اللسان العربي واللسان الأعجمي

سامر إسلامبولي في الإثنين ١٩ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                    اللسان العربي واللسان الأعجمي
إن اللسان العربي (اللغة) هو النظام الصوتي الذي أفصح الإنسان الأول (جنس ) عن نفسه به، وتفاعل وانفعل مع البيئة من خلاله ، وذلك بصورة فطرية دون تكلف أو صنعة ، فانسابت الأصوات من جهازه النطقي استجابة لانفعالاته وتفاعله مع الأحداث بصورة فعل ورد فعل ، وتصوير صوتي لظواهر الطبيعة ، فالإنسان الأول هو عربي في نمط حياته ونطقه ، وتعامل مع البيئة بصورة عربية فنتج عن ذلك ظهو&Ntildg;ر الأصوات ذات الدلالة المنسجمة مع البيئة تماماً ؛ لتصير هذه الأصوات العربية هي البذور التي نمت وانبثق منها بداية الألفاظ الثنائية الفطرية المتعلقة من حيث الدلالة بأحداث الواقع، وبدأ تدشين وتأسيس ولادة اللسان (اللغة )، وصفة العربية للّسان أتت من نشأته بصورة فطرية منسجمة مع الطبيعة ، لا علاقة لها بالقومية أبداً ، فتلازم نشأة اللسان العربي مع نشأة وبداية الوعي عند الإنسان الأول ؛ الذي هو عربي في نمط حياته وتفكيره ، ونما اللسان العربي ؛ وتطور في التجمع الإنساني على الأرض العربية (الأرض الأولى الصالحة للحياة ) ،وبسبب هجرة الإنسان، وابتعاده عن الأرض العربية ، وعن أصحاب اللسان العربي ، وتأثير البيئة، والغذاء الجديد عليه، بدأ يصيب لسانه ( لغته ) تحريف من تقديم وتأخير في نطقه للأحرف، أو غياب صوت الحرف كله ، ومع عامل الزمن ، والتأثير الثقافي ، والصنعة في وضع الألفاظ بصورة اعتباطية بدأ نشوء ألسنة مختلفة فقدت صفة العربية (الأصالة والفطرة )، وعلاقة اللفظ (الدال) بالمدلول عليه، وظهرت صفة الأعجمية بالألسنة.
فعلى ماذا تدل كلمة (عجم ) ؟
ع : صوت يدل على عمق
ج : صوت يدل على جهد وشدة .
م : صوت يدل على جمع متصل .

وجمع دلالة أصوات كلمة ( عجم ) بهذا الترتيب تدل على عمق وجهد منته بجمع متصل . لاحظ دلالة صوت حرف ( ج ) كيف دل على تدخل الإنسان بجهده في التأثير على صفة الشيء وحركته، فأخرجه عن مساره ( (عربيته)وأصابه التحريف والتشويه ؛ الذي ترتب عليه اختلافه مع عربية الوجود، مما أدى إلى اضطرابه وتناقضه ، وظهور الفساد في اللسان( اللغة) حيث صار اللسان الأعجمي اعتباطياً في نموه ، وفقد صفة الانسجام والعلاقة المنطقية بين ألفاظه (الدال ) مع المدلول عليه (الأشياء ) واستمر اللسان العربي في نموه ، وتطوره بصورة عربية على الأرض العربية ؛ منسجماً مع نمو وتطور وثبات النظام الكوني، ووصل إلى مرحلة الكمال من حيث النظام البنيوي ، وقام على ذات القواعد الكونية الثابت والمتغير، والزوجية ، والثنائية ، والحركة. فيستطيع الإنسان العربي أن يقوم بعملية توليد، واشتقاق،وإيجاد ألفاظ لا متناهية من بنية الأصوات ( الأحرف ) العربية، والألفاظ الثنائية، والثلاثية لكل أمر مستجد، مع محافظته على عربية اللفظ الجديد، وانسجامه مع المدلول عليه منطقياً . وعندما أراد الخالق أن ينزل كتابه الأخير (القرآن) الموصوف بالإنسانية والعالمية، والكونية، والخاتمية ؛ كان لابد له من لسان ( لغة ) يتصف بذات المواصفات ليحمل المحتوى القرآني ، ولا يوجد لسان بين الناس يحمل هذه الصفة إلا اللسان العربي ، فنزل النص القرآني به يخاطب كل الناس على مختلف ألسنتهم وألوانهم دون محاباة ولا تفريق بينهم ، ( يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) الأعراف 158 ونزل القرآن وثبَّت صفة العربية للنص القرآني فقال تعالى( نزل به الروح الأمين ، على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين ) ( الشعراء 