من يتحدث باسم الإسلام فى سويسرا؟

سعد الدين ابراهيم في السبت ٢٥ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

شهد المقر الأوروبى للأمم المتحدة فى جنيف فى المدة من ٢٠ إلى ٢٥ أبريل المؤتمر الدولى الثانى «لمناهضة العنصرية والتمييز وكراهية الغير». وهو المؤتمر الذى قاطعته كل من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وهولندا وإسرائيل وأستراليا، ثم انسحبت منه فى الجلسة الافتتاحية عدة دول أوروبية أخرى.

وكان حضور الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد، على رأس وفد بلاده، وإلقاء كلمة فى الجلسة الافتتاحية، مُدعاة لاستياء العديد من وفود بُلدان العالم الأول، فانسحبوا من المؤتم&Ne;ر. فقد عاد الرجل لمُهاجمة إسرائيل، وإنكار وقوع المحرقة النازية... إن إسرائيل تستحق الإدانة واللعنة لجرائمها العديدة والمُستمرة ضد الفلسطينيين، ولكن الطريقة واللهجة والكلمات التى استخدمها أحمدى نجاد اقتربت من العنصرية التى عُقد المؤتمر لمناهضتها.

وقد شاركت شخصياً فى القمة الموازية لمنظمات المجتمع المدنى، والتى اجتمعت فى اليومين السابقين للمؤتمر الحكومى، واطلعت على مشروع مسودة البيان الختامى، الذى رفضت أمريكا وحُلفاؤها أول فقرة فيه، والتى تؤكد التمسك بإعلان المؤتمر الأول، الذى كان قد انعقد فى مدينة «دربان»، بجنوب أفريقيا فى أغسطس ٢٠٠١. وكان ذلك المؤتمر قد أدان بشدة الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وطالب لهم بـ:

ـ دولة مُستقلة.

ـ عودة اللاجئين منهم اختيارياً إلى ديارهم، وتعويضهم عما لحق بهم وبممتلكاتهم من أضرار على يد إسرائيل.

ورغم أن هذين القرارين لم يكن بهما جديد، حيث صدر مثلهما عن الأمم المتحدة عدة مرات بين عامى ١٩٤٧ و٢٠٠٠، فإن لغة قرارى دربان (رقمى ٦٣ و٦٥ من الإعلان الختامى) والديباجة لهما، وسياق المؤتمر نفسه، ومكان انعقاده وقتها، وتغطيته إعلامياً بكثافة غير مسبوقة، جعل إسرائيل تبدو كما أنها الوريث الوحيد فى العالم للنظام العُنصرى الذى كان قد سقط سقوطاً مُدوياً، قبل المؤتمر بسبع سنوات (١٩٩٤)، على يد نيلسون مانديلا، وحزب المؤتمر الوطنى الأفريقى.

كما أنه مع إعلان الموافقة على القرارين، هلّل وطبّل الأفارقة والعرب والمسلمون، وتظاهروا فرحاً، لعدة دقائق. وكانت إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى تمت إدانتها بالاسم فى ذلك المؤتمر الحاشد، بجنوب أفريقيا. وظهرت إسرائيل معزولة ومنبوذة تماماً، كما لم يحدث لها من قبل قط. كذلك أوحى السياق العام، كما لو أن سقوط النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا هو فأل بقرب سقوط لإسرائيل!

كان كل ذلك عام ٢٠٠١، أى منذ ثمانية أعوام. ومع ذلك ظلت أصداء ما حدث فى «دربان» تلاحق وتحاصر منظمى المؤتمر التالى، والذى تقرر انعقاده خلال الأسبوع الذى يبدأ يوم ٢٠ أبريل ٢٠٠٩. وكالعادة تسبق هذه المؤتمرات الدولية الكبرى اجتماعات تحضيرية يتم فيها مُراجعة ما سبق وإعداد مسودات قرارات ما لحق. وحرّكت إسرائيل كل أجهزة الضغط والتأثير، بداية بالولايات المتحدة.

ومن خلال هذه الأخيرة وبسبب تأثيرها سعت لمنع تكرار ما حدث فى دربان ٢٠٠١. وكان أول نجاح فى ذلك هو ألا ينعقد المؤتمر الثانى فى عاصمة من عواصم العالم الإفريقى العربى الإسلامى. فكانت جنيف المدينة الدولية الأكثر حيادية هى الاختيار التوافقى، ولكن مكان الاجتماع لم يمنع «الدول المناوئة» من إعداد بيان اعتبرته أمريكا وإسرائيل وعدة بُلدان غربية محل اعتراض على الأقل فى فقرتين:

- الأولى، هى تأكيد مؤتمر جنيف على الالتزام بكل ما ورد فى إعلان مؤتمر دربان - بما فى ذلك طبعاً إدانة إسرائيل والانتصار للفلسطينيين.

