الردة في الإسلام

آية محمد في الخميس ٢٣ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

"من بدل دينه فأقتلوه": مقولة نسبت إلى نبي الإسلام (ص) وينادي بها الكثير من المسلمين ويدافع عنها غالبية الشيوخ ويستغلها كل اعداء الإسلام. كثيرا ما سمعنا هذه المقولة تتردد في الآونة الأخيرة على ألسنة مختلفة لتعبر عن اهداف متفاوته كل على حسب نواياه ومساعيه الشخصية. وظلما وبهتانا تُحسب هذه المقولة على الإسلام وتعتبر تشريعا بُني على اساسه ما يسمى بحد الردة. وبالرغم من ان حد الردة المنسوب عدوانا للإسلام لا يطبق في مصر إلا ان الإشارة له ترددت على مسامعنا مؤخرا وكان آخرها ما نشرته بعض الصحف عن قيام التكتل الإخواني بالعمل على تقديم قانون تطبيق حد الردة في مصر لردع من تسول له نفسه الخروج من الإسلام، فيتحول الإسلام إلى سجن كبير مليء بالمنافقين والمحتالين الكارهين لهذا الدين! السؤال الآن: هل حد الردة شريعة إسلامية؟

بادئ ذي بدء وجب توضيح موقف القرآن من حرية الإعتقاد. والقرآن هو الوحي الذي يؤمن المسلمون بنزوله من الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد بن عبد الله (ص)، وهو الكتاب اليقيني الثبوت عند اي مسلم مهما اختلف مذهبه وبالتالي هو صراط المسلم ومنبع معرفته. وقد وقف القرآن - المكتوب منذ اكثر من 1400 سنة - وقفة متحضرة من حرية الإعتقاد والإيمان، ففي حين أن الدول المتحضرة في قرننا الحالي لازالت تناقش حق الفرد في تقرير مصير اعتقاده الدنيوي وتعقد المؤتمرات والجلسات لمحاولة الرقي بالفكر البشري إلا أن الإسلام ارسي قواعد هذا الأمر منذ قرون مضت. الإسلام المفترى عليه والمتهم بالعنصرية والفاشية والنازية بسبب تحكم شيوخه وجهل اتباعه نادى منذ ألف وبضع سنين بحرية الإعتقاد والإيمان، وجاء حكم حرية الإعتقاد في شكل آيات قرآنية كان المفروض ان تكون نور المؤمن ومنهاج حياته واساس تعاملاته، ولكن للاسف هُجرت الآيات التي تسمو بخلق المسلم لا لسبب اللهم إلا كون امة إقرأ لا تقرأ ولا تأخذ علمها الديني إلا بالسمع من الشيوخ وخطباء المساجد، وحق عليهم شكوى رسول الله فيهم يوم الحساب "يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا" (الفرقان:30).

وضع القرآن قاعدة آساسية لأي مسلم قال تعالى فيها: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (القصص:56)، يعني مهما تعددت وسائل محاولات فرض الإسلام على الإنسان لن تثمر او تنفع قيد أنملة لأن الإسلام لا يُفرض بل يَهدي الله إليه من يشاء قلبه أن يُهتدي. وقد يأخذ المسلمون لفظ "إنك" على إنه إشارة خاصة بالنبي ولكنه لفظ يشير إلي اي مسلم يحاول ان يزج بنفسه في اللغو مع غير المسلمين (بما فيهم المرتدين) فينصحهم الله تعالى بالإعراض عن اللغو لأنهم لن يفرضوا الإيمان على اي شخص فالإيمان هداية من الخالق وحده لا شريك له فيها؛ فعلى المسلم ان يعرض عن جدال كل من لا يؤمن بالإسلام طالما أن الحديث سيتطور إلى لغو لا قيمة له، أما إن كان جدال عمليا محترما "فجادلهم بالتي هي احسن" لا بالقتل والإرهاب.