193-195) ، ونفى عنه صفة الأعجمية بقوله ( ولو جعلناه قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ...) (فصلت 44)، وذكر أن الإنسان الذي تم اصطفاءه ليحمل النص القرآني أيضاً هو عربي في تفكيره ، وسلوكه ، وفطرته ، فقال تعالى ( ولو نزلناه على بعض الأعجمين، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) (الشعراء 198-199)، فنزل النص القرآني بلسان عربي مبين ؛ على إنسان عربي ؛ في أرض عربية، والسؤال الذي يفرض ذاته هو، هل نزل مضمون النص القرآني عربياً أيضاً ؟ والجواب هو من القرآن ذاته قال تعالى( وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ) ( الرعد 37)، فمضمون النص القرآني وبنيته قائمة على صفة العربية ، التي تدل على انسجام و توالف ، وارتباط ، وتناسب أحكام القرآن مع فطرة الإنسان غرائزاً ،وحاجات نفسية ؛ وعضوية، وحركة الإنسان في الكون العربي ، ليتم توافق وانسجام بين الجميع بصورة عربية ( أصالة ، وفطرة ، وتكامل ، وانسجام )، واستنكر الخالق افتراء الذين يقولون : إن النص القرآني كان النبي يتلقاه من إنسان( غيرمحدد)، وليس من الخالق تبارك وتعالى! ، فقال ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) (النحل 103)، يشير الخالق، وينبه إلى مسألة عظيمة جداً ، وهي أن النص القرآني نزل بلسان عربي الذي تضمن الحكم العربي ، وبتلك الصفة (العربية) صار كونياً، وفطرياً، وإنسانياً، تعالى عن الزمان والمكان، ويتحرك وفق السيرورة والصيرورة على نظام الثابت والمتغير، واتصف النص بالحيوية عندما جعل المُخاطَب يشارك في دلالته حسب أدواته المعرفية من خلال إسقاط النص على محله من الخطاب ، وبهذه العملية صار للنص القرآني أفهام وصور نسبية تتراكم مع الزمن في رحلة الإنسان العلمية والمعرفية ؛ أثناء حركته البحثية من خلال سيره في الأرض دراسة وتفكيراً ، ليسير النص القرآني مع العلم والواقع بصورة متلازمة ، حيث يقوم العلم بتصويب دراسة و أفهام الناس النسبية ويرتقي بهم ، ويقربهم إلى النص القرآني أكثر من ما مضى ، (نريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) (فصلت 53)، وظهرت صفة العربية للنص القرآني( لساناً وحكماً ) بمطابقة اللفظ لمحله من الخطاب بصورة فيزيائية ؛ ومنطقية متحركة حسب حركة الكون لا تختلف معه ، أو تقصر في دلالتها ، ومن هذا الوجه أتى الاستنكار الإلهي لمقولة الكفار (لسان الذي يلحدون إليه أعجمي) أيها الناس ألا تفكرون وتفهمون ؟ كيف يستطيع إنسان كائن من كان أن يصيغ نصاً يتصف بالعربية( لساناً وحُكماً ) والإنسان ذاته أعجمي، بمعنى أن صفة العجز والقصور والمحدودية هي لازمة له ، فلا يمكن لهذا الأعجمي أن يصيغ نصاً يتطابق فيه لفظه مع محله من الخطاب( فيزيائياً ومنطقياً ) بصورة حيوية مستمرة وُفق السيرورة والصيرورة على نظام الثابت والمتغير! ، وصفة العجمة( العجز و القصور العلمي) هي لازمة للإنسان جنساً، وليست محصورة بإنسان أو قوم معينين، فالإنسان أي كان مقامه( ولوكان نبياً ( الذي يعيش على الأرض العربية، ويستخدم اللسان العربي في تفكيره، وخطابه وتواصله مع الآخرين (الألفاظ والأحرف )، إنما يستخدمه بصورة قاصرة ينتفي عنه صفة الاستخدام العربي للسان العربي ، بمعنى أنه يستخدمه بصورة أعجمية ، لا يتحقق فيه صفة تطابق لفظه وحكمه مع محله من الخطاب بصورة فيزيائية ومنطقية ، وإنما بصورة نسبية يعتمد في ذلك على فهم المُخاطَب عليه ليسد قصوره في عملية صياغة الألفاظ والكلمات ، وبناء على ذلك نقول: إن النص القرآني انفرد باستخدام اللسان العربي بصورة عربية ، أما سواه فيستخدمون الألفاظ والأصوات العربية بصورة أعجمية( قاصرة ومحدودة )، وكل إنسان بالنسبة للنص القرآني( كائن من كان ) هو أعجمي في استخدام اللسان العربي ، وبذلك ينتفي صفة البرهان والحجة والمصدرية عن استخدام الإنسان للألفاظ العربية وأصواتها شعراً ونثراً وحديثاً، ويُحصر ذلك في النص القرآني فقط ، فهو المصدر الحافظ للسان العربي ، ولا يحتوي في نصه على أي كلمة أو حرف أعجمي ، كما يزعم بعض المفسرين المتأثرين بثقافة أهل الكتاب أنه يوجد كلمات أعجمية في النص القرآني ؛ مثل كلمة إسرائيل ، وسندس ، وإستبرق، وغير ذلك ، فهذا الرأي أعجمي ! ، فجميع كلمات النص القرآني وأحرفه هي عربية لساناً وحُكماً كما أخبر الخالق صاحب النص ( ومن أصدق من الله حديثاً) (النساء 87)، حتى الأحرف التي تأتي في فواتح السور ، مثل ( أ، ل ، م ، ر ) هي أصوات عربية تحتاج للدراسة لمعرفة دلالة استخدامها بفواتح السور ، وما علاقتها بها، لذا، ينبغي على هؤلاء أن يكفُّوا عن إساءتهم للنص القرآني العربي، وأن لا يصفونه بالأعجمية! . فصفة العربية للنص القرآني حُكماً، ولساناً ،وحركة ، تدل على أن صفته الأصالة والفطرة حيث ينسجم مع المنظومة الكونية ويتناغم معها ، وبالتالي نستطيع أن نصف كل حكم غير أصيل ومخالف للفطرة ،ومفسد للبيئة الاجتماعية، والطبيعية بأنه حكم غير عربي !. فكل إنسان ليس عربياً فهو أعجمي قطعاً ، ولا علاقة لذلك بالقوميات، فيمكن أن يكون الإنسان عربياً من حيث المضمون فقط ، بمعنى أن مفاهيمه وسلوكه منضبطة بالفطرة والعلم ؛ ومنسجم مع سنن الكون ، فيصير إنساناً صالحاً على صعيد المجتمع والبيئة ، ولو كان لسانه ينطق بغير اللسان العربي . فالعربية هي صفة ومنهج تعامل مع الواقع ، ومن هذا الوجه نزل القرآن عربي الحكم واللسان ، واتصف بالصفة الإنسانية . ومن هذا الوجه العربي للوجود أخذ اللسان العربي صفته بأنه لسان أصيل فطري ، وهو أم الألسنة ومركزها ، وأخذ صفة العلمية بنشأة أصوات أحرفه بصورة فيزيائية، وتم استخدام هذه العناصر مع بعضها حسب دلالتها في الواقع، فكانت الكلمة العربية هي صورة صوتية لحال ، أو حركة ، أو وظيفة الشيء، الذي هو محل الخطاب، ليصير الواقع هو القاموس المُجَسِّد لدلالات كلمات اللسان العربي ، ونزل القرآن بلسان عربي ، وحكم عربي ، ونظام عربي ، فربط بين الكلمة ومحلها من الواقع ، وضبط مفاهيم وسلوك الإنسان والمجتمع مع حركة ونظام الكون لينتج عن هذه التوليفة الانسجام والتكامل والتناغم بينهم بصورة منظومة كلية واحدة تحكم الجميع .
صفات النص القرآني 1- عربي الحكم والمضمون ( وكذلك أنزلناه حُكماً عربياً ) (الرعد 37. 2عربي الكلمات والألفاظ (نزل به الروح الأمين،على قلبك لتكون من المنذرين ، بلسان عربي مبين) (الشعراء 193- 195. 3- الإنسان الذي نزل عليه القرآن عربي (فطرة وتفكيراً ونُطقاً للأصوات العربية ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) (النحل 103 4- عربي الحركة بصورة مستمرة خلال الزمن والتطور المعرفي للإنسان (قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون ) (الزمر 28. 5 - عربية الدين الإسلامي ، وهو فهم وتطبيق الإسلام من خلال الفطرة،واللسان العربي، والواقع ، والعلم ، والتفكير ، والمجتمع، والإنسانية، منسجما ً مع حركة الكون ونظامه، ليحقق للناس التعايش ، والتماسك ، والنهضة ، يقابله الإسلام الأعجمي (الذي تَدَخَّل الإنسان فيه صنعة) المرتبط بالقومية ،والآبائية ، والأكثرية ، والأنانية ، والنظرة الأحادية ، والفوقية، والإرهاب، واغتيال رأي الآخر، وعدم التعايش معه ...الخ.

مع تحياتي العربية

اجمالي القراءات 41405