فى الفصل بين الدين والدولة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٨ - أبريل - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
1 ــ فى إجتماعات المنظمات المصرية فى المهجر العاملة فى الإصلاح يتردد دائما مطلب الفصل بين الدين والدولة ، ودائما أوافق عليه ، معتمدا على المفهوم السطحى الشائع لمفهوم الفصل بين الدين والدولة ، والمقصود به أن تكون الدولة علمانية مدنية ، وهذه هى رؤيتى للدولة الإسلامية ، أؤمن بها دولة علمانية مدنية تتناقض مع الدولة الدينية التى نشأت فى تاريخ المسلمين وتاريخ المسيحيين على السواء .
2 ــ ولكن من الناحية العلمية المنهجية لابد من تحديد المفاهيم فى موضوع الفصل بين الدين والدولة حتى نتعرف على الموضوع بدقة .....
وهنا نتوقف مع تحديد المصطلحات الثلاث ( الفصل ، الدين ، الدولة ).
أولا :- الدولة :
يخلط شعار ( الفصل بين الدين والدولة ) بين الدولة والنظام السياسى .
المفهوم الكلاسيكى للدولة هو (الأرض + الشعب +نظام الحكم) . بهذا المفهوم لا يمكن الفصل بين الدين والدولة ، فللدين وجود حقيقى فى معتقدات الشعب ، وللدين مؤسساته الشعبية والتعبدية والمقدسة فى أرض الوطن . ولا يمكن للأقباط أو المسلمين ـ وهم الشعب والجزء الأصيل من الدولة ـ أن نفصل بينهم وبين الدين ، أى لا يمكن أن نفصل بينهم وبين عقائدهم وشعائرهم الدينية ومساجدهم وكنائسهم وجمعياتهم الدينية .
وبالتالى فإن الشعار الأمثل يستبعد الدولة وينحصر فى نظام الحكم أى بوضع ( نظام الحكم ) بديلا عن الدولة ، ويكون المعنى مقتصرا على نظام الحكم فى السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية،بأن تمتنع منعا باتا عن النظر للمواطنين على أساس إنتمائهم الدينى ، بل على أساس أنهم مجرد مواطنون مصريون تتعامل معهم على قاعدة المساواة .
ثانيا : الدين :
هو أيضا ثوب فضفاض لا يمكن إستبعادة كلية ، فالدين له ثلاث مجالات : العقائد والعبادات ،ثم الشرائع والأخلاقيات .
1 ـ القيم الأخلاقية للدين ضرورية ومطلوبة على المستوى الفردى والجمعى ، وعلى مستوى العمل العام وخصوصا من يعمل فى السياسة . القيم الإخلاقية العليا فى الدين هى الصدق وطهارة اليد واللسان ونقاء الضمير والاخلاص فى العمل والتضحية فى سبيل خدمة الناس والوفاء بالعهد والأمانة والعفة والشجاعةالأدبية وكل ما يتصل بحسن الخلق ، هذا بالأضافة للايمان بالقيم العليا الرفيعة وهى الحرية والعدل والمساواة والعفو والتسامح والإحسان والسلام والتفانى فى العمل الصالح .لا يمكن إستبعاد هذا الجانب الأخلاقى فى الدين ، بل يجب تنميته وتدريسه فى المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية والدينية ليكون المواطن على مستوى المسئولية سواء عمل بالسياسة أو بغيرها . هذا هو التصنيع الحق للإنسان لكى يكون عنصرا إيجابيا متفاعلا – بالخير – لخدمة مجتمعه .
2 ـ العقائد والتعبير عنها بالعبادات هى المجال الأول للدين ، ومكانها بيوت العبادة ، وهى علاقة خاصة بين الانسان والاله الذى يعبده أو الذى يرفض عبادته ، ولا شأن لأى فرد آخر بهذه العلاقة ،اى يجب أن تكون حرة على المستوى الفردى والجمعى ، فلكل مواطن حريته المطلقة فى إختيار عقيدته وفى التعبير عنها بشرط ألا يقوم بإكراه أحد فى دينه أو إقامة شعائره ، وهنا يجب الفصل بين السلطة وما يخص الدين من عقائد وشعائر وعبادات ، وأن يتم المنع النهائى لأى فرد مسئول فى نظام الحكم ( التنفيذى أو التشريعى أو القضائى ) فى إستخدام سلطته فى مجال العقائد والشعائر والعبادات ، وأن يمتنع فى طموحه السياسى عن استخدام العقائد والعبادات والشعائر و بيوت العبادة فى الدعوة لنفسه أو لغيره . يجب أن يتم الفصل البات والنهائى والجازم هنا بين السياسة والمعتقد والعبادة .
وهذا سهل جدا مع تطبيق مبدأ ( لا إكراه فى الدين ) أو الحرية المطلقة لكل إنسان فى عقيدته أو أداء شعائره أو عدم آدائها، وأن تكون وظيفة نظام الحكم هى ضمان تلك الحرية المطلقة فى العقيدة وفى التعبير عنها .
3 ـ الشرائع هى المجال الأخطر هنا .... وشعار الفصل بين الدين والدولة يضع نصب عينيه فرض الشريعة السنية قوانين ملزمة لكل المواطنيين المصريين مع أنهم ليسوا جميعا سنيين، وليسوا جميعا مسلمين.
الحل هنا سهل أيضا، وهو أن ينص الدستور المصرى على أن تكون المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هى المصدر الوحيد للتشريع فى الدولة المصرية . وكمفكر مسلم ملتزم بإسلامى ودينى أقرر وأشهد بأن المواثيق الدولية لحقوق الإنسان هى أقرب ما كتبه البشر إلى جوهر الإسلام وشريعة القرآن الكريم . كما أشهد وأقر كمفكر مسلم معتز بإسلامه ودينه أن الشريعة السنية هى التى تتناقض مع جوهر الإسلام وشريعة القرآن الكريم .
شهادتى هذه موجهة للمسلمين فقط ؛ أؤكد لهم بأن الضمان الحقيقى لحماية حقوق الإنسان المصرى ولتثبيت الديمقراطية هو فى تغيير المادة الثانية من الدستور المصرى لتحل جملة " المواثيق الدولية لحقوق الإنسان " محل جملة " مبادىء الشريعة الإسلامية " ، فالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان هى التى وافقت عليها الدولة المصرية ، وهى التى تحددت فيها الحقوق مادة مادة بوضوح ، وهى التى تجعل من المجتمع الدولى ومنظماته – فى القرية الكونية التى نعيشها – رقيبا وحارسا لحقوق المواطن المصرى ضد أى إنتهاك من السلطة المصرية ، أو أى جماعات متطرفة متعصبة .
وإنصافا للحق أقول إن المادة الثانية فى الدستور المصرى ـ والتى أرى تغييرها ـ تعنى نفس مضمون المواثيق الدولية لحقوق الانسان. المادة الثانية تقول ( الاسلام دين الدولة ، واللغة العربية لغتها الرسمية ، ومبادىء الشريعة الاسلامية المصدر الأساس للتشريع )
الفقرة الأولى من هذه المادة تقول :( الاسلام دين الدولة ) ، والاسلام دولته مدنية علمانية حقوقية . ولقد كتبت من ثلاثين عاماـ ولا أزال ـ فى تأكيد التناقض بين الاسلام والمسلمين ، فى العقائد والتشريع وفى حقوق الانسان ، وأثبت أن الاسلام ليس فيه كهنوت دينى أواستبداد سياسى بل هو دين الديمقراطية المباشرة و العدل والحرية المطلقة فى العقائد و الشعائر والسلام والاحسان وحقوق الانسان ، وأن أديان المسلمين الأرضية ، وخصوصا الدين السّنى ـ والطبعة الوهابية منه ـ هى النقيض الأكبر للاسلام ، خصوصا فى حقوق الانسان ، وأن الشريعة السّنية تقوم على الاكراه فى الدين وحد الردة ، والاستبداد والاستعباد والاستبعاد وسلب حقوق الآخر و سلب حقوق المرأة . وبالتالى فان الاسلام هو فعلا الحل ، وهو فعلا ما ينبغى أن تكون عليه الدولة من علمانية ومدنية .
وتقول الفقرة الثالثة (ومبادىء الشريعة الاسلامية المصدر الأساس للتشريع ). وهى هنا تتكلم ليس عن الشريعة الاسلامية ،بل عن ( مبادىء الشريعة الاسلامية ) أى مبادىء الحرية و العدل والاحسان والقيم العليا ، وهى نفس المبادىء التى تقوم عليها المواثيق الدولية لحقوق الانسان.
ومع اعتقادى بصحة المادة الثانية المشار اليها وتطابقها مع المواثيق الدولية لحقوق الانسان أرى استبدالها بالمواثيق الدولية لحقوق الانسان مصدرا وحيدا للتشريع المصرى . والسبب هو المناخ السىء الذى نعيش فيه بسبب ثقافة الوهابية التى اختطفت اسم الاسلام ، وهى أعدى أعداء الاسلام . هذا المناخ السىء هو المسئول عن انقلاب المفاهيم والمعايير ، فالشريعة السنية تحمل اسم الاسلام مع أنها تقوم على الاكراه فى الدين وتغيير ما يرونه منكرا بالقوة ، واستحلال الدماء والأعراض وقتل الأبرياء والاستبداد والفساد ، وهى ليست مجرد نصوص جوفاء ،بل تطبقها الدولة السعودية وغيرها ، من طالبان فى افغانستان الى البشير فى السودان الى الارهابيين فى الشيشان .
انقلاب المفاهيم جعل أعداء الاسلام يتمتعون بلقب (الاسلاميين ) لأنهم حملوا اسم الاسلام فى مشروعهم السياسى ، وفى تطبيقهم لشريعتهم المناقضة للاسلام . من هنا فانهم يقرأون المادة الثانية على أن الدولة دينها الوهابية السنية ، وشريعتها هى الشريعة الوهابية السنية ، ومن خلالها يتعاملون مع الآخر المسلم ( من شيعة وقرآنيين وصوفية ) وغير المسلم .
بسبب هذا المناخ الذى اختطف وأهان اسم الاسلام العظيم أرى صونا للاسلام أن تلغى المادة الثانية من الدستور المصرى ، وأن تستبدل بمادة تجعل المواثيق الدولية لحقوق الانسان هى المصدر الوحيد فى التشريع المصرى.
ثالثا : الفصل .
بذلك يتحدد الفصل فى مجالات محددة ، ليس بين الدين والدولة على العموم ،ولكن بين نظام الحكم ( بسلطاته الثلاث :التشريعية والتنفيذية والقضائية ) والعقيدة والعبادة والشريعة ، وبالتالى فإن هذا يستلزم تنقية حقيقية للدستور المصرى وكل التشريعات المصرية فى ضوءالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان .
وبذلك يمكن إقامة نظام حكم مدنى علمانى فى مصر يكون نموذجا للدول العربية الأخرى .. يتفرغ فيه نظام الحكم فى خدمة أى مواطن مصرى ، ويضمن له حريته المطلقة فى العقيدة والشعائر ، وحقه فى الأمن والمساواة والعدل والتكافؤ فى الفرص وفى العدالة الإجتماعية .

اجمالي القراءات 16574