لا يبدو حتى الآن على الأقل، أننا يمكن أن نرى حمرة الخجل، تضرج بالخزي جبين أحد من أشاوس العروبة المصريين، بعدما افتضح أمر سيدهم وبطل خرابهم وكوارثهم حسن نصر الله، بعد اضطراره إلى الاعتراف بمد نشاطه التخريبي إلى حدود مصر، واتخاذها قاعدة لمغامراته، مستهيناً بدولتها وشعبها، كما سبق له وأن استهان بالدولة والشعب اللبناني، ونصب من نفسه سيداً عليه، واتخذ من أرض لبنان قاعدة يمارس الدور التخريبي المرسوم له من أسياده، تحت تهديد صواريخه ومتفجراته، مستعيناً ب&rave;الذمم التي يشتريها بدولاراته الإيرانية. . يبدو أيضاً توقعنا هذا بعيد المنال، وربما بالأساس في غير محله، ذلك أنه يقوم على عدة افتراضات، لو غاب أحدها، ناهيك عن غيابها جميعاً، فلابد وأن نفقد الأمل في أن نشهد تراجعهم المخزي عن مواقفهم، التي سبق وأن استدعت منا الإشفاق عليهم، بأكثر مما أوجبت الازدراء لهم، تلك الافتراضات التي تصورناها فيهم -ولو من قبيل درء سوء النية- هي:
* أن للوطن مصر وزناً في عقولهم وقلوبهم، وأنهم حريصون بالفعل على أمن دولتها وشعبها، ذلك الأمن الذي كثيراً ما يتشدقون به، ويستخدمونه كفزاعة للتخويف من إسرائيل، تلك الدولة التي عقدت مصر معها معاهدة سلام، أوفت فيها بالانسحاب من أرض بلادنا المحتلة، وتحافظ عبر ثلاثين عاماً مضت على الالتزام بها، كما يليق بدولة ديموقراطية حديثة، لا دولة مغامرين، أو تجمع عصابات ميليشياوية متآلفة أو متنافرة.
* أن ممارسات الأشاوس العروبيين الإعلامية، ومحاولاتهم لتهييج الجماهير، ودفعها للتظاهر والاحتجاج، وتمجيداتهم لقادة العصابات الإرهابية، ورفع أمثال نصر الله واسماعيل هنية وخالد مشعل، إلى مصاف الأبطال الميامين، الذين يستعيدون بمغامراتهم الجنونية مجد العرب البائد، وكرامتهم المهدرة. . نفترض أن كل هذا يأتي على أرضية القناعات الفكرية المخلصة، بغض النظر عن غبائها، وأنهم لا يرتزقون من هذه المهاترات، من هذا الطرف أو ذاك، رغم أن سجل أغلبهم حافل، بالسجود على أعتاب طغاة المنطقة، مثل صدام والقذافي وما شابه، ليخرجوا عليهم بين الحين والحين، بنفحات من أكياس الذهب والفضة، فيندفعوا متكالبين عليها، مقبلين الأيادي والأقدام، التي تدوس على أعناقهم، وأعناق شعوبهم.
* الافتراض الثالث الذي نتوكأ عليه، بأمل أن يعود مناصرو ودعاة العداء والكراهية والتخريب إلى رشدهم، أنهم يتمتعون بالحد الأدني من السلامة العقلية، والقدرة على رؤية الواقع الحال والصارخ أمامهم، والذي يتنافى تماماً مع ما يرددون من شعارات، وما يمجدون من تخيلات لقوى وكيانات وانتصارات، لا وجود لها على أرض الواقع، في حين أن الموجود بالساحة هي تكوينات وتنظيمات عصابية إجرامية، تحترف القتل والتخريب، وتتعيش عليه، لحساب الأقدر على الدفع، والأكثر سخاء في العطاء، وأن ممارساتها وانتصاراتها الإلهية، لا تمت لشعوب بائسة تنتظر الخلاص من فقرها وجهلها ومرضها، ولا تستعيد مغامراتها أرضاً تمكن منها الأقوى والأكثر حذقاً وعلماً، ولا تسترد كرامة أهدرها الطغيان والتهريج، والعماء الذي يجره على الشعوب إدمان العداء الأبدي للآخر، سواء بدوافع أيديولوجية قومية، أو بدوافع دينية، تبقي نيران الكراهية مشتعلة، وسفك الدماء دائم إلى يوم يبعثون. . هو افتراض منا ليس له مايبرره، لكنه يقينا يدفع عنا تهمة الاستخفاف بهولاء، أن نفترض أن ليدهم عقولاً قادرة على القياس والتحليل البسيط، ماداموا قد عجزوا على التحليل الجيد، الذي يكشف لعيونهم الكليلة حقيقة مثل تلك العصابات التي تدعي المقاومة منذ البداية، وهو الاكتشاف الذي لو كان قد تحقق للشعوب وصفوتها مبكراً، لكنا كفينا أنفسنا شروراً كثيرة مضت، وشروراً أكثر قادمة.