وكما اختصر القرآن قُدرة المسلم على هداية الناس إلى الإسلام، فقد بين ان حرية الإعتقاد هي شأن إنساني لا يحاسب عليه إلا الله وحده ولم يكلف عبدا بمحاسبة آخر على ما شاء ان يؤمن به. ينقل لنا القرآن قوله تعالى: "إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا" (المزمل:19)، يقول سبحانه "فمن شاء" اي أن للإنسان كامل الحرية في إختيار سبيله سواء كان سبيل الله او سبيل الشيطان! ولو أن الله يريد منا فرض الإسلام بالجبرية على الناس لما قال "فمن شاء" بل لكان بين لنا إننا مطالبون بإجبار الناس على إتخاذ الله سبيلا؛ فالمشيئة ترجع للإنسان وحده ولا يحق للمسلم ان يسلب المشيئة والحرية الشخصية من اي شخص؛ ولم يضع الله في كتابه اليقيني الثبوت اي حد دنيوي على من يختار سبيلا آخر غير سبيل الله. وفي آية آخرى يقول سبحانه " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا..." (الكهف:29)، وهنا يؤكد السميع العليم على أن المشيئة بين الإيمان والكفر ترجع للإنسان نفسه على أن يحاسبه الله في النهاية، ولم يكلف المسلم بمحاسبة الناس على عقائدهم في الدنيا أو القيام بدور الله على الأرض! بل ويقول الله في الآية 256 من سورة البقرة " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ". إذن الأمر محسوم، حرية الإعتقاد مكفولة في القرآن الكريم ولا يوجد لها اي حدود دنيويه، فهي حرية مطلقة يرجع حسابها على الله وحده لا على المسلمين.

وحقا يخرج علينا بعض الشيوخ بقولهم إن الإسلام ارسى فعليا حرية الإعتقاد، فلا يُكره إنسان على دخول الإسلام، ولكن إن دخله بكامل إرادته فلا يخرج منه إلا مقتولا، فهو – أي الإنسان - لم يُجبر على دخول الإسلام ولكنه يُجبر على البقاء فيه حتى لا تكون فتنة تضر بالمسلمين وإن اصر على فتنته يقتل. ويَدعي شيوخنا الأجلاء إن كلامهم هذا هو كلام الشريعة الإسلامية الحق. حسنا، لا يوجد خير من القرآن الكريم للتعرف على الشريعة الإسلامية الحق التي يتكلم عنها شيوخنا والتي باسمها وبركتها يسفك دماء الأبرياء كل يوم؛ ولنلقي نظرة على آيات الردة في القرآن للتعرف على حكم الله النهائي في المرتدين وإن كان قال سبحانه بقتلهم ام لا.

تقول الآية 217 من سورة البقرة "....ۚ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ". الآية واضحة ولا تحتاج إلى زيادة توضيح وهي تتكلم عن من يرتد ويموت وهو على ردته. وكلمة يموت كلمة عامة تشير إلى اي طريقة قد يقدرها الله لينهي بها حياة الإنسان، ولكنها لا تعني ابدا حكم خاص بالقتل، ولو أن المقصود بها القتل لجاءت الآية "فيقتل وهو كافر"! إذا لا حكم للمرتد إلا في الأخرة حيث يجازيه الله على اعماله التي بين لنا الله مسبقا إنها أعمال محبطة. وزيادة في التوضيح انقل لكم الآية 54 من سورة المائدة والتي تقول " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ"، ألم يكن في إستطاعة الحق سبحانه ان يقول لنا من يرتد منكم عن دينه فأقتلوه؟! وإن كان كلام الرحمن الرحيم واضح في قرآنه فلما التعنت في الأحكام الغير إنسانية التي تضر بالإسلام ولا تنفعه في زمن يعلو فيه شعار "الحرية الإنسانية هي الحل". لما نطمث حقيقة أن القرآن سبق غيره في إعلاء شعار الحرية الإنسانية وماذا يستفيد الإسلام والمسلمون من تشويه مبادئ القرآن السامية؟!

طُمثت الحقيقة القرآنية بفعل تقديم التراث الإسلامي عليها والذي يسميه رجال الدين بالسنة النبوية والتي يقول عنها شيوخنا الأجلاء إنها مكملة للقرآن الكريم وناسخة لبعض آياته... بل وزادوا أن القرآن احوج إلى السنة من حاجة السنة إلى القرآن. إذا سألت اي شيخ أين شرّع الله قتل المرتد قالوا لك في الحديث النبوي الذي بين او نسخ بعض الآيات القرآنية المبهمة الملامح! طبعا انا لا اقول ان القرآن مبهم الملامح او غير واضح ولكن هذا ما يقوله رجال الإسلام انفسهم بالرغم من ان الآيات التي سُقتها اعلاه واضحة ومبينة وليست في حاجة إلى من يبينها. أما الحديث الذي بنى عليه المسلمون شريعة قتل المرتد فهو: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة أن عليا رضي الله عنه حرق قوما فبلغ ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من بدل دينه فاقتلوه (أخرجه البخاري).

ويعتبر الحديث "النبوي" نصا ظني الثبوت ومع ذلك يؤمن المسلمون بأنه يُبين ويكمل نص يقيني الثبوت. وحديث الردة هذا منقول عن عبد الله ابن عباس والذي يعتبره المسلمون بحرا للعلوم القرآنية وترجمان للقرآن ويلقبونه بحبر الأمة. يقول شيوخنا الأجلاء انه صحابي ثقة دعا له نبي الله فقال: اللهم أملأ جوفه فهما وعلما! وابن عباس صاحب ألف ستمائة ستة وستين حديث نبوي ويحتل المرتبة الثالثة بعد كلا من الصحابي ابو هريرة الدوسي وأم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق في النقل عن نبي الإسلام. هذا إلى جانب انه اكثر من نُقل عنهم تفسير لآيات القرآن الكريم. ومؤكد بعد هذه الهالة المقدسة التي وضعت على رأس حبر الأمة اصبح من الصعب تكذيب الحديث النبوي صاحب تشريع الردة. وللأسف تلك الهالة القدسية دائما ما تعمي اعيننا عن تقصي الحقائق بصورة علمية، فحبر الأمة اصبح الآن من الثوابت الدينية مثله مثل القرآن الكريم ومن جادل في حقيقة امره اصبح مرتدا او كافرا يستتاب ثلاثة ايام او يقتل!

ومع ذلك لا يخفي عن شيوخنا أن التاريخ الإسلامي لم يذكر الكثير عن تعاملات النبي مع عبد الله بن عباس - حبر الأمة - اللهم إلا من مرة او إثنتين كانت إحداهما إعداده الماء لوضوء النبي (البخاري: باب الصلاة). وإلى جانب ندرة التعامل بين الحبر والنبي فإن عُمر الحبر ابن عباس وقت وفاة النبي لم يتعدي الثلاثة عشر ربيعا. يعني لم يكن فقط طفلا في حياة النبي بل لم يكن له تفاعلات معلومة مع النبي فيما عدا مرة اعد فيها للنبي مياة الوضوء ومرات معدودات دعا له النبي من باب المجاملة والزوق. هذا في مقابل رجلا مثل علي بن أبي طالب جاورالنبي خطوة بخطوة ولحظة بلحظة بل وزوجه النبي من احب الناس إلى قلبه ابنته فاطمة؛ فهل يعقل ويستوي علميا أن ينسى ابن أبي طالب كلام صاحبه الذي عاصره وفداه بنفسه ويذكر الكلام من كان طفلا ولم يعاصر النبي إلا قليلا! هذا إلى جانب ان "بحر العلوم القرآنية" الذي دعا له النبي "بالعلم" فشل في تأويل قوله تعالى "حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ" ففسرها بأن الشمس تنزل في بركة طينية سوداء كل مغرب وهو ما لا يستوي مع "العلم" الحقيقي!!!! فهل لنا من وقفة لنرفع الهالة المقدسة من على رأس ابن عباس ونفكر بعقلنا ولو للحظة؟!

وإلى جانب ما ذكرته اعلاه فإن ابن عباس (حبر الأمة) اُتُهِم كوالي للبصرة بالإستيلاء على اموال المسلمين بغير حق. وينقل لنا الطبري في كتابه تاريخ الأمم والملوك خلافه مع الإمام علي بن أبي طالب عندما ولاه الخليفة الرابع على البصره حيث كتب ابو الأسود الدؤلي إلى الخليفة علي يشتكي الوالي عبد الله ابن عباس قائلا: وإن ابن عمك (أي ابن عباس) قد أكل ما تحت يديه بغير علمك". ولما ارسل علي لإبن عباس يطلب منه رفع كشف حسابه إليه، أبى ابن عباس، ولما اصر الخليفة على استلام كشف حساب عايره حبر الأمة بسفكه لدماء المسلمين في سبيل الحصول على الجاه والسلطان فما كان من الإمام علي إلا أن قال متهكما له أنه (أي ابن عباس) شريكه في سفك الدماء. فهل يستوي أن نشرع بقتل إنسان بالنقل عن شخص غير معصوم من الخطأ مثل ابن عباس في حين إن لدينا آيات قرآنية حاسمة لقضية الردة؟

