو خوف من المرض"، وواصلت " واننى اتساءل إن لم يكن القرار اتخذ لأن الخنازير ملك المسيحيين الأقباط فما هو السبب الأخر".
جاء قرار الحكومة المصرية الطائفى المتسرع برغم الإدانة الواسعة عالميا لهذه المجزرة الحيوانية حيث وصفته منظمة الفاو بالقرار الخاطئ حقيقة A Real Mistake، وقال بيان للمنظمة العالمية لصحة الحيوان حول عملية الذبح بقولها " لا يوجد دليل على وجود الفيروس فى هذه الحيوانات، وهى اجراءات غير ملاءمة ولن تساعد فى الحماية من مخاطر المرض، وعلى مصر ان تركز جهودها على مراقبة المرض وتعزيز اجراءات الامن الحيوى"، واضطرت المنظمات العالمية إلى تغيير أسم المرض وعدم الاشارة إلى الخنزير ، وصدر بيان مشترك من اربعة منظمات عالمية مختصة وهى منظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، ومنظمة الاغذية والزراعة(الفاو)، ومنظمة التجارة الدولية ، تنفى فيه أن المرض ينتقل عبر الغذاء، وتوصى بالاستمرار فى اكل لحوم الخنازير وتبادلها تجاريا وعدم فرض اى قيود على التصدير والاستيراد.
إن القرار لا يعد قرارا دينيا تمييزيا فحسب ولكنه أيضا يشكل خطوة فى طريق الأسلمة المتسارع فى مصر والذى تشترك فيه الحكومة والتيارات الإسلامية معا، وهو فى النهاية يهدد صناعة منتجات لحوم الخنازير بالانقراض كما اقر ذلك اجتماع مشترك بين سبع شركات صناعية ومنها شركتى مرقص ورمسيس ، وهى صناعة مغذية لصناعة أكبر وهى صناعة السياحة، فهل سيستوردون الهام والبيكون والمنتجات الأخرى من اوروبا مثلا.
علاوة على ذلك فإن القرار يضاف إلى خطوات اخرى كثيرة فى مصر تنافى حقوق الحيوانات وتتعامل معها بقسوة غير مبررة وبشكل لا إنسانى . وحسنا وصفت بريجيت باردو القرار بانه عملا جبانا إلى أقصى حد، لأنه يستهدف حيوانات لا علاقة لها بالمرض ويستهدف فقراء يتعايشون من تربية هذه الحيوانات،وقالت باردوا انها " تعول على رأفة الرئيس مبارك لمنع ذبح قطعان الخنازير".وعلاوة على ما قالته باردوا فإن التمييز والإضطهاد هو قمة الجبن لأنه استقواء على الضعفاء والمسالمين.
نحن نناشد الرئيس مبارك والحكومة المصرية بالرجوع عن هذا القرار الخاطئ والذى شكل فضيحة لمصر فى كل العالم، وخاصة وان الذبح لن يؤثر فى إنتشار المرض.
الرجوع إلى الحق شجاعة وفضيلة، وعلى الحكومة المصرية ان تخلع النظارة الطائفية المتأسلمة وتنظر للموضوع من أبعاد أخرى كثيرة حفاظا على ثروة البلد القومية، وصونا لفقراءها، وإنقاذ لسمعتها العالمية المتردية.

اجمالي القراءات 11092