المجاز عجز واعتباط في التعبير

سامر إسلامبولي في الثلاثاء ١٣ - يناير - ٢٠٠٩ ١٢:٠٠ صباحاً

                                              المجاز عجز واعتباط في التعبير
المجاز في اللغة الاعتباطية هو تجاوز الحقيقة إلى معنى يفترضه المتكلم، والحقيقة هي الصواب؛ فالمجاز ابتداء هو وقوع في الخطأ، ولا يمكن للخطأ أن يكون بلاغة قط، والمجاز أسلوب في الخطاب يعتمده الناس في تواصلهم مع بعضهم للتعبير عن مقاصدهم، ويعتمدون في فهم المقصد على المتلقي للخطاب ويدعمون مقصدهم بالإشارة والكناية والإيماء، ويقولون المعنى في قلب ا&adil;لشاعر!، ولا يمكن فهم الخطاب المجازي بمعزل عن المتكلم وذلك لنفي الدلالة الحقيقية عنه، التي هي محل تسليم من الجميع، وتُفهم بمعزل عن المتكلم.
واللسان العربي لسان علمي ذو نشأة طبيعية فيزيائية، وقد نزل القرآن بلسان عربي، بمعنى أنه استخدم أصوات اللسان العربي حسب دلالاتها الفيزيائية، وركّب الكلمات منها بتوافق وانسجام في ترتيب الأصوات لتدل على الحقيقة بمعزل عن المتكلم، وذلك من خلال فهم دلالة الأصوات للوصول إلى المفهوم الفيزيائي للكلمة، ومن ثم الانتقال بصحبته إلى الدلالة الثقافية التي تظهر من خلال استخدام المفهوم وفق سياق الجملة أو النص، وإسقاطه على محله من الواقع، وبذلك تظهر تعدد صور الاستخدام الثقافي المعرفي للمفهوم الواحد، بينما اللغة استخدمت ذات الأصوات العربية ( الأبجدية ) ولكن بصورة اعتباطية، ومن هذا الوجه تشابه اللسان العربي باللغة العربية وزاد الأمر سوءاً عندما أخضعوا اللسان العربي (القرآن) لقواعد اللغة العربية، وصار اللسان الأعجمي الاعتباطي حكماً ومعياراً للسان العربي، فضلوا وأضلوا الأمة من بعدهم، ولم تقم لهم قائمة، واستمروا في لغوهم يغوصون في الاعتباطية ويجترونها نثراً، وشعراً، ونظماً، وأدباً، ويظنون أنهم يُحسنون صنعاً.
فالمجاز، وقاعدة اختلاف الألفاظ وتعددها لمعنى واحد، التي اشتهرت خطأ باسم الترادف، كانتا بمثابة فيروساً أصاب اللسان العربي ونخر فيه، ومنعه من الحركة العلمية، وخاصة أن أهل الاعتباط انطلقوا من أن أصوات اللسان العربي لا معنى لها، وهي اعتباطية في نشأتها، ولك أن تتصور الكارثة التي أصابت اللسان العربي نتيجة هذا الرأي الاعتباطي بقواعده اللغوية الترادف والمجاز، ما أدى إلى ظهور لغة عربية مقابل اللسان العربي، ونتج عن لغو الأمة التخلف والانحطاط لأنهم جعلوا الشعر والنثر والتراث الذي قام على اللغة العربية الاعتباطية مصادراً تحكم اللسان العربي (القرآن)، أي الاعتباطي يحكم العلمي، فالأمر على درجة من الخطورة والأهمية، وهي مسألة مصيرية نهضة أو الغوص في وحل التخلف والانحطاط.
إن النص القرآني نزل بلسان عربي، واللسان العربي هو صورة صوتية لحركة الكون، ومنضبط بذات القواعد والقوانين، مثل الثابت والمتغير، والثنائية والتطور، والنمو والحركة، واختلاف العناصر والأحداث في الكون أدى إلى اختلاف دلالة الألفاظ التي تصور الحدث في اللسان، وظهرت قاعدة ( اختلاف المبنى يؤدي إلى اختلاف المعنى ضرورة) وبما أن أحداث الكون وظواهره حقيقية، وليست وهماً، انعكس ذلك على اللسان العربي، فكانت ألفاظه تمثل الحقيقة لا وجود للوهم ( المجاز) فيه، وما المجاز إلا نوع من الوهم خلاف الحقيقة، لذا؛ انتفى عن اللسان العربي( القرآن) وجود المجاز، والمجاز صفة للغة الناس، وذلك ناتج عن قصورهم وعجزهم لتصوير الحقيقة بألفاظهم.