وجدير ذكره هنا بأن "عكرمة" مولى ابن عباس والذي روى عن ابن عباس هذا الحديث قد رماه بالكذب كل من عبد الله ابن عمر ومحمد بن سيرين وسعيد بن المسيب وعلي بن عبد الله بن عباس ويحيى بن سعيد والقاسم بن محمد وعطاء الخرساني. وفي حين أن البخاري اخرج هذا الحديث المنقول عن "المجروح" عكرمة مولى حبر الأمة إلا أن تلميذه (اي البخاري) مسلم رفض ان يخرج له (أي عكرمة) في صحيحه إلا حديث واحد عن الحج! يعني إن رفض مسلم وهو من اتى بعد البخاري أن يأخذ بهذا الحديث فأولى بنا اليوم ألا نتخذ منه شريعة نطالب من خلالها بالقضاء على حياة إنسان بريء. بل والأدهى إننا ننطح بتلك الشريعة الظالمة جدار الإسلام بدل من مصالحة الإسلام على القرن الواحد والعشرين من خلال إلقاء الضوء على آيات القرآن الكريم التي تعزز حرية الرأي والإعتقاد!


وزيادة في تأكيد عدم صحة هذا الحديث أن ابو بكر الصديق لم يأتي على ذكره في خطابه إلى القبائل المرتدة قبل شن الحرب عليهم. فلو أن هذا الحديث صحيح وحقيقي فلما لم يذكره الصديق في خطابه، أم انه نسى كلام صاحبه مثلما نساه علي بن ابي طالب وتذكره فقط من لم يصاحب النبي إلا وهو طفلا ولمرات معدودة!. وخطاب ابو بكر الصديق (ابن كثير/الطبري) لم يخلوا من بعض الآيات القرآنية الموجهة إلى القبائل التي قيل إنها ارتدت ولكنه خلى تماما من اي ذكر لما يسمى بالسنة النبوية ولم يأتي ذكر حديث واحد منسوب للنبي داخل الخطاب. وهذا يجعلنا نتساءل إن خلو رسالة الصديق من اي إشارة لحديث الردة لا يعني إلا احد الأمرين إما أن ابو بكر نسي مثل علي اوامر صاحبه ونبيه او ان الكثير من احاديث السنة النبوية المزعومة لم تكن قد نسجت بعد. وهنا يجدر الإشارة إلى ان حروب الردة التي قام بها التيمي بن ابي قحافة الملقب بأبي بكر لا تتعدى كونها حروب سياسية قام بها للحفاظ على دولته الوليدة من التفكك. فالقبائل التي قيل عنها إنها ارتدت كانت تشهد بأن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله ولكنهم امتنعوا عن دفع الصدقة التي جاء ذكرها في القرآن "وخذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم" (التوبة:103) وقالوا لأبي بكر: فلسنا ندفع زكاتنا إلا إلى من صلاته سكن لنا (ابن كثير: المجلد الخامس). فشن عليهم الخليفة الأول حربا اعترض عليها الفاروق عمر بن الخطاب ولم يبدي تأيده لها وسميت بحروب الردة لإضافة هالة شرعية لها!

من كل ما سلف ذكره يتبين لنا أن القرآن انهى مسألة الرده بأن المرتد يموت بالطريقة التي يرضاها له الله تعالى لا بمقصلة المسلمين. الله لم يضع حدا دنيويا للمرتد ولكن المسلمين وضعوا الحد الإجرامي بعد نسج روايات مقدسة تدفعنا لهجر قرآن الله بل وتمادوا بوضع هالة مقدسة على رؤوس كل من نسجوا لهم الروايات حتى يصعب على المسلم اختراق قدسيتهم وتفكيكها، ومن ينجح في الإختراق وكشف الزيف يصبح مارق زنديق. واصبحت الهالة المقدسة سدنة تحرس الجمود والثبات العقلي فأصبح الإسلام دينا غريبا في عصر يتجه نحو منحنى الإنسانية. وهذا الجمود اصبح شرخا في جدار الإسلام تتسع هوته يوما بعد يوم. الوقت يداهم المسلمين إن لم يفيقوا من ثباتهم العميق وعماهم السقيم ويحيوا القرآن المجيد قطعهم الوقت!

اجمالي القراءات 31919