من المؤسف والمحزن بالفعل، أن نستمع في قناة الإرهاب، إلى واحد من خبراء مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ونائب رئيس هيئة مصرية رسمية مرموقة، وهو يتحدث عما يحاك لمصر التي كانت كبيرة، قبل أن يجلس كل هؤلاء في مواقع، ليسوا بالتأكيد جديرين بها، ويساوي المفكر المرموق بين مصر وحزب الشيطان، وبين قضاء وساسة دولة لها وزنها، وبين تلاعبات ثعبان ينفث سمومه في كل محيطه، غير عابئ ولا مقدر لأي عواقب، ويطالب الدكتور الهمام بمزيد من الفهم والتفاهم والثقة، بين الدولة المصرية، والمغامر المأجور زعيم حزب الشيطان، هي المهزلة لا سواها، أن يتدنى أبناء مصر بأنفسهم وببلادهم إلى هذا الدرك من الضعة والوضاعة!!
لا يشي ما نراه من إشارات، تصدر من قطعان الأشاوس، المتأسلمين واليساريين والناصريين والصداميين والأسديين. . . إلخ، إلى أن واحداً على الأقل من الافتراضات الثلاثة: الوطنية، والإخلاص، والتعقل، متوافر فيهم. . هم من دأبوا على اتهام أصوات التعقل والسلام بالخيانة والعمالة والكفر، وسائر ما في قاموسهم من سباب ولعنات، يلوكونها طوال الوقت، بقدر ما يبتلعون ريقهم.
سمعنا عن واحدة من المناورات الإخوانية الشهيرة، التي يروغون بها من الحقائق كما تروغ الثعالب، فنرى المجموعة البرلمانية للجماعة المحظورة تعلن احترامها لسيدها حسن نصر الله، وفي نفس الوقت رفض تدخله في الشأن المصري. . نكتة سخيفة، وخداع مفضوح، وتراجع يفتقد للكرامة والشجاعة، في مواجهة ما يتحتم على كل من يحترم ذاته مواجهته. . أن تحترم حسن نصر الله، وفي نفس الوقت تطالبه بألا يكون حسن نصر لله!!. . صعب بل مستحيل عليهم أن يتحلوا بشجاعة الاعتراف، أنهم اكتشفوا ولو متأخراً جداً حقيقة الرجل، البادية لمن يمتلك ولو نصف عين ينظر بها. . هو العميل الإيراني، الذي يتذرع بمقاومة إسرائيل، ويعرف كل من يستمع إليه، ويرصد ممارساته هو وعصابته، أنه لا يقاوم إلا الكيان اللبناني الديموقراطي الموحد، ليمسك به بين براثن الأصولية الدينية الإيرانية الرهيبة. . قريب إلى ذاكرتنا مشاهد ما فعل في بيروت، أثر اكتشاف السلطة اللبنانية لزبانيته في شبكة الاتصالات اللبنانية، وكيف شل الحياة في بيروت، مهدداً السلطة والشعب اللبناني بجحافله، وبسلاحه الذي يقول أنه موجه فقط لإسرائيل.
صعب ومستحيل على الأشاوس أن يعترفوا أن خطابهم وشعاراتهم وأيديولوجياتهم القومية والدينية، محض خواء وتخلف وبلاهة، وأنهم يسوقون شعوبهم إلى الخراب والدمار، وإلى المزيد من الغرق في مستنقعات التخلف والفقر.
صعب عليهم أن يتحلوا ولو بالقدر الأدني من احترام الذات، فيراجعوا أنفسهم، على ضوء ما يتكشف يوماً فيوماً من حقائق، ويعلنوا أمام ضمائرهم المفترضة أولاً، وأمام الجماهير التي ضللوها طويلاً ثانياً، أنهم كانوا على باطل، وأنهم قد خُدعوا في تلك الشخصيات الهيكلية الجوفاء والعميلة، وأنه قد آن الأوان لاستئصال عصابات الارتزاق والقتل والكراهية من بلادنا.
صعب أن نرى حمرة خجل على وجوه تجرد أصحابها من كل عقل وضمير، فصاروا وبالاً على الشعوب التي جعلت منهم صفوة وإعلاميين ومفكرين وكتاباً.
أم أن مصر قد هانت على بنيها، فصارت مثل الحائط الواطئ، يحرض الأطفال على التقافز فوقه، ويشجع الكلاب على التبول عليه؟
حرام على هؤلاء أن يشربوا من مياه النيل، وأن يأكلوا من خيرات واديه، فلقد باعوا فيما يبدو مرة وإلى الأبد، كرامة وطنهم وسلامته، لقاء بعض الدولارات أو الشعارات، أو كليهما معاً!!