والأدلة التي يسوقونها من القرآن لإثبات المجاز هي خطأ في الفهم والاستدلال، وما ينبغي أن يكون في اللسان العربي (القرآن) مجازاً، لأن حصول ذلك هو وجود الوهم والظن والخيال في النص القرآني، وذلك ينقض صفة الإحكام والحقيقة، وينفي عنه النظام، ويفتح باب الاعتباطية، ويترك تشكيل المعنى لكل قارئ حسب تصوره وتخيله دون ضابط، ولا يكون فهم أحد حجة على آخر، وبالتالي يتفرغ النص القرآني من مفاهيمه، ويصير نصاً لغوياً اعتباطياً، وتصح المقولة التي يستشهد بها أهل الاعتباط ( القرآن حمال أوجه)وينتفي عنه صفة الحكمة، والإبانة، والعربية.
انظر إلى أهم الأدلة التي ساقها أهل الاعتباط للاستدلال على وجود المجاز في القرآن:
1- (واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ) يوسف (82)
فقالوا : أي أهل القرية وليس الجدران، وهذا مجاز في الاستخدام.
والصواب أن كلمة (قرية) لا تطلق على المكان مجرداً، وإنما لابد من وجود السكان فيها، فهي تدل على موقع جغرافي اجتماعي، وكذلك كلمة( عير) فهي غير كلمة( بعير)، وأقبلنا فيها غير أقبلنا عليها، انظر إلى قوله تعالى:
- (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها..) الإسراء ( 16)
- (وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ..) القصص (58)
- ( ونجيناه من القرية التي كانت تعمل الخبائث)الأنبياء (74)
ودلالة (القرية) غير دلالة (أهل القرية) انظر إلى قوله تعالى:
- (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء) العنكبوت (34)
- ( قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية ) العنكبوت(31)
2- (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى )الإسراء (72)
قالوا : إن صفة العمى في الدنيا مجازية، ويقصد بها الضلال والضياع والانحراف عن منهج القرآن.
والصواب أن كلمة العمى تدل على نفي وجود النور وإحلال محله السواد الذي يغطي الأمور، ويكون ذلك في الواقع بصور متعددة ابتداءً من عمى النظر العيني إلى عمى البصيرة ، انظر إلى قوله تعالى:
- (وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم) النمل (81)
- (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا)الفرقان ( 73)
- (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب ) الحج (46)
3- ( يد الله فوق أيديهم) الفتح (10)
قالوا : إن كلمة اليد هي جارحة وتطلق على الله مجازاً، ويقصد بها القدرة.
والصواب أن دلالة كلمة يد تدل على القدرة والقوة و السيطرة والإمكانيات والأدوات، ويكون ذلك في الإنسان ومن مثله متحققاً في جارحة لامتلاكه لها، بينما الله عز وجل ليس كمثله شيء، فنثبت المفهوم الحقيقي لدلالة كلمة اليد فقط دون تخيل لجارحة لأنها أداة المخلوق،انظر قوله تعالى:
-(إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح) البقرة(237)
-( وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته)الفرقان (48)
- ( يا إبليس ما منعك ألا تسجد لما خلقت بيدي) ص (75)
-( والسماء خلقناها بأييد وإنا لموسعون)الذاريات (47)
والنص القرآني استخدم التمثيل والتشبيه نحو قوله تعالى: ( كمثل الحمار ) الجمعة(5)، ( كمثل الكلب )الأعراف (176)، (أولئك كالأنعام ) الأعراف (179) وهذه الكاف معروفة بأنها كاف التشبيه، ولا تفيد التطابق بين الاثنين بخلاف لو أزلناها وقلنا: زيد حمار أو كلب، فهذا يدل على أن زيداً نفسه حماراً، والواقع خلاف ذلك، فزيد ليس حماراً ،مما يعني أن هذه المقولة باطلة من حيث الواقع، ولا يصح استخدامها، لذا؛ لم يأت هذا الاستخدام بالنص القرآني قط، وإنما أتى أسلوب التشبيه المحدد بصفة (كمثل الحمار يحمل أسفارا)، ولو انتفى التحديد لانتفى التشبيه لاحتماله أكثر من صورة، فهل هو كالحمار بصبره أو ببلادته؟ فأسلوب التشبيه المحدد هو للصفات وليس للذوات، وبالتالي هو مفهوم حقيقي وليس مجازاً، ولا يصح الإتيان بغير الخطاب القرآني شاهداً أو برهاناً، لأن كلام الناس كائناً من كانوا لا يخلون من العجمة في خطابهم لزوماً.

اجمالي القراءات 23919