- والثانية، هى الفقرة التى تجعل لاحترام الأديان أولوية مُطلقة على حقوق الإنسان الأخرى، بما فى ذلك «حُرية التعبير»، المنصوص عليها فى المادة ١٩ من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان.

وكان بالقطع مُمكناً إيجاد صيغة توفيقية كما سعينا نحن مُمثلو المجتمع المدنى، مثل التأكيد على احترام كل الأديان، ومُناهضة الحض على كراهية دين بعينه أو أتباع هذا الدين، دون التعرض للحق فى حُرية التعبير. ولكن الوفود الحكومية للدولة الإسلامية فى المؤتمر الحكومى أصرت على النص الذى يُعطل الحق فى حُرية التعبير، إذا مس «احترام أى دين»، ولأنها فى كتلة واحدة مع الدول العربية والأفريقية، وتملك أغلبية طاغية، فقد كان لها ما أرادت، وهو ما أدى إلى انسحاب الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية.

وإمعاناً فى استعراض عضلاتها التصويتية، أصر التكتل نفسه على دعوة الرئيس الإيرانى أحمدى نجاد ليكون المتحدث الرئيسى فى الجلسة الافتتاحية. وكما هو متوقع، كرر الرجل نفس هجومه المُعتاد على إسرائيل والصهيونية، وأنكر وقوع المُحرقة النازية، التى فقد فيها ملايين اليهود الأوروبيين أرواحهم. وهو ما أدى إلى انسحاب عدة وفود أوروبية من قاعة المؤتمر ... فى مشهد رآه الملايين من مُشاهدى شبكات التليفزيون العالمية.

وهنا لابد لنا من وقفة مع الحقيقة كعرب أو مسلمين، أو أفارقة. فقد تُُرضى تصريحات رجل مثل أحمدى نجاد البعض منا، ممن فاض بهم الكيل من المُمارسات الإسرائيلية والدعم الأمريكى لها، بل ويتعاطف معنا الآن مُعظم شعوب العالم.

وحين وقف رئيس الوزراء التركى الطيب رجب أردوغان فى مؤتمر دولى مُماثل، فى يناير الماضى بمدينة دافوس السويسرية أيضاً، ونقد إسرائيل نقداً لاذعاً، وفى وجود الرئيس الإسرائيلى شيمون بيريز، وصفّق له الحضور، ولم ينسحب أحد من القاعة، ولا حتى الرئيس الإسرائيلى. فما هو الفرق بين دافوس يناير ٢٠٠٩، وجنيف أبريل ٢٠٠٩؟.

الفرق الشاسع هو «الديمقراطية» و«لغة الخطاب»، فالطيب أردوغان يرأس حكومة مُنتخبة ديمقراطياً، وكمسؤول تركى ديمقراطى لم يستخدم لغة تحُض على كراهية دين بأكمله، أو إدانة كل أتباعه، أو إنكار واقعة تاريخية موثقة، مثل المُحرقة النازية. بل وأشار أردوغان إلى هذه الأخيرة، وهو يتساءل باستنكار: كيف لأقرباء وأبناء ضحايا تلك المحرقة أن يرتكبوا فظائع مُشابهة ضد الفلسطينيين فى غزة؟.

أما أخونا الرئيس الإيرانى، فهو يأتى من بلد، رغم عراقته فإنه يحكمه رجال الدين فى نظام «ثيوقراطى»، وليس نظاماً ديمقراطياً حُراً. ولذلك فلم ولن يكون له المصداقية نفسها التى يتمتع بها مسؤول مسلم آخر، فى البلد المُجاور له، وهو تركيا. لا لأن تركيا أفضل من إيران، ولكن لأن نظامها السياسى الديمقراطى المُعاصر أفضل من النظام الإيرانى الثيوقراطى المتخلف.

والعبرة هنا، هى أن عدالة قضايانا، لا يمكن الدفاع عنها بفاعلية ومصداقية، إلا إذا كان هؤلاء المُدافعون يأتون من أنظمة حاكمة مُنتخبة ديمقراطياً.

والله أعلم.

اجمالي القراءات 12574