له اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها

شريف هادي في الأحد ١٢ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

الحمد لله الذي جعل الدين عنده الاسلام ، وأرسل الرسل على دين الاسلام ، وجعل الجنة لمن تبعهم وتحيتهم فيها سلام ، والصلاة والسلام على محمد عبد الله ورسوله للأنام ، والذي كانت ملته خاتمة الملل ملة الاسلام ، وبـــــــــــــعد
كنا قد كتبنا في معنى الاسلام ، وقلنا وبالله التوفيق أن الاسلام نوعان ، إسلام التوحيد وهو دين جميع الانبياء والمرسلين من لدن آدم حتى خاتم المرسلين عليهم صلواة الله وسلامه أجمعين ، مصداقا لقوله تعالى "ان الدين عند الله الاسلام وما اختلف ال&te;ذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بايات الله فان الله سريع الحساب" آل عمران19 ، وقوله تعالى " قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)[سورة آل عمران] ، وهذا النوع من الاسلام يكون الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ((((من)))) المسلمين لقوله تعالى"انما امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وامرت ان اكون من المسلمين" النمل 91 ، والنوع الآخر من الإسلام هو الملة التي أنزلها على محمد عبده ورسوله عليه الصلاة والسلام (ملة الاسلام) بما فيها من أوامر ونواهي وعبادات لقوله سبحانه وتعالى" قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)[سورة الأنعام] ، وقوله تعالى" قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12)[سورة الزمر] ، وبما أن هذا النوع من الاسلام هو الملة التي نزلت على محمد عليه الصلاة والسلام فمن الطبيعي والمنطقي أن يكون ((((أول)))) المسلمين
وسبحانه له إشارات تعقلها قلوب واعية وعقول للحق راجعة ، فقد جعل كل الأديان السماوية (إسلام) ثم جعل أسم آخر ملة سماوية (إسلام) إشارة إلي أنه لا دين بعد دين الاسلام ولا نبي بعد نبي الاسلام ، لذلك قال سبحانه وتعالى وله الحمد على ما قال " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع الا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وان تستقسموا بالازلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فان الله غفور رحيم" المائدة 5 ، فجاء تمام الدين وكماله بعد ذكر آخر المحرمات من الطعام ، والنهي عن الاستقسام بالازلام ، تأكيدا لتمام صرح الدين كله من لدن آدم إلي محمد عليهم جميعا الصلاة والسلام بتمام ملة الإسلام.
وكان اسم أتباع الملة الأخيرة مسلمين واسمها (دين الاسلام) قدرا مقدورا في علم رب العالمين لتسمية ابينا إبراهيم لنا من قبل لقوله تعالى"وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم ابراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فاقيموا الصلاة واتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير"الحج 78 ، وشهادتنا على الناس ليس بما يفعلون ولكن بما نعمل نحن بما في ديننا ، فشاهدتنا وسطية بملتنا ، فمن وافقها نجى وسعد ومن خالفها هلك وتعس ، لقوله تعالى" وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه..." المائدة 48 ، فبهيمنة القرآن على ما قبله من الكتب تكون شهادتنا على من قبلنا من الأمم ، والحمد لله الذي جعلنا خلائف في الأرض ورفع بعضنا فوق بعض درجات سبحانه يبلونا فيعاقب من يشاء ويغفر لمن يشاء ويرحم من يشاء لا معقب عليه في حكمه.
ومن العجيب أن جاء بعضهم ممن يفتقر لحظ من العلوم الشرعية ليتدبر كتاب الله دون قاعدة علمية وطريقة منهجية ليستدل بقوله تعالى "افغير دين الله يبغون وله اسلم من في السماوات والارض طوعا وكرها واليه يرجعون" آل عمران 83 ، على أن كل المخلوقات مسلمة إما طواعية وإما كرها ، ولما كان الانسان حصرا ممن في الأرض فإن جميع بني آدم مسلمين برغبتهم أو رغما عنهم ، فلو كان الاسلام برغبتهم فهم مؤمنين ولو كان رغما عنهم فهم مسلمين ، ولا يسعنا إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فقد نسي من قال ذلك أن المخاطب عنهم في الآية قال فيهم رب العزة سبحانه وتعالى في نفس الآية (أفغير دين الله يبغون) فهؤلاء قطعا ليسوا مسلمين لأنهم ابتغوا غير دين الله ، وقد قيل فيهم (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالاخرة كافرون) وقيل فيهم (الذين يستحبون الحياة الدنيا على الاخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا اولئك في ضلال بعيد) ، فهؤلاء كفار وليسوا مسلمين ، ولن يكونوا بكفرهم إلا أن يتوبوا فيتوب الله عليهم
ثم أننا قلنا مرارا وتكرارا أن آيات القرآن ليست جزرا منعزلة ولكنها تفهم وفقا للسياق ، ولنأتي لسياق الآية الكريمة ونقرأ قوله تعالى" وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)[سورة آل عمران] ، وهنا تتكلم الآيات عمن تولى عن الأخذ بميثاق النبين في الإيمان بالرسول الخاتم ونصرته ، ويسخر منهم رب العزة سبحانه وتعالى أنهم يبغون غير دين الله مع أن باقي المخلوقات أسلمت له تسليما وإزعانا وإنقيادا طوعا وكرها مصداقا لقوله تعالى " ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللارض ائتيا طوعا او كرها قالتا اتينا طائعين" فصلت 11 ، وقوله تعالى " تسبح له السماوات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم انه كان حليما غفورا"الاسراء44 ، أما الإنسان فله القدرة على إبتغاء غير الإسلام دينا ولكنه في هذه الحالة لن يقبل منه وهو في الأخرة من الخاسرين ، هكذا جائت الآيات وهكذا يكون فهمها فهما صحيحا ، أما القول بأن الناس جميعا مسلمين طوعا أو كرها فهو وإن كان مخالفا لصحيح المنقول فهو أشد مخالفة ونكاية بصريح المعقول ، ولنتدبر قوله تعالى" ولله يسجد من في السماوات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال" الرعد 15 ، ونسأل ونقول هل سجد أبو لهب؟ أم هل سجد لله النمرود؟ وهم ممن في السماوات والأرض حصرا ، ولكن السجود هنا ليس سجودا شرعيا يجازى به صاحبه حسنة ولكنه سجودا كونيا من باب التسليم والقدر الذي لا مناص منه ولا خلاص.
وأخيرا فلي كلمة أوجهها لـ (أحمد صبحي منصور) هو يعلم كم أحبه وأحترمه وأشهد له بالريادة والسبق ، كما يعلم أو لا يعلم أني منظومة حب تسير على قدمين ، وقد إستغرقها حب كتاب الله سبحانه وتعالى والعمل على خدمته ليل نهار ، وأنه لتدمع عيني ويدمي قلبي وجوارحي عندما أطلع على موقعنا أهل القرآن فأجد آيات الله سبحانه وتعالى يخوض فيها من لا يعلم بحجة تدبر كتاب الله ، كما ترتعد جميع أوصالي عندما أتخيل متصفحا للمواقع يدخل موقعنا مستبشرا باسمه (أهل القرآن) لكي ننتشله من حيرته ، فيقع صريعا لحيرة أكبر فيخرج من موقعنا يلعننا جميعا أو يستمر فيه ويخوض مع الخائضين أستغفر الله العلي العظيم.
أخي أحمد هذه نصيحتي لك حتى لا تدعي علي يوم لا ينفع مال ولا بنون بأنني لم أكن من الناصحين ، هؤلاء منهم الحلولي ومنهم المريض نفسي ومنهم الجاهل ، وأنت تعطي لهم شهادة بالتدبر تحت مسمى أهل القرآن ، وأنت كما أطلقت على نفسك ناظر هذه المدرسة ، وإن كنت أحب لقبك السابق مدير هذه الجامعة ، عندما قمت بتفعيل قاعة البحث القرآني والتي أتمنى أن تعود لسابق عهدها لتخرج لنا أجيالا نحتاجها وعلماء نتبعها ، أين أنت وقد أصبحت آل عمران بتدبرهم من الجن ، والعذراء مريمان أحدهما حبلت بعيسى بعد مضاجعة روح الله الذي تمثل لها بشرا سويا ، والأخرى ضاجعها يوسف النجار وما خفي كان أعظم ، هذا الحلولي يشير إلينا بعقيدته ونحن لسنا عنه خافلون ، واني لأحي أخواي فوزي وعثمان اللذان دوما ينصران الحق ونحسبهم من أهله ولا نزكي على الله أحدا
أعرف أنني كنت مزعجا لك كثيرا خلال عمل اللجنة حتى ضقت ذرعا بإزعاجي ، وقد طلبت منك أكثر من مرة أن تقتصر صفحة أهل القرآن على عشرة من الكتاب يقلون قليلا أو يزيدون قليلا ممن لا نشك في دينهم وفكرهم وعلمهم ، حتى لا نكون فتنة للذين آمنوا ، فليس كل أهل السنة مالك والشافعي ، وليس كل الشيعة الكافي والقليني ، فلا يمكن أن يكون كل أهل القرآن أحمد منصور ، خلق الله سبحانه وتعالى الناس عالم ومتعلم وجاهل لا يتعلم ، فلا تجعل الجاهل مكان العالم ، وإني لأشفق عليك أن يسألك الله عن خرافاتهم وخزعبلاتهم ، وقد حصنتهم ومنحتهم شهادة أهل القرآن فلا عذر لديك يومئذ وإني لأخاف عليك وأنت أستاذي ورائدي ويعلم الله كم أحبك ، أخي أحمد أرجوك إختار الكيف ولا تختار الكم
أخي أحمد سيكون هذا آخر نصحي لك ولن أثقل عليك ثانية ، اعلم أن السؤال لن يكون أمام حكومة بلد نتركها لغيرها ولكن سيكون أمام رب العالمين الذي لن نهرب من فوق أرضه أو من تحت سمائه ، قلتها لك من قبل وكنت أقصد كل ما فيها من حسن وجمال ولطف وأخلاق ، وأقولها لك ثانية وأنا أيضا أقصد كل المعاني السامية التي تجمعها هذه الكلمة الكريمة ، اتقي الله ، اتقي الله فينا ، واتقيه في الموقع ، واتقيه في كل رواده ، واتقي الله في قرآنية
اللهم أجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، اللهم اشملنا برحمتك وأخي أحمد وكل مسلم يخافك ، والسلام على من يستمع القول فيتبع أحسنه
شريف هادي

اجمالي القراءات